الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم » مصطلح الأشاعرة / ترجمة الإمام أبى الحسن الأشعري

مصطلح الأشاعرة / ترجمة الإمام أبى الحسن الأشعري

مصطلح الأشاعرة

لفظ الأشاعرة يطلق على من سلك مسلك الإمام أبي الحسن الأشعري في الاعتقاد، لا تقليداً بل اهتداءً، فمثل الإمام أبي الحسن – رحمه الله تعالى – كمن عقد على طريق السلف لواءً ليهتدي به من يراه، فالانتساب إليه بمنزلة الانتساب إلى الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد – رضوان الله عليهم – في الفروع الفقهية، إذ مع كونهم مختلفين في طرق الاستنباط واستخراج الأحكام، إلا أنهم متفقون على المصادر التي يصدرون عنها والموارد التي يردونها، وكذلك الإمام أبو الحسن الأشعري في أبواب أصول الدين، إنما هو آخذ من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وسائر على طريق السلف، والانتساب إليه إنما هو من حيث كونه أضاء تلك الطريق ونصب عليها نطاقاً وشهرها في الأمة بعد أن حاول طمسها أصحاب البدع والأهواء.

قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى (الطبقات 3/ 365):

(اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأياً ولم ينشء مذهباً، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله ‘، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقاً وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعرياً) اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى مبيناً أن هذه الطريقة عليها جل الأمة:

(وقد ذكر شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته – يعني الأشعري – اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري) اهـ.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى وهو من الطبقة الثالثة من أتباع الإمام الأشعري (تبيين كذب المفتري 103، الطبقات الكبرى للتاج السبكي 3/397):

(.. إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله فلم يحدث في دين الله حَدَثاً، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا وجاء به الشرع في الأصول صحيح في العقول، بخلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدلَّ عليه من أهل السنة والجماعة، ونصرة أقاويل من مضى من الأئمة كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، ومن نحا نحوهما من الحجاز وغيرها من سائر البلاد، وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، والليث بن سعد وغيره وأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع رضي الله عنهم أجمعين) اهـ.

وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري ص 359):

(.. ولسنا نُسَلِّم أن أبا الحسن اخترع مذهباً خامساً، وإنما أقام من مذاهب أهل السنة ما صار عند المبتدعة دارساً، وأوضح من أقوال من تقدمه من الأربعة وغيرهم ما غدا ملتبساً، وجدد من معالم الشريعة ما أصبح بتكذيب من اعتدى منطمساً، ولسنا ننتسب بمذهبنا في التوحيد إليه على معنى أنا نقلده فيه ونعتمد عليه، ولكنا نوافقه على ما صار إليه من التوحيد لقيام الأدلة على صحته لا لمجرد التقليد، وإنما ينتسب منا من انتسب إلى مذهبه ليتميز عن المبتدعة الذين لا يقولون به من أصناف المعتزلة والجهمية والكرامية والمشبهة والسالمية، وغيرهم من سائر طوائف المبتدعة وأصحاب المقالات الفاسدة المخترعة، لأن الأشعري هو الذي انتدب للرد عليهم حتى قمعهم وأظهر لمن لا يعرف البدع بدعهم، ولسنا نرى الأئمة الأربعة الذين عنيتم في أصول الدين مختلفين، بل نراهم في القول بتوحيد الله وتنزيهه في ذاته مؤتلفين، وعلى نفي التشبيه عن القديم سبحانه وتعالى مجتمعين، والأشعري – رحمه الله – في الأصول على منهاجهم أجمعين، فما على من انتسب إليه على هذا الوجه جناح، ولا يرجى لمن تبرأ من عقيدته الصحيحة فلاح، فإن عددتم القول بالتنزيه وترك التشبيه تمشعراً فالموحدون بأسرهم أشعرية، ولا يضر عصابة انتمت إلى موحد مجردُ التشنيع عليها بما هي منه بَرِيِّة) اهـ.

فانظر – رحمك الله – كيف جعل الانتساب إلى الإمام الأشعري تميزاً عن أهل البدع والأهواء، وأنه ومن انتسب إليه على ما كان عليه السلف الصالح من الأربعة وغيرهم.

وقال أيضاً رحمه الله تعالى (المصدر السابق 397):

(وهم – يعني الأشاعرة – المتمسكون بالكتاب والسنة، التاركون للأسباب الجالبة للفتنة، الصابرون على دينهم عند الابتلاء والمحنة، الظاهرون على عدوهم مع اطراح الانتصار والإحنة، لا يتركون التمسك بالقرآن والحجج الأثرية، ولا يسلكون في المعقولات مسالك المعطلة القدرية، لكنهم يجمعون في مسائل الأصول بين الأدلة السمعية وبراهيـن العقـول، ويتجنبون إفراط المعتزلة ويتنكبون طرق المعطلة، ويَطَّرِحون تفريط المجسمة المشبهة، ويفضحون بالبراهين عقائد الفرق المموهة، وينكرون مذاهب الجهمية وينفرون عن الكرامية والسالمية، ويبطلون مقـالات القدرية ويرذلون شُبَهَ الجبرية… فمذهبهم أوسط المذاهب، ومشربهم أعذب المشارب، ومنصبهم أكرم المناصب، ورتبتهم أعظم المراتب فلا يؤثر فيهم قدح قـادح، ولا يظهر فيهم جرح جارح) اهـ.

وقال الإمام المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2/7):

(وليعلم أنّ كلاًّ من الإمامين أبي الحسن وأبي منصور – رضي الله عنهما – وجزاهما عن الإسلام خيراً لم يبدعا من عندهما رأياً ولم يشتقا مذهباً إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه أصحاب رسول الله ‘ … وناظَرَ كلٌّ منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين) اهـ.

هـؤلاء هم الأشاعرة أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري، فمن هو هذا الإمام الفذ الذي انتسبوا إليه؟

ترجمة الإمام أبى الحسن الأشعرى

هو الإمام الحبر، التقي البر، ناصر السنة، وعلم الدين، وشعار المسلمين، علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله ‘ ـ أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ـ رضي الله عنه.

شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين، ولد رحمه الله سنة ستين ومئتين، وتبع أول أمره مذهب الجبّائي المعتزلي، واستمر على الاعتزال أربعين سنة أو قريبا من ذلك، وبرع فيه حتى صار للمعتزلة إمـاماً، وعلى خصومهم حسـاماً، فلما أراد الله نصر دينه، وتأييـد سنة نبيه ‘ بصره ببطلان مذهب الاعتزال فكانت تعرض له إشكالات على عقائد المعتزلة، فيسأل عنها أستاذِيه فلا يجد عندهم أجوبة شافية، وهكذا إلى أن أراه الله تعالى وجه الحق،فخـرج إلى الجامع وصعد المنبر وصاح بأعلى صوته: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله تعالى لا يرى في الآخرة بالأبصار، وأن العباد يخلقون أفعالهم، وهاأنا تائب من الاعتزال معتقد الرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم، معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي شيء على شيء، فاستهديت الله تعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته كتبي هذه، ولقد انخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به، ودفـع للناس الكتب التي ألفها على مذاهب أهل الحق، وطريقة الجماعة من الفقهاء والمحدثين.

قال العلماء: إن أهل البدع قبل الإمام أبي الحسن قد رفعوا رؤوسهم فلما ظهر عليهم رحمه الله حجزهم في أقماع السمسم.

وقد أخذ عنه رحمه الله خلق كثير من أعلام الأمة مثل الإمام أبي الحسن الباهلي البصري رحمه الله تعالى، والإمام أبي عبد الله بن مجاهد البصري رحمه الله تعالى، والإمام أبي محمد الطبري المعروف بالعراقي رحمه الله تعالى، والإمام أبي بكر القفال الشاشي رحمه الله تعالى، والإمام أبي سهل الصعلوكي النيسابوري رحمه الله تعالى وغيرهم.

وأخذ عن أصحابه أعلام وأئمة في الإسلام، مثل الإمام القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى، والإمام أبي الطيب بن أبي سهل الصعلوكي رحمه الله تعالى، والإمام أبي علي الدقاق رحمه الله تعالى، والإمام الحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى، والإمام أبي بكر بن فورك رحمه الله تعالى والحافظ أبي نعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى، وغيرهم ممن تتزين بذكرهم المنابر، وتتعطر بسيرهم الدفاتر وكلهم خلّف تلامذة هم إلى اليوم أعلام الدنيا ونجوم الهدى.

وعلى الجملة فقد انتهض لنصرة مذهبه أهل السنة والجماعة في جميع الأرض، وبلغ مذهبه ما بلغ الليل والنهار، لِمَا كان عليه من اقتفاءٍ لآثار السلف رضوان الله عليهم، ورفعٍ للواء السنة.

ترك من المؤلفات شيئا كثيرا، قيل إنه بلغت مؤلفاته أكثر من مئتين كتاب ([1])

توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكل أهل السنة باكون عليه، متوجعون لفقده، وكل أهل البدعة مرتاحون منه. رحمه الله ورضي عنه ([2]).

* * * * *

(1) انظر طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي 3/360 .

(2) اقتبسنا ترجمته رحمه الله تعالى من تبيين كذب المفتري، وطبقات الشافعية للسبكي ، ومفتاح السعادة .