الصفحة الرئيسية » مقالات » خلافيات مصنوعة

خلافيات مصنوعة

خلافيات مصنوعة

الحمدلله الواحد القهار العزيز الغفار،mمصرف الأمور كيف يشاء ويختار،mأحمده على كل حال، ونعوذ به من حال أهل النار، وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له المحيط بالأسرار وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صفوة العالم المختار … اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه آناء الليل والنهار…
أما بعد…
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، واجتناب نواهيه و زواجره… قلنا وسنقول، ولن نبرح قائلين لا نريد إشغال الأمة بخلافيات مصنوعة، تفرق الأمة، وتوهن عزمها وتبدد جمعها… ولا زلنا نقول… نحن لا نرفض النقاش… ولكن نرفض أن يتحول النقاش إلى إرهاب فكري… يتحول فيه المخالفون إلى خصوم، والأحكام إلى اتهام… إذ الحاصل أن المخالف ما إن يدلي برأيه حتى يتبرع بإدلاء من له دلو ومن لا دلو له… جهله في المسألة عجيب… ومديحه لعلاماته أعجب… وحين أقول خلافيات مصنوعة، لأنها تتعدى كونها نقاش علمياً في مسألة علمية، إلى طعن واستهزاء، وخبط عشواء لآراء… لأن النقاش العلمي يقوم على تحرير المسألة، لا على تحريفها… والوصول إلى الحق بما أريد… لا على الوصول بالحق لما أريد… أي أنني أناقش لإحقاق الحق لذات الحق… أما أن أناقش لأري رأيي، وأخالف بقولي فهذا الخلاف المصنوع المذموم… وهذا الخلاف يراد به الظهور على الخلق لا الرغبة في إظهار الحق… لماذا؟! لأن من كان الحق طلبته لا يهمه أن يظهر الحق على لسانه أو لسان غيره… وفي ذلك يقول الإمام الشافعي المطلبي: “وددت لو أن هذا العلم انتشر ولم يعرف صاحبه”… انتهى…
وأما راكب الحق فيكفيه باطلاً أن يصل إلى باطله بامتطائه الحق… وهو عين ما قال سيدنا علي رضي الله عنه للخوارج: “هذا حق أريد به باطلاً .”
ولا يتصنعن أحد الورع ويقول هذا طعن في النوايا”… قال تعالى:”يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم”… ولم يقل اجتنبوا الظن، إن الظن إثم… فبعض الظن إثم وبعضه حسن، كلٌّ في مكانه… وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: “من الحزم سوء الظن”…
وكيف لا نظن… والأقوال تحرف… والنصوص تجتزئ… ويطعن في الإجماع… ويهمش قول الجماهير، ويؤخذ بقول الواحد… فذلك ما لا يتسع متصنع الورع… ولا لملتمس عذر بل ذلك ضرب من الغفلة… وإغراب في التغفيل… ومن غريب ما يستدلون به على غلط غيرهم، وصواب رأيهم، مقالة مالك رحمه الله: “كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر”… يستدلون به على أن الخطأ عرضة للجميع… وهذه شنشنة أعرفها من أخزم… وهذا حق… فإذا أسيء استخدامه أفضى إلى باطل… كقولهم… هل البخاري أو أحمد أو الشافعي أو أمثالهم منزهون عن الخطأ؟! ولا حاجة للإجابة بالإقرار… ولكن هل نسبة الخطأ عند هؤلاء كنسبة من تحتجون به لكلامكم…؟! بل أحمق من هذا قول البعض… نحن اليوم نستخدم الحاسوب وهو أقدر على الإحاطة بما لم يحط به الأولون… ونقول… سبحان الله دلونا بربكم على شيخ حاسوبكم الذي تلقى على يديه مدمجاته وأقراصه وأزرار اختياراته… فهو أحرى بأن تعمل له المطي…
وبعد…
فالعلماء أمام هذا الواقع أربعة…

قابع في بيته… منقطع إلى كتبه… وحاله حال القائل:
لم يبق شيء من الدنيا يسر به** إلا الدفاتر فيها الشعر والسمر

وثانٍ: ممسك للعصا من وسطها ينتظر من يتبرع عنه بالكلام رغبة برضى الراضين، ورهبة من سخط الساخطين..

وثالثُ: عالم مجازا، جاهل على الحقيقة، ليس له من العلم إلا اسمه، ولا من اللقب إلا رسمه، فهو يصول ويجول في حقه المزعوم وعلمه الموهوم… لا هو في عير العلم ولا نفيره… ولا من أهل قافلته أو مقاتلته…
ورابعُ: عالم على الحقيقة، عامل بعملها… تحمل تلكأ الأوْليَيْن… فحمل أمانتهم متبرعا للرد على حماقة الثالث…

وفي هذا نقول للأول… لو انقطع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى دار الأرقم… أو بقي في غار حراء لما جاوز الإسلام مكة… بل لم يجاوز دار الأرقم.. قال تعالى: “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته”…
وللممسك بالعصي، نقول.. ألق عصاك.. وقولوا للذين تخطبون ودهم وتخشون قولهم… ماجئتم به الجهل.. وأما الثالث: فلا يرجع إلينا قولا…حتى نملك له نصحا أو رشدا.
وأما الرابع.. فنبشره بقوله: “لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك…”.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم… أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم….

خطبة الجمعة 30 ربيع الأول 1427 هـ…28 أبريل 2006 م

للشيخ / حمد السنان