الصفحة الرئيسية » مقالات » قصة حب

قصة حب

أيها المحب….
نبض حديثي مقبل عليك وسر كلماتي أبثُّه إليك، وذاك لأن مثلك قد ذاق لذة الحب من قبل، فمثلك أفهم لمثلي …
و من ذا الذي لم يذق طعم الحب في حياته، كلنا ذاقه وكلنا أدرك أن هاتين الكلمتين يحيا بهما الكون أجمع، أي شيء أجمل من الحب
فالحاء (حنان، حنين، حماية، حرقة، حسنٌ )
والباء ( بريق العيون ، برد العيش ، بسمة الشفاه ، بياض القلب)
حرفان جمعا الجمال أجمع، حرفان قلب بهما البخيل كريما، والجلف ليِّنا، والبعيد قريبا

فسبحان من جمع الحسن في حرفين ، وسبحان من جمل الأطباع بحرفين.
فالحاء قد خرج من الحلق و الباء خرج من الشفتين فكأنما هذان الحرفان جمعا شمل كل الحروف بين بعدهما، ما أرقهما وما أعذبهما وما أحوج الخليقة لهما ….

أيها المحب …
أقبل لأحكي لك أجمل و أروع ((( قصة حب))) سطرها الوجود بدأت هذه القصة من قوله تعالى
( فإذا سوَّيتُه ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)

أوجدك و لم تكن شيء مذكورا، لم تكن شيئا أبدا، خلقك من عدم ، ثم أمر الملائكة المطهرين المسبحين ليل نهار أن يسجدوا لجنسك ، أحبك وكرمك من أول وهلة أوجدك فيها ثم بعد ذلك سخَّر الخليقة والكون كله من مجرة وملكوت وشمس وقمر ونجوم وبحر وأرض كلها لخدمتك ،جعلها مذللة معبدة لأجل أن تسكن نفسك ويطيب عيشك

خلق لك البهائم والحيوانات بكل أشكالها منها ما يذكِّرك بربك ومنها ما تتغذى به ومنها ما تتمتع بجماله فتقرَّ عينيك، ثم جعل لك ملائكة تستغفر لك
قال تعالى (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض)
وقال: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
بعد كل هذا الإنعام والتفضل لم يتركك تبحث عن من أوجدك أو تسأل نفسك مع أن الأمر واضح بين انك أيها العبد الضعيف لست إلا مخلوقا لخالق عظيم أوجدك وأوجد هذا الكون كله معك ولكن لأنه يحبك أرسل لك رسلاً تدلك عليه من خيرة الخلق وارحمهم وأشرفهم وأسمحهم حتى لا تنفر نفسك منهم
وأنزل معهم كتبا ومعجزات تؤيدهم حتى لا ترتاب مما جاءوا لأنه لا يريد لك إلا الهداية له والإقبال عليه لتعرفه فتدرك أن لك ربَّاً أوجدك ،إلهاً ودوداً يحبك
يريدك أن تهتدي إليه فتقبل عليه فإذا عرفته وأقبلت عليه نازعتك نفسك بما فيها من شهوات إلى ما تحب وهي تعلم أنها بتلبيتها لشهواتها تخالف المحبوب الأعظم

ومع كل ذلك وبعد كل هذا الإنعام والإكرام والحب تجحد مولاك وتنساه وتنقاد خلف هواك وهو يراك فيعطيك شهوتك ويمتعك بمعصيتك ويحرسك من أعين الناس ويستر عليك فيعاملك باسمه الستِّير وما تزال تكرر الذنوب ذنبا يتلو الآخر وهو يراك ويرعاك
هل تعلم لم هو يستر عليك و يرعاك رغم كل عصيانك؟؟

لأنه سبحانه يعاملك باسمه الحليم ، حتى إذا ما رآك قائما على الذنوب دعاك إلى رحمته فجعل لك نفحات من رحمته لعلك تتعرض لها
ينزل تبارك وتعالى في كل ليلة نزولاً يليق بجلاله فيقول هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له

جعل لك ساعات تجاب بها الدعوات لعلك تنتبه لها وتلتفت إليها فإذا كنت غافلاً عن هذا جعل لك في كل جمعة باب بيته مفتوح لتقبل على النداء وتسمع ذكره علك ترجع فإذا ما زلت بعيدا سخَّر لك من عباده من يذكرك به ويدلك عليه

فإذا أعرضت جعل لك مواسم في السنة كرمضان والحج والأشهر الحرم مواسم عظيمة جليلة تتجلى فيها نفحات الله تعالى لعباده حتى يتوبوا ويئوبوا فإذا تابوا عاملهم باسمه التواب فتاب عليهم

ولا يزال يربِّيهم يسمعهم ما يحتاجون له ويريهم ما يزكيهم ينقلهم من حال إلى حال ليبتليهم فيرقيهم ويربيهم فيمنحك بتربيته سبحانه الصبر والحكمة وسعة الصدر هكذا يعاملك باسمه الرب، إله جميل بأسمائه وأفعاله وذاته ليس كمثله شيء ذو الجلال والإكرام

وأنت أيها العبد الفقير الضعيف كل ما أنت فيه اليوم من إيمان ليس لك فيه أدنى فضل ولكن الله تعالى رباك بتربيته وزكاك بتزكيته ثم ابتلاك وانتزع منك بعض ما أعطاك أتعلم لم ؟
لتعرف أيها العبد الفقير قيمة نفسك وانك ليس لك من الأمر شيء فلا تظن في نفسك الصلاح والعصمة
هو الذي عصمك وهو قادر على أن يسلب منك ما وهبك في أي لحظة ، فهو لما ابتلاك ببعض ما كان قد أعطاك لتعلم أنه منه وليس منك ولتبقى قريباً منه داعيا له مستعينا به في كل لحظة من لحظات عمرك أن يمدك بمدده وان لا يكلك إلى نفسك حتى ترى الدنيا بنوره ويملئ قلبك حبه فلا ترى في الكون سواه فيخلص قلبك من كل المحاب دونه فلا يتعلق القلب بغيره

حتى إذا ما اشتعل نور الحب في قلبك اشتعل الشوق إليه فصار هو مفزعك في كل صغيره وكبيرة تعيش برعايته تسأله فيعطيك تستخيره فيهديك تستعين به فلا يتركك أبدا، يأخذ بيدك

تتقرب منه شبرا فيتقرب منك ذراعا تتقرب منه ذراعا فيتقرب منك باعا تأتيه ما شيا فيأتيك هرولة تشتاق إليه وهو أشد شوقا إليك.

سبحانه من إله عظيم ذى رحمة واسعة وواصلة وما زال يعطيك حتى يرضيك وما يزال يمدك ويكرمك حتى ترى أن ليس في الدنيا غيرك ((أنت وربك)) ، وما يزال يستخدمك في طاعته ورحمته حتى يكون سمعك وبصرك ويدك

لأنه أحبك فجعل كل الخلائق تحبك ، هكذا تعيش بحبه والشوق إليه، ولن تقر عينك حتى يمتنَّ عليك برؤيته في جنته ، فلا ترى بعدها لذة أعظم من لذة النظر إلى وجهه الكريم .
فسبحان الله العظيم.
ليس العجب من فقير يتحبَّب ولكن العجب من غني يتودَّد.

إلهي ….
أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد
وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد
وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد
وأنا الغريب الذي وصلته فلك الحمد
وأنا الصعلوك الذي موَّلته فلك الحمد
وأنا العزب الذي زوجته فلك الحمد
وأنا الساغب الذي أشبعته فلك الحمد
وأنا العاري الذي كسوته فلك الحمد
وأنا المسافر الذي صاحبته فلك الحمد
وأنا الغائب الذي أدَّيته فلك الحمد
وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد
وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد
وأنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد
وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد
فلك الحمد ربنا حمداً كثيراً على حمدٍ لك
اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك وحب من ينفعني حبه عندك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.