الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم » الخاتمة

الخاتمة

الخاتمة

هذه خاتمة تطوافنا في هذا الموضوع الذي كثر السؤال عنه، وعمّ الجهل به، على الرغم من أهميته وخطورته، موضوع غشّى على وجه الحقيقة فيه الجهل أحياناً، والتعصب أحياناً أخرى، فكانت النتيجة هذا الظلم الواقع على جل الأمة وجِلّتها.

لقد كنا نظن أن لن يتجاوز هذا البحث ورقات قليلة، ففوجئنا به وقد أوفى على المئة صفحة، إذ كلما أنجزنا الحديث عن مسألة جرّنا الحديث إلى مسألة أخرى لا تقلّ أهمية عن أختها التي سبقتها.

على أننا نرجوا أن نكون غطينا جوانب الموضوع بسطاً ومناقشة، وأعطيناه ما يستحق من الإيضاح والبيان، إذ هو بشتى قضاياه ومسائله بالغ الأهمية والخطورة والدقة، ولولا أن خاض به البعض فأساءوا ـ هداهم الله ـ وبلبلوا أفكار الأجيال المسلمة الناشئة، وألقوا إلى أذهانهم تضليلَ علماء الإسلام من الأشاعرة والماتريدية وانحرافَهم عن طريق السلف، نقول لولا هذا ما ولجنا هذا الباب، ولتركناه موصداً، ولكن ما حيلتنا وقد فتح البعض هذا الباب على مصراعيه، وانطلقوا ـ دون تثبت ولا بينة ولا علم ـ يضللون ويبدعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لقد حاولنا جهدنا في هذا البحث ـ وكما هي سمة بحوثنا ـ أن لا نورد قناعاتنا الشخصية، وحرصنا على الاكتفاء بالنقل عن علماء الأمة وساداتها وأكابرها، فهؤلاء الأئمة هم الذين كانوا يخاطبون القارئ في هذا البحث من خلال نقولاتهم ونصوصهم التي جمعناها فيه، وهذا الذي نقلناه – على كثرته إذ بلغت المصادر التي نقلنا منها زهاء المئة- ما هو في الحقيقة والواقع إلا نزر يسير لا يذكر من أقوال الأئمة والعلماء، ولقد اكتفينا بمن هو معروف بين العامة، ولو أردنا الاستقصاء ـ وأنّى لنا به ـ لضاق الزمان والمكان، ووالله ما نقول ذلك تخرّصاً وميناً، كلا، بل هي حقيقة يشهد بها التاريخ وتُقِرُّ بها الدنيا.

على أية حال صار هذا البحث الآن في عهدة القارئ، وهو المعنيّ باكتشاف الجهد المبذول فيه، وهو المعنيّ أيضا بوزن الحقيقة التي اعتضدت بالبراهين والحجج العقلية والنقلية، ونخلص الآن إلى أهم النتائج التي خرجنا بها في هذا البحث، وهي:

· الأشاعرة والماتريدية هم أتباع الإمامين العظيمين أبي الحسن الأشعري وأبي منصورالماتريدي، إمامي أهل السنة والجماعة رضي الله عنهما، وهما لم يبتدعا طريقاً غير طريق السلف الصالح، ولم ينشئا مذهباً جديداً، بل هما مقرران لمذاهب السلف مدافعان عنها، مؤيدان لها بالأدلة العقلية، فالانتساب لهما إنما هو من حيث كونهما شَهَرَا طريقة السلف، فهما بمنزلة الأئمة الأربعة في الفروع الفقهية، إذ كما أن المنتسب إلى أحد الأربعة هو في حقيقة الأمر متبع للسلف غير مخالف لهم، فالمتبع لأحد هذين الإمامين ـ أيضاً ـ متبع للسلف غير مفارق لهم في المنهج.

· أهل السنة والجماعة مصطلح يراد به عند العلماء الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث، فإن هؤلاء هم السواد الأعظم والكثرة الغالبة التي عمّت جميع الأدوار التاريخية ومعظم مساحة الدولة الإسلامية منذ أوائل القرن الرابع إلى يوم الناس هذا، وكانوا قبل ذلك يُسَـمَّون بالمثبتة، لكونهم أثبتوا الصفات التي نفاها المعتزلة، ثم سُمُّوا أهل السنة بعد ظهور إمامي أهل السنة الأشعري والماتريدي لكونهما نصروا السنة وقمعوا البدعة.

· ليس في المتشابه من نصوص الصفات إلا مذهبان صحيحان للعلماء، هما مذهب التفويض الذي ذهب إليه جمهور السلف، ومذهب التأويل الذي قال به جماعات من السلف وجمهور الخلف، وليس بعد هذين المذهبين إلا الجنوح نحو التعطيل أو التشبيه.

· لا خلاف بين مذهب التفويض والتأويل، إذ كلاهما مبني على تنزيه الله تعالى عن ظواهر المتشابهات وحقائقها اللغوية المستحيلة في حقه تعالى، والاختلاف بين المسلكين داخل في دائرة الاختلاف الجائز الذي لا يستلزم تضليلاً ولا تبديعاً، فكلا المسلكين منقول عن سلف الأمة.

· التأويل بشروطه التي بينها العلماء شعار سُنّي لاسبيل إلى فهم كتاب الله تعالى وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم فهماً صحيحاً إلا بالأخذ به، فهو أمر لا محيد عنه، وكل من ينكره مضطر إليه في بعض النصوص.

· التأويل السُنّي ليس تعطيلاً أو طريقاً إلى التعطيل، والذي يتهم الخلف من الأمة بالتعطيل من أجل أخذهم بالتأويل هو في حقيقة الأمر متهم لسلف الأمة الصالح بهذه التهمة، لأن جماعات من السلف قالوا بالتأويل، وقد نقلنا طرفاً من أقوالهم وتأويلاتهم ونصوص العلماء في ذلك في ثنايا البحث.

· بحسب الأشاعرة والماتريدية من شهود الإثبات التي تشهد بفضلهم وفضائلهم ومناقبهم وسابقتهم الحسنة في الدين ما تزخر به المكتبة الإسلامية من المعارف والعلوم والمفاخر التي هي بمنزلة الدرّة اليتيمة في تاج المعارف الإنسانية، ومن أنصف ونظر نظرة سريعة خاطفة إلى المكتبة الإسلامية بشتى أقسامها من القرآن وعلومه والحديث وفنونه والفقه وفروعه وأصوله والسير والمغازي والتواريخ واللغة والأدب وغير ذلك من المعارف التي يضيق عن تفصيلها المقام، نقول من أنصف ونظر هذه النظرة السريعة إلى ما ذكرنا خرج بيقين لا يشوبه ريب بفضل علماء الأمة من الأشاعرة والماتريدية، وتبين له بجلاء ذلك الجهد الهائل الجبار الذي بذله هؤلاء الأعلام في الذود عن الدين والدفاع عن الإسلام والمسلمين.

· لقد تواترت فتاوى علماء الأمة في جميع العصور بالثناء على الأشاعرة والماتريدية، والتنويه بفضلهم وشرفهم، كما تضافرت أقوالهم بالنكير على من عرض لهم بالانتقاص والثلب، وشنّعوا عليه غاية التشنيع، وطالبوا بتعزيره وتأديبه.

* * * * *

هذا إجمال لنتائج البحث مما قد فصلناه هناك مؤيداً بالحجة والبرهان، ومدعماً بالعقل والنقل، ومصطَحباً بأقوال أكابر الأمة وفضلائها.

على أننا – وإن أتينا بما أتينا به من حجج وبراهين – لا نكاد نخلص من متعنت مكابر، ومستسر بالإنكار ومجاهر، ممن كبّلوا عقولهم بالتقليد، وأغمضوا أعينهم عن الحقيقة، فهؤلاء ومن جرى مجراهم – وإن كان يعزّ علينا عنتهم وإعراضهم – لا نملك لهم إلا الدعاء بالهداية، ثم الصفح الجميل.

ولكننا نيمم شطر تلك العقول المسلمة الواعية، المتعطشة للحق، المتجردة من أجل الوصول إليه، المقدرة لسلفها الصالح وأعلام الأمة، المدركة لخطورة المرحلة التاريخية التي يمرّ بها العالم الإسلامي، والمدركة أيضاً لأهمية الوحدة الإسلامية لا سيما في هذا الوقت الذي تكالبت على الأمة فيه العداوات وتداعت من كل أصقاع الأرض، فهذه العقول سيجد هذا البحث ـ إن شاء الله تعالى ـ طريقه إليها، وسيؤتي ثماره الطيبة فيها.

ثم نقول لمن لا يتفق معنا تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم:

· ألاّ نقول في الله تعالى وصفاته وأفعاله إلا ما ثبت بطريق القطع واليقين، ولا نزيد على ما ثبت، فلا نقول بذاته أو على الحقيقة أو على الظاهر أو ما شابه ذلك مما لم يَرِدْ به نصٌّ صحيح أو نفاه عقل صريح.

· ألاّ نضلل أعلام الأمة وعلماءها، فنهدمَ بهذا الفعل تلك الصروح العالية الشمّاء من الفضيلة في أذهان الأجيال المسلمة، ونجرأَهم على ذلك.

· ألاّ نصنف المسلمين – إذا خالفونا في ما لا بأس بالاختلاف فيه – إلى ضُلاّل ومبتدعين وفسّاق، جهلاً في الدين وجرأة على الله تعالى ورسوله.

* * *

وأخيراً.. فإننا نجأر إلى الله تعالى بأن يوحّد كلمة المسلمين، ويزيل أسباب الشقاق المزروعة بينهم، ويهدينا وإخواننا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، ويجمعنا معهم في صف واحد، ونقول: فلْـنُوجّه أنظارنا إلى موجبات الوحدة والوفاق التي متعنا الله تعالى بها، ضاربين صفحاً عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو ذلك، واضعين نصب أعيننا قول الحق تبارك وتعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على عبده ورسوله محمـد

وعلى آله وصحبه وسلم

تم بحمد الله