الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية » الطبقة الثانية في المجتهدين من أصحابه الذين جالسوه وأخذوا عنه

الطبقة الثانية في المجتهدين من أصحابه الذين جالسوه وأخذوا عنه

الطبقة الثانية في المجتهدين من أصحابه الذين جالسوه وأخذوا عنه

الحميدي(1)

(…._ 219هـ)

الإمام أبو بكر، عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميديّ، القرشي، الأسدي، المكي. أحد أصحاب الشافعي الذي تفقهوا به، وصحبه إلى مصر ولزمه بها حتى مات، ثم رجع إلى مكة، فهو مصري مكي.

قال الإمام الذهبي عنه: وهو أجل أصحابه – أي الشافعي.

وقال أحمد بن حنبل: الحميدي عندنا إمام

قال أبو عاصم: الحميدي شيخ الحرم في وقته، والذاب عن أهل السنة، والمرجوع إليه في حل المشكلات.

قال الحاكم: الحميدي مفتي أهل مكة ومحدثهم، وهو لأهل الحجاز في السنة كأحمد بن حنبل لأهل العراق.

ومن الفوائد عنه:

1- ذكر العبادي أنه حكي عن الشافعي رحمه الله أنه كره شراء أراضي مكة، وقال: لأن أكثر فضولها وقف.

2- قال الربيع بن سليمان: سمعت الحميدي يقول: قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه في موضع خارج مكة، وكان أناس يأتونه، فما برح حتى ذهبت كلها.

3- وقال الحميدي: ذكر رجل للشافعي حديثا، وقال: أتقول به ؟ فقال: أرأيت في وسطي زناراً أتراني خرجت من كنسية حتى تقول هذا ؟!

4- وروي ابن السبكي من طريق الحميدي المناظرة المشهورة بين الشافعي ومحمد بن الحسن في رجل غصب من رجل ساجة فبني عليها بناء أنفق فيه ألف دينار، ثم جاء صاحب الساجة يطلب ساجته.(1)

وفاته: توفي الحميدي في شهر ربيع الأول سنة تسع عشرة ومائتين.

البويطيّ(1)

(…..- 231 هـ)

الإمام الجليل أبو يعقوب، يوسف بن يحيي البويطي المصري.صاحب الإمام الشافعي، وخليفته من بعده على أصحابه. تفقه على الشافعي، واختص بصحبته حتى صار من أكبر أصحابه المصريين، ومن أشهر القائمين بفقهه.

كان جبلاً من جبال العلم والدين، عابداً، زاهداً، مناظراً، كثير الذكر والتهجد والتلاوة سريع الدمعة.

قال أبو عاصم العبادي: كان الشافعي – رضي الله عنه – يتعمد البويطي في الفتيا، ويحيل عليه إذا جاءته مسألة.

قال: واستخلفه على أصحابه بعد موته، فتخرجت على يده أئمة تفرقوا في البلاد، ونشروا علم الشافعي في الآفاق.

وقال الحميدي: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف، وليس أحد من أصحابي أعلم منه.

وقد تنبأ الشافعي رضي الله عنه للبويطي بأنه سيمتحن، فكان كما قال وامتحن في مسألة خلق القرآن، كما امتحن الإمام احمد بن حنبل.

قال الربيع:كنت عند الشافعي انا والمزني وأبو يعقوب البويطي، فقال لي: أنت تموت في الحديث

وقال لأبي يعقوب: أنت تموت في الحديد، وقال للمزني: هذا لو ناظر الشيطان لغلبه.

قال الربيع: فدخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيداً إلى أنصاف ساقيه، مغلولة يداه إلى عنقه.

قال الربيع: كان البويطي أبداً يحرك شفتيه بذكر الله، وما أبصرت أحداً اُنزع بحجة من كتاب الله من البويطي، ولقد رأيته على بغل، وفي عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسة حديد وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت مخلوقة، فكأن مخلوقاً خلق بمخلوق، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه – يعني الواثق – ولأموتن في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم.

قال ابن السبكي: يرحم الله أبا يعقوب، لقد قام مقام الصديقين.

قال الساجي: كان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة، ويتطيب، ويغسل ثيابه، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء، فيرده السجان، ويقول: ارجع رحمك الله، فيقول البويطي: اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني.

مصنفاته:

من مصنفات البويطي ” المختصر ” المشهور باسمه “مختصر البويطي ” اختصره من كلام الشافعي.

وتردد اسم البويطي في كل كتب المذهب.

من غرائب البويطي:

1- لو قال رجل: من رماني، أو من دخل المسجد، أو البيت، فهو ابن الزانية، فرماه رجل، أو دخل رجل، لم يجب عليه حد القذف، وكذا لو قال ذلك لإنسان بعينه، لم يجب عليه الحد لأنه يعرف كذبه، فإنه لا يكون بدخوله أو رميه زانياً.

2- إذا كانت الأمة تحت عبد فطلقها، وأراد سيدها أن يسافر بها، سافر.

3- إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبعا، أولاهن أو أخراهن بالتراب، لا يطهره غير ذلك، وكذلك روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، والخنزير قياسا عليه يغسل سبعاً، ويهراق ما ولغ فيه الخنزير والكلب من ماء، أو سمن، أو عسل، أو لبن، أو غير ذلك، إذا كان ذائباً، وإن كان جامداً ألقي ما أكلا، وأكل ما بقي.

وفاته: توفي البويطي رحمه الله في شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين، في سجن بغداد، في القيد والغل.

حرملة(19

(166-243 هـ)

هو الإمام أبو عبد الله حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران ابن قراد التجيبي المصري.صاحب الشافعي، وأحد رواة مذهبه الجديد بمصر.

كان إماماً جليلاً، رفيع الشأن، كثير الرواية والحديث، أكثر الإمام مسلم من الرواية عنه في صحيحه.

قال أحمد بن صالح المصري: صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، عند بعض الناس منها النصف – يعني نفسه – وعند بعض الناس الكل – يعني حرملة.

وحرملة من أصحاب الوجوه في المذهب، يخرجها على أصول الشافعي، إلا أنه قد ينفرد في بعض المسائل، ويخرج عن المذهب تأصيلاً وتفريعاً، كما قد يفعل ذلك المزني وغيره في بعض الأحايين، كما قاله ابن السبكي.

قلت: إلا أن خروجه ليس كخروج المزني، وخروج المزني ليس كخروج المحمدين الأربعة.

وحرملة مع شهرته في الحديث والفقه، إلا أنه لم تصل مرتبته إلى مرتبة المزني والربيع المرادي في الرواية عن الشافعي ,

قال الإمام النووي: روينا عن أبي سليمان الخطابي في أول كتابه “معلم السنن” أن أصحاب الشافعي المتقدمين يعتمدون روايات المزني والربيع المرادي عن الشافعي ما لا يعتمدون حرملة والربيع الجيزي رحمهم الله أجمعين.

تكرر اسم حرملة في “المهذب” و”الوسيط” و”الشرح الكبير” و “الروضة” وغيرها من كتب المذهب.

مصنفاته:

1-المختصر المسمى باسمه ” مختصر حرملة” الذي دوّن فيه أقوال الشافعي ومذهبه، كمختصر المزني والبويطي.

2-المبسوط.

ومن الفوائد عن حرملة:

1-قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا قط.

2-قال وسمعته يقول: ما تقرب إلى الله عز وجل بعد أداء الفرائض بأفضل من طلب العلم.

3-قال حرملة: سمعت سفيان بن عيينة يقول في تفسير حديث النبي صلي الله عليه وسلم:”ليس منا من لم يتغن بالقرآن” قال: يستغني به.

وقال الشافعي: ليس هو هكذا، لو كان هكذا لقال: يتغانا، إنما هو يتحزن، ويترنم به، ويقرأه حدراً وتحزيناً.

4-قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته، لقوله تعالي:* إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم * إلا أن يكون نبياً.

ومن الغرائب عن حرملة:

1-ذهب حرملة إلى أن من رهن عيناً عند من هي عنده بوديعة أو نحوها، أنه لا حاجة إلى مضي زمان يتأتى في صورة القبض.

وأصح الطرق في المذهب كما قال ابن السبكي أنه لا بد من مضي زمان يتأتى فيه صورة القبض، على تفصيل في المسألة.

2-ذهب حرملة إلى أنه إذا وجد ماء طاهراً وماء نجساً، واحتاج إلى الطهارة توضأ بالطاهر، وشرب النجس.

وأنكره الشاشي، واختار أنه يشرب الطاهر ويتيمم، وصححه النووي.

وفاته: توفي حرملة رحمه الله سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وقال ابن عدي توفي سنة أربع وأربعين.

الكرابيسي(1)

(….- 248 هـ)

هو الإمام الجليل أبو علي، الحسين بن علي بن زيد الكرابيسي البغدادي. صاحب الإمام الشافعي وأحد رواة مذهبه القديم في العراق.

تفقه أولاً على مذهب أهل الرأي، ثم تفقه للشافعي حتى صار أشهر أصحابه بإثبات مجلسه وأحفظهم لمذهبه.

قال الإمام أبو عاصم العبادي: لم يتخرج على يد الشافعي – رحمه الله – بالعراق مثل الحسين.

وقال:كان من أعيان الحفاظ، وجلة الفقهاء المتقدمين في معرفة الأصول، والمحققين عند النظر.

قال النووي: وكان متكلماً، عارفاً بالحديث، أخذ عنه الفقه خلق كثير، له تصانيف كثيرة في أصول الفقه، وفروعه، وصنف أيضاً في الجرح والتعديل، وغيره.

وتردد اسم الكرابيسي في معظم كتب المذهب، وكان ثقة ثبتاً فيه.

مصنفاته:

للكرابيسي مصنفات كثيرة في الأصول، والفروع، والرجال وغيرها، والذي ذكره المؤرخون منها:

1-“كتاب في المقالات”، قال الخطيب والد الإمام فخر الدين الرازي في كتابه “غاية المرام “: على كتابه في المقالات معول المتكلمين في معرفة مذهب الخوارج وسائر أهل الأهواء.

2-“كتاب الشهادات” ذكره ابن السبكي، ونقل منه جملة من الفوائد.

3-أسماء المدلسين.

4-كتاب الإمامة.

ومن فوائد الكرابيسي:

1-ذكر العبادي رحمه الله أن الكرابيسي روى عن الشافعي جواز بيع الحنطة بدقيقها وعدم جواز بيع السويق بالحنطة، فقيل للمزني هذا، فقال: هذا لا يعرف – أي عن الشافعي – وأنكر روايته.

قال العبادي: وإنما قاله المزني لأنه لم يسمع كتب الشافعي القديمة التي وضعها بالعراق، وهذا منقول عن القديم ا هـ.

قلت: والجديد عدم جواز بيع الحنطة بدقيقها .

2-روى الكرابيسي عن الشافعي أنه قال: من استدان، فادعى بعده أنه معسر، أن القول قوله، لأن المال غاد ورائح.

3-قال الكرابيسي: إن قال قائل: أجيز شهادة واحد وجبت استتابته، فإن تاب وإلا قتل.

ذكره في سياق الرد على من قبل شهادة الواحد، وفيها كلام نفيس.

وفاته: توفي الكرابيسي سنة خمس وأربعين ومائتين وقيل سنة ثمان وأربعين، قال النووي: وهو أشبه بالصواب.

الربيع الجيزي(1)

(….- 256 هـ)

هو الإمام أبو محمد، الربيع بن سليمان بن داود الأزدي الجيزي. صاحب الشافعي، وأحد رواة مذهبه الجديد بمصر.

وهو الذي روى عن الشافعي أن قراءة القرآن بالألحان مكروهة.

وأن الشعر بعد الممات يتبع الذات، قياساً على حال الحياة، يعني أنه يطهر بالدباغ.

والأصح عند الأصحاب أنه لا يطهر، وهو رواية أكثر أصحاب الشافعي عنه، كما قاله النووي.

وقد ذكرت في ترجمة حرملة أن أصحاب الشافعي المتقدمين يعتمدون روايات المزني والربيع المرادي عن الشافعي ما لا يعتمدون حرملة والربيع الجيزي رحمهم الله جميعاً.

تردد اسم الربيع الجيزي في “المهذب” و “الروضة” وغيرهما من كتب المذهب.

والربيع إذا أطلق في كتب المذهب انصرف إلى المرادي، فإن أرادوا الجيزي قيدوه بالجيزي.

وتوفي رحمه الله في ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين.

الزعفراني(1)

(….- 260 هـ)

الإمام أبو علي، الحسن بن محمد بن الصَّباح، البغدادي، الزعفراني، صاحب الشافعي، وأحد رواة مذهبه القديم في بغداد.

كان إماما جليلاً، فقيهاً، محدثاً، فصيحاً بليغاً.

قال الماوردي: هو أثبت رواة القديم.

وقال العبادي: شارك الزعفراني الشافعي رحمه الله في كثير من شيوخه، وقرأ كتب الشافعي رحمه الله في العراق فسمعها أحمد، وأبو ثور، وحسين الكرابيسي بقراءته.

قال: والكتاب العراقي منسوب إليه.

وقال ابن حيان: كان أحمد بن حنبل، وأبو ثور يحضران عند الشافعي، وكان الحسن الزعفراني هو الذي يتولى القراءة.

قال الساجي: سمعت الزعفراني يقول: قدم علينا الشافعي، واجتمعنا إليه، فقال: التمسوا من يقرأ لكم، فلم يجتر أحد أن يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سناً، ما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعي، وأتعجب من جسارتي يومئذ، فقرأت عليه الكتب كلها إلا كتابين، فإنه قرأهما علينا “كتاب المناسك ” و “كتاب الصلاة”.

وقال الزعفراني: لما قرأت كتاب الرسالة على الشافعي قال لي: من أي العرب أنت ؟ قلت: ما أنا بعربي، وما أنا إلا من قرية يقال لها الزعفرانية، قال: فأنت سيد هذه القرية

ومما يحكى من فصاحته أيضاً أن الشافعي قال: رأيت في بغداد نبطياً يتنحى علي حتى كأنه عربي وأنا نبطي، فقيل له: من هو ؟ فقال: الزعفراني.

قال المروروذي: كان الزعفراني من أهل اللغة.

ومن الفوائد عن الزعفراني:

1-قال الزعفراني: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: لو كان الكذب له منطلقاً لمنعته منه مروءته.

2-وقال: قال الشافعي في الرافضي يحضر الوقعة: لا يعطى من الفيء شيئاً، لأن الله تعالى ذكر آية الفيء، ثم قال:* والذين جاءوا من بعدهم * الآية، فمن لم يقل بها، لم يستحق.

وفاته: توفي الزعفراني في شهر رمضان سنة ستين ومائتين رحمه الله

المزني(1)

(175 _ 264 هـ)

الإمام الكبير أبو إبراهيم، إسماعيل ين يحيى بن عمرو بن إسحاق المزني.ناصر المذهب، وصاحب المذهب

من كبار أصحاب الشافعي ومن مشاهير رواة مذهبه الجديد قال فيه الإمام الشافعي: المزني ناصر مذهبي فكان كما قال.

كان عالماً، مجتهداً، مناظراً، محجاجاً، زاهداً، ورعاً، متقللاً من الدنيا، مجاب الدعوة.

وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمساً وعشرين مرة وإذا فرغ من مسألة في “المختصر” صلى ركعتين.

قال أبو عاصم: لم يتوضأ المزني من حباب ابن طولون ولم يشرب من كيزانه، قال: لأنه جعل فيه سرجين، والنار لا تطهره.

قال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحداً من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهاداً من المزني ولا أدوم على العبادة منه، ولا رأيت أحداً أشد تعظيماً للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي.

تفقه بالمزني خلق لا يحصون عدداً كأبي بكر الخلالي، وأبى سعيد الفريابي، وأبي يعقوب الاسفراييني، وأبي القاسم الأنماطي، وأبي محمد الأندلسي وغيرهم من أصحابنا.

وتردد اسمه في كل كتب المذهب حتى صار من ابرز أعلامه.

مصنفاته:

للمزني رحمه الله مصنفات كثيرة، مهمة مشهورة، منها:

1-الجامع الكبير.

2-الجامع الصغير.

3-المنثور.

4-المسائل المعتبرة.

5-الترغيب في العلم.

6-الوثائق.

7-العقارب.

8-نهاية الاختصار.

9-المختصر الذي اشتهر باسمه “مختصر المزني” والذي سار في الناس سير الشمس في الآفاق، فبلغ من الشهرة أن المرأة عندما كانت تزف إلى زوجها كان لابد من وجود مختصر المزني في جهازها.

ولقد كثرت شروحه وتعددت، ومعظم شروحه يعتبر من الموسوعات الفقهية في المذهب والخلاف كالحاوي للماوردي والتعليقة لأبي الطيب الطبري، والنهاية لإمام الحرمين.

نوادر رواياته عن الشافعي:

لقد طالت ملازمة المزني للشافعي، كما طال تمرسه به، ولذلك كثرت أخبار الشافعي عنده، مما لا سبيل لحصره، ومن نوادر رواياته عن الشافعي:

1-قال: كنت يوما عند الشافعي أسأله عن مسائل بلسان أهل الكلام، قال: فجعل يسمع مني، وينظر إلي، ثم يجيبني عنها بأخصر جواب، فما اكتفيت قال لي: يا بني أدلك عل ما هو خير لك من هذا ؟ قلت: نعم، فقال: يا بني هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت لم تأثم، قلت: وما هو ؟ قال: الفقه فلزمته، فتعلمت منه الفقه، ودرست عليه.

2-قال المزني: سمعت الشافعي يقول: ما رفعت أحداً فوق منزلته، إلا حط مني بمقدار ما رفعت منه.

3-قال المزني: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.

4-قال المزني: وسمعت الشافعي يقول: أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودة من لا ينفعه.

اجتهاد المزني:

لقد كان المزني من كبار مجتهدي المذهب، بل كان صاحب مذهب، والقول الفصل في أقوال المزني وتخريجاته، ما قاله إمام الحرمين في “النهاية ” قال: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب، فانه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق الشافعي في نصوصه، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، وإن كان لتخريج مْخِّرج التحاق بالمذهب، فأولاها تخريج المزني لعلوا منصبه، وتلقيه أصول الشافعي.

هذا بالنسبة لتخريجاته,

وأما بالنسبة لأقواله المطلقة فتختلف باختلاف مكانها وحالها من الموافقة والمخالفة للإمام. فما كان منها في مختصره المشهور، فهي ملتحقة بالمذهب لا محالة، لأنه أخذها من كلام الشافعي، كما أشار إلى ذلك في المقدمة حيث قال: “اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله “.

وأما ما كان منها في غير المختصر، من مصنفاته الأخرى، فقد قال ابن السبكي: هي في موضع توقف، وهو في مختصره المسمى ” نهاية الاختصار” يصرح بمخالفة الشافعي في مواضع، فتلك لا تعد من المذهب قطعاً.

وقال إمام الحرمين: وإذا تفرد المزني برأي فهو صاحب مذهب.(1)

والخلاصة، أن ما كان من أقواله موافقاً لأقوال الإمام، وجارياً على قواعده فهو من المذهب لا محالة، وإن كان رأيا له مخالفاً به قول الإمام وقواعده، فهذا من مذهبه، فقد كان كما قال إمام الحرمين صاحب مذهب.إلا انه رغم هذا لم يخرج عن المذهب خروج ابن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن نصر.

لكنه في نفس الوقت لم تقيد العراقيين والخراسانيين من أصحابنا، كما قال ابن السبكي قال: وأما المزني، وبعده ابن سريج فبين الدرجتين، لم يخرجوا خروج المحمدين، ولم يتقيدوا بقيد العراقيين والخراسانيين.

ومن غرائب المزني:

1-ذهب المزني رحمه الله تعالى إلى أنه لا حد لأقل الحيض، كما صرح به في كتابه”نهاية الاختصار” وأقل الحيض في المذهب يوم وليلة.

2-ذهب رحمه الله إلى أكثر النفاس أربعون يوما بينما أكثره في المذهب ستون يوماَ.

3-ذهب إلى أنه لا يجب على من ملك أمة – بأي وجه ملكها – لا يجب عليه أن يستبرئها إلا أن تكون موطوءة أو حاملا.

وفاته: توفي المزني رحمه الله تعالي لست بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين.

يونس بن عبد الأعلي

(170 _ 264 هـ)

الإمام الجليل أبو موسى، يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسره، الصدفي، المصري.(1) صاحب الشافعي، وأحد رواة مذهبه الجديد بمصر.

تفقه على الشافعي، وانتهت إليه رياسة العلم بمصر.

قال الشافعي رحمه الله: ما رأيت بمصر أحداً أعقل من يونس بن عبد الأعلى.

وقال يحيى بن حسان: يونسكم هذا من أركان الإسلام.

تكرر ذكر يونس بن عبد الأعلى في “المهذب” و “الروضة” وغيرهما من كتب المذهب.

ومن الفوائد عن يونس:

1-روى عن الشافعي انه قال: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز.

2-قال يونس: وسمعت الشافعي يقول: إذا جاء مالك، فمالك النجم.

3-وقال: سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمي أو الاسم المسمى، فاشهد عليه أنه من أهل الكلام، ولا دين له.

4-قال ابن خزيمة: سمعت يونس وذكر الشافعي فقال: كان يناظر الرجل حتى يقطعه، ثم يقول لمناظره، تقلد أنت الآن قولي، وأتقلد قولك فيتقلد المناظر قوله، ويتقلد الشافعي قول المناظر، فلا يزال يناظره حتى يقطعه وكان لا يأخذ في شئ إلا قلت: هذه صناعته.

ومن غرائبه:

1-روى ابن أبي حاتم أنه سمع يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أتم مسافر الصلاة متعمداً، منكراً للقصر، فعليه إعادة الصلاة.(1)

قال ابن السبكي: وهذا شئ غريب.

2-قال يونس: قلت للشافعي: ما تقول في رجل يصلي، ورجل قاعد فعطس القاعد، فقال له المصلي: رحمك الله ؟

قال له الشافعي: لا تنقطع صلاته.

قال له يونس: كيف ؟ وهذا كلام.

قال: إنما دعا الله له، وقد دعا الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة لقوم، وعلى آخرين.

قال ابن السبكي: قلت: وقد صحح الروياني هذا النص وصحح المتأخرون بطلان الصلاة به.

وفاته: توفي يونس رحمه الله في ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين.

الربيع المرادي(1)

(147-270 هـ)

الإمام الجليل أبو محمد، الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي المصري المؤذن. صاحب الشافعي، وراوية كتبه.

وكان الشافعي رحمه الله قد تفرس في أصحابه وأخبر الربيع بأنه سيكون راوية كتبه، فكان كما قال.

قال الربيع: دخلنا على الشافعي رضي الله عنه عند وفاته أنا، والبويطي، والمزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: فنظر إلينا الشافعي ساعة، فأطال، ثم التفت إلينا، فقال: أما أنت يا أبا يعقوب فستموت في حديدك، وأما أنت يا مزني فسيكون لك في مصر هنات وهنات، ولتدركن زمانا تكون أقيس أهل ذلك الزمان، وأما أنت فسترجع إلى مذهب أبيك، وأما أنت يا ربيع، فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب، قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة، قال الربيع: فكان كما قال.

ونقل العبادي عن الشافعي أنه قال: أحفظكم الربيع، وأنفعكم لي، ولو أمكنني أن أزقه العلم مرة لفعلته.

ونقل عن البوشنجي أنه قال: قال لي يحيى بن معين لما توجهت إلى مصر: اقرأ كتب الشافعي رحمه الله على الربيع.

وهو الذي روي كتاب “الأم” كاملاً. كان الربيع مؤذناً بالمسجد الجامع بفسطاط مصر، المعروف اليوم بجامع عمرو بن العاص. وكان يقرأ بالألحان، وكان الشافعي يحبه، وقال له يوما: ما أحبك إليّ.

مكانته في المذهب:

عرفنا أن الربيع كان راوية الشافعي، وأنه روى كتبه.

قال الإمام البيهقي: والربيع هو الراوي للكتب الجديدة على الصدق والإتقان. وربما فاتته صفحات من كتاب فيقول فيها: قال الشافعي: أو يرويها عن البويطي عن الشافعي.

قال البيهقي: وصارت الرواحل تشد إليه من أقطار الأرض في سماع كتب الشافعي رحمه الله.

وروى البيهقي: عن عبد الرحمن بن الجارود يقول سمعت البويطي يقول للربيع في الشافعي: أنت أثبت مني.

وقال البيهقي: حج الربيع سنة أربعين ومائتين والتقى مع أبي علي الحسن بن محمد الزعفراني بمكة فسلم أحدهما على الآخر، فقال له الربيع: يا أبا علي، أنت بالمشرق وأنا بالمغرب نبث هذا العلم – يعني علم الشافعي.

قال النووي: واعلم أن الربيع حيث أطلق في كتب المذهب فالمراد به المرادي، وإذا أرادوا الجيزي قيدوه بالجيزي.

قال ابن السبكي: وإذا تعارض الربيع مع المزني في رواية قدم الأصحاب رواية الربيع على رواية المزني، مع علو قدر أبي إبراهيم – أي المزني – علماً وديناً وجلالة وموافقة ما رواه للقواعد.

قال: ألا ترى أن أبا إبراهيم روى لفظاً: أن الشافعي – رضي الله عنه – قال: ولو كان العبد مجنوناً، عتق بأداء الكتابة، ولا يرجع أحدهما على صاحبه شيء، وهذا هو القياس، فإن المجنون وقت العقد لا يصح عقد الكتابة معه، وما هو إلا بتعليق محض، فيعتق بوجود الصفة، ولا يراجع بالقيمة، وهذا الذي يفتي به مذهباً.

وروى الربيع هذه الصورة بهذه اللفظة وقال: يتراجعان بالقيمة، وهذا يتضمن كون الكتابة الجارية مع المجنون كتابة فاسدة يتعلق بها التراجع عند حصول العتق، وهذا على نهاية الإشكال، فإن المجنون وهو مجنون، لا عبارة له.

ثم قال ابن سريج فيما نقله الصيدلاني وجماعات: الصحيح: ما نقله الربيع.

قال إمام الحرمين:وقد ظهر عندنا أن ابن سريج لم يصحح ما رواه الربيع فقهاً، ولكنه رآه أوثق في النقل.

تردد اسم الربيع في كل كتب المذهب حتى صار من أشهر أعلامه، كما تخرج به كثير من كبار الأئمة من أصحابنا، كأبي القاسم الأنماطي، ومحمد بن نصر المروزي، والجنوجردي، وإسحاق بن موسى الاسفراييني، وأبي الحسين الأصبهاني، وأبي بكر الخلاني وغيرهم كثير.

ومن الفوائد عن الربيع:

1-قال الربيع: دخلت على الشافعي، وهو مريض فقلت: قوى الله ضعفك، فقال: لو قوى الله ضعفي قتلني، قلت: والله ما أردت إلا الخير، قال: اعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.

2-قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو لئيم، ومن ذُكِّر فلم ينزجر فهو محروم، ومن تعرض لما لم يعنيه فهو الملوم.

3-قال: وسمعت الشافعي يقول: لوعلمت أن شرب الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته.

4-قال: وسمعته يقول لا خير لك في صحبه من تحتاج إلى مداراته.

5-قال: وسمعته يقول: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل.

6-قال: وسمعته يقول: إذا ضاقت الأشياء اتسعت، وإذا اتسعت ضاقت.

7-وروى الربيع عن الشافعي رحمه الله أنه إذا حول الإمام رداءه في الاستسقاء حول القوم أرديتهم.

8-وروى عن الشافعي أنه قال: لا يجوز لأحد أن يكتني بأبي القاسم، سواء كان اسمه محمداً أو غيره.

قلت: وللأصحاب أوجه في النهي عن التكني بأبى القاسم منها هذا.

9-وروى عن الشافعي أنه قال: إذا ترك أهل بلد طلب العلم رأيت الحاكم أن يجبرهم عليه، قال: وطلب العلم أفضل من صلاة النافلة والجهاد.

10-قال العبادي: وسئل الربيع عن الصلاة خلف القدرية فقال: لا تجوز ولا ينكحون.

11-قال: وكان يقول: إذا سكر المعتكف لا يبطل اعتكافه، كما إذا ارتد ثم اسلم.

وفاته:

توفي الربيع رحمه الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليله خلت من شوال سنة سبعين ومائتين، وصلى عليه الأمير خمارويه بن احمد بن طولون.

ابن أبي الجارود(1)

(……-……..هـ)

صاحب الشافعي، الإمام أبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي. كان مكيا، من ثقات أصحاب الشافعي، ومن ثقات العلماء.

قال زكريا الساجي: قلت لأبي داود السجستاني: من أصحاب الشافعي ؟ فقال: الحميدي، وأحمد والبويطي والربيع و أبو ثور، وابن الجارود، والزعفراني، والكرابيسي، والمزني، وحرملة.(2)

روى عن البويطي.

وروى عنه الزعفراني، والربيع، وأبو حاتم الرازي.

وكان من جلة الفقهاء أقام بمكة يفتي الناس على مذهب الشافعي.

روى عن الشافعي كتاب ” الأمالي “وغيره.

وروى عنه أنه قال: ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ.

وروى عنه قوله: إذا قلت قولاً، وصح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم خلافه، فقولي ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم، كما رواه عنه الحميدي، والربيع، وأبو ثور وغيرهم.

كما روى عن الشافعي أن النكاح ينفسخ بسائر العيوب الزائدة على الأربعة.

(1) طبقات ابن السبكي ……..انظر الصفحة 85

(1) انظر طبقات الشافعية 2 / 141

(1) طبقات ابن السبكي …………..انظر الصفحة (87) في الكتاب

(19 طبقات ابن السبكي ………..انظر الصفحة 91

(1) طبقات ابن السبكي …………..انظر الكتاب ص 94

(1) طبقات ابن السبكي ………انظر الكتاب ص 97

(1) طبقات ابن السبكي ……….انظر الكتاب ص 98

(1) طبقات ابن السبكي …………انظر الصفحة ( 100)

(1) تهذيب الأسماء 2 /285

(1) طبقات ابن السبكي ……….وانظر الصفحة (105)

(1) آداب الشافعي ص 284

(1) طبقات ابن السبكي …………..انظر صفحة 107

(1)طبقات ابن السبكي 2 /65

(2) طبقات ابن السبكي 2 / 161 تهذيب الأسماء 20 / 120 ، طبقات الشيرازي ص 81 طبقات ابن هداية الله ص 7 ، العبادي ص 25