الصفحة الرئيسية » مقالات » رُبَّمات

رُبَّمات

ربمات

الحمدلله الواحد القهار، العزيز الغفار، مصرف الأمور كيف يشاء ويختار، أحمده على كل حال، ونعوذ به من حال أهل النار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له المحيط علما بالأسرار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صفوة العالم المختار، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه آناء الليل والنهار..

أما بعد.. فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته واجتناب نواهيه وزواجره.. طالعنا قبل أيام، وما أكثر ما يطالعنا به المتفيهقون.. طالعنا أحدهم بمقالة غريبة أغرب منها قائلها… بعدم سنية صوم الست من شوال مدعيا كراهة ذلك وبدعيته… وقام طائفة من أهل العلم بالرد على مقالته.. ثم توجت وزارة الأوقاف هذه الردود برد حجزته به وأمثاله في أقماع السمسم.. فقطعت بمقالها مقالة كل قائل وقول كل خطيب… وإني لأرجو أن يكون موقفها في كل مرة من هؤلاء المتفيهقة متسما بهذا الوضوح ومبينا بهذه الإبانة.. فهؤلاء لا اصفرار لوجوههم وجلا ولا احمرار لها خجلا حتى تلمح لهم الوزارة في ردودها أو تلوح…

فالتلميح والتلويح لغة اللبيب، وأما البليد فلا لغة يفهمها إلا التصريح والتقريع… وقد كنت أعددت ردا لصحيفة من الصحف للرد عليه… وإذا برد الوزارة يذهب عندي ببهاء ردي.. ويشفي مكنون صدري.. ويكبح جماح يراعي… فأثرت تغيير المضمار من الحرف المقروء في الصحيفة إلى الحرف المسموع في الخطبة.. ولا أدعي سبقا، ولكن حسبي أن أكون بركاب المتسابقين… فاسمعوا مقالتي..

أقول عندما تدك الأمة بالبذل.. ويفرقها العدو بالباطل.. ويتناوشها أعداؤها من كل حدب بالتمزيق… يبكي المرء ضاحكا.. ويضحك باكيا حينما يطالعه أمثال هؤلاء بمثل هذه القالة.. و يتبرع مشكورا من العدو بالمساهمة في تمزيق الكلمة وبلبلة الأمة ويعجب الواحد منا من تبلد أحاسيس هؤلاء عن مشاغل الأمة بالانشغال بمثل هذه الأمور.. فمرة يبدعون سنية العشرين ركعة في التراويح.. وثانية كراهية صيام الست من شوال… وأخرى لا أخيرة عدم شرعية العمرة بخصوص رمضان مخالفين في ذلك الإجماع والأحاديث الصحيحة الصريحة وعمل الأمة…

وهكذا عبثا بالثوابت.. ونقضا لعرى الإسلام.. والذي يفعل ذلك ويجرأ ويُجرٌأ عليه العامة لا نجد لحسن النية والتماس العذر له من سبيل… إلا أنني سأتعسف في التماس العذر واعتبار حسن النية مصطحبا الأصل.. طارحا للشك فأقول… ربما يريد هؤلاء الاتباع… أو ربما يريدون إزالة اللبس من اعتبار الست من شوال فرضا يلحق برمضان… أو ربما يريدون ترغيب المسلمين في الصيام طيلة العام وليس الاقتصار على شوال دون غيره من شهور العام… أو ربما يريدون التوسعة على المسلمين بتبني أكثر من رأي… وها أنا أناقش هذه الربمات… وأولها:ربما يريد هؤلاء الاتباع…

فأقول.. الاتباع مطلوب كطلب ترك الابتداع… ولكنَ الاتباع لا يتحقق إلا باتباع جماعة المسلمين من خلال أقوال المذاهب المعتبرة.. فإذا خالف ماعليه الأمة.. كان مخالفا لسبيل المؤمنين… مفارقا لجماعتها لا متبعا لسنتها… ثاني الربمات: ربما يريدون إزالة اللبس خشية أن يعد العامة الست من شوال فرضا يلحق برمضان… وأٌقول ومن أين سيأتي اللبس والشريعة قد استقرت والأحكام قد أحكمت والأمة قد أطبقت… أتراها أشكل عليها مايكون عند هذا الكاتب وأمثاله جليا… ثالثها: ربما يريدون ترغيب المسلمين في الصيام طيلة العام خشية الاقتصار على شوال دون غيره في الصيام… وأقول ذلك مقصد جميل إلا أنه يشترط فيه أن يجهل المسلمون فضل صيام الاثنين والخميس والأيام البيض وعرفة وعاشوراء…

لكنني لا أرى الجهل قد أطبق على المسلمين وبلغ بهم هذا المبلغ حتى يخشى هؤلاء على المسلمين هذه الخشية الساذجة التي لا مبرر لها إلا جهلهم لا جهل المسلمين… رابع الربمات وآخرها: ربما يريد هؤلاء التوسعة على المسلمين… وهذا مقصد أجمل من سابقه.. إلا أن التوسعة على المسلمين باب لا يلج منه أدعياء العلم وصبيان الكتيبات… لان التوسعة على المسلمين تفتقر إلى العلماء الذين استبطنوا الفقه والأصول.. وعرفوا سقيم الحديث من صحيحه.. ونصه وظاهره.. وأحاطوا بخلافيات المذاهب.. والمعتبر من الأقوال.. وحفظوا مواطن الإجماع..

وأنى لهؤلاء الناعقة ذلك.. وأنهم لما يتموا قراءة كتاب بدءوه… وبعد وإذ تبين لنا عور هذه الربمات لم يبق لنا إلا الأخذ بالظاهر من حبهم للمخالفة رغبة في الظهور.. ظهور أشبه بخشبة مغمورة في نهر جارف تظهر حينا ثم لا تلبث أن يصيبها الغمر … ثم لا تلبث سريعا حتى تصير في القاع… روى مسلم في صحيحه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم… أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه…