الصفحة الرئيسية » مقالات » منزلة الشباب فى الإسلام – القسم الثانى

منزلة الشباب فى الإسلام – القسم الثانى

منزلة الشباب في الإسلام
_ القسم الثاني _
واجب الشباب نحو شبابهم، وموقف الأعداء منهم.
تقدم الكلام في القسم الأول عن النقاط التالية: تعريف الشباب، وفضل الشباب المسلم، ومدى حرص الإسلام على الشباب. أما هذا القسم فإنه يتناول “واجب الشباب نحو شبابهم، وموقف الأعداء منهم”، وهناك قسم ثالث سيأتي _بإذن الله تعالى_ وهو يتناول شبابًا يُقتدى بهم.
فأقول:

رابعًا _ واجب الشباب نحو شبابهم:
يريد الإسلام من الشباب أن يسخروا طاقاتهم _ الذهنية والجسدية والمادية _ في سبيل الله وخدمة هذا الدين؛ فعن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ قال: “قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”(1).
الاغتنام يعني: مسابقة العوارض في بلوغ الغاية. ومن أهم عوارض الشباب مرض مقعد، أو موت مباغت، أو كهولة مثقلة.
وعن معاذ بن جبل _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: “لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه “(2).
والشاب الذي يستطيع أن يجيب عن سؤال: “وعن شبابه فيما أبلاه” لابد أن يتمتع بالخصال التالية:
أولاً _ العبادة القائمة على العلم والإخلاص:
قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(يوسف:108).
ويقول أمير المؤمنين علي _رضي الله عنه_: (… لا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لا عِلْمَ فِيهَا…)(3).
وقال الله تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)(الزمر:11).
وقال سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الأنعام:162).
كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(البقرة:153).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ _رضي الله عنهما_ قَالَ: “جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَ إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ (و)(4) أَنْ تَمَلَّ؛ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. فَأَبَى”(5). وفي الحديث دعوة للشباب إلى توظيف طاقتهم في عبادة ربهم، ولكن باعتدال وانتظام.
وثبت عن عبد الله بن عمر _رضي الله عنه_ “أنه كان ينام _وهو شاب أعزب لا أهل له_ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم…”(6). فالمسجد محطة للشباب يتزودون منها شحنة الإيمان لكل انطلاقة خيِّرة.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ عَنْ النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ…”(7).
ثانيًا، وثالثًا _ العلم والقوة: القوة إذا لم تكن محكومة بالعلم فإنها _بلا ريب_ ستتحول إلى بطش وفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد، وهو ما نراه واقعًا مشاهدًا على نطاق الأفراد والأمم، وأعني بالعلم العلم النافع الذي يصل النفس بخالقها، ويورثها خشيته؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر: من الآية28).
ومن الأدلة على ضرورة تمتع الشاب بهاتين الخصلتين قول الله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)(مريم:12). فقد اجتمع في نبي الله يحيى _عليه السلام_ علم الكتاب، وقوةُ وهمة الصِّبا والشباب.
ويقول الله _جل جلاله_ في الملك الصالح طالوت: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:247). فبقوة الجسم، وحكمة العلم حاز طالوت شرف القيادة والملك.

رابعًا، وخامسًا _ الغَيرة والأمانة:
(الغيرة: كراهة شركة الغير في حقه )(8).
وثمرة الغيرة الحفظ، وأنواعها كثيرة، أشهرها الغيرة على العرض.
عَنْ الْمُغِيرَةِ _رضي الله عنه_ قَالَ: “قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي”(9).
قال الله تعالى في موسى _على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم_: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)(القصص:23 إلى26).
ويقول أبو سعيد الخدري _رضي الله عنه_ لأبي السائب: “أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ إِلَى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ بِأَنْصَافِ النَّهَارِ، فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ. فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_: خُذْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ؛ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً؛ فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ؛ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلْ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي. فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ؛ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمْ الْفَتَى… “(10).
ويقول الله تعالى في يوسف _ على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم _: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(يوسف:55). أمين على أموال الأمة، عليم بالحساب والاقتصاد، وبكل ما تصلح به حياة الناس.

سادسًا، وسابعًا _ العفاف والوفاء:
قال الله تعالى في يوسف _على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم_: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(يوسف:23). فيوسف عليه السلام لم تُنْسِه صوارف الدهر وصية سيده به يوم اشتراه؛ قال الله تعالى في ذلك: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ)(يوسف: من الآية21). وقال تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً)(يوسف: من الآية30).
ولقد بشر رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بالجنة كل عفيف بقوله: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ:… وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ”(11).

ثامنًا، وتاسعًا _ الجِِد والثبات على الحق:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ _رضي الله عنه_ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم _: “إِنَّ اللهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ(12)”(13). أي: لَيَرضى عنه.
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب:23).
قال أَبُو كَثِيرٍ(14): حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: “أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ، وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، وَقَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُونَهُ؛ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ تُنْهَ عَنْ الْفُتْيَا؟! فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَقِيبٌ أَنْتَ عَلَيَّ؟! لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ(15) عَلَى هَذِهِ _وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ_ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لانْفَذْتُهَا “(16).

عاشرًا، وحادي عشر _ الإيثار والإباء:
قال الله تعالى في فضل الإيثار: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9).
_ وعن أنس بن مالك _رضي الله عنه_ قال: “كان شباب من الأنصار(17) يقال لهم القراء _فيهم خالي حرام_ يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل _يتعلمون_ وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصُّفة وللفقراء…”(18).
وفي موقف نبي الله سليمان عليه السلام من رسل ملكة اليمن بلقيس يقول الله تعالى: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)(النمل:35،36). شراء ضمائر ذوي الأثر عرف فاسد.
ويقول الله تعالى في امرأة العزيز التي راودت يوسف الشاب عن نفسه: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ. قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)(يوسف:32،33). أصحاب المبادئ لا يصرفهم عن مبادئهم وعد ولا وعيد.

ثاني عشر، وثالث عشر _ التواضع والرفق:
قال الله عز وجل: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)(الفرقان:63).
وقال جل جلاله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لارْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً)(مريم:41،47).

رابع عشر، وخامس عشر _ الحركة والابتدار:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك “(19).
والاغتنام يعني: مسابقة العوارض في بلوغ الغاية. ومن أهم عوارض الشباب: مرض مقعد، أو موت مباغت، أو كهولة مثقلة.

خامسًا _ موقف أعداء الإسلام من الشباب المسلم:
يسعى الأعداء إلى أن يبددوا الطاقة الشبابية المسلمة في غير ما أنزل الله تعالى، وعلى الضد من هدي النبوة؛ ذلك لأن الشباب هم أعظم طاقةٍ مؤثرة في تقرير مصير الأمة قوةً وبناءً، أو هدمًا وفسادًا، ولهذا فإنهم يحرصون أشد الحرص على توجيه الطاقة الشبابية بدافع من غريزة الفرج والبطن، وإذا ما تحقق لهم ذلك _ لا قدر الله تعالى _ فإن المعاصي لسوف تستحوذ على الشباب؛ لتشل عقولهم، وتفسد نفوسهم، وتوهن أبدانهم، وتقتل فراغهم، وتبدد أموالهم التي جعلها الله للمسلمين قيامًا؛ فيغدو الشباب من بعد ذلك عالةً أمام عدو لا يرحمهم، وصديق لا يملك لهم من أمرهم شيئًا.
وإن من أبرز الوسائل التي يتوسل بها أعداء الإسلام لإفساد الشباب: المرأة، واللهو، والمال ، أما المرأة فقد حذر النبي _ صلى الله عليه وسلم _ من فتنتها أشد التحذير؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ _ صلى الله عليه وسلم _ قَالَ: ” مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ “(20).
ولفتنة الشباب بالمرأة حرص أعداؤهم على إقحامها في كل مكان حقيقة أو صورة، بعدما حرضوها بكل ما أُوتوا من كيد على نزع حيائها، والخروج من بيتها كما ولدتها أمها!.
وأما اللهو فيريد أعداء الشباب وخصوم الإسلام أن يغرقوا شبابنا في لهو يضرهم ولا ينفعهم، لهوٍ يعطل الفكر، ويوهن الجسم، ويبدد المال، ويقضي على الأخلاق؛ فالفن _بكل صنوفه_ هابط يدفع بالشباب إلى اللامبالاة بما يجري حولهم من أحداث جسام، كما يدعوهم إلى الفاحشة وحب الانتقام من الصديق قبل العدو، حتى الرياضة غدا النافع منها للمتعة والمشاهدة والتشجيع، وتضييع للوقت، أما ممارسة الرياضة التي يرجى منها تقوية البدن فقد بزَّنا فيها غيرنا، والدورات الرياضية خير شاهد لما أقول.
واللهو في الإسلام لا بد أن تكون له غاية طيبة، ولا بد أن تكون ممارسته نافعة؛ فاللهو في زمن سلفنا الصالح كان نافعًا؛ يدعم الرجولة، ويخدم المعركة؛ فكان من لهوِهم: اللعبُ بالحراب، ورمي النبال، والمسابقة على الخيل والجِمال، ونحوُ ذلك. وكانوا _رضي الله عنهم_ ربما استمعوا إلى الشعر والحُداء تشويقًا إلى البذل والبناء؛ فمع السماع النظيف بنَوْا مساجدهم، وحفروا خنادقهم، وسيَّروا كتائب الجهاد.
ومما جاء في اللهو النافع أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ: “إِنَّ اللهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَالْمُمِدَّ بِهِ. وَقَالَ: ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَلأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا. كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاعَبَتَهُ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ…”(21).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ “أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ. قَالَ النَّبِيُّ _صلى الله عليه وسلم_: إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى”(22).
ومن اللهو الباطل الذي حذر منه النبي _صلى الله عليه وسلم_ الضرب على آلات اللهو، ولو من غير غناء، فكيف وقد ضموا إليها في زماننا غناءً تُغضب كلماتُه العزيزَ الجبار سبحانه وتعالى؛ يَقُولُ النبي _صلى الله عليه وسلم_: “لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ…”(23). لقد وقع ما حذر منه النبي في المعازف؛ فإننا لا نزال نسمع من كثير ممن يتصدر مجالس الإفتاء إباحتهم _بل منهم المشجع_ للغناء مصحوبًا بالمعازف، ونسأل الله تعالى أن لا يدركنا زمان نسمع فيه من يبيح الحِرَ _الزنى_ والحرير، والخمر.
وأما المال فهو نعمة كبرى تستوجب شكر المنعم جل جلاله، وشكره يعني استعمال المال في وجوه الخير المشروعة؛ يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)(التوبة: من الآية111). فالمال شقيق الروح في نيل رضوان الله وجنته.
ويقول عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ _رضي الله عنه_: “بَعَثَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَ: خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلاحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي. فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ، ثُمَّ طَأْطَأَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ اللهُ، وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ مِنْ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلامِ، وَأَنْ أَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_!. فَقَالَ: يَا عَمْرُو! نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ”(24).
ولعلم خصوم الإسلام بأهمية المال في تحقيق تقدم البلاد والعباد فإنهم سعوا إلى جعل المسلمين أمة مستهلكة غير منتجة، مستوردة غير مصدرة، ولم يكتفوا بذلك بل أغروا المسلمين _وخصوصًا الشباب منهم_ بأن ينفقوا أموالهم فيما لا نفع منه ولا طائل، وهذا ما يظهر جليًّا في وسائل الدعاية والإعلان، فهي لا تكاد تزين إلا لما هو مطعوم أو ملبوس، أو مركوب! حتى الكتاب الذي يعول عليه الدعاة والناصحون فقد قل طالبوه إلا ما كان له صلة بفن الطبخ، أو بالأزياء، وما إلى ذلك! وليس من الغريب أن تَرُوج سوق كتب تفسير الأحلام؛ لأن من كثر طعامه طال نومه، ومن طال نومه كثرت مناماته!.
وأما الشباب المسلم الملتزم المثقف فإن خصوم الإسلام يحاولون خرق صفوفهم بالجدل الذي لا يأتي بخير.
انتهى القسم الثاني، وصلى الله على سيدنا محمد، عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

الحواشي:
(1) أخرجه الحاكم: 7916، وصححه، وأقره الذهبي.
(2) أخرجه الطبراني والبزار بنحوه ورجال الطبراني رجال الصحيح غير صامت بن معاذ وعدي بن عدي سنان وهما ثقتان. انظر: الهيثمي: _مجمع الزوائد_ ج10 ص349.
(3) أخرجه الدارمي: 300 في “المقدمة”.
(4) الواو من رواية ابن ماجه.
(5) أخرجه أحمد: 6516 و6873، وابن ماجه: 1336 في “إقامة الصلاة”.
(6) أخرجه البخاري: 440 في “الصلاة”.
(7) البخاري: 620 في “الأذان”.
(8) الجرجاني _التعريفات_ ص210.
(9) البخاري: 6340 في “الحدود”.
(10) من حدبث أخرجه مسلم: 2236 في “السلام”.
(11) البخاري: 620 في “الأذان”.
(12) اسم مرة، معناه: الميل إلى الهوى. انظر: ابن الأثير _النهاية في غريب الحديث والأثر_ مادة: صبو.
(13) أحمد: 17304. وإسناده حسن. انظر: الهيثمي _مجمع الزوائد_ ج10 ص273.
(14) مالك بن مَرْثَد بن عبد الله الزماني _ وقيل: الزماري _ ومالك وأبوه ثقتان. انظر: ابن حجر العسقلاني _فتح الباري_ كتاب العلم: باب: العلم قبل القول والعمل. وللمزيد انظر: كتب الرجال والجرح والتعديل.
(15) السيف.
(16) أخرجه الدارمي: 544 في “المقدمة”، والبخاري معلقًا في كتاب: “العلم” الموما إليه أعلاه..
(17) وعددهم سبعون كما في صحيح مسلم.
(18) أخرجه مسلم: 1902، وابن حبان: 7263.
(19) أخرجه الحاكم: 7916، وصححه، وأقره الذهبي.
(20) أخرجه البخاري: 4706 في “النكاح”.
(21) أخرجه الترمذي: 1561 في “الجهاد”، وقال: حسن صحيح. وهو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ _تابعي_ ، وعن عقبة بن عامر الصحابي رضي الله عنه.
(22) أخرجه أبو داود: 2127 في “الجهاد”.
(23) أخرجه البخاري _تعليقًا_ في “الأشربة”. عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري.
(24) حم: 17096، وابن حبان: 3210. عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.