الصفحة الرئيسية » تراجم » الشيخ محمد سراج الدين

الشيخ محمد سراج الدين

ترجمة الشيخ الشريف محمد نجيب سراج الدين الحلبي الصوفي

ولد العلامة العارف الصوفي الداعي الشيخ محمد نجيب بن محمد بن يوسف سراج الدين سنة 1274هـ، في مدينة حلب.

نشأته رحمه الله تعالى والبيت الذي تربى فيه:
نشأ رحمه الله تعالى في بيت صلاح وتقوى وورع، وتمسُّك بالشريعة،ومحبة العلم والعلماء العاملين.

صلة والد الشيخ محمد نجيب بالشيخ أحمد الترمانيني:

ذلك أن والده السيد الحاج محمد منذ أول شبابه قد لازم دروس الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى، ولازم جميع مجالسه الخاصَّة والعامَّة، وصدق في متابعته لفضيلة الشيخ أحمد، واستفاد من علومه ومعارفه، وآدابه،وسيره في السلوك وطريق التعبد والتقوى، وقد رأى فضيلة الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى من والد الشيخ محمد نجيب الإخلاص والصدق في التقوى والعبادة، كما رأى منه صدق المحبة له والإخلاص معه.
ومن ثم صار والد الشيخ محمد نجيب السيد الحاج محمد رحمه الله تعالى من خاصَّة الشيخ ومقربيه.
فزوج فضيلة الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى ابنته التقية الولية الصالحة لولد الحاج محمد رحمه الله تعالى، وذلك الولد هو يوسف أخو الشيخ محمد نجيب، وأكبر منه سناً.
وزادت المحبة والألفة، فصار فضيلة الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى يكثر الزيارة لدار الحاج محمد، وزيارة ابنته التي هي في دار والد الشيخ محمد نجيب الحاج محمد رحمهم الله تعالى.

مشاركة والد الشيخ محمد نجيب للشيخ أحمد الترمانيني في أعماله التجارية:

ثم بدا لفضيلة الشيخ أحمد رحمه الله تعالى ـ لما رأى من صدق الحاج محمد وإخلاصه ومحبته وورعه ـ أن يشاركه في تجارته ـ فإن فضيلة الشيخ أحمد كان ذا يُسْر ومال ـ فقبل ذلك الحاج محمد، وأشركه في تجارته الكبرى التي يجلبها من البلاد.
وهكذا فقد نشأ الشيخ محمد نجيب سراج الدين، وتربَّى في بيت صلاح وتقوى، وتمسُّك بأحكام الشريعة، ومحبَّة العلم والعلماء،والأولياء والصُّلحاء.

بَدْءُ طلبه العلم:
لما شبَّ الشيخ محمد نجيب وجَّهه والده السيد الحاج محمد إلى طلب العلم الشرعي، حباً في العلم والعلماء العاملين الصالحين ولاسيما الشيخ أحمد الترمانيني، وتحقيقاً لرغبته في طلب العلم. فأقبل على طلب العلم إقبالاً صادقاً، وتوجَّه إلى ذلك توجُّهاً كلياً، بدافع المحبَّة والصدق في النيَّة، والإخلاص لله تعالى، مع ملازمة العمل الصالح، وتقوى الله تعالى في السر والعلانية.

انتسابه إلى المدارس الشرعيَّة وطريقة الدراسة فيها:
انتسب إلى المدارس الشرعيَّة، والتزم المجاورة فيها،والنوم فيها، وذلك لأن طلب العلم كان قائماً على نظام المجاورة في المدارس الشرعيَّة، وكانت مستويات المدارس الشرعيَّة وقتئذٍ على مراتب وأصناف ثلاثة:
الصنف الأول: فيه تعلم مبادئ العلوم الشرعيَّة، ودراستها على وجه مبسط ابتدائي، وفيه دراسة المؤلفات العلمية الموجزة ـ وكان ذلك مقره في المدرسة القرناصية وأمثالها ـ وقد جاور في المدرسة القرناصية مُدَّة أكمل فيها مقرراتها بسرعة ونشاط،وجدٍّ واجتهاد، ثم انتقل إلى الصنف الثاني.

الصنف الثاني: من المدارس الشرعيَّة، وفيها دراسة العلوم الشرعيَّة على وجه أوسع وأطول من الصنف الذي قبله وأجمع، والكتب العلمية المقررة فيها هي أوسع، ومستواها أعلى مما قبله ـ وكان ذلك في المدرسة الإسماعيلية وأمثالها ـ وقد جاور فيها حتى أنهى مقرراتها على أكمل الوجوه، ثم انتقل إلى الصنف الثالث من المدارس الشرعيَّة.
وقد أُسند إليه التدريس في المدارس الشرعيَّة التي جاور فيها بعد وفاة مدرسيها، فدرس فيها مدة طويلة، ولما أسندت إليه وظيفة مدرس محافظة حلب ـ درجة أولى ـ ثم أسند إليه الدرس في الجامع الأموي، ثم أسند إليه التدريس في جامع الحموي: ترك التدريس في تلك المدارس.

الصنف الثالث: من المدارس الشرعيَّة التي جاور فيها وقتئذٍ،هي المدرسة الشعبانية، التي كانت تُسمَّى أزهر حلب، فإنها كانت على مستوى رفيع عالٍ في تعلم العلوم الشرعيَّة، ودراسة الكتب العلمية الواسعة، وقراءة مطوَّلات الكتب العلميَّة،وكان يُدرِّس فيها العلماء الفضلاء الأجلاء المشاهير.

دراسته الفقه:
فقد تفقَّه فيها على العلامة الكبير،والفقيه الشهير، فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الزرقا، صاحب العلوم الواسعة، وحضر عليه وتلقَّى عنه كتاب( الدر المختار) وعليه حاشية ( رد المحتار).

دراسته العلوم العربية:
كما تلقَّى مُطولات كتب علوم اللغة العربية: النحو، وعلم البلاغة بأنواعه الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، تلقَّى ذلك عن فضيلة العلامة الكبير الشيخ: محمد بشير المعروف بالغزِّي، كما قرأ عليه مطولات علم المنطق. وكان للشيخ محمد نجيب دراسة واسعة لجميع العلوم العربية على كثرة أنواعها. فكان يحفظ متن” أوضح المسالك” للعلامة ابن هشام، في علم النحو والتصريف، وقد درس شروحه وحواشيه.
كما أنه كان يحفظ متن ” التلخيص” في علوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع،وقد قرأ شروحه وحواشيه.

دراسته علم المنطق والتوحيد:
فقد قرأ على شيخه بشير الغزّي كتاب الشمسية في علم المنطق مع شرحها، وهو أوسع كتب المنطق وأصعبها.

كما تلقَّى عنه علم التوحيد على طريقة علماء الكلام، كما أخذ عن كبار العلماء المختصين بعلم التوحيد وقتئذٍ.

وقد توسع في مطالعة ودراسة مطولات كتب علم التوحيد، والمشهور منها: كتاب(المواقف) للعلامة السيد الشريف الجرجاني، وكتاب( الطوالع) للعلامة المفسر والفقيه، الأصولي ناصر الدين، عبد الله بن عمر البيضاوي، وكتاب(المقاصد) للعلامة المحدث الأصولي السيد سعد الدين المعروف بالتفتازاني.

فقد قرأ تلك الكتب المطوَّلة الواسعة، وبحث فيها على وجه واسع، وعلَّق عليها.

توجُّهه إلى علم التفسير والحديث:
ثم توجَّه توجُّهاً تاماً إلى علم التفسير والحديث، وتوسَّع في ذلك، وجمع في مكتبته من كتب التفسير وكتب الحديث أنواعاً من المختصرات والمطولات، وصار من كبار علماء التفسير والحديث، مع الحفظ والإتقان.

دراسته لعلم التفسير:
توجَّه رحمه الله تعالى إلى علم تفسير القرآن الكريم، فبدأ بقراءة كتب التفسير المتوسطة، كتفسير العلامة النسفي، ثم تفسير العلامة البيضاوي، وتفسير العلامة الخطيب،وغير ذلك من كتب التفسير، وعلَّق عليها بعض التعليقات.

ثم اشتغل في مطالعة مطوَّلات كتب التفسير، مثل: تفسير العلامة الرازي، وتفسير روح المعاني، وتفسير العلامة القرطبي رحمه الله تعالى، وتفسير روح البيان، وتفسير العلامة ابن جرير الطبري، رحمهم الله تعالى أجمعين.

وكان رحمه الله تعالى، يقول: كل تفسير من هذه التفاسير وغيرها له خصوصياته وأبحاثه، فلا يُغني واحدها عن الآخر في كثير من الأبحاث والمسائل.

دراسته علم الحديث الشريف رواية ودراية:
وله درس علوم المصطلح والقواعد الحديثية، وله في ذلك خلاصات موجزة جامعة.

كما كان له اهتمام كبير في قراءة شروح صحيح البخاري بأنواعها.

شيوخه في الحديث:
من مشاهير العلماء الذين قرأ عليهم الحديث الشريف وأجازوه، محدث مدينة حلب: الشيخ محمد كامل بن الشيخ أحمد الحنبلي، المشهور بالموقِّت الحلبي(ت1328) رحمه الله تعالى، وقد أجازه.

كما قرأ الحديث الشريف على ال الشيخ بكري بن أحمد الشهير بالزَّبري، وقد أجازه.

اجتماعه بالشيخ بدر الدين الحسني في زيارته لحلب وإجازته له:

وقد أجازه الشيخ المسند بدر الدين بن محمد بن يوسف الحسني الدمشقي.

وكان ذلك لما زار مدينة حلب، وكان معه كبار علماء دمشق، أمثال العلامة الكبير، والعارف الشهير الشيخ علي الدقر، رحمهم الله تعالى.

وقد أضافهم، وأنزلهم في بناية كبيرة، وسط حديقة بهجة عامرة لأحد أحبابه رحمهم الله تعالى.

وقد جرت بينهما الأحاديث الودية، التي تُعبر عن صدق المحبة بينهما.

وكان الشيخ المربي بدر الدين الحسني يثني على الشيخ محمد نجيب،ويمدحه بصلاحه، وسعة علومه، وقوة أدلته في تحقيق الحق، ويرسل التحيات والتسليمات، ويقول للقادمين إلى مدينة حلب: سلموا على سراج حلب، ويدعو له بنفع العباد والبلاد.

وكان الشيخ محمد نجيب يرسل التحيات والتسليمات إلى فضيلة الشيخ بدر الدين ويقول: سلموا لنا على بدر الشام، مع طلب الدعاء.

ومن كبار مشاهير المحدثين الذين أجازوه: فضيلة العلامة الشهير السيد الشيخ محمد عبد الحي الكتاني.

وإنَّ نصوص هذه الإجازات كلها محفوظة عند ابنه فضيلة الشيخ عبد الله سراج الدين رحمهما الله تعالى.

تدريسه ودروسه التي أُسندت إليه:

لقد أُسند إليه التدريس في المدارس التي جاور فيها بعد وفاة مُدِّرسيها،وبقي على ذلك مدة طويلة.

ثم أسند إليه التدريس في الجامع الأموي الكبير، وأصل هذا الدرس كان يقوم به فضيلة الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى، ثم أُسند إليه درس المحافظة ـ درجة أولى ـ فترك التدريس في تلك المدارس،وأسندت لغيره.

ثم أسند إليه التدريس في جامع الحموي كل يوم ما عدا يوم الثلاثاء.

وكان قبل ذلك قد وُظِّف إماماً وخطيباً في جامع سليمان الأيوبي رحمه الله تعالى، وبقي على ذلك إلى أن كبرت سنه وضَعُف، فتنازل عن الإمامة والخطبة، وأسندهما إلى ابنه الشيخ عبد الله بعد أن انتهى من الدراسة في المدرسة الخسروية الشرعيَّة.

كان يقرأ في صباحاً بعد طلوع الشمس بنصف ساعة في كلِّ يوم من أيام الأسبوع ما عدا يوم الثلاثاء.

فكان يقرأ يوم السبت من ( صحيح) البخاري ما يقرب من خمس وعشرين صفحة، على الترتيب من أوله، يقرأ ذلك على أنه مجلس رواية الحديث الشريف، دون شرح.

وأما في يوم الأحد، فكان يقرأ في الجامع الحموي صباحاً تفسير القرآن الكريم، ويصحب معه الجزء الأول من تفسير العلامة الخطيب رحمه الله تعالى، فيقرأ الجملة من تفسير العلامة الخطيب ويشرحها، ويعلق عليها، ويفرع عنها مسائل علمية،وعرفانية، وجميع ذلك مع الأدلة من الكتاب والسنة، على وجه مُفَصَّل واضح.

وأما في يوم الاثنين فكان يقرأ” الدر المختار” وحاشيته لابن عابدين، ثم نقله إلى يوم الجمعة عقب صلاة الجمعة.

وأما في يوم الأربعاء، فيقرأ في الجامع الحموي صباحاً كتاب( مشكاة المصابيح) للإمام الخطيب التبريزي، ويشرح الأحاديث شرحاً مطولاً مفصلاً، مع بيان قضايا التوحيد التي تمر معه في شرحه للحديث. كما قرأ في هذا اليوم أيضاً:” شرح المواهب” للزرقاني.

وأما يوم الخميس، فيقرأ في الجامع الحموي صباحاً من ( شرح الطريقة المحمدية) للعلامة الشيخ عبد الغني النابلسي.

وأما في يوم الجمعة، فكان يقرأ بعد صلاة الجمعة في الجامع الحموي الجزء الأول من ( الدر المختار) وعليه حاشية ( رد المحتار) في علم الفقه الحنفي، يقرأ ذلك ويتوسَّع في بيان الأحكام الفقهية، فإن من شرط الواقف قراءة درس فقه في الأسبوع، فكان يقرأه عقب صلاة الجمعة، ثم يعود إلى البيت، فيستريح مدة، ثم إذا دخل وقت العصر ذهب إلى جامع سليمان، فصلى فيه صلاة العصر إماماً،

وأما دروسه في جامع بانقوسا، فكانت في يوم الجمعة، عقب صلاة العصر، فكان يصلي يوم الجمعة العصر إماماً في جامع سليمان الأيوبي، ثم يتوجَّه إلى جامع بانقوسا ليلقي فيه الدرس، وكان درس يوم الجمعة في بانقوسا يضمُّ عدداً كبيراً من المستمعين، يملأ الجامع، وفيه من جميع الطبقات، العلماء، والصلحاء، والعوام، فهو درس عامٌ، وليس بدرس عوامٍّ؛فكان يأتي بأبحاث توحيدية،وإيمانية، مع الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، على وجه واسع واضح، وكل واحد من المستمعين يمتلئ قلبه إيماناً ومحبة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

يقوم به فضيلة الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى، ثم أُسند إليه درس المحافظة ـ درجة أولى ـ فترك التدريس في تلك المدارس،وأسندت لغيره.
ثم أسند إليه التدريس في جامع الحموي كل يوم ما عدا يوم الثلاثاء.

وكان قبل ذلك قد وُظِّف إماماً وخطيباً في جامع سليمان الأيوبي رحمه الله تعالى، وبقي على ذلك إلى أن كبرت سنه وضَعُف، فتنازل عن الإمامة والخطبة، وأسندهما إلى ابنه الشيخ عبد الله بعد أن انتهى من الدراسة في المدرسة الخسروية الشرعيَّة.

أبحاثه في دروسه وبرامجه في الجامع الأموي:
كان يقرأ في الجامع الحموي صباحاً بعد طلوع الشمس بنصف ساعة في كلِّ يوم من أيام الأسبوع ما عدا يوم الثلاثاء.

فكان يقرأ يوم السبت من ( صحيح) البخاري ما يقرب من خمس وعشرين صفحة، على الترتيب من أوله، يقرأ ذلك على أنه مجلس رواية الحديث الشريف، دون شرح.

وأما في يوم الأحد، فكان يقرأ في الجامع الحموي صباحاً تفسير القرآن الكريم، ويصحب معه الجزء الأول من تفسير العلامة الخطيب رحمه الله تعالى، فيقرأ الجملة من تفسير العلامة الخطيب ويشرحها، ويعلق عليها، ويفرع عنها مسائل علمية،وعرفانية، وجميع ذلك مع الأدلة من الكتاب والسنة، على وجه مُفَصَّل واضح.

وأما في يوم الاثنين فكان يقرأ” الدر المختار” وحاشيته لابن عابدين، ثم نقله إلى يوم الجمعة عقب صلاة الجمعة.

وأما في يوم الأربعاء، فيقرأ في الجامع الحموي صباحاً كتاب( مشكاة المصابيح) للإمام الخطيب التبريزي، ويشرح الأحاديث شرحاً مطولاً مفصلاً، مع بيان قضايا التوحيد التي تمر معه في شرحه للحديث. كما قرأ في هذا اليوم أيضاً:” شرح المواهب” للزرقاني.

وأما يوم الخميس، فيقرأ في الجامع الحموي صباحاً من ( شرح الطريقة المحمدية) للعلامة الشيخ عبد الغني النابلسي.

وأما في يوم الجمعة، فكان يقرأ بعد صلاة الجمعة في الجامع الحموي الجزء الأول من ( الدر المختار) وعليه حاشية ( رد المحتار) في علم الفقه الحنفي، يقرأ ذلك ويتوسَّع في بيان الأحكام الفقهية، فإن من شرط الواقف قراءة درس فقه في الأسبوع، فكان يقرأه عقب صلاة الجمعة، ثم يعود إلى البيت، فيستريح مدة، ثم إذا دخل وقت العصر ذهب إلى جامع سليمان، فصلى فيه صلاة العصر إماماً، ثم يذهب فوراً إلى جامع بانقوسا، ليقرأ فيه ذلك الدرس الحافل الجامع.

أوقات دروسه التي كان يلقيها في الجامع الأموي وفي جامع بانقوسا:

كان في يوم الاثنين يلقي الدرس عقب صلاة الظهر، فكان يصلي الظهر إماماً في جامع سليمان، ثم يمشي إلى الجامع الأموي، فيجلس على ركبتيه ويلقي الدرس، وقد اجتمع الناس، وأخذ كل واحد مكانه.

وأما دروسه في جامع بانقوسا، فكانت في يوم الجمعة، عقب صلاة العصر، فكان يصلي يوم الجمعة العصر إماماً في جامع سليمان الأيوبي، ثم يتوجَّه إلى جامع بانقوسا ليلقي فيه الدرس، وكان درس يوم الجمعة في بانقوسا يضمُّ عدداً كبيراً من المستمعين، يملأ الجامع، وفيه من جميع الطبقات، العلماء، والصلحاء، والعوام، فهو درس عامٌ، وليس بدرس عوامٍّ؛فكان يأتي بأبحاث توحيدية،وإيمانية، مع الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، على وجه واسع واضح، وكل واحد من المستمعين يمتلئ قلبه إيماناً ومحبة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

مما أكرمه الله تعالى به:

إن الله تعالى أكرمه بسمعه وبصره، حتى آخر عمره، وقد عُمِّر مائة سنة، أو ما يقاربها، ولم يحتج إلى منظار، ولا إلى ما يقوي سمعه، بل كان يقرأ ويكتب كما هو المعتاد.

ولم يقف عن إلقاء الدروس حتى بلغ من العمر أربعاً وتسعين سنة، وذلك بسبب تعب ركبه وضعفها.

ومما أكرمه الله تعالى به: أنه أُعطي قوَّة الحفظ، وضبط نصوص الكتاب والسنة النبويَّة، فكان حاضر المحفوظ من القرآن والأحاديث النبوية، لا يتوقف فيها، ولا يتلعثم، ويلقيها في دروسه متسلسلة، ومتتابعة، ويأتي بالأحاديث النبوية مع بيان رواتها ومُخرِّجيها، وكان له اهتمام كبير بالاطلاع على كتب الأحاديث النبوية بأنواعها، فيورد في تقرير دروسه جملة واسعة من الأحاديث النبوية، في مقام الحجة والاستدلال.

ومما أكرمه الله تعالى به:

أنَّ الله أعطاه فراسة صادقة، فإذا سأله سائل عن بعض المسائل العلمية، أوالقضايا العرفانية، عرف المقصود من السائل، فإن كان سؤاله صادراً عن صدق نية أجابه وأفاده، وإن كان غير ذلك أعرض عنه وجفاه، وربما زجره، وذلك حين يعلم خداعه ومكره.

كما أنه رحمه الله تعالى ينظر إلى الإنسان فيعرفه.

ومما أكرمه الله تعالى به:

محبة الآل و الصحابة على عقيدة الصوفية .

وكان رحمه الله تعالى لا يشعر بتعب ولا ملل مهما أطال الدرس، وطالت الأبحاث والمسائل العلمية حتى إنه كان يقول: أنا لا أتعب في تقرير القضايا العلمية، ولا في إلقاء الدروس الدينيَّة.

وكانت دروسه تستغرق الساعة وربع الساعة، وأحياناً تستغرق الساعة ونصف الساعة، وقد استغرق بعض دروسه في الجامع الأموي الكبير أيام الصيف ساعتين ونصف الساعة، وكان موضوع بحثه وقتئذٍ في محبة الله تعالى، وفي صفات المحبين لله تعالى، وأحوالهم وآدابهم.

ومما أكرمه الله تعالى به:

الإلهام الصادق والخبر الواقع: وذلك تابع لقوة نور الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان رحمه الله تعالى على درجة عالية في التقوى، وعبادة الله تعالى، فجميع أوقاته مليئة كلها بصلوات وقراءات، وصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسبيح وحمد لله تعالى.

وكان حريصاً على أداء الصلوات في أول وقتها، مع سنتها القبلية والبعدية، حتى آخر عمره.

فكان رحمه الله تعالى على مرتبة عظيمة في التقوى والعبادة لله تعالى، والإكثار من ذكر الله تعالى ليل نهار.

ومما أكرمه الله تعالى به: أنه حج بيت الله الحرام وزار رسول الله عليه أفضل الصَّلاة والسلام عدة مرات مع إطالة المدة في ذلك:

وقد حجَّ رحمه الله تعالى ثلاث مرات، وحج معه حجَّته الأخيرة الثالثة ابنه فضيلة الشيخ عبد الله وهي الحجة الأولى له، وكان والده الشيخ محمد نجيب جاوز التسعين، وقد خدمه، في حجته وطوافه، وسعيه، ووقوفه في عرفة، وتنقلاته إلى المزدلفة، ومنى وما هنالك، واكتسب الكثير من دعواته.

أصحابه ومرافقوه في حجاته:

وكان في صحبته ومرافقته وخدمته الرجل الصالح ابن الرجل الصالح السيد الحاج محمد بن الحاج صالح الططري، وابنه الشاب الناشئ في طاعة الله تعالى السيد الحاج كامل رحمهم الله تعالى أجمعين.

وكان في صحبته وخدمته أيضاً المحب الصادق له، الملازم دروسه، ومجالسه المرحوم الشيخ عبد اللطيف البادنجكي التقي المخلص، وقد رافقه في حجته الأولى والثانية والثالثة.

وكان الشيخ عبد اللطيف رحمه الله تعالى ساعياً جهده في أنواع الخير وأعمال البر، وفي معاونة الفقراء وأصحاب الحاجات، فما قصده صاحب حاجة إلا أجابه، وقد ألزم نفسه في كل يوم بخدمة الفقراء والمساكين، ولاسيما المرضى والعَجَزة، وفي قضاء حوائج المحتاجين.

وكان بستانه ويسمَّى: ـ الكرم ـ مضَافة، فكثيراً ما كان يصنع الولائم كل حين وآخر، ويدعو الشيخ محمد نجيب، وإخوانه إلى بستانه العامر.

وفي وقت الضحوة يصنع لهم الطعام، ويبقى حتى قبيل الغروب، ويتناول العشاء عنده هناك، رحمه الله تعالى.

وكان في مرافقته عدَّة من إخوانه الكرام رحمهم الله تعالى، وقد شاهدوا عدة كرامات له في مناسبات متعددة.

إنفاقه في سبيل الخيرات والمساعدات:

كان الشيخ محمد نجيب رحمه الله تعالى كثير الإنفاق في طرق الخيرات، والمساعدات المالية وغير المالية.
أما أرحامه الفقراء فكان يرسل مع ابنه الشيخ عبد الله كمية من المال في كل يوم جمعة، ومنهم في كل شهر،
وكانت له صلات قوية بعلماء الحرمين الشريفين وبالأخص العلامة علوي بن عباس المالكي و مسند العصر مولانا الشيخ محمد ياسين الفاداني رحمهم الله تعالى وهو والد الشيخ المربي عبد الله سراج الدين ,وجد الدكتور الشيخ نور الدين العتر والشيخ حسن العتر .

وفاته:

توفي رحمه الله تعالى في مدينة حلب في السادس والعشرين من شعبان سنة 1373 عن تسعة وتسعين.

كما رثاه تلميذه العالم الفاضل الشيخ بكري رجب المتوفى سنة 1399هـ، بقصيدة بلغت (14) بيتاً، ومطلعها:

يا نجيباً قد أنجــبته الدهور وسراجاً على الأنام ينـــير

يا عظيماً في العلم جم المزايا وكريماً منه العطاء كـــثير

أنت شمس الشهباء حين تبدت كم توالت منها علينا بــدور

علمك الجم لا يدانيه وصف منه فاضت على الأنام بحـور

فإذا ما بثثته بين قــــوم كاد منه الفؤاد بشراً يطـــير

رحمه الله تعالى وأثابه رضاه.

المصادر:

“حول ترجمة الإمام العلامة الشهير والعارف الكبير فضيلة سيدي الوالد محمد نجيب سراج الدين بقلم ولده: عبد الله سراج الدين

إضافات وإفادات المؤرخ العلامة عمر ملا حفجي .
.تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع للشيخ محمود سعيد ممدوح .
من العلماء المعاصرين للشيخ حسن خليل العزامي