الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » الدين والعلم » الأدلة على وجود الله / التوازن الدقيق فى الأرض وما فيها

الأدلة على وجود الله / التوازن الدقيق فى الأرض وما فيها

الدين والعلم

أ. د. محمد حسن هيتو

الأدلة على وجود الله

2_ التوازن الدقيق في الأرض وما فيها

إن الله خلق الإنسان، وأنزله إلى الأرض ليعيش فيها ويعمرها، ولذلك كان لابد للأرض أن تكون ملائمة للحياة في كل جانب من جوانبها، وإلا لاندرست الحياة من فوقها .

وأن المتتبع الحاجات الحياة على الأرض ليوقن بأنه من المحال عقلا أن تنتج تلك الظروف عن طريق المصادفة أو العشوائية بل لابد من قدرة عظيمة وتخطيط محكم سليم أدى إلى إيجاد تلك الظروف والحالات لتستمر الحياة .

فالأرض كرة معلقة في الفضاء، تدور حول نفسها مرة كل يوم، فينتج عن ذلك الليل والنهار ، وتدور حول الشمس مرة كل عام ،فينتج عن ذلك الفصول الأربعة ، الصيف ، والخريف ، والشتاء ، والربيع ، ويؤدي هذا إلى زيادة مساحة الجزء الصالح للسكنى على سطحها ، ويزيد من اختلاف الأنواع النباتية أكثر مما لو كانت ساكنة ، ويحيط بالأرض غلاف غازي يشتمل على الغازات اللازمة للحياة ، ويمتد حولها إلى ارتفاع يزيد على 500 ميل ، ويبلغ هذا الغلاف الغازي من الكثافة درجة تحول دون وصول ملايين الشهب القاتلة يوميا إلينا ، منقضة بسرعة ثلاثين ميلا في الثانية .

والغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يحفظ درجة حرارتها في الحدود المناسبة للحياة ويحمل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة في القارات ليكون المطر الذي لولاه لاضمحلت الحياة.

والأرض بيئة ثابتة لحياة كثير من الكائنات الأرضية ، فتربتها تحتوي على العناصر التي يمتصها النبات ويحولها إلى أنواع مختلفة من الطعام يفتقر إليها الكائن الحي ، كما يوجد فيها كثير من المعادن ، مما هيأ لقيام الحضارة عليها .

إن حجم الأرض صغير إذا ما قيس بالفضاء الذي تسير فيه، بحيث لا يمكن أن تشكل أي نسبة رياضية. . إلا أنه لو لم تكن هكذا ، على هذا الحجم ، والوضع ، والسرعة في الدوران ، لاضطرب نظام الحياة ، بل لانعدمت . .

فلو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر أو كان قطرها ربع قطرها الحالي، لعجزت عن احتفاظها بالغلاف الجوي والمائي الذين يحيطان بها لضعف جاذبيتها، ولصارت درجة الحرارة فيها بالغة حد الموت ، بالبرودة ليلا .

ولو تضاعف قطرها الحالي لزادت جاذبيتها للأجسام إلى الضعف مما هي عليه الآن ، ولانكمش تبعا لذلك الغلاف الغازي الذي يحيط بها ويحفظها من الشهب ، ولزاد الضغط الجوي على كل بوصة مربعة من خمسة عشر رطلا إلى ثلاثين رطلا من الضغط الجوي ، مما يترتب عليه أسوأ الأثر على الحياة ، إذ يتضاءل حجم الإنسان حتى يصير بحجم السنجاب ، ولتعذرت الحياة الفكرية .

ولو بعدت الأرض إلى ضعف بعدها الحالي عن الشمس، لنقصت كمية الحرارة التي تتلقاها من الشمس إلى ربع كميتها الحالية ، ولطالت دورتها حول الشمس ، وتنتج عن ذلك طول فصل الشتاء وتجمد الكائنات الحية على سطح الأرض ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس إلى نصف ما هي عليه الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها من الشمس أربعة أمثالها ، ولتضاعفت سرعتها المدارية حول الشمس ، ولقصر زمن الفصل إلى نصف زمنه الحالي ، ولا ستحالت الحياة على سطح الأرض لشدة الحرارة .

وهذا الوضع بذاته يأتي فيها لو زادت حرارة الشمس إلى ضعف ما هي عليه الآن أو نقصت إلى النصف ، أو زادت سرعة الأرض حولها ، أو نقصت .

إن الأرض تميل بزاوية قدرها 23 درجة ، ولهذا الميلان دواع مهمة ، إذ لو لم تكن مائلة لكان القطبان في حالة غسق دائم ، ولصار بخار الماء المنبعث من المحيطات يتحرك شمالا وجنوبا مكدسا في طريقة قارات من الجليد .

ولو كانت القشرة الأرضية أكثر سمكا مما هي عليه الآن بمقدار عشرة أقدام، لما وجد الأوكسجين، إذ أن القشرة الأرضية تمتصه حينئذ، وبدونه لا تدوم الحياة.

وكذلك لو زاد عمق المحيطات والبحار بضعة أقدام عما هي عليه الآن،

لا نجذب ثاني أكسيد الكربون والأوكسجين حتى يمتصها الماء، ولا ستحال وجود النبات على الأرض فضلا عن الحياة.

والقمر يبعد عنا مسافة 240 ألف ميل، وينتج عن جاذبيته المد الذي يحدث في البحار ، ولذي يرفع مياه المحيط في بعض الأماكن إلى ستين قدما ، بل يحني القشرة الأرضية مرتين نحو الخارج مسافة عدة بوصات ، ولو كان قمرنا هذا يبعد عنا خمسين ألف ميل مثلا بدلا من المسافة الحالية لبلغ المد من القوة بحيث يغطي جميع الأراضي التي تحت منسوب الماء مرتين في اليوم ، ولأزاح الماء المتدفق الجبال بقوته ، ولربما تحطمت الكرة الأرضية لهذا الاضطراب .

إن كل شيء في هذا الكون، وفي الأرض بصورة خاصة مخلوق على أكمل وجه ، وأدق نظام ، بحيث يكفل استمرار الحياة ودوامها ، ويهيىء للإنسان أسباب الاستمتاع بها والاستفادة منها .

فهل يمكن أن يوجد كل هذا، وبهذه الدقة المتناهية، بدون خالق مدبر حكيم. وعن طريق الصدفة العمياء، اللهم إن العقل المنصف قديما وحديثا

ليشهد بأن هذا الذي ذكرناه أكبر دليل على وجودك ووحدانيتك وقدرتك .

]سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ { 36} وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ { 38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {يس/39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {يس/40}

وهذا التوازن العجيب المذهل الدقيق ، ليس فقط في تكوين الأرض ووضعها ، وإنما هو ظاهر في كل ما يعيش فوقها ، من نبات ، وحيوان ، وإنسان ، بحيث تتاح الفرصة ليعيش الجميع ، في ظل قانون التوازن الألهي فلا يطغي نوع على نوع آخر ليستبد بالحياة ، وقد ضرب العلماء عدة أمثلة لهذه الظاهرة تدلنا على مدى هذا التوازن .

لقد اضطر أهل أستراليا لزراعة نوع من الصبار كسياج وقائي لهم ، وكان هذا النوع سريع النمو والإنتشار ، ولم يكن في استراليا أي نوع من الحشرات يعاديه ، فنمى ، وتمادى ، حتى غطى في استراليا مساحة كبيرة تقرب من مساحة انجلترا ، وضايق أهل المدن والقرى ، وأتلف مزارعهم ، وحال دون الزراعة ، وصار أهل استراليا أمام هذا الجيش الزاحف إليهم من كل حدب وصوب ، مما يهدد حياتهم ، مما اضطر علماء الحشرات للبحث في جوانب الأرض عن عدو لهذا الجبار العنيد ، يقف في وجهه ، ويمنع انتشاره ،فعثروا على حشرة لا تعيش إلا على الصبار ، ولا تتغذى بغيره ، وهي سريعة الإنتشار بنفس الوقت ، وتمض إلا فترة قصيرة حتى تمكنت هذه الحشرة من الوقوف في وجه الصبار ، بل اضطرته إلى التراجع ، وأنهت مصائب أهل استراليا ، إلا أنها في نفس الوقت تراجعت هي أيضا ، ولم يبق منها سوى بقية قليلة ، وكأنها جيش احتياطي للوقاية ، يكفي لصد الصبار عن الإنتشار إلى الأبد . . . ؟

فلولا هذه الحشرة ، لضاقت الأرض بأهل استراليا ، ولوبقيت الحشرة في نفس أعدادها ، ولم تتراجع هي أيضا ،لقضت على ذلك النوع من الصبار الذي نحتاج إليه .

إنه أعظم توازن في نظام البيئة والحياة ، ليضمن الإستقرار والدوام للجميع ، ولولاه لعدى بعض الأنواع على بعضها الآخر ، واختل توازن الحياة .

إن الحشرات تتنفس ، إلا أنها لا رئة لها ، كما هو الحال عند الإنسان ، وإنما تتنفس عن طريق أنابيب ، تضمن لها الحياة ، ولكن مادامت بحجم معين ، فإذا ما زاد حجمها عن المقدار المعين ، عجزت هذه الأنابيب عن تلبية احتياجاتها ومجاراتها في نسبة تزايد حجمها ، ولذلك لم يوجد في العالم حشرة تزيد عن بضع بوصات ، وكذلك لم توجد حشرة ذات جناح طويل إلا نادر ، ولولا رحمة الله ، بجهاز تكوين الحشرة وطريقة تنفسها لزاد حجم الحشرات ، ولسيطرت على العالم بأسره ،ولما أمكن وجود الإنسان، ويمكننا أن نتصور هذا الخطر العظيم فيما لو تصورنا أن النحلة أو الزنبور قد بلغا من الحجم حجم الفيل ، وهما يطيران في السماء ويقعان على كل مايريدانه من المخلوقات ليفتكا بها(1)

إلا أن حكمة الله اقتضت أن تكبح جماح هذه الحشرات بهذا الجهاز الذي يضمن بقاءها صغيرة .

لقد كان العالم يجهل فيما مضى كل شيء عن الفيتامينات ، وعما تؤديه من الوظائف الهامة في الحياة .

وكان الإنسان يصاب أثناء أسفاره البحرية بأمراض نقص التغذية كالاسقربوط مثلا ، الذي كان يفتك بالأعداد الكثيرة ممن يتعرضون له في سقرهم، إلى أن اكتشف فاسكودي جاما الصلة الوثيقة بين فواكه الموالح ومرض الاسقربوط عندما رأى ملاحية يموتون في مدغشقر من هذا المرض ، وبذلك تمكن الإنسان من القضاء عليه وصار الملاحون يحملون معهم كميات كبيرة من عصير الليمون لمقاومة هذا المرض أثناء السفر ، حتى سموا في العهود الماضية بعاصري الليمون .

ومن هذا التوازن المدهش العلاقة الموجودة بين فراشه اليوكا ونبات اليوكا، وهو أحد النباتات الزنبقية ، فزهرة اليوكا تتدلى إلى أسفل ، ويكون عضو التأنيث فيها أكثر انخفاضا عن عضو التذكير ، أما الميسم وهو الجزء الذي يتلقى حبوب اللقاح فإنه يكون على شكل كأس ، وهو موضوع بطريقة يستحيل معها أن تسقط فيه حبوب اللقاح ، فلابد من وسيلة لتنتقل هذه الحبوب إليه ، وإلا فلن يثمر ، ولذلك كان لابد من فراشة اليوكا التي تبدأ عملها بعد غياب الشمس بقليل فتجمع كمية من حبوب اللقاح من أسدية الأزهار التي تزورها ، وتحفظها في فمها الذي بني بطريقة خاصة لأداء هذا العمل ، ثم تطير الفراشة إلى نبات آخر من نفس النوع ، وتثقب مبيضها بجهاز خاص في مؤخرة جسمها ، ينتهي بطرف مدبب ، يشبه الإبرة ، ينزل منه البيض ، وتضع الفراشة بيضة أو أكثر ، ثم تزحف إلى أسفل الزهرة حتى تصل إلى القلم ، وهناك تترك ما جمعته من حبوب اللقاح على صورة كرة فوق الميسم ، فيتلقح النبات ، وينتج عددا كبيرا من الحبوب ، بعضها يكون طعاما ليرقة الفراشة ، وبعضها يسقط إلى الأرض ليواصل دورة الحياة (2)

والصور الدالة على هذا التوازن المدهش في الحياة كثيرة جدا ، لا سبيل إلى استقصائها في فقرة أو فقرات ، وكلها تدل دلالة قاطعة على أن هذا الكون لم يوجد عبثا ، وإنما كانت هناك يد حكيمة مقدرة ، تتقن كل شيء صنعته ، ألا وهي قدرة الله ، لا يجد الإنسان بدا من أن يؤمن بها إزاء هذه المشاهدات المذهلة التي تستحيل أن تكون عن طريق الصدفة أو التوافق العشوائي . اللهم إنها يد عنايتك ، وآية قدرتك ، ] هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ {النحل/10} يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [{النحل/11}

(1) العلم يدعو للإيمان ص / 160

(2) الله يتجلى في عصر العلم ص / 47