الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » الوجيز في أصول التشريع الإسلامي » الفصل الأول في ترجيح الأخبار ، الفصل الثــاني في تراجيح الأقيســة

الفصل الأول في ترجيح الأخبار ، الفصل الثــاني في تراجيح الأقيســة

الفصل الأول

في ترجيح الأخبار

قد ذكرنا في المقدمة أنه لا ترجيح بين القواطع ، لعدم إمكان تعارضها ، وإنما يكون الترجيح بين الإمارات المظنونة ، من الأخبار والأقيسة ، عند تعارضها .

وعرفنا أن هذا لتعارض إنما هو في الظاهر، لا في الواقع ونفس الأمر، لأنه لا يمكن لكلام الشارع أن يتعارض أو يتناقض.

ونحن سنذكر في هذا الفصل الطرق التي بواسطتها نستطيع أن نرجح بين الأخبار المتعارضة.

وهذا الترجيح أما أن يكون بسبب الراوي ، وأما أن يكون بسبب المروي ، ولكل منهما تفاصيل وضوابط ، سنقف على أهمها – إن شاء الله – ونترك بقيتها للمطولات .

أولا: الترجيح بحال الراوي:(282)

وله وجوه كثيرة منها:

1 – كثرة الرواة: فيرجح الخبر الذي رواته أكثر على الخبر الذي رواته أقل، وذلك لأن الظن الحاصل بكثرة الرواة، أقوى من الظن الحاصل مع قلتهم.

ولهذا لم يعمل رسول الله – r – بخبر ذي اليدين: (( أقصرت الصلاة أم نسيت )) حتى أخبره بذلك غيره كأبي بكر وعمر.

ولم يعمل أبو بكر بخبر المغيرة أن النبي – r – أعطى الجدة السدس ن حتى اعتضد بخبر محمد بن مسلمة .

2 – علو الإسناد : فكلما كان الإسناد عاليا، كلما كان احتمال الخطأ فيه أقل، وظن الصواب أكثر، ولذلك يرجح الإسناد العالي على النازل، لقلة رجال العالي، وكثرة رجال النازل.

3 – فقه الراوي : فيقدم الخبر الذي يكون راوية فقيهاً على الخبر الذي يكون راوية عامياً.

وذلك لأن الفقيه إذا سمع الخبر، ورأى أن ظاهره يحتاج لبحث، بحث عنه، واهتم به، وأما العامي فلا يدرك هذا.

فالثقة بقول الفقيه أكبر من الثقة بقول العامي .

يروى أن الأوزاعي لقي أبا حنيفة رحمه الله ، فقال له : ما بال أهل العراق لا يرفعون أيديهم عند الركوع ، وعند رفع الرأس منه وقد حدثني الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهم ، أن النبي – r – كان يرفع يديه عند ذلك

فقال أبو حنيفة – رحمه الله – : حدثني حماد ، عن إبراهيم عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنهم – أنه – r – كان لا يرفع يديه عند ذلك .

فقال الأوزاعي : عجباً من أبي حنيفة يعارضني بما حدثني أعلى منه إسنادا

فقال أبو حنيفة : أما حماد فكان أفقه من الزهري وإبراهيم أفقه من سالم ، ولولا سبق ابن عمر لقلت علقمة أفقه منه ، وأما عبد الله فعبد الله أي أن ابن مسعود معروف بالفقه ، لا يحتاج إلى البيان فيرجح حديثه بزيادة فقه رواته .

ونحن لا نسوق هذا الخبر لإثبات حكم الرفع، وإنما للتمثيل، وإلا فرفع اليدين عند الركوع والرفع منه ثابت بمالا يمكن دفعه.

4 – علم الراوي بالعربية : فيرجح ما كان رواته أعلم بالعربية من رواة غيره.

5 – حسن الاعتقاد: فيرجح ما كان راوية سنياً على ما كان راوية معتزلياً أو رافضياً ، أو غير ذلك من الفرق التي تقبل روايتها على الجملة .

6 – كون الراوي صاحب الواقعة : لأنه يكون أعرف بها من غيره ، فيرجح خبره على خبر غيره ،وذلك كتقديم خبر ميمونة في زواجها من رسول الله – r – إذ قالت : ((تزوجني رسول الله ونحن حلالان)) على خبر ابن عباس، قد ذكر أنه – r – تزوجها وهو محرم فيما رواه البخاري وغيره .

7 – كون الراوي مباشراً لما رواه والآخر غير مباشر : فتقدم رواية المباشر على غيره لكونه أعرف بما روى.

وذلك كتقديم رواية أبي رافع (( انه – r – نكح ميمونة، وهو حلال )) على رواية أبن عباس أنه نكحها وهو حرام لأن أبا رافع كان هو السفير بينهما، والقابل لنكاحها عن رسول الله.

8 – كون أحد الراويين أقرب لرسول الله – r – من الراوي الآخر : فتقدم روايته على رواية البعيد ، وذلك كرواية ابن عمر إفراد النبي – r – الحج عن العمرة ، فإنها مقدمة على رواية من روى أنه قرن ، لأنه ذكر أنه كان تحت ناقته حين لبى – r – وأنه سمع إحرامه بالإفراد .

9 – أن يكون أحد الراويين من كبار الصحابة والآخر من صغارهم : فنرجح رواية الكبير على رواية الصغير ، لأن الغالب أن الأكبر يكون أقرب لرسول الله – r – من غيره حالة السماع ، لقوله عليه الصلاة والسلام: (( لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنهي )) .

10 – أن يكون أحد الراويين متقدم الإسلام على الراوي الآخر : فرواية المتقدم راجحة على رواية المتأخر لزيادة أصالته في الإسلام وتحريه فيه مما يفيد قوة الظن وقيل العكس، لتأخر خبره.

11 – أن يعمل الراوي بمرويه : فتقدم رواية من عمل بما روى على الآخر الذي خالف ما روى.

12 – أن يكونا مرسلين وأحدهما لا يروي إلا عن ثقة : فتقدم رواية المرسل الذي لا يروي إلا عن ثقة عدل على رواية من لم يعرف بهذا ، وذلك كتقديم مرسل ابن المسيب على مرسل غيره .

13 – التباس اسم الراوي بغيره : إذا كان في رواية أحد الخبرين من يلتبس اسمه باسم غيره من الضعفاء، والخبر الآخر لا يوجد فيه مثل هذا، فانه يقدم على الخبر الذي فيه الالتباس، لما فيه من قوة الظن.

14 – التحمل في زمن الصبي والبلوغ : فيقدم الخبر الذي تحمله راوية زمن البلوغ على الخبر الذي تحمله راوية زمن الصبي لشدة ضبط البالغ وحرصه مما يقوي الظن، ويدفع التهمة والشك.

15 – حفظ الراوي : فيقدم الخبر الذي عرف عن راوية أنه شديد الحفظ، قليل النسيان، على الخبر الذي ضعف حفظ راويه أو كثر نسيانه.

16 – دوام عقل الراوي : فيقد الخبر الذي يكون راويه سليم العقل على الدوام ، على الخبر الذي اختل عقل راويه في بعض الأوقات .

17 – التعديل بالعمل : فإذا كان الراوي معدلاً بالعمل بروايته، بأن عمل من روى عنه بمضمون روايته، فإنه يكون مقدماً على من عدل بغير هذا، كأن عدل بالقول فقط.

18 – كثرة التزكية : فمن كان مزكوه أكثر ، كانت روايته متقدمة على من قل مزكوه ، كما يقدم من كان مزكيه أعدل وأوثق من مزكي غيره .

19 – تزكية أحد الراويين بالحكم بشهادته والآخر بالرواية عنه : فرواية المعمول بشهادته أولى من رواية الآخر ، لأن الاحتياط في الشهادة فيما يرجع إلى الجرح والتعديل أكثر منه في الرواية .

20 – الترجيح بعدم التدليس : فيرجع الخبر الذي لم يعرف راويه بالتدليس ، على الخبر الذي عرف راويه بالتدليس ، مهما كان نوع التدليس .

ثانياً: الترجيح بسبب الرواية:(283)

1- التواتر والآحاد : إذا تعارض خبران أحدهما متواتر، والآخر آحاد، فإنه يرجح الخبر المتواتر على الآحاد، لإفادة التواتر العلم، والآحاد الظن، والعلم مقدم على الظن.

2- الإسناد والإرسال : فإذا تعارض مسند ومرسل ، قدم المسند على المرسل للاتفاق على قبول المسند ، والخلاف على قبول المرسل ، ولأن إفادة المسند للظن أقوى من إفادة المرسل له عند من يقول بحجته .

3- مرسل التابعين وتابعيهم : إذا كان أحد الخبرين من مراسيل التابعين، والآخر من مراسيل أتباع التابعين، قدم مرسل التابعي، لأنه لا يروي غالباً إلا عن الصحابة، فيفيد غلبة للظن لا يفيدها مرسل الأتباع، لأنهم لا يروون عن الصحابة وإنما عن التابعين.

4- العنعنة والشهرة : إذا كان أحد الخبرين معنعناً والآخر ثبت بالشهرة من دون نكير، فالمعنعن أولى ، لغلبة الظن بوجود الإسناد .

5- الإسناد إلى كتاب موثوق وغيره : إذا كان أحد الخبرين مسنداً إلى كتاب موثوق ، كالبخاري ومسلم ، والآخر مسنداً إلى كتاب غير مشهور بالصحة مثلا كسنن ابن ماجه ، فإن ما أسند للبخاري ومسلم يرجح للإجماع على تلقي ما فيهما بالقبول لصحتهما ، بخلاف غيرهما من الكتب التي تحتاج للنظر والدرس .

6- الموقوف والمرفوع : إذا كان أحد الخبرين قد اختلف فيه هل هو موقوف أو مرفوع، والآخر متفق على أنه مرفوع، فالمتفق على رفعه أولى من المختلف فيه، فيرجح عليه.

7- اللفظ والمعنى : إذا كان أحد الخبرين قد روى باللفظ المسموع من رسول الله – r – والآخر منقولاً بالمعنى، قدم الخبر المروي باللفظ على المروي بالمعنى، للاتفاق على جواز الرواية باللفظ على المروي بالمعنى.

8 – السماع والكتاب : إذا كان أحد الخبرين قد روى عن سماع من رسول الله – r – والآخر عن كتاب له ، فالخبر المروي عن السماع يقدم ، لبعده عن التصحيف والغلط .

9 – الفعل والقول : إذا كان أحد الخبرين ناقلا ًلقوله – r – والآخر ناقلاً لفعله، فالناقل لقوله راجح، لأن دلالة القول أقوى من دلالة الفعل.

كما أنه إذا تعارض الفعل مع التقرير، قدم الخبر الناقل للفعل على الناقل للتقرير، لقوة الدلالة في الفعل دون التقرير.

10 – ما تعم به البلوى وما لا تعم : إذا كان أحد الخبرين وارداً فيما تعم به البلوى ، والآخر فيما لا تعم به البلوى ، رجح ما تعم به البلوى ، لكونه أبعد عن الكذب ، لأن تفرد الواحد فيما تعم به البلوى ، مع توفر الدواعي على نقله قريب من الشك ، بخلاف مالا تعم به البلوى .

11 – المكي والمدني : إذا تعارض خبران مكي ومدني ، قدم المدني على المكي لأن الغالب في المكيات ورودها قبل الهجرة ، والوارد منها بعد الهجرة قليل ، والقليل ملحق بالكثير ، وما دام الغالب على الظن أن المكي كان قبل الهجرة وجب تقديم المدني عليه ، لتأخره عنه .

ثالثا : الترجيح بسبب المتن:(284)

1 – الأمر والنهي : إذا تعارض خبران أحدهما أمر والآخر نهي، قدم النهي على الأمر، لأن النهي لدرء المفاسد، والأمر لجلب المصالح، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

2 – الأمر والإباحة : فإذا تعارض ما يقتضي الأمر مع ما يقتضي الإباحة، رجح الأمر، احتياطاً، وقيل ترجح الإباحة.

3 – الأمر والخبر : فإذا تعارض ما فيه خبر متضمن للتكليف مع ما هو أمر أو نهي، قدم الخبر، لأن الطلب بلفظ الخبر أقوى من الطلب بالأمر بالنهي وذلك لم يجز نسخ الخبر بخلاف الأمر والنهي .

4 – الحظر والإباحة : فإذا كان أحد الخبرين مضمناً للحظر، والآخر للإباحة، قدم الحظر على الإباحة، لما فيه من درء المفاسد

5- المشترك ومتحد المدلول : فإذا كان أحد الخبرين مشتركاً والآخر متحد المدلول، قدم متحد المدلول، لبعده عن الخلل والاحتمال.

6 – الحقيقة والمجاز : إذا كان أحد الخبرين حقيقة، والآخر مجازاً، فما كان حقيقة قدم على المجاز، لأن المجاز يحتاج للقرينة، والحقيقة لا تحتاج إليها، وما لم يكن محتاجاً للقرينة يقدم، لدلالته الذاتية.

7 – الإضمار وعدمه : فإذا كان أحدهما يحتاج في دلالته إلى الإضمار، والآخر لا يحتاج، قدم مالا يحتاج إلى الإضمار على ما يحتاج إلى الإضمار.

8 – المطابقة والالتزام : إذا كانت دلالة أحد الخبرين مطابقية ، والأخرى التزامية ، قدمت دلالة المطابقة على الالتزام لأنها أضبط .

9 – العام المخصوص وغير المخصوص : إذا تعارض خبران أحدهما عام مخصوص، والآخر لم يعرض له الخصوص، قدم العام الذي لم يخص على العام الذي خصص، وذلك لعدم تطرق الضعف إليه بتخصيصه وقيل بالعكس.

10 – الجمع المعرف والمنكر : إذا تعارض خبران أحدهما من قبيل الجمع المعرف، الآخر من قبيل الجمع المنكر، قدم المعرف على المنكر، للاتفاق على عموم الجمع المعرف، والخلاف في المنكر، ولأن المعرف لا يدخله الإبهام بخلاف المنكر.

11 – الحكم مع الحكم والعلة : فإذا تعارض ما يدل على الحكم، مع ما يدل على الحكم والعلة، قدم ما يدل على الحكم والعلة، لأنه أقرب إلى الإيضاح والبيان، وأدعى إلى القبول.

مثال ذلك حديث البخاري : (( من بدل دينه فاقتلوه )) مع حديث الصحيحين: (( أنه – r – نهى عن قتل النساء والصبيان )) فقد قرن الحكم الأول وهو القتل بالعلة وهي تبديل الدين مع شموله للنساء والرجال ، ولذالك قدم على الثاني الخاص بالنساء العام بالحربيات والمرتدات وذلك لأن الأول اقترن بالعلة والثاني تجرد منها.

12 – ما اشتمل على زيادة : إذا كان أحد الخبرين مشتملا على زيادة والآخر لم يشتمل عليها, قدم المشتمل على الزيادة, لاشتماله على زيادة علم لم يشتمل عليها الآخر وذلك كتقديم رواية من روى أن رسول الله – r – وسلم كبر في صلاة العيد سبعاً على من روى أنه كبر أربعاً.

13- النص والإجماع : فإذا كان أحد المنقولين إجماعا ، والآخر نصاً، قدم الإجماع على النص لأن النص يعتريه النسخ ، والإجماع لا يعتريه النسخ .

14- الإثبات والنفي : فإذا كان أحدهما متضمناً للإثبات والآخر متضمناً للنفي ، قدم الإثبات على النفي ، لاشتماله على زيادة علم عند المثبت لم يطلع عليها النافي وقيل غير ذلك.

15- نافي الحد وموجبه : فإذا تعارض خبران أحدهما موجب للحد والآخر ناف له ، قدم نافي الحد على الموجب له لما في نافي الحد من اليسر وعدم الحرج الموافق لقوله تعالى :

)يريد الله بكم اليسر( وغير ذلك.

16- معقول المعنى وغير معقول المعنى : إذا كان أحد الخبرين معقول المعنى ، والآخر غير معقول المعنى ، قدم معقول المعنى على ما لم يظهر معناه ، لأن ظهور المعنى أدعى للنفس إلى قبول الحكم .

17- الوضعي والتكليفي : إذا كان أحد الخبرين وضعياً ، والآخر تكليفاً ، قدم الوضعي على التكليفي لأن التكليفي متوقف على الفهم والتمكن من الفعل ، بخلاف الوضعي إذ لا يتوقف عليهما .

18 – الموافق لدليل آخر : إذا كان أحد الخبرين موافقاً لدليل آخر ، وآخر ليس له موافق قدم من كان له موافق من الأدلة الأخرى لأن الظن في الموافقة أقوى من الظن مع عدمها.

19 – موافق زيد في الفرائض : إذا تعارض خبران في الفرائض قدم الخبر الموافق لزيد رضي الله عنه لقول رسول الله – r – (( أفرضكم زيد )).

20 – موافق معاذ في الحلال والحرام : فإن الخبر الموافق لمعاذ في الحلال والحرام مقدم على الخبر المخالف له ، لقول رسول الله – r : (( أعلمكم بالحلال والحرام معاذ )) .

21 – موافقة علماء المدينة أو الأئمة الأربعة : فالخبر الذي عمل بمقتضاه علماء المدينة أو الأئمة الأربعة، أولى من الخبر الذي لم يعملوا به.

22 – قوة دليل التأويل : إذا تعارض خبران، كل منهما مؤول، إلا أن دليل التأويل في احدهما أرجح من دليل التأويل في الآخر، فهو أولى لكونه أغلب على الظن.

23 – اقتران أحد الخبرين بتفسير الراوي : إذا اقترن أحد الخبرين بتفسير الراوي، فإنه يكون راجحاً على ما لم يقترن لأن الراوي للخبر أعرف به.

24 – ذكر السبب : إذا اقترن أحد الخبرين بذكر سبب وروده قدم على الخبر الذي لم يذكر فيه سبب الورود.

الفصل الثــاني

في تراجيح الأقيســة

لما كان القياس من الأدلة الظنية ، كان لابد من وقع التعارض فيه بين الأقيسة ، ولذلك وجب معرفة ما يرجح به القياس على قياس آخر .

والترجيح إما أن يكون بسبب العلة، وإما أن يكون بسبب دليلها، وإما أن يكون بسبب حكم الأصل.

أولاً: الترجيح بسبب العلة أو دليلها:(285)

1 – القطع والظن في العلة : إذا تعارضت علتان إحداهما قطعية ، والأخرى ظنية ، قدمت القطعية على الظنية ، أو بالأحرى قدم القياس الذي تكون علته قطعية على القياس الذي تكون علته ظنية .

2 – دليل العلية : إذا كان العلة في أحد القياسين قطعياً ، وفي الآخر ظنياً ، رجح ما كان دليل علتيه قطعياً .

3 – تفاوت مراتب المستنبطة : إذا تعارضت علتان مستنبطتان قدمت ما كان دليلها في الاستنباط أقوى فنرجح العلة التي ثبتت بالإيماء على التي ثبتت بالسبر ، والسبر على المناسبة ، والمناسبة على الشبه ، والشبه على الدوران .

4 – البسيطة والمركبة : تقدم العلة البسيطة على العلة المركبة إذا تعارضتا، وذلك لما ذكرناه من أن البسيطة متفق على التعليل بها، بينما اختلفوا في التعليل بالمركبة وبناء عليه فترجح العلة المركبة ذات الأوصاف القليلة على ذات الأوصاف الكثيرة.

5- الوصف الوجودي للحكم الوجودي : العلة والحكم قد يكونان وجوديين وقد يكونان عدميين، وقد يكون الحكم وجودياً والوصف عدميان وقد يكون العكس .

فتعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجودي أرجح من الأقسام الثلاثة ، لأن العلة والمعلولية وصفان وجوديان فحملها على المعدوم لا يمكن إلا إذا قدر المعدوم موجوداً .

ثم تعليل العدمي بالعدمي ، يكون أرجح من تعليل العدمي بالوجودي أو الوجودي بالعدمي .

6- الباعثة والأمارة : إذا كانت إحدي العلتين مناسبة للحكم، باعثة على امتثاله، كانت مقدمة على العلة التي لا تفيد سوى الأمارة.

7- العلة الأكثر فروعاً : إذا كانت إحدى العلتين أكثر فروعاً من الأخرى قدمت عليها لأن كثيرة الفروع تفيد من الأحكام ما لا تفيد الأخرى، فكانت أولى.

8- المنتزعة من أصلين: إذا كانت إحدى العلتين منتزعة من أصلين، والأخرى منتزعة من أصل واحد، قدمت المنتزعة من أصلين على المنتزعة من أصل واحد.

مثاله إقرار الزاني لا يعتبر فيه التكرار مرات، كما لو أقر بدين، أو غصب، مع قياس المخالف بأنه يعتبر فيه تكرار كالعدد في الشهادة فتقدم العلة الأولى لكونها منتزعة من أصلين هما الغصب والدين.

ثانياً : الترجيح بسبب حكم الأصل :

1- فيرجح القياس الذي يكون حكم الأصل فيه راجحاً على دليل حكم الأصل في القياس الآخر كما لو كان حكم الأصل في أحدهما ظنياً وفي الآخرة قطعياً.

2- إذا كان حكم الأصل في أحدهما غير معدول به عن سنن القياس كان راجحاً على ما عدل به عن سنن القياس ، لكونه أبعد عن التعبد ، وأقرب إلى المعقول .

3- إذا كان حكم الأصل في أحد القياسين متفقاً على تعليله ، والآخر مختلفاً فيه ، رجح ما كان متفقاً عليه على المختلف فيه .

ثالثا : الترجيح بسبب الفرع :

1- إذا كان الفرع في أحد القياسيين متأخراً عن أصله وفي الآخر متقدماً، رجح القياس الذي يكون الفرع فيه متأخراً على القياس الذي تقدم فرعه.

2- إذا كانت العلة في أحد الفرعين قطعية، وفي الآخر ظنية، فما كان وجود العلة فيه قطعياً كان أرجح.

هذا والمرجحات كما قال ابن السبكي لا تنحصر لكثرتها وتشعبها ، ولذلك اقتصرت على أهم المرجحات التي تعطي فكرة مجملة عن مباحث الترجيح ، تاركاً التفصيل فيها للمطولات .

(282) نهاية السول : 3 /165 ، جمع الجوامع : 2/ 363 ، الأحكام : 4 /325 .

(283) نهاية السول : 3/171 ، جمع الجوامع : 2/363 ، الأحكام : 4 /330 .

(284) الأحكام : 4 / 236 ، نهاية السول : 3 /174 ، جمع الجوامع : 2 / 63 .

(285) الأحكام : 4 /365 ، نهاية السول : 3/181 ، جمع الجوامع : 2/373.