الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » الإمتاع فى أحكام الرضاع » الباب الثالث/فى الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم والمصاهرة

الباب الثالث/فى الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم والمصاهرة

الإمتاع فى أحكام الرضاع

أ. د. محمد حسن هيتو

البَابْ الثَالثْ

في الرَّضَاعِ القَاطِع للنِكَاحِ

وحُكم الغُرْم والمُصَاهَرة

وفيه فصلان

الفصل الأول في انقطاع النكاح وحكم الغرم

أولاً : انقطاع النكاح بالرضاع :

الرضاع الطارئ قد يقطع النكاح، وإن لم يقتض حرمة مؤبدة، وقد يقطعه لاقتضائه حرمة مؤبدة

فكل امرأة يحرم عليه أن ينكح بنتها – كأمه، وأخته، من نسب أو رضاع، أو زوجته، أو زوجة أبيه أو ابنه أو أخيه – إذا أرضعت تلك المرأة زوجته الصغيرة خمس رضعات ، ثبتت الحرمة المؤبدة ، وانقطع النكاح .

لأنها صارت أخته، أو بنت أخته، أو بنت زوجته، أو أخته أيضاً، أو بنت أبنه ، أو بنت أخيه .

لأن ما يوجب الحرمة المؤبدة، كما يمنع ابتداء النكاح، يمنع استدامته، بدليل أن الابن إذا وطئ زوجة أبيه بشبهة انفسخ النكاح وحرمت عليه، وليس كذلك طُرُوِّ الردة والعدة، لعدم إيجابها التحريم المؤبد .

أما إذا كان اللبن من غير الأب والابن والأخ، فلا يؤثر، لأن غايته أن تصير ربيبة أبية، أو ابنه، أو أخيه، وليست بحرام عليه .

ولو أرضعتها زوجة أخرى له بلبنه ، انفسخ النكاح ، وثبتت الحرمة المؤبدة ، لأنها صارت بنته .

وأما إذا كان اللبن لغيره ، فسيأتي معنا حكمه ،والكلام عليه .

قال الشافعي : ولو تزوج رجل صبية ، ثم أرضعتها أمه التي ولدته ، أو أمه من الرضاعة ، أو بنته من نسب أو رضاع ، أو امرأة ابنه من نسب أو رضاع ، بلبن ابنه – حرمت عليه الصبية أبداً(1). آه .

ثانياً : الغرم المتعلق بانقطاع النكاح :

والزوجة الصغيرة التي انفسخ نكاحها بسبب الرضاع على ما بيناه في الفرع السابق تستحق نصف المهر المسمى، إن كان صحيحاً، أو نصف مهر المثل إن كان فاسداً، لأن ذلك فرقة قبل الدخول ، لا من جهتها ، فيشطر المهر ، كالطلاق ، وهذا إذا كان الانفساخ بسبب إرضاعها .

وأما إذا كان من جهتها ، بأن دبت فرضعت من نائمة ، فإنه لا شيء لها على المذهب، وبناء على ذلك يجب على المرضعة الغرم للزوج سواء قصدت بالإرضاع فسخ النكاح، أم لا، وسواء وجب عليها الإرضاع ، بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها ، أم لا، لأن غرامة الإتلاف لا تختلف بهذه الأسباب .

قال الماوردي: إنما يرجع الزوج بالغرم إذا لم يأذن لها في الإرضاع ، فإذا أذن فلا غرم .

قال الشهاب الرملي: ومنه يعلم عدم الرجوع عليها فيما إذا أكرهها ، لأنه أبلغ من لإذن المجرد .

قال ابن حجر: ولو حلبت لبنها ثم أمرت أجنبياً يسقيه لها، كان طريقاً، والقرار عليها، على ما في ” المعتمد ” للبندنيجي .

ونظر فيه الأذرعي إذا كان المأمور مميزاً، لا يرى تحتم طاعتها، والذي يتجه في المميز أن الغرم عليه فقط ، وفيمن يرى تحتم الطاعة ،أنه عليها فقط (2).

قال النووي : وفي الغرم أربعة أقوال ، أظهرها عند الجمهور : نصف مهر المثل .

قال شيخ الإسلام زكريا : اعتباراً لما يجب له بما يجب عليه .

ولا يرجع بجميع مهر المثل، ولا بجميع المسمى، ولا بنصفه، وتعليل هذا سنجده في نص الشافعي بعد أسطر قليلة إن شاء الله .

وفارق هذا شهود الطلاق قبل الدخول ، أذا رجعوا ، حيث يرجع عليهم الزوج بجميع مهر المثل .

بأن فرقة الرضاع حقيقية، فلا توجب إلا النصف، كالمفارقة بالطلاق، وفي الشهادة النكاحُ باقٍ بزعم الشهود والزوج، لكنهم بشهادتهم حالوا بينه وبين البضع، فغرموا قيمته، كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب .

قال الشافعي رضي الله عنه في ” الأم ” (3) : ولو تزوج رجل صَبِيَّةً ، ثم أرضعتها أمه التي وَلَدَتْهُ أو أمهُ من الرضاعة، أو ابنتُه من نسبٍ أو رضاع، أو امرأةُ ابنه من نَسَبٍ أو رضاع بلبنِ ابنه ، حَرُمَتْ عليه الصبيةُ أبدا وكان لها عليه نصفُ المهر، ورجع على التي أرْضعتها بنصف صداقِ مثلها، تعمدت إفساد النكاح، أو لم تتعمده، لأن كل من أفسد شيئاً، ضمن قيمةَ ما أَفْسَدَهُ تعمدَ إفسادَهُ أو لم يَتَعَمَدَهُ .

وقيمةُ نصفِ صداق مثلها، لأن ذلك قيمةُ ما أفسدت منها، مما يلزم زوجها كان أكثر من نصف ما أصدقها، أو أقل، إن كان أصْدَقَها، أو لم يُسَمِّ لها صَدَاقاً، لأن ذلك أقلُّ ما كان وجب لها عليه بكلِّ حالٍ ، إذا لم يكن هو طلقها ، قبل أن يسمي لها شيئاً .

قال الشافعي: وإنما منعني أن أُلزِمَهُ مهرها كله، أن الفرقة إذا وقعت بإرضاعها، ففساد نكاحها غير جناية، إلا بمعنى إفساد النكاح، وإفسادُ النكاح كان بالرضاع الذي كان قبل نكاحه جائزاً لها ، وبعد نكاحه ، إلا بمعنى أن يكون فساداً عليه، فلما كان فساداً عليه ، ألزمتُها ما كان لازماً للزوج في أصلِ النكاح ، وذلك نصفُ مهرِ مثلها .

وإنما منعني أن ألزُِمَها نصف المهر الذي لَزِمَهُ بتسميتِهِ ، أنه شيء حابَى به في مالِهِ ، وإنما يُغْرَمُ له أذا أُفْسِد عليه ثمنُ ما استُهْلِكَ عليه ، مما لزمه،ولا أزيد عليها في ذلك شيئاً على ما لزمه كما لو اشترى سلعة بمائة ، استهلكها ، وقيمتها خمسون ، لم يغرم مئة .

وإنما منعني أن أغرمها الأقل، من نصف مهر مثلها، أو ما سمي لها، أن أباها لو حاباه في صَدَاقها، كان عليه نصفُ مهرِ مثْلها، فلم أُغَرِّمْها إلا ما يلزمه، أو أقل منه، إن كان قيمةَ نصفِ مهرِ مثلها أقل مما أصدقها .

وإنما منعني من أن أُسْقِطَ عنه الغُرْمَ ، وإن كان لم يفرض لها صَداقاً ، انه كان حقاً لها ، عليه نصف مهر مثلها إن طلقها، ولأني لا أجيز لأبيها المحاباة في صداقها، فإنما أغرمها ما لزمه بكل حال ، وأبطلت عنها محاباته ، كهبته، وإنما يكون للمرأة المتعة إذا طلقها ، ولم يسم لها ، إذا كانت تملك ما لها ، كما يكون العفو لها، فأما الصبية ، فلا تملك مالها ، ولا يكون لأبيها المحاباة في مالها .آه .

العبد ترضع أمه زوجته :

إذا نكح العبد صغيرة، فأرضعتها أمه، فإنه ينفسخ النكاح، ويلزمه في كسبه نصف المسمى للصغيرة، ولسيده الرجوع على أم العبد بالغرم، لأنه بدل البضع، فكان للسيد، كعوض الخلع .

ويرجع السيد على المرضعة بنصف المهر المثل كما قال ابن الحداد، وابن المقري في ” الروض ” ، قال : وإن كان النكاح لم يفت إلا على العبد ، فلا حق للسيد فيه، لأن ذلك بدل البضع ، فكان للسيد كعوض الخلع .

المفوضة الصغيرة ترضعها أم الزوج :

قال الإمام النووي: الصغيرة المفوضة، إذا أرضعتها أم الزوج، انفسخ النكاح ، فلها على الزوج المتعة .

قال ابن الحداد ، ويرجع الزوج على المرضعة بالمتعة ، والأظهر أنه يرجع بنصف مهر المثل .

قال ابن المقري : وإذا كان الزوج عبداً ، فلها المتعة في كسبه، ولا يطالب سيده المرضعة إلا بنصف المهر .

قال النووي : والصورة إذا كانت الصغيرة أمه : فزوجها السيد بلا مهر ، لأن الصغيرة الحرة لا يتصور في حقها التفْويض .

قال الشهاب الرملي : ويتصور في الحر أيضاً بصور :

الأولى :

إذا كان ممسوحاً ، فإنه يجوز له أن ينكح الأمة مطلقاً ، ويجوز له نكاح الأمتين ، والثلاث ، والأربع ، كما قاله ابن عبد السلام ،وعلله بالأمن من إرقاق الولد .

الثانية :

إذا نكح ذمي أمة صغيرة ثم ترافعوا إلينا بعد حصول الرضاعة .

الثالثة:

أن ينكح الذمي أمة صغيرة ، ثم يسلم وهو مستكمل للشرائط ، فإنه يقر عليها ، كما أوضحوه في بابه ، ويغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء (4).

الأجنبي يوجر الزوجة لبن أم الزوج :

إذا حلب أجنبي لبن أم الزوج ، أو كان محلوباً ، فأخذه ، وأوجره الزوجة الصغيرة فالغرم على الأجنبي، والأظهر أن الغرم هو نصف مهر المثل .

ولو أوجرها خمسة أنفس ، فعلى كل واحد خمس الغرم .

ولو أوجرها واحد مرة ، وآخران مرتين مرتين ، فالأصح أنه يوزع على عدد الرضعات ، لا على عدد المرضعات ، أو فاعلي الإكراه .

قال شيخ الإسلام زكريا : لأن انفساخ النكاح يتعلق بعدد الرضعات ، فعلى الأول خمس الغرم ، وعلى كل من الآخرين خمساه .

وهذا ما صححه النووي في ” الروضة ” هنا ، ونبه عليه في ” الروض ” .

إلا أن الزركشي رجح في ” القواعد ” أن الغرم يتعلق بفعل الأخيرة ، وهي : من أرضع الخامسة ، ورجحه شيخ الإسلام زكريا في ” شرح الروض ” (5) .

وتوقف الشهاب الرملي فيه ، وجعله محل تأمل ، والظاهر : لأنه فيه اتفاق على الإكراه فلا دخل فيه للأخيرة أو الأولى ، بخلاف غيره من الفروع التي يكون التحريم فيها بفعل الخامسة . والله أعلم.

غرم المكرهة على الإرضاع :

ولو أكرهت الأم على رضاع زوجة الابن ، وانفسخ النكاح ،فالأصح أن الغرم عليها .

قال شيخ الإسلام زكريا : والغرم عليها طريقاً ، والقرار على المكره ، ليوافق قاعدة الإكراه على الإتلاف .

قال : والفرق أن الأبضاع لا تدخل تحت اليد ، وبأن الغرم هنا للحيلولة ، وهي منتفية في حق المكرِهِ – مردود ، بأن الحر لا يدخل تحت اليد ، مع دخول إتلافه في القاعدة .

والقول بأن الغُرْمَ هنا للحيلولة يرده ما مر من الفرق بين ما هنا وشهود الطلاق إذا رجعوا .

الريح تحمل اللبن من الكبيرة إلى جوف الصغيرة :

ولو حملت الريح اللبن من الكبيرة إلى جوف الصغيرة ، لم يرجع على واحدة منهما ، إذ لا صنيع منهما(6).

أم الكبيرة ترضع الصغيرة وصور أخرى :

تحته صغيرة وكبيرة ، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة ، أنفسخ نكاح الصغيرة قطعاً ، لأنها صارت أخت الكبيرة ، والكبيرةِ أيضاً على الأظهر .

قال ابن حجر : ويفرق بينه وبين ما لو نكح أختاً على أختها ، بأنه هذه لم تجتمع مع الأولى أصلاً، لوقوع عقدها فاسداً من أصله، فلم يؤثر بطلان الأولى، بخلاف الكبيرة هنا ، فإنها اجتمعت مع الصغيرة فبطلتا ، إذ لا مرجح(7) .

ولو أرضعتها جدة الكبيرة ، أو أختها ، أو بنت أختها فكذلك، ويجوز في الصور أن ينكح واحدة منهما بعد ذلك ، ولا يجمعهما .

ولو أرضعتها بنت الكبيرة ، فحكم الانفساخِ كما ذكرنا وتحرم الكبيرة على التأبيدة ، لأنها صارت جدة زوجته ، وكذا الصغيرة ، إن كانت الكبيرة مدخولاً بها ، لكونها صارت ربيبة ، بخلاف ما إذا لم يكن مدخولاً بها .

وحكم مهر الصغيرة على الزوج والغُرم على المرضعة كما سبق ، فعليه لكل منهما نصف مهر المثل ، وله على المرضعة نصف مهر المثل، وكذا القول في الكبيرة إذا قلنا بانفساخ نكاحها ، ولم تكن ممسوسة ، فإن كانت ، فعلى الزوج مهرها المسمى .

وهل تغرم المرضعة له ؟ قولان : أظهرهما ، تغرم له المثل ، لأنها فوتت عليه منافع البضع .

كما لو شهدوا بالطلاق بعد الدخول ثم رجعوا ، يغرمون مهر المثل، وكما لو أدعى الزوج أنه راجعها قبل انقضاء العدة فأنكرت ، وصدقناها بيمينها ، فنكحت ، ثم أقرت بالرجعة للأول ، ولا يقبل إقرارها على الثاني، وتغرم للأول مهر مثلها ، لأنها أتلفت بضعها عليه .

متى يجب الغرم :

إنما يجب الغرم في الصور السابقة على أم الزوج ومن في معناها ، إذا أرضعت أو مكنت الصغيرة من الارتضاع، ولا يؤثر مع إرضاعها إرتضاع الصغيرة ، فلا يحال الانفساخ عليها. فلو كانت ذات اللبن نائمة فدبت إليها الصغيرة ، فارتضعت وانفسخ النكاح ، أحلنا الانفساخ على فعل الصغيرة، فلا غرم على صاحبة اللبن ، لأنها لا فعل لها ، خلافاً للداركيّ من أصحابنا، ولا مهر للصغيرة على الأصح .

وعليه يرجع الزوج في مالها، حيث ينفسخ نكاح الكبيرة بنسبة ما يغرم لها من مهر مثلها،فيرجع فيه بمهر مثل الكبيرة، إن كانت مدخولاً بها وإلا فبنصفه، لأنها أتلفت عليه بضع الكبيرة.

ولا فرق في غرامة المتلفات بين الكبيرة والصغيرة .

لو وصلت قطرة بتطيير الريح إلى جوف الصغيرة ، فلها نصف، المهر، ولا غرامة على صاحبة اللبن ، ولا رجوع له على واحدة منها ،إذ لا صنع منهما .

ولو ارتضعت منها وهي مستيقظة ساكنة ، فهل يحال الرضاع على الكبيرة لرضاها به ، أم لا لعدم فعلها ، كالنائمة ؟

وجهان ، حكاهما ابن كج ، قال النووي في ” زوائد الروضة” :أصحهما لا تغرم (8)

قال الشهاب الرملي : وما اعترض به الإسنوي على النووي من أنه جزم في صدر المسألة في التمكين ، بأن الغرم على أم الزوج لأنها ممكنه يناقض ما صححه في آخرها في السكوت _ قد رده الأذرعي بأن التمكين أمر زائد على السكوت المجرد ،لأن التمكين فيه نوع إسعاف بخلاف السكوت ، لا صنع لها فيه معه أصلاً .

قال ابن حجر : وجعله – أي النووي – كالأصحاب التمكين من الإِرضاع إرضاعاً ، إنما هو بالنسبة للتحريم لا الغرم، وإنما عد سكوت المحرم على الحلق كفعله، لأن الشعر في يده أمانة ، فلزمه دفع متلفاته، ولا كذلك هنا .

ولو ارتضعت الصغيرة من أم الزوج رضعتين وهي نائمة ، ثم أرضعتها الأم ثلاث رضعات .

فالذي صححه النووي في ” الروضة ” أن الغرم على عدد الرضعات، كما مر معنا في ص 102 ، فيسقط من نصف المسمى خمساه، ويجب على الزوج ثلاثة أخماسه .

قال النووي : كما جزم به صاحبا ” المهذب ” و” التهذيب ” ولوأرضعتها الأم أربع رضعات ، ثم ارتضعت الصغيرة منها وهي نائمة المرة الخامسة .

فعلى قياس هذا عند النووي يسقط من نصف المهر خمسه ، ويجب على الزوج أربعة أخماسه ، لتعلق الانفساخ بعدد الرضعات، ويرجع على المرضعة بأربعة أخماس مهر المثل،وعلى هذا نص ابن المقري في ” الروض ” تبعًا للإمام النووي .

إلا أن شيخ الإسلام لم يقبله، وقال: إنما يأتي هذا القول في هذين الفرعين على القول بأن التحريم لا يتعلق بالخامسة، والأصح، نعلقه بها، وأقره عليه الشهاب الرملي، وهو المعتمد ، وبناء عليه ، فلا غرم على الكبيرة، ويسقط مهر الصغيرة في الصورة الأخيرة، ويتعلق الغرم كاملاً بالكبيرة في الصورة الأولى.

وقد نقل النووي هذا في الفرع الأخير عن المتولي فقال : قال المتولي : في نظيره لأصحابنا وجهان ، وهو إذا طلقها متعاقبات ، هل التحريم بالثالثة وحدها ، أم بالثلاث ؟

إن علقنا بالثالثة، يحال التحريم على الرضعة الأخيرة، وتكون كما لو ارتضعت الخمس وصاحبة اللبن نائمة ، ولا غرم على الكبيرة ،ويسقط مهر الصغيرة، وإن علقنا بالثلاث تعلق التحريم هنا بالرضعات .

الفصل الثاني

في

المصاهرة المتعلقة بالرضاع

من نكح صغيرة أو كبيرة ، حرمت عليه مرضعاتها ، لأنها أم زوجته من الرضاع .

ولو نكح صغيرة، ثم طلقها ، فأرضعتها امرأة، حرمت المرضعة على المطلق، لأنها صارت أم من كانت زوجته ، ولا نظر إلى التاريخ في ذلك .

قال ابن حجر : إلحاقاً للطارئ بالمقارن ، كما هو شأن التحريم المؤبد(9) آه .

ولو كانت تحته كبيرة فطلقها، فنكحت صغيراً، وأرضعته بلبن المطلق، حرمت على المطلق أبداً، لأنها صارت زوجة ابنه من الرضاع ، كما تحرم على الصغير ، لأنها صارت زوجة أبيه من الرضاع (10) .

قال الشربيني في (( المغني )) : فإن كانت المطلقة أمة ، لم تحرم على المطلق ، لبطلان النكاح ، لأن الصغير لا يصح نكاحه أمة ن فلم تصر حليلة ابنه (11).

ولو نكحت صغيراً ،ففسخت نكاحه بعيب ، ثم نكحت آخر، فأرضعت الأول بلبن الثاني ، انفسخ نكاحها وحرمت عليهما أبداً، لأن الأول صار ابناً للثاني، فهي زوجة ابن الثاني،وزوجة أبي الأول بل أمه ، إن كان اللبن منها .

ولو وجاءت زوجة أخرى للثاني، وأرضعت الأول بلبن الثاني،انفسخ نكاح التي كانت زوجة

الصغير، لأنها صارت زوجة ابن الثاني، وزوجة أبي الأول من الرضاع .

زوَّج مستولدته بعبده فأرضعته بلبن السيد :

ولو زوج السيد مستولدته بعبده الصغير _ بناء على المرجوح من أنه يزوجه _ فأرضعته بلبن السيد ، حرمت على السيد مؤدباً ، لأنها صارت زوجة ابنه ، وحرمت على الصغير مؤدباً ، لأنها صارت أمه ،أو موطوءة أبيه .

المطلقة ترضع بغير لبن الزوج :

لو أرضعت المطلقة الصغير َ الذي نكحنه بغير لبن الزوج ،انفسخ نكاح الصغير ، لأنها صارت أمه ، ولا تحرم على المطلق ، لأن الصغير ليس ابناً له .

الأمة الموطوءة ترضع زوجته بلبن غيره :

لو كان تحته صغيرة ، فأرضعتها أمةٌ له ، قد وطئها ، بلبن غيره ،بطل نكاح الصغيرة وحرمتا أبداً، لأن الأمة أم زوجته، والصغيرة ابنته، إن كان اللبن له، وابنة موطوءته، إن كان اللبن لغيره .

تزوجا صغيرة وكبيرة ، ثم طلقا وعكسا

وأرضعت الكبيرة الصغيرة بلبن غيرهما :

لو كان تحت زيد كبيرة ، وتحت عمرو صغيرة فطلق كل واحد زوجته ، ونكح زوجة الآخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة واللبن لغيرهما، حرمت الكبيرة عليهما أبداً ، لأنها أم زوجتهما .

فإن كانا دخلا بالكبيرة ، حرمت الصغيرة عليهما أبداً ، لأنها ربيبة ، بخلاف من لم يدخل بها.

وإن أرضعتها بلبن أحدهما ، حرمتا عليه ، لأن الكبيرة أم زوجته ، والصغيرة ابنته ، وحرمت الكبيرة على الآخر أبدا ، وكذا الصغيرة إذا دخل بالكبيرة، وإن لم يدخلا بها، لم تحرم عليهما ، ولا ينفسخ نكاحها .

وكذا لو لم يدخل زيد بها حين كانت في نكاحها ، لا تحرم عليه الصغيرة ، ولا ينفسخ نكاحها .

الغرم :

وإذا انفسخ نكاحها ، فعلى زوجها نصف المسمى، ويرجع بالغرم على الكبيرة، ولا يجب للكبيرة شيء على زوجها ، إن لم يدخل بها ، لأن الانفساخ منها .

تحته صغيرة وكبيرة طلقهما :

ولو كان تحت زيد كبيرة وصغيرة فطلقهما، فنكحهما عمرو، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة، فحكم تحريمهما على ما فصلناه في الصورة السابقة، فتحرم الكبيرة على زيد، لأنها أم زوجته ، وتحرم الصغيرة إن كان دخل بالكبيرة، لأنها ربيبته، وينفسخ نكاحهما ، وإن لم يدخل عمرو بالكبيرة ، لاجتماع الأم والبنت في نكاح .

قال الشافعي رحمه الله في ” الأم ” : ولو تزوج امرأةًً ، فلم يُصِبْها حتى تزوج عليها صَبيةً تَرْضَعُ ، فأرضعتها ، حرمت عليه المرأةُ الأم لكل حال، لأنها من أمهاتِ نسائه، ولا نصفَ مَهْرٍ ولا مُتْعَةَ لها، لأنها أَفْسَدتْ نكاحَ نفسها، ويَفْسُدُ نكاحُ الصَّبيةِ بلا طَلاقٍ ، لأنها صارتْ في ملكه وأمها معها، ولأن التي أرضعتها لم تَصِرْ أمها ، وهذه بنتها ، إلا في وَقْتٍ ، فكانتا في هذا الَموْضِعِ ، كمن ابتدأ نكاح امرأةٍ وابنتها ، فلها نصف الَمْهر بفسادِ النكاح، فَيَرْجعُ على امرأتِهِ التي أرضعتها بنصفِ مَهْرِ مثلها(12) .

تحته صغيرة وكبيرة فأرضعتها :

تحته صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة، انفسخ نكاحهما ، وحرمت الكبيرة مؤبداً، وكذا الصغيرة، إن كانت الكبيرة أرضعتها بلبنه، أو كانت مدخولاً بها، وإلا فلا، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى ، وفيما يرجع به على الكبيرة ، الأظهر نصف مهر المثل، ولا مهر للكبيرة ، إن لم يكن مدخولاً بها ، فإن كانت مدخولاً بها ، فلها المهر .

قال الأصحاب : ولا نقول : يرجع عليها بمهرها ، لكونها أتلفت عليه بضعها ، لأنه يؤدي إلى إخلاء نكاحها عن المهر .

قال في (( شرح الروض )): فتصير كالموهوبة ، وذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس كما لو راجعها في العدة وأنكرت، فصدقناها بيمينها ، فنكحت زوجاً آخر ، ثم صدقت الأول في الرجعة ، حيث يغرمها الأول مهر المثل ، لأن نكاحها باق بزعمه فدعمها، إلا أنها حالت بينه وبينها باليمين .

ولذلك لو طلقها الثاني، أو مات، عادت إلى الأول بلا تجديد عقد ، ويلزمه رد المهر إليها .

فلو كانت الكبيرة ، فارتضعت منها الصغيرة ، فلا مهر للصغيرة ، وللكبيرة نصف المسمى إن لم يدخل بها ، وجميعه إن دخل، ويرجع بالغرم في مال الصغيرة .

ولو أرضعتها الكبيرة أربع رضعات ، ثم ارتضعت الصغيرة منها الخامسة وهي نائمة فالأصح كما قدمنا في (ص 105 ) أن الغرم يتعلق بالخامسة .

وبناء عليه ، قال شيخ الإسلام : فلا غرم على الكبيرة ، وللكبيرة المسمى ، أو مهر المثل ، إن دخل بها ، أو نصفه إن لم يدخل بها ، ويرجع به في مال الصغيرة ، وليس للصغيرة شيء والله أعلم .

الأمة الكبيرة ترضع زوجته الصغيرة :

لو كان تحته أمة كبيرة لغيره ، نكحها ، فأرضعت زوجته الصغيرة ، تعلق الغرم برقبتها .

وإن أرضعت الصغيرة أمتُه ، أو أمُّ ولده ، فلا غرم عليها للزوج ، لأن السيد لا يستحق على مملوكه مالاً .

ولو كانت الكبيرة أمته المكاتبةَ ، أو أم ولده ، فأرضعت الصغيرة ، فعليها الغرم له ، فإن عجزها سقطت المطالبة بالغرم ، كما تسقط النجوم .

ولو كانت مستولداته الخمس ، فأرضعت كل واحدة منهن زوجته الصغيرة رضعة ، صارت بنتاً له على الأصح ، فينفسخ النكاح، ويرجع عليهن بالغرم ، إن أرضعن معاً ، وإلا فجميع الغرم على الخامسة .

تحته كبيرة وثلاث صغائر :

إذا كان تحته كبيرة وثلاث صغائر، فأرضعتهن بلبنه، أو بغيره وهي مدخول بها، حرم الأربع مؤبداً، لأن الكبيرة أم زوجاته، والصغيرات بناته،سواء أرضعتهن معاً أو متعاقباً، وعليه المسمى للكبيرة ، ونصف المسمى لكل صغيرة ، وعلى الكبيرة الغرم .

فإن لم يكن مدخولاً بها ، وليس اللبن له نُظِر، إن أرضعتهن معاً الرضعة الخامسة من لبنها

المحلوب ، انفسخ نكاحهن جميعهن ، وحرمت الكبيرة مؤبداً ، ولا تحرم الصغائر مؤبداً ، بل له تجديد نكاح إحداهن ، ولا يجمع ثنتين ، لأنهن أخوات، وإن أرضعتهن مرتباً ، حرمت الكبيرة مؤبداً ، ولا تحرم الصغائر مؤبداً .

ثم للترتيب أحوال :

أحدها :

أن ترضع ثنتين معاً ، ثم الثالثة ، فينفسخ نكاح الأوليين ، ولا ينفسخ نكاح الثالثة ، لا انفرادها ووقوع إرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختها .

الحال الثاني :

أن ترضع واحدة أولاً ، ثم ثنتين ، فينفسخ نكاح الأربع ، أما الأولى والكبيرة ، فلا اجتماع الأم والبنت ، وأما الأخريان ، فلأنهما صارتا أختين .

الثالث :

أن ترضعهن متعاقباً، فينفسخ نكاح الأولى مع الكبيرة، لما ذكرنا، ولا ينفسخ نكاح الثانية بمجرد ارتضاعها لأنها ليست محرمة، ولم تجتمع هي وأم ولا أخت، فإذا ارتضعت الثالثة ، انفسخ نكاحها ، لأنها صارت أختاً للثانية التي هي في نكاحه، وهل ينفسخ معها نكاح الثانية ، أم يختص الانفساخ بالثالثة ؟

قولان : وينسب الثاني للجديد ، ورجحه الشيخ أبو حامد .

والأول للقديم ، وهو الأظهر عند الأصحاب ، وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد واختاره المزني .

قال النووي : فعلى هذا المسألة من المسائل التي رجح فيها القديم .

قال الشافعي رحمه الله في ” الأم ” : ولو نكحَ صَبِيتيَنْ ، فأرضعتهما امرأتُه الرضعةَ الخامسة جميعاً معاً ، فسد نكاحُ الأمِّ كما وَصَفْتُ ، ونكاحُ الصبيتين معاً، ولكل واحدةٍ منهما نصفُ المهر الذي سمي لها، ويرجع على امرأتِه بمثل نصف مهر كل واحدة منهما، فإن لم يكن سمى لهما مهراً ، كان لكل واحدة منهما نصفُ مهر مثلها، وتحل له كلُّ واحدةٍ منهما على الإنفرادِ ، لأنهما ابنتا امرأةٍ لم يدخل بها .

ولو كانت له ثلاثُ زوجات صبايا، فأرضعت اثنتين الرضعة الخامسة معاً، ثم أزالت الواحدة ، فأرضعت الثالثة، لم تحرم الثالثة، وحرمت الاثنتان اللتان أرضعتا الخامسة معاً، لأن الثالثة لم ترضع إلا بعدما حرمت هاتان ، وحرمت الأم عليه، فكانت الثالثة غير أخت للمرأتين إلا بعدما حرمتا عليه ، وغير مرضعة الرضعة الخامسة من الأم إلا بعدما بانت الأم منه .

ولو أرضعت إحداهن الرضعة الخامسة ، ثم أرضعت الأخْرَيين الرضعةَ الخامسة ، حَرُمت عليه الأمُّ ساعةَ أرضعتِ الأولى الرضعةَ الخامسة ، لأنها صارت من أمهات نسائه ، والمرضَعتان الرضعةَ الخامسة معاً ، للأم، ولم تكن أماً إلا والابنة معقود عليها نكاح الرجل في وقت واحد .

والاثنتان أختان ، فينفسخ نكاحهما معاً، وحرمت الإثنتان بعدُ ، حين صارتا أختين معاً، ويخطب كل واحدة منهما على الانفراد .

وإن أرضعت الأخريين بعدُ متفرقتين ، لم يحرما عليه ، لأنها لم ترضع واحدة منهما إلا بعدما بانت منه هي والأولى .

ولكن تثبت عقدة التي أرضعتها بعدما بانت الأولى ، ويسقط نكاح التي أرضعت بعدها ، لأنها أخت امرأته ، فكانت كامرأة نكحت على أختها .

قال الربيعُ :وفيه قول آخر، أنها إذا أرضعت الرابعة خمس رضعات، فقد أكملت الثالثة والرابعة خمس رضعات ، وبهن حرمت الرابعة ، فكأنه جامعٌ بين الأختين من الرضاعة ، فينفسخن معاً ، ويتزوج من شاء منهن .

قال الشافعي : ولو أرضعت واحدةً خمس رضعات ، ثم أرضعت الأخريين خمساً معاً ، حرمت عليه الأم بكل حال، وانفسخ عليه نكاح البنت الأولى مع الأم ، وحرمت الأخريان ، لأنهما صارتا أختين في وقت معاً .

قال الشافعي : ولو كُنَّ ثلاثاً صغاراً، وواحدة لم يدخل بها، ولها بنات مراضع ، فأرضعت البنات الصغار واحدة بعد أخرى، فسد نكاح الأم، ولم يحل بحال، ولها نصف المهر، ويرجع الزوج على التي أكملت أولاً خمس رضعات لأي نسائه أكملت ، بنصف مهر مثلها ، ونصف مهر مثل أمها .

فإن كن أكملن رضاعهن معاً ، انفسخ نكاحهن معاً ، ويرجع على كل واحدة منهن بنصف مهر التي أرضعت .

قال الشافعي: ولو كانت واحدة ، فأكملت رضاعها خمساً، فسخ نكاح التي أكملت رضاعها أولاً ، ولا ينفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها، لأنها لم ترضع حتى بانت أمها وأختها منه .

ثم يفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها ، لأنها صارت أخت امرأة له ثابتة النكاح ، فكانت كالأخت المنكوحة على أختها .

قال الشافعي : وكذلك بناتها من الرضاعة ، وبنات بناتها ، كلهن يحرم من رضاعهن كما يحرم من رضاعها .

قال الشافعي : ولو كان دخل بامرأته ، وكانت أرضعتهن أو أرضعهن ولدها، كان لها المهر بالمسيس ، وحرمت عليه التي أرضعتها ، وأرضعها ولدها .

وسواء كانت أرضعت الاثنين معاً ، أو أرضعتهن ثلاثتهن معاً ، أو متفرقات ، يفسد نكاحهن على الأبد، لأنهن بنات امرأة قد دخل بها، وكذلك كل من أرضعته تلك المرأة وولدها .

قال الشافعي: ولو كانت المسألة بحالها ، ولم يدخل بامرأته، فأرضعتهن أم امرأته، أو جدتها ، أو أختها، أو بنت أختها، كان القول في بناتها إذا أرضعتهن ولم ترضع هي، يفسد نكاحها، ويكون لها نصف مهر مثلها، أذا لم يكن دخل بها، ويرجع به على التي أكملت أولاً من نسائه خمس رضعات ، لأنها صيرتها أم امرأته ، فيفسد نكاح التي أرضعت أولاً ، وامرأته الكبيرة معاً، ويرجع بنصف مهر مثل التي فسد نكاحها، وإن ارضعنَ معاً ، فسد نكاحُهنَّ كلهن ، ويرجعُ بأنصافِ مهورِهن .

ولا تخالف المسألة قبلها إلا في خَصْلة ، أن زوجاته الصغار لا يحرمن عليه في كل حال ، وله أن يبتدئ نكاح أيتهن شاء على الانفراد ، لأن الذي حرمن به ، أو حرم منهن ، إنما كن أخوات امرأته من الرضاعة ، أو بنات أختها ، فحرم أن يجمع بينهن ، ولا يحرمن على الإنفراد .

قال الشافعي : ولو كان دخل بها ، حرم نكاح من أرضعته أمهاتها بكل حال ، ولم يحرم نكاح من أرضعته أخواتها وبنات أختها بكل حال ، وكان له أن يتزوج اللاتي أرضعته أخواتها إن شاء على الانفراد ، ويفسخ نكاح الأولى منهن وامرأته معاً .

ولا يفسد نكاح اللاتي بعدها ، لأنهن أرضعن بعدما بانت امرأته ، فلم يكن جامعاً بينهن وبين عمة لهن، ولا خالة لهن، إلا أن ترضع منهن امرأة واحدة أو اثنتين معاً، فيفسد نكاحهما بأنهما أختان .

قال الشافعي : وإذا أرضعت أجنبيةٌ امرأتَهُ الصغيرةَ ، لم يفسد نكاحُ امرأته ، وَحَرُمَتِ الأجنبيةُ عليه أبداً ، لأنها من أمهاتِ نسائه، وحرُمَ عليه أن يجمعَ بين أحدٍ من بناتِها بنسبٍ أو رضاع ، وبين امرأتِه التي أُرْضِعَتْ .

قال الشافعي : وإذا تزوج الرجلُ صبيةً ، ثم تزوج عليها عمتها ، وأصاب العمة ، فرقت بينهما ، ولها مهر مثلها، فإن أرضعت أُمُّ العمةِ الصَّبيةَ ، لم أفَرِّقْ بينه وبين الصَّبيةِ ، والعمة ذات مَحْرَمٍ لها قبل النكاح وبعده وإنما يَحْرمُ أن يجمعَ بينهما، فأما إحداهما بعد الأخرى ، فلا يحرم والله أعلم(14) آه .

تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية :

لو كان تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية، نظر، إن أرضعتهما معاً ، انفسخ نكاحهما، لأنها صارتا أختين معاً، وحرمت الأجنبية مؤبداً، لأنها أم زوجته، وله نكاح إحدى الصغيرتين وإن أرضعتهما متعاقباً، لم تنفسخ الأولى بإرضاعها، فإذا أرضعت الثانية، انفسخ قطعاً نكاح الثانية

وفي الأولى قولان ، أظهرهما : الانفساخ . .

تحته كبيرة وصغيرة أرضعتها أم الكبيرة :

ولو كان تحته كبيرة وصغيرة ، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة ،انفسخ نكاح الصغيرة قطعاً .

وفي الكبيرة قولان ، أصحهما : الانفساخ ، وبه قال القاضي أبوالطيب .

صغيرة وثلاث كبائر أرضعتها كل خمساً :

تحته صغيرة وثلاث كبائر، أرضعتها كل كبيرة خمساً، انفسخ نكاح الجميع، لأن الكبائر أمهات زوجته، والصغيرة بنت زوجاته، وحرمت الكبائر مؤبداً، وكذا الصغيرة إن كان دخل بكبيرة، وإلا فله نكاحها .

أربع صغائر أرضعتهن أجنبية :

ولو كان تحته أربع صغائر، أرضعتهن أجنبية واحدة بعد واحدة، فلا أثر لرضاع الأولى في نكاح واحدة منهن، فإذا ارتضعت الثانية، صارت أختاً للأولى، فينفسخ نكاح الثانية، وكذا الأولى في

الأظهر، فإذا أرضعت الثالثة، لم ينفسخ نكاحها، فإذا أرضعت الرابعة ،انفسخ نكاحهما، ولو

أرضعتهن معاً، أو أرضعت ثنتين معاً، ثم ثنتين معاً،انفسخ الجميع .

تحته صغيرتان وكبيرتان :

تحته صغيرتان وكبيرتان، أرضعت كل واحدة من الكبيرتين واحدة من الصغيرتين، حرمن كلهن مؤبداً، إن دخل بالكبيرتين، وإن لم يدخل بهما، حرمت الكبيرتان مؤبداً، وانفسخ نكاح الصغيرتين في الحال،وله تجديد نكاحهما، والجميع بينهما لعدم الأخوة، ولو أرضعتهما إحدى الكبيرتين مرتباً انفسخ نكاح الأولى، والمرضعة ، لاجتماع الأم والبنت ، ولم تنفسخ الصغيرة الثانية .

فإن أرضعتهما الكبيرة الثانية بعد إرضاع الأولى على ترتيب الأولى ، انفسخ نكاحها بإرضاع الصغيرة الأولى، ولم ينفسخ نكاح الصغيرة الثانية، لأنه لم يحصل في حقها اجتماع أم وبنت في النكاح، وإن أرضعتهما على عكس ترتيب المرضعة الأولى انفسخ نكاح الجميع، وله تجديد نكاح كل صغيرة، إن لم يدخل بالكبيرتين، ولا يجوز الجمع بينهما .

تحته كبيرتان وصغيرة :

تحته كبيرتان وصغيرة، فأرضعتاها دفعة، بأن أوجرتاها لبنهما المحلوب المخلوط، انفسخ نكاح الثلاث ، وحرمت الكبيرتان مؤبداً وكذا الصغيرة إن دخل بكبيرة ، و إلا فلا تحرم مؤبداًِ، وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى ، ويرجع على الكبيرتين بالغرم .

وأما الكبيرتان، فإن دخل بهما فعلية لكل واحدة منهما جميع المسمى، ويرجع على كل واحدة منهما بنصف مهر مثل صاحبتها،تفريعاً على الأظهر، وهو إثبات الرجوع في غرم مهر الكبيرة الممسوسة .

وذلك لأن انفساخ نكاح كل واحدة حصل بفعلها وفعل صاحبتها ، فسقط النصف لفعلها ، ووجب النصف على صاحبتها .

وإن لم يدخل بواحدة منهما، فلكل واحدة منهما ربع المسمى، لأن الانفساخ حصل بفعلهما، فسقط بفعل كل واحدة نصف الشطر الواجب قبل الدخول ، ووجب النصف الآخر، ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بربع مهر مثل الأخرى، تفريعاً على الأظهر وهو أن التغريم في حق غير الممسوسة يكون بنصف مهر المثل، وإن كانت إحداهما مدخولاً بها دون الأخرى ، فللمدخول بها تمام المسمى ، وللأخرى ربع مسماها .

ويرجع الزوج على التي لم يدخل بها بنصف مهر مثل المدخول بها، وعلى المدخول بها بربع مهر مثل التي لم يدخل بها، ولو كانت المسألة بحالها، لكن أوجرتها اللبن المخلوط في المرة الخامسة إحدى الكبيرتين وحدها، فحكم التحريم كما سبق، ويرجع الزوج بمهر الصغيرة على المرضعة في الخامسة وحدها، وفيما يرجع به الأقوال السابقة .

وأما الكبيرتان ، فالتي لم توجر ، إن كانت مدخولاً بها ، فلها على الزوج تمام المسمى ، ويرجع الزوج بمهر مثلها على الموجرة على الأظهر .

وإن لم يكن مدخولاً بها فلها على الزوج نصف المسمى ، ويرجع بالغرم على الموجرة ، كما في الصغيرة .

وأما الموجرة ، فإن كانت مدخولاً بها، فلها جميع المهر، وإلا فلا شيء لها، لأنها سبب الفرقة هذا كله إذا كان من غير الزوج .

فإن كان لبنه – والتصوير كما سبق – صارت الصغيرة بنته ، وحرمت مؤبداً .

ولو تم التحريم في حق الزوج، دون الكبيرتين، بأن أرضعت هذه بعض الخمس، وهذه بعضها حصل التحريم في حقه، كما سبق، وحرمت الصغيرة مؤبداً لأنها بنته، ولا ينفسخ نكاح الكبيرتين ، لأنه لم تصر واحدة منهن أماً .

ثم إن حصلت الرضعات متفرقات، بأن أرضعت هذه ثلاثاً ، وتلك مرتين، فالغرم على التي أرضعت الخامسة ، على الراجح من تعلق الغرم بها كما سبق .

وإن اشتركتا في الخامسة، بأن أرضعت كل واحدة رضعتين، ثم أوجرتاها لبنهما المخلوط دفعة ، فالغرم عليهما بالسوية .

ولو حلبت إحداهما لبنها ثلاث دفعات، في ثلاثة أوعية، والأخرى دفعتين، في إناءين، ثم جمع الجميع ، وأوجرته الصغيرة، فإن أوجرته إحداهما، فالغرم عليها، وإن أوجرتاها ، فالأصح أنهما تغرمان بالسوية .

ولو حلبت إحداهما أربعاً، في أربعة أوعية، والأخرى ثلاثاً، في ثلاثة أوعية ، ثم خلط، وأوجرتاها معاً، فتغرمان بالسوية على الأصح .

ثلاثة صغائر ترضعهن ثلاث خالات للزوج :

تحته ثلاث صغائر، فجاءت ثلاث خالات للزوج من الأبوين، وأرضعت كل واحدة صغيرة، لم يؤثر ذلك في نكاحهن، لأنه يجوز الجمع بين بنات الخالات .

فلو جاءت أم الزوج بعد ذلك، وأرضعت زوجة صغيرة رابعة للزوج، حرمت الرابعة مؤبداً، لأنها صارت خالته، وخالة الصغائر الثلاث، واجتمعت هي وهن في النكاح، والأظهر انفساخ نكاح

الصغيرات الثلاث ، لاجتماعهن مع الخالة .

وكذا الحكم لو أرضعت الرابعة امرأة أبي أم الزوج بلبنه، ولو كانت الخالات متفرقات، وأرضعن الثلاث، ثم أرضعت الرابعة أم الزوج، انفسخ نكاحها، ولا ينفسخ نكاح الصغيرة التي أرضعتها الخالة للأب وفي الأخريين القولان .

ولو كن متفرقات، وأرضعت الرابعة امرأة أبي الزوج، انفسخ نكاح الرابعة، ولا ينفسخ نكاح التي أرضعتها الخالة للأم ، وفي الأخريين القولان، ولو أرضعت الصغائر ثلاث عمات للزوج من الأبوين، أومن الأب، ثم أرضعت الرابعة أم أبيه، أو امرأة أبي أبيه، بلبنه، فالحكم كما ذكرنا في الخالات .

كبيرة لها ثلاث بنات وله ثلاث صغائر تحته :

تحته كبيرة وثلاث صغائر، وللكبيرة ثلاث بنات، فأرضعت كل واحدة منهن صغيرة ، فإن كانت الكبيرة مدخولاً بها حرمن مؤبداً سواء أرضعتهن معاً، أو مرتباً لأن الكبيرة جدة نسائه،والصغائر حوافد وعلى الزوج مهر الكبيرة بتمامه ويرجع بغرمه على الأظهر عليهن، إن أرضعن معاً،وعلى الأولى إن أرضعن مرتباً ولكل صغيرة على الزوج نصف المسمى، ويرجع بالغرم لكل صغيرة على مرضعتها .

وإن لم تكن الكبيرة مدخولاً بها ، فإن أرضعن معاً المرة الخامسة ،انفسخ نكاحهن ، لاجتماع الجدة والحفيدة ، وتحرم الكبيرة مؤبداً ، دون الصغائر، وعلى الزوج نصف المسمى للكبيرة ، ولكل صغيرة، ويرجع بغرم كل صغيرة على مرضعتها ، وبنصف مهر مثل الكبيرة، وعلى الثلاث على كل واحدة سدس .

وإن أرضعن مرتباً ، فبإرضاع الأولى تنفسخ الكبيرة وتلك الصغيرة ، ولكل واحدة منهما نصف المسمى على الزوج، ويرجع بالغرم، ولا ينفسخ نكاح الأخريين، سواء أرضعتا معاً أو مرتباً ،

لأنهما لم تصيرا أختين ، ولا اجتمعت الجدة وهما.

ولو أرضعت اثنتان صغيرتين معاً، ثم أرضعت الثالثة، لم ينفسخ نكاح الثالثة، وانفسخ نكاح الكبيرة والصغيرتين الأوليين، وعلى الزوج نصف المسمى لكل واحدة منهن، ويرجع بغرم كل صغيرة على مرضعتها ، ويغرم الكبيرة على المرضعتين جمعياً .

صغيراً نكح بنت عمه الصغيرة :

نكح صغير صغيرة هي بنت عمه ، فأرضعت جدتهما ، أم أبي كل واحد منهما أحدهما،ثبتت الحرمة بينهما ،وانفسخ النكاح .

وكذا الحكم، لو كانت أم أبي الصغير، غير أم أبي الصغيرة، بأن كان أبواهما أخوين لأب فأرضعت إحدى الجدتين أحد الصغيرين بلبن جدهما ، انفسخ النكاح .

ولو نكح صغير بنت عمته الصغيرة ، فجاءت الجدة التي هي أم أبي الصغير ، وأم أم الصغيرة ، فأرضعت أحدهما انفسخ النكاح .

وكذا لو كانت أم أبي الصغير غير أم الصغيرة، وأرضعت جدتهما أم أم كل واحد منهما أحدهما ، انفسخ .

ولو نكح صغير بنت خاله ، فأرضعت جدتهما أم أم الصغير وأم أبي الصغيرة أحدهما ، انفسخ ، وتنزيلاتها كما مر (15). والله أعلم .

(1) الأم 5 / 32 .

(2) التحفة 8 / 294 .

(3) الأم 5 / 32 .

(4) الروضة 9 / 21 ؛ وشرح الروض 3 / 419 .

(5) انظر ص 48 .

(6) المغني 3 / 421 .

(7) التحفة 8 / 295 .

(8) الروضة 9/24 .

(9) التحفة 8 / 296 .

(10) الروضة 9 / 24 ، والروض 3 /421 .

(11) المغني 3 / 421 .

(12) الأم 5 / 32 .

(13) الأم 5 / 32 – 33 .

(14) الروضة 9 / 28 – 33 ؛ وشرح الروض 3 / 421 – 423 ؛ والتحفة

8 / 293 ؛ والنهاية 7 / 179 .