الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم » المقدمة

المقدمة

المقدمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا كبيرًا يبلغ رضاه، والصلاة والسلام على خيرته من خلقه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.

فأصل هذا البحث ونواته ورقات مختصرة أجبنا فيها على بعض الأسئلة التي وردتنا من بعض طلبة الجامعة عن حقيقة الأشاعرة، وهل هم من جملة أهل السنة والجماعة؟

وكنا نظن أن تلك الورقات ستروي الغلة وتشفي العلة، لكننا تبيّنا خطأ ذلك الظن حين تتابعت التساؤلات حول نفس الموضوع، بعد أن أصبح يلقى على أسماع عوامِّ الناس ومثقفيهم, وقد تفاقم الأمر وتعاظم الخطب حتى بلغ إلى حدِّ هجر المسلم أخاه المسلم، وعدم التسليم عليه والصلاة خلفه لكونه من الأشاعرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فأصبح مذهب أهل السنة الأشاعرة تهمة وسُبَّة يتبرَّؤ منها من نسبت إليه أو نسب إليها!

هذا المذهب الذي ما فتئ رافعاً لواء أهل السنة والجماعة، منافحًا عن ثوابت الأمة وعقائدها، واقفاً في وجه طوفان البدع والزيغ وأهله.

هذا المذهب الذي هو في حقيقة الأمر امتداد لما كان عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل السنة.

هذا المذهب الذي يدين به تسعة أعشار أمة الإسلام وسوادها الأعظم وعلماؤها ودهماؤها.

مما اقتضى كتابة هذا البحث مساهمة منا في إزاحة سجف الجهالة التي غَـشَّـت على العقول المسلمة في أمور هي من الأهمية بمكان، أمور كانت بالأمس معلومة للكافة، فباتت في عصرنا من القضايا التي لا يكاد يعرفها أحد.

وسـاهم في هذه الجهالة والظلم الذي وقع على هذا المذهب قوم أرادوا أن يحسنوا فأساءوا، قوم لم يفهموا حقيقة مذهب الأشاعرة في التأويل والتفويض فأساءوا في الحكم عليه بالضلال في قضية لا تستلزم كل هذا التهويل والتضليل.

فقضية التأويل والتفويض لم تكن يوماً تشكل خطرًا يهدد الأمة ويقض مضجعها، ولم تكن مشكلة أمام علماء المسلمين تستوجب التراشق بالتهم والتنابز بالألقاب، وكلٌّ من التأويل والتفويض قد نقل عن علماء السلف الصالح ولم يترتب على ذلك بينهم تضليل ولا تبديع، فلماذا نجعله الآن سببا لذلك؟! لماذا نجعله عقبة أمام وحدة أهل السنة والجماعة في وقت نحن فيه في أمس الحاجة إلى الوحدة؟!

ولقد كنا قبل نتحاشى الخوض في هذه القضايا خشية أن ندخل العامة في متاهات لا حاجة بهم إلى الدخول فيها، سيما موضوع صفات الله تعالى والنصوص المتشابهة التي نهى السلف الصالح عن الخوض فيها، وأمروا الناس بإمرارها وبإرجاعها إلى الآيات والنصوص المحكمة، أَمَا وقد خاض فيها البعض ووصفوا الله تعالى بما لا يليق وبما يستحيل في حقه تعالى، وأدخلوا العامة في ذلك، وضللوا أعلام الدين وعلماء الأمة فلا مناص من ولوج هذا الباب – ولو كنا كارهين – لبيان الحق في ذلك، والدفاع عن علماء الأمة.

إن أسباب الوحدة التي تملكها أمتنا لا تملكها أمة أخرى على الأرض، ودواعي الاجتماع والوفاق كثيرة جدًا، وإنه لمن أشد الظلم والتجني أن نهمل كل هذه الأسباب والموجبات الجامعة الموحدة ونتجاهلها، ثم نركز على أمور فرعية في الفقه والعقائد ونجعلها من الأصول التي ينبني عليها الدين، وتقوم عليها عقائد المسلمين.

إننـا اليوم لفي أمس الحاجة إلى الوحدة والتجمع لكي تتخطى أمتنا عصر الظلمات الذي تتخبط فيه، ولن يتم لنا ذلك من خلال مناهج التبديع والتفسيق – جزافاً وبغير حق – لأعلام تاريخنا الذين هم بمنزلة العُمُد والأسس لثقافتنا وحضارتنا، كما لن يتم لنا ذلك من خلال إشاعة المزيد من أسبـاب الفرقة المفتعلة، وتصنيـف المسلمين إلى ضُلال ومبتدعين وزنادقة وقبوريين.. و.. و.. إلخ.

نعم، لن يتم للأمة خلاصها إلا بالرجوع إلى المنابع، والعودة إلى الأصالة والجذور، وإنشاء أجيال مسلمة تعرف للدين وعلماء الأمة أقدارها، أجيال تدرك قيمة الحوار للوصول إلى الحق، وتتسع صدورها للاختلاف الذي هو من طبيعة البشر.

وهو ما كنا دائماً نسعى إلى ترسيخه في جميع بحوثنا، وهو أيضاً ما نَصْـبوا إليه في هذا البحث، معرضين عن كل ما قد يثيره البعض، ضاربين عنه صفحاً، موقنين بأن الحوار الهادئ المعتضد بالدليل والحجة والبرهان هو أقصر طريق للحقيقة.

ولقد اعتمدنا في هذا البحث على جمع أقوال الأئمة الأعلام، وعزونا كل نصٍّ إلى قائله حرصاً على نزاهة المنهج، ولم يكن لنا من جهد ـ في الغالب ـ إلا في التبويب والترتيب وبعض التعليقات هنا وهناك، وما سوى ذلك فهو نصوص العلماء وكلماتهم موجهة إلى القارئ الكريم مخاطبة لعقله.

وعلى الجملة فإن الموضوع أكبر من أن تحيط به صفحات معدودات، بيد أن هذا ما سمح به المقام مراعاةً (لحساسية) الموضوع وخطورته!!.

وأخيراً.. فهذا البحث جهدُ المُقِلِّ عسى الله تعالى أن يبارك فيه وينفع قارئيه، كما بارك في الرسائل والبحوث التي سبقته، وأن يوفق تعالى إلى بحوث أخرى تساعد في إنارة الطريق إلى الله تعالى، وتساهم في توعيةٍ شرعيةٍ أصيلةٍ.

وبالله الحول والقوة، وإليه المفزع في درك كل طَلِبَة، به نعتضد وعليه نعتمد، هو حسبنا ونعم الوكيل.