الصفحة الرئيسية » مقالات » منزلة الشباب فى الإسلام – القسم الأول

منزلة الشباب فى الإسلام – القسم الأول

منزلة الشباب في الإسلام
القسم الأول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالشباب مرحلة مباركة من عمر الإنسان، وهي منحة ربانية تستوجب شكر الرحمن سبحانه وتعالى، ولهذا كان بقاء الشباب أمنية كل إنسان، ولقد عبر عنها الشاعر بقوله:
ألا ليت الشباب يعود يومًا***لأخبره بما فعل المشيب
والشباب روح الأمة، ومصدر طاقتها، وبصلاحه تقوى الأمة وتسعد، وبشقائه تذوي وتذبل، ولهذا نرى خصوم الإسلام يسعون جاهدين للكيد بالشباب المسلم حتى يغدوا عالة ضعفاء، وقد مزق اللهو أجسادهم، والشهوات قلوبهم، والجهل عقولهم؛ فتنمو أجسادهم، وتضمر مداركهم، والقوي منهم يوظف طاقته بما لا يعود على دينه وأمته بالخير؛ إلا من رحم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولعلي بهذا البحث أن أسهم مع الذين أسهموا في إيقاظ الراقد من الشباب، ودفع الناهض إلى الأمام، والله هو المستعان في ذلك كله، ويتناول البحث النقاط التالية:
أولاً _ تعريف الشباب.
ثانيًا _ فضل الشباب المسلم.
ثالثًا _ مدى حرص الإسلام على الشباب.
رابعًا _ واجب الشباب نحو شبابهم.
خامسًا _ موقف أعداء الإسلام من الشباب المسلم.
سادساً _ شباب يقتدى بهم.

أولاً _ تعريف الشباب:
يكون الإنسان(1) صبيًّا إلى العاشرة، ثم هو ناشئ، ثم إذا كاد يبلغ الحُلُم أو بلغه فهو غلام _ ويقال: يافع ومراهق _ ثم هو فتى وشارِخ _ وهو أول الشباب _ إلى الأربعين، ثم هو كهل إلى الستين. ثم(2) هو شيخ، ثم هو هَرِم.
و(شبَّ: الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشيء وقوته في حرارة تعتريه. من ذلك: شبت النار _ أو الحرب _ شبًّا وشُبوبًا… وشب الغلام شبيبًا وشَبابًا… وشب الفرس شِبابًا: إذا نشط ورفع يديه جميعًا… والفتى: الشاب. والفتاة: الشابة. وأحد أصلي الفاء والتاء والحرف المعتل [ فتى ] يدل على طراوة وجِدَّة… والشباب _ والشبيبة _: جمع شابٍّ، وهو النماء والزيادة بقوة جسمه وحرارته)(3). فالشباب يقوم على نمو الجسد، وحرارة الدافع.
وبحرارة الإيمان يمتاز الشباب المسلم عن غيره، وإذا فقد الشاب حرارة الإيمان فإن قواه الجسدية ستخضع لمحرك يدور بحرارة الشهوة والغريزة كشِباب الفرس؛ قال الله تعالى: “يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوًى لهم “.

ثانيًا _ فضل الشباب المسلم:
أ _ الشباب يستظلون في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله:
عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _، عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ:… وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ…”(4).
وهنا لا بد للشباب أن يعوا معنى العبادة التي استأهلوا بها هذه الحفاوة الربانية؛ فالعبادة في اللغة تعني: الذل أو الخضوع؛ ومنه قول موسى عليه السلام لفرعون _ اشتد غضب الله عليه _ كما جاء في القرآن الكريم: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ)(الشعراء:22). أي أذللتهم، وهو ما حمل فرعون على ادعاء الألوهية تارة، والربوبية تارة أخرى _ تعالى الله عن إفكه علوًّا كبيرًا _؛ فقد قال الله سبحانه عن فرعون: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص: من الآية38). وقال عنه أيضًا: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الإعْلَى)(النازعات:24).
فذلُّ الرعية وخضوعها يكون عادة السبب أو المقدمة لادعاء الطواغيت الألوهية.
فعبادة الله جل جلاله تعني خضوع العبد وذلَّه المطلق لله رب العالمين بحيث لا تعلو كلمة أحد على كلمته جل في علاه، وأعني بكلمة الله أمره ونهيه. وحتى لا يُخلَط خضوع العبد باستكباره أمره الله سبحانه بالانحناء له راكعًا وساجدًا، وعد الركوع أو السجود لغيره شركًا به سبحانه وتعالى. فالصلاة أمارة محسوسة وظاهرة على خضوع العبد لخالقه جل في علاه. وهناك أمارات خفية للخضوع كخضوع العقل والقلب موحدًا ومحبًّا.
هذا وليعلم الجميع أن فريضة الصلاة واحدة من كلمات الله، وعليه فينبغي أن ينظر إلى باقي كلمات الله _ أعني كما تقدم أمره ونهيه _ كما ينظر تمامًا إلى الصلاة بالخضوع ذاتِه، والذل عينِه، فكلمة الله في اعتقاد المسلم الحقِّ تعلو ولا يعلى عليها.
وإذا كان راعي البيت لا يرضى أن تكون كلمته في بيته هي الدنيا أو السفلى؛ فكيف تطيب نفسه إذا لم تكن كلمة الله في أرضه هي العليا، وصدق الله القائل: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)(الأعراف: من الآية54). وصدق النبي _ صلى الله عليه وسلم _ القائل: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”(5).
ومعلوم أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ ما أمر بهجر الديار إلا لإعلاء كلمة الله؛ فالله تعالى يقول: “(إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة:40).
فالشاب الناشئ في عبادة الله عز وجل، والذي هو في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله لا بد أن يكون فهمه للعبادة على نحو ما تقدم؛ أي على أنها الخضوعُ المطلق لكلمة الله سبحانه، والعملُ الدؤوب على إبقائها عالية خفاقة في أصقاع الأرض، ومهما بلغت التضحيات.
ب _ أهل الجنة من الشباب حصرًا:
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة _ رضي الله عنهما _، عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال: ” يُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا؛ فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا؛ فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا؛ فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا؛ فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون(لأعراف: من الآية43) “(6).
ج _ ظهور جبريل في صورة شاب:
عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال: “بينا أنا عند النبي _ صلى الله عليه وسلم _ في أناس من أصحابه إذ دخل عليه شاب حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، حسن الهيئة، فقال: السلام عليك يا نبي الله. قال: فرد النبي _ صلى الله عليه وسلم _ السلام، ورددنا، ثم قال: أَدنو يا رسول الله؟ قال: نعم. فدنا حتى ألصق ركبتيه بركبة النبي _ صلى الله عليه وسلم _… فأخبرنا النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فقال: هذا جبريل أتاكم ليعلمكم معالم دينكم… “(7).
د _ الشباب المؤمن أحب إلى الله من سواهم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رضي الله عنه _ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيف،ِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ… “(8).
هـ _ الشباب أقدر الناس على التعلم، ومنهم اختار الله أنبياءه:
عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال: ” ما بعث الله نبيًّا إلا وهو شابٌّ، ولا أُوتِي عالِمٌ عِلْمًا إلا وهو شابٌّ “(9).
و _ الذي يُفني شبابه في طاعة الله يعطى أجر ما كان يعمل وهو شاب، ولو أصبح هَرِمًا عاجزًا ومخرِّفًا:
عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال، وهو يفسر قول الله تعالى: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(التين:6). قال: “فأيُّما رجلٍ كان يعمل عملاً صالحًا وهو قوي شاب فعجز عنه [لكِبَره وذهاب عقله] جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت…”(10).
ز _ الشاب الجاد محل رضا الله وعنايته:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ _ رضي الله عنه _ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _: ” إِنَّ اللهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ(11)”(12). أي: لَيَرضى عنه.
ح _ الكافر الشاب أقرب للإسلام من الكافر الشيخ:
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ _ رضي الله عنه _ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _: “اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ”(13). قَالَ عَبْدُ اللهِ(14): سَأَلْتُ أَبِي عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: “اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ”. قَالَ: يَقُولُ: الشَّيْخُ لا يَكَادُ أَنْ يُسْلِمَ، وَالشَّابُّ أَيْ يُسْلِمُ؛ كَأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الإسْلامِ مِنْ الشَّيْخِ. قَالَ: الشَّرْخُ: الشَّبَابُ.
(قيل: أراد بالشيوخ الهَرْمى الذين إذا سُبُوا لم يُنتفع بهم في الخدمة. وأراد بالشرخ الشباب أهلَ الجلَد. وشرْخُ الشباب: أوله. وقيل: نضارته وقوته)(15). وقيل: غير ذلك.
قال ابن عبد البَّر: (… أجمعوا أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قتل دُرَيْدَ بنَ الصُّمة(16) يوم حنين؛ لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب؛ فمن كان هكذا من الشيوخ قُتِل عند الجميع)(17).
ومعلوم أن للإمام مع الأسير أربعة خِيارات: القتل أو الفداء أو المن أو الاسترقاق، فالأسير إذا كان شيخًا، لكنه ذو رأي وشكيمة في الحرب فإنه أحق بالقتل من الأسير الشاب، فالشيخ غالبًا ما ينكمش على معتقداته الشركية، وما بقي من عمره قد لا يسعفه للخروج من براثن الشرك _ الذي شاب عليه _ إلى واحة التوحيد، على خلاف الشاب الذي لم تتعتق فيه تُرَّهات الآباء والأجداد، كما أنه في اقتبال من العمر يمكِّنه من سماع الحق مرات كثيرة.
هذا وليُعلم أنه لا سبيل إلى قتل الشيخ الفاني الذي لا يقاتل المسلمين، ولا يمكر بهم، وهو الذي أوصت بالإبقاء على حياته النصوص الشرعية، والتي منها ما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _ قَالَ: “انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ وَبِاللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، وَلا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً، وَلا صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً…”(18).

ثالثًا _ حرصُ الإسلام على استقامة الشباب:
أ _ تحذير الشباب من الفاحشة، وحثُّهم على الزواج:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ _ رضي الله عنه _ قَالَ: “إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ _ صلى الله عليه وسلم _ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ؛ قَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: ادْنُهْ. فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ. قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟! قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟! قَالَ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟! قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟! قَالَ لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟! قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ. فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ”(19).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ _ قَالَ:… “وَأَرْدَفَ [ النبي ] الْفَضْلَ، ثُمَّ أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى الْمَنْحَرَ فَقَالَ: هَذَا الْمَنْحَرُ، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ. وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ؛ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللهِ فِي الْحَجِّ، أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ. قَالَ: وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ؛ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟! قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً؛ فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا! …”(20).
قَالَ عَبْدُ اللهِ [بن مسعود] _ رضي الله عنه _: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ _ صلى الله عليه وسلم _ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ(21)”(22).
فالزواج شرع بديلاً عن الزنى ومقدماته، والله إذا حرم على عباده شيئًا جعل لهم في المباحات عوضًا، ودليل ذلك قوله جل جلاله: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)(الأعراف: من الآية157).
وهنا أذكر موقفًا كريمًا من امرأة أجنبية تزوجت بمسلم، فأسلمت، وحسن إسلامها، ولما رأت زوجها مرة يرمي امرأة بنظرة محرمة ساءها منه ذلك، وقالت: لم تعصي الإله وقد أغناك بالزواج من النساء مثنى وثلاث ورباع؟! إذا لم تجد فيَّ ما يُعِفُّك فاضمم إلي ضَرة، وهذا خير لي من أن يَفسد دينك، وتؤذيَ الناس في أعراضهم!.
وتسهيلاً للشباب في أمر زواجهم وتيسرًا عليهم ندب الإسلام النساء إلى الرضا باليسير من المهر، وجعل ذلك أمارة على صلاح المرأة، وعلى بركة النكاح أيضًا؛ فعَنْ عَائِشَةَ _ رضي الله عنها _ أَنَّ رَسُولَ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _ قَالَ: “إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا…”(23).
وقال _ صلى الله عليه وسلم _: “خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ”(24). أي أسهله على الرجل؛ بتخفيف المهر وغيره.
كما وعد الله سبحانه العزاب الفقراء بعون منه يأتيهم من السماء، أو بإعانة بيت مال المسلمين، ما داموا قد أخذوا أنفسهم بكل أسباب العفة ريثما يأتي الفرج؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: “(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)(النور: من الآية33). ويقول نبينا محمد _ صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عنه أبو هريرة، رضي الله عنه _: “ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الإدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ”(25).
ومما يعين الشاب على العفة وهو في طريقه إلى الزواج أمور منها: غض البصر، والصوم، والجهاد في سبيل الله تعالى؛ أما غض البصر والصوم فقد مر ذكرهما في حديث ابن مسعود _ رضي الله عنه _، وأما الجهاد ففيه يقول النبي _ صلى الله عليه وسلم _: “… عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإسْلامِ…”(26).
ب _ توصية المرأة بإعفاف زوجها الشاب، وأن ذلك خير لها من أن تقوم الليل، وتصوم النهار:
عن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ قال: “جاءت امرأة إلى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطِّل يضربني إذا صليتُ، ويفطِّرني إذا صمتُ…_ قال: وصفوان عنده _ فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله! أما قولها: يضربني إذا صليت. فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها عنها. فقال النبي _ صلى الله عليه وسلم _: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس. قال: وأما قولها: يفطرني إذا صمت. فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب، ولا أصبر. فقال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يومئذ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها…”(27). وهكذا حُسمت القضية لصالح الصحابي الشاب صفوان، رضي الله عنه.
ج _ الحرص على سلامة عبادة الشاب:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رضي الله عنه _ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ _ صلى الله عليه وسلم _ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ(28) لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ. وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ، فَنَهَاهُ؛ فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَالَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ “(29).
وفي حديث آخر يذكر النبي _ صلى الله عليه وسلم _ علة الترخيص؛ فيقول: ” إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ “(30).
د _ الحرص على زيارة الشباب، وتفقد أحوالهم:
عَنْ أَنَسٍ _ رضي الله عنه _ أَنَّ النَّبِيَّ _ صلى الله عليه وسلم _ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرْجُو اللهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _: لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ “(31).
وعنه _ رضي الله عنه _ قال: ” كان غلام شاب يخدِم النبي _ صلى الله عليه وسلم _، فمرض؛ فأتاه النبي _صلى الله عليه وسلم _ يعوده، فقال: تشهدُ أنه لا إلهَ إلا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ؟ قال: فجعل ينظر إلى أبيه؛ فقال له: قل كما يقول لك محمد. قال: فَقَبِل، ثم مات. فقال النبي _ صلى الله عليه وسلم _: صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ “(32).
هـ _ تحذير الشباب من سيئ الأخلاق عامة، ومن الكبْر خاصة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رضي الله عنه _ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _: “بَيْنَمَا رَجُلٌ شَابٌّ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ يَتَبَخْتَرُ فِيهَا مُسْبِلاً إِزَارَهُ إِذْ بَلَعَتْهُ الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”(33).
وإنما يكون الشاب أكثر عرضة لآفة الكِبْر لأنه يفوق من سواه فتوة وقوة ونضارة واستمتاعًا بالمال والجسد، وما إلى ذلك.
وهذا أمير المؤمنين عمر _ رضي الله عنه _ يقدم وصية رائعة لشاب اسمه قبيصة؛ فيقول: “…يا قبيصةَ بنَ جابر إني أراك شابَّ السن، فسيح الصدر، بيِّنَ اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة، وخلقٌ سيء، فيُفسد الخلقُ السيءُ الأخلاقَ الحسنة؛ فإياك وعثراتِ الشباب”(34).
و _ تصويب مفاهيم الشباب الخاطئة:
” نظر عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ إلى شاب قد نَكَّس رأسه فقال: يا هذا ارفع رأسك؛ فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب”(35).
و”روي عن عمر _ رضي الله عنه _ أنه رأى شابًّا يمشي رويدًا فقال: ما بالك؟! أأنت مريض؟!. قال: لا يا أمير المؤمنين! فعلاه بالدِّرة(36)، وأمره أن يمشي بقوة”(37).
وهذا تصرف حكيم من أمير المؤمنين عمر _ رضي الله عنه _، وبالأخص فإنه جاء في زمن بلغت فيه الفتوحات الإسلامية أَوْجَها، الأمر الذي يستدعي إظهارَ عزة المسلم وكرامتِه، وكأن عمر _ رضي الله عنه _ خشي أن ينتقل تضعف هذا الشاب وتمارضه إلى جبهة القتال انتقال المرض بالعدوى؛ فتنقلب بذلك موازين المعركة إلى ما لا تُحمد عقباه.
ز _ التلطف في نصحهم وإرشادهم:
عن جعفر بن محمد عن أبيه _ رحمهما الله تعالى _ قال: “دخلنا على جابر بن عبد الله، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم، حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي، فحل زِرِّي الأعلى، ثم حل زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثَدْيَيَّ _ وأنا يومئذ غلام شاب _ فقال: مرحبًا بك، سل عما شئت! فسألته(38) وهو أعمى…”(39).
وعن ثابت البُناني _رحمه الله تعالى_ قال: “كان صِلَةُ بنُ أَشْيَم يخرج إلى الجِبَّان(40)، فيتعبد فيها، فكان يمر عليه شباب يلهون ويلعبون؛ فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرًا، فحادُوا النهار عن الطريق، وباتوا بالليل، متى يقطعون سفرهم؟! قال: فكان كذلك يمر بهم فيعظهم. فمر بهم ذات يوم، فقال لهم هذه المقالة؛ فقال شاب منهم: يا قوم! إنه _ والله _ ما يعني بهم غيرنا؛ نحن بالنهار نلهو، وبالليل ننام، ثم اتَّبع صلة، فلم يزل يختلف معه إلى الجِبَّان، ويتعبد معه حتى مات”(41).
انتهى القسم الأول، وصلى الله على سيدنا محمد، عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

الحواشي:
(1) انظر: الثعالبي _ فقه اللغة وسر العربية _ ص81 و82.
(2) الزيات _ المعجم الوسيط _ مادة: شاخ. وانظر: مادة: هرم.
(3) ابن فارس _ معجم مقاييس اللغة _ ج3 ص177، ج4 ص473 و474.
(4) البخاري:6806 في ” الحدود “.
(5) البخاري: 120 في ” العلم “. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(6) مسلم: 2837 في “الجنة وصفة نعيمها وأهلها”. وأوله عند الطبراني في المعجم الصغير _ رقم: 213 _: “يُقَالُ لأهلِ الجَنَّةِ:…”.
(7) مسند أبي حنيفة: ج1 ص152. والحدبث أخرجه مطولاً مسلم برقم: 8 في ” الإيمان “.
(8) مسلم: 2664 في ” القدر “.
(9) الهيثمي _ مجمع الزوائد _ ج1 ص130، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط، وفيه: قابوس بن أبي ظبيان مختلف فيه. وفي الأحاديث المختارة _ ج10 ص15 _ زيادة:… وقرأ: ” (قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)(الانبياء:60). وقرأ: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ)(الكهف: من الآية60). وقرأ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)(الكهف: من الآية13).
(10) الطبري _ جامع البيان عن تأويل آي القرآن _ ج30 ص246.
(11) اسم مرة، معناه: الميل إلى الهوى. انظر: ابن الأثير _ النهاية في غريب الحديث والأثر _ مادة: صبو.
(12) أحمد: 17304. وإسناده حسن. انظر: الهيثمي _ مجمع الزوائد _ ج10 ص273.
(13) أحمد: 20021، والترمذي: 1583 في ” السير ” _ وقال: حسن صحيح غريب _، وأبو داود: 2670 في ” الجهاد “. وحسنه محقق المسند: حمزة الزين.
(14) هو ابن الإمام أحمد ابن حنبل.
(15) آبادي _ عون المعبود شرح سنن أبي داود _ شرح الحديث المذكور.
(16) في عون المعبود: كان عمره مئة وعشرين عامًا أو أكثر، وقد جيء به في جيش هوازن للرأي. انظر شرح حديث أبي داود: 2247 في ” الجهاد “.
(17) _ التمهيد _ ج16 ص142.
(18) أبو داود: 2247 في ” الجهاد “.
(19) أحمد: 22112. وإسناده صحيح.
(20) الترمذي: 885. وقال: حسن صحيح.
(21) الوِجَاء: أن تُرَضَّ أُنْثَيا الفَحْل رَضًّا شَدِيداً يُذْهِب شَهْوة الجِمَاع… أرَادَ أن الصَّوم يَقْطَع النِّكاح كَما يَقْطَعُه الوِجَاء. ابن الأثير _ النهاية في غريب الحديث والأثر _ ج5 ص151.
(22) البخاري: 5066 في ” النكاح “.
(23) أحمد: 24359. وإسناده حسن.
(24) أبو داود: 2117 في ” النكاح “، وهو صحيح.
(25) الترمذي: 1655 في ” الجهاد “. وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه النسائي: في ” النكاح “، باب: _ معونة الله الناكح… _.
(26) أحمد: 11713. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وقد حسنه محققه حمزة الزين، وقال عنه الهيثمي: رجال أحمد ثقات. انظر: _ مجمع الزوائد _ ج4 ص218.
(27) ابن حبان: 1488.
(28) _ المباشرة: وضع البشرة على البشرة؛ كالقُبلة ونحوها.
(29) أبو داود: 2387 في ” الصوم “. أفاد الزرقاني _ كما في جامع الأصول: ج6 ص301 _: أن الحديث رواه البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة مرفوعًا. وسند أبي داود فيه أبو العنبس، وهو ليِّن الحديث.
(30) أحمد: 6739 بإسناد صححه أحمد شاكر، وهو عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(31) الترمذي: 983 في ” الجنائز “. وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن ثابت عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ مرسلاً. أقول: ومنهم ابن ماجه:4261.
(32) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى [ المسند: 4306 ]، ورجاله رجال الصحيح. انظر: _ مجمع الزوائد _: ج3 ص45.
(33) أحمد: 10332. صحح إسناده حمزة الزين.
(34) الطبري _ جامع البيان عن تأويل آي القرآن _ ج7 ص48 و49.
(35) القرطبي _ الجامع لأحكام القرآن _ ج1 ص375.
(36) عصا قصيرة، كعصا شرطي المرور في زماننا.
(37) تفسير ابن كثير _ ج3 ص325، الآية: 63 من سورة الفرقان.
(38) سأله عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(39) مسلم: 1218 في ” الحج “.
(40) من أعمال الأهواز. أنظر: الحموي _ معجم البلدان _ ج2 ص99.
(41) ابن الجوزي _ صفة الصفوة _ ج2 ص128.