الصفحة الرئيسية » مقالات » مدى حجية خبر الواحد في العقيدة ، وتقسيم المسائل المتعلقة بالعقيدة إلى خمس درجات

مدى حجية خبر الواحد في العقيدة ، وتقسيم المسائل المتعلقة بالعقيدة إلى خمس درجات

مدى حجية خبر الواحد في العقيدة
وتقسيم المسائل المتعلقة بالعقيدة إلى خمس درجات

العمل بخبر الواحد في الأحكام العملية مما أجمع عليه علماء الأمة ولم يخالف فيه أحد من علماء الإسلام من حيث إنه خبر واحد، والمقصود هنا الكلام على العمل بخبر الواحد في المسائل الاعتقادية، فإنه قد طال كلام العلماء حول هذه المسألة، ولم أر أحدا حقق المسألة وحررها على الوجه المرضي، فنقول -وبالله التوفيق-:
قد شاع بين علماء الكلام أن خبر الواحد ليس بحجة في المسائل الاعتقادية، والجمهور الأعظم من العلماء على أنه حجة فيها.
وتحقيق المسألة يحتاج إلى تفصيل: وهو أن مسائل الاعتقاد منقسمة إلى خمسة أقسام:
1- ما يكون عدم العلم به موجباً للكفر: مثل وجوده تعالى ووحدانيته وصفاته الذاتية.
2- ما يكون إنكاره موجباً للكفر، وعدم العلم به موجباً للإثم: مثل قدم الباري تعالى وحدوث ما عداه من العالم، فإن الإنسان بعد اعتقاده بوجود الله تعالى، ووحدانيته، وصفاته الذاتية، لو لقي الله تعالى خالي الذهن عن الحدوث والقدم في حقه تعالى وفي حق العالم، يكون مسلما، لكنه آثم بعدم العلم به، فيجب عليه أن يعتقد القدم في حقه تعالى، والحدوث في العالم، كي لا يعتقد العكس عند دخول المسألة تحت ملاحظته فيقع في الكفر.
ومن هذا القبيل معظم العقائد الثابتة بالدلائل القطعية الثبوت القطعية الدلالة من الكتاب والسنة المتواترة، مما قد يخفى على بعض العوام. وهذا القسم من العقائد لا يصح الاستدلال عليه بخبر الواحد لأن المطلوب فيها اليقين وخبر الواحد مفيد للظن.
على أن هذا القسم من أجل ثبوته بالدلائل القطعية من الكتاب والسنة المتواترة لا حاجة في إثباته إلى أخبار الآحاد.
3- ما يكون إنكاره بدعة غليظة وجهله إثما: وذلك ما هو ثابت بظواهر الكتاب والسنة المتواترة أو المستفيضة مما تلقته الأمة على ظاهره بالقبول، فهذا إنكاره بصرف النصوص عن ظواهرها، وتأويلها على خلاف ما تلقاه السلف بالقبول بدعة غليظة، وربما يكون كفراً إذا كان ما تلقته الأمة بالقبول مجمعاً عليه معلوما من الدين بالضرورة.
4- ما يكون إنكاره إثماً وبدعة خفيفة، وجهله معفواً عنه: وذلك ما ثبت بالآحاد الصحيحة غير المستفيضة مما يخفى على أكثر العوام وعلى بعض الخواص، مما لم تتعارض فيه الدلائل المتكافئة من الكتاب والسنة.
5- ما تعارضت فيه الدلائل المتكافئة – بحسب الظاهرة – من الكتاب والسنة ومن أجل ذلك وقع فيها الاختلاف بين علماء الأمة.
فما كان من هذا القسم الأخير فأمره عفوٌ بمعنى أنه لا يحكم فيه بحكم عام، بل هو من مسائل الاجتهاد والتقليد.
وهذا التفصيل لم نجده في كلام أحد من العلماء بهذا الوجه، لكنه مقتضى الدلائل الشرعية، ومأخوذ من تصريحات العلماء ونصوصهم.
وبهذا التفصيل نجمع بين الخلاف في خبر الواحد، هل هو حجة في مسائل الاعتقاد أم لا؟
فيحمل كلام من قال: إنه ليس بحجة على أن مخالفته وعدم اعتقاد مقتضاه ليس بكفر، لأن ثبوته ليس بقطعي فلا تكون مخالفته رداً لقول الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وإنما هو لعدم الوثوق بالرواة، إلا أن يكون رده بعد اعتقاد أنه كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ويكون بدون تأويل له، فرده حينئذ كفر، ولا أعلم أنه يخالف ما قلناه أحد من العلماء، فإنا نرى المتكلمين الذين نسب إليهم عدم الاستدلال بخبر الآحاد في العقائد كثيراً ما يستدلون به فيها، ولا سيما في قسم السمعيات من العقائد، كما لا يخفى على من له إلمام بكلامهم.
قال عبد الحي اللكنوي رحمه الله تعالى ([1]):
قد صرحوا بأن أخبار الآحاد وإن كانت صحيحة لا تكفي في باب العقائد، فما بالك بالضعيفة منها، والمراد بعدم كفايتها أنها لا تفيد القطع، فلا يعتبر بها مطلقا في العقائد التي كلف الناس بالاعتقاد الجازم فيها، لا أنها لا تفيد الظن أيضا، ولا أنها لا عبرة بها رأسا في العقائد مطلقا، كما توهمه كثير من أبناء عصرنا. ثم قال: قال التفتازاني[2] في بحث عصمة الملائكة: وما يقال إنه لا عبرة بالظنيات في باب الاعتقاد، فإن أريد أنه لا يحصل منه الاعتقاد الجازم، ولا يصح الحكم القطعي به فلا نزاع فيه، وإن أريد أنه لا يحصل الظن بذلك الحكم فظاهر البطلان، انتهى.
فهذا التفتازاني وهو من أئمة الكلام صرح بما قلته.
ويحمل كلام من قال إنه حجة على أنه – بعد ثبوت صحته بدون معارض ولا صارف له عن ظاهره – يجب اعتقاد مقتضاه على وجه الظن أو على وجه العلم إذا كان مقرونا بقرائن يفيد معها العلم.
وأن عدم اعتقاد مقتضاه بعد العلم به وبصحته وعدم اقترانه بقرائن يفيد معها العلم موجب للإثم والبدعة، وهذا أيضا مما لا أظن أن أحداً من العلماء يخالف فيه.
ثم إنه مما ينبغي التنبيه عليه أن أصول العقائد مثل التوحيد، وصفات الله، والرسالة، والبعث، وجزاء الأعمال، والجنة والنار، قد تكفل القرآن ببيانها، وركز على بيانها أكبر تركيز، وفصَّل القول فيها وكرره وأوردها مقرونة بدلائلها العقلية التي تضطر العقول إلى قبولها والجزم بها.
وما ورد من الأحاديث في بيانها، فإنما هي مؤيدة للقرآن ومقررة له، أو موضحة ومفصلة له، أو من جزئيات ما ورد فيه.
فلم يبق من العقائد ما يكون العمدة في الاستدلال عليه أخبار الآحاد إلا العقائد التي ليست من الأصول، وهي التي لا يكون اعتقاد ما يخالفها موجباً للكفر. والله سبحانه وتعالى أعلم

——————————————————————————–

[1] ظفر الأماني: (222-223)

[2] “شرح المقاصد”.