الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » الوجيز في أصول التشريع الإسلامي » الكتاب الخامس في الأدلة المختلف فيها ، الباب الأول في الأدلة المقـبولة ، الباب الثاني في الأدلة المردودة

الكتاب الخامس في الأدلة المختلف فيها ، الباب الأول في الأدلة المقـبولة ، الباب الثاني في الأدلة المردودة

الكتاب الخامس في الأدلة المختلف بها

الأدلة المختلف فيها

ونعني به ا المصادر التشريعية الإجمالية التي اختلف فيها الأئمة، فبعضهم يرى أنها حجة يجب العمل بها، وبعضهم يرى أنها ليست بحجة، ولا يجب العمل بها.

وهذا بخلاف المصادر المتفق عليها والتي ذكرناها في الكتب الأربعة الماضية، وهي الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وإنما كانت متفقاً عليها لقيام الدليل القاطع على وجوب العمل بها.

وأما هذه الأدلة المختلف فيها ، فلم يقم عليها دليل قاطع ، وإنما هي غلبة الظن عند المجتهد ، مما أدى إلى الاختلاف في اعتبارها ، إذ الظنون تختلف ، فما كان ظناً عند مجتهد ربما كان وهماً عند مجتهد آخر .

ولذلك سنرتب البحث في بابين :

الباب الأول: في الأدلة المقبولة.

الباب الثاني: في الأدلة المردودة.

الباب الأول في الأدلة المقـبولة

ويشتمل على المباحث التالية:

1 – الأصل في المنافع الإباحة.

2 – الاستصحاب.

3 – الاستقراء.

4 – الأخذ بأقل ما قيل .

1- الأصل في الأشياء(264)

قد مر معنا في مباحث الحكم أنه لا حكم للأشياء قبل البعثة عند أهل السنة ، وأن أمرها موقوف إلى ورود الشرع ، خلافاً للمعتزلة الذين حكموا العقل بما في الأشياء من محاسن ومقابح .

وأما بعد ورود الشرع فالأصل في المنافع الإباحة وفي المضار التحريم.

والمراد بالمنافع الأشياء النافعة للإنسان، فالأصل فيها أنها مأذون في استعمالها، إلى أن يرد الدليل السمعي بتحريمها، والمراد بالمضار ما فيه ضرر على الإنسان، والأصل فيه المنع منه إلى أن يرد الدليل على الإذن والجواز.

قال الله تعالى: ]قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق [ وهذا استفهام إنكاري، يريد الله به إنكار تحريم ما خلق من الزينة لعباده على سبيل النفع لهم.

وقال الله تعالى: ]أحل لكم الطيبات [ أي ما تستطيبه النفس، وتنتفع به.

وقال عليه الصلاة والسلام في تحريم ما يؤدي إلى الأضرار:

(( لا ضرر ولا ضرار)) وهذا يدل على نفي الضرر مطلقاً في ديننا ، أي لا يجوز الإقدام على ما كان فيه ضرر أو إضرار .

ومما ينبني على هذه المسألة من الفروع الفقهية إذا وجدنا شعرا، ولم ندر هل هو من مأكول اللحم أم لا، فهل هو نجس أو طاهر؟ الصحيح أنه طاهر بناء على أن الأصل في المنافع الإباحة ومن ذهب إلى أن الأصل فيها التحريم قال بنجاسته.

ومنها: إذا رأي شخصاً، ولم يدر هل هو ممن يحرم النظر إليه أولا، كما لو شك هل هو ذكر أم أنثى، أو شك في الأنثى محرم هي أو أجنبية ن فالظاهر جواز النظر بناء على هذه القاعدة.

ومنها: إذا رأى نهراً، ولم يعرف حاله، هل هو مباح أو مملوك، فالظاهر فيه حل الانتفاع به بناء على أن الأصل الإباحة في المنافع.

2 – الاستصحاب(265)

هو عبارة عن ثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على ثبوته في الزمان الأول.

ومعناه : أننا إذا عرفنا حكما من الأحكام في الزمن الماضي، ولم يظهر لنا ما يدل على عدمه، حكمنا الآن في الزمان الثاني بأنه لا زال باقيا على ما كان عليه، لأنه لم يظن عدمه ، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء .

وهو حجة، يجب العمل به على الصحيح، خلافا للحنفية ، وينقسم إلى أقسام :

1- استصحاب العدم الأصلي: وهو الذي عرف نفيه بالبقاء على العدم الأصلي، لا بتصريح الشارع، وذلك كنفي وجوب صلاة سادسة، ونفي وجوب صوم شهر رجب أو شعبان، فالعقل يدل عليه بطريق الاستصحاب إلى أن يرد السمع فينقله عنه.

ومنه استصحاب براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها .

2- استصحاب العموم أو النص إلى ورود المغير من مخصص، أو ناسخ، فيعمل بالعموم إلى أن يرد التخصيص، وبالنص إلى أن يرد الناسخ.

3 – استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه، كثبوت الملك بالشراء ، فإن استصحابه حجة مطلقة في الرفع والدفع .

أما الدفع فيما لو ادعى شيئا، وشهدت بينة بأنه كان ملكا للمدعي، بشرائه له، فإنه يعمل باستصحاب ملكه، ويعطاه.

وأما الرفع ففيما لو أتلف إنسان شيئاً ، وشهدت بينة بأنه كان ملكاً لزيد ، فإنه يعمل باستصحاب ملكه ، ويثبت له البدل في مال المتلف ، فإن ذلك رفع لما ثبت له من عدم استحقاقه في مال غيره شيئاً .

وهذه الأقسام الثلاثة لا خلاف في حجيتها عندنا، خلافاً للحنفية.

4 – استصحاب حكم الإجماع في موضوع الخلاف ، وهذا محل خلاف بين القائلين بحجية الاستصحاب ، والأكثرون على رده .

وذلك لأن موضع الخلاف غير موضع الإجماع، فلا يجوز الاحتجاج بالإجماع من غير علة، كما لو وقع الخلاف في مسألة، لا يجوز الاحتجاج فيها بالإجماع في مسألة أخرى.

ومثال هذا الاستصحاب قول من قال في المتيمم إذا رأى الماء في صلاته: إن صلاته لا تبطل، لأنا أجمعنا على صحة صلاته في انعقاد إحرامه، ولا يجوز إبطال ما أجمعوا عليه إلا بدليل.

ويجاب بقولنا: قد أجمعنا على اشتغال ذمته بفرض الصلاة ن فلا يجوز إسقاط ما أجمعوا عليه إلا بدليل، ولا يكون التعليق عليه إلا بدليل .

ولا يكون التعليق بأحد الاجتماعين بأولى من التعليق بالإجماع الآخر ، وما أدى إلى مثل هذا كان باطلاً.

3 – الاستقراء(266)

وهو عبارة عن تتبع أمور جزئية ليحكم بحكمها على أمر يشتمل على تلك الجزئيات.

وهو ينقسم إلى قسمين استقراء تام واستقراء ناقص.

فالاستقراء التام هو إثبات حكم كلي في ماهية لثبوته في جميع جزئياتها ، بأن تتبعها جميعها فوجدها بنفس الحكم .

والاستقراء الناقص هو إثبات حكم كلي في ماهية لثبوته في أكثر جزئياتها .

والخلاصة أنه يستدل بإثبات الحكم للجزئيات بتتبع حالها على ثبوت الحكم لِكُلِّي تلك الجزئيات ، وبواسطة ثبوته للكلِّي يثبت للصورة المتنازع فيها .

ثم إن كان ثبوت الحكم في ذلك الكلي بواسطة إثباته بتتبع جميع الجزئيات ما عدا صورة النزاع كان دليلاً قطعياً ، في إثبات الحكم في صورة النزاع .

وإن كان الحكم فيه بواسطة إثباته بالتتبع في أكثر الجزئيات الخالي عن صورة النزاع كان دليلاً ظنياً في إثبات الحكم في صورة النزاع .

ومعنى ذلك أننا إذا رأينا جزئياً، ولم ندر هل حكم كُلّيه ثابت له قطعياً أم لا، فإننا ننظر الحكم ذلك الكلي.

فإن كان ناشئاً عن الاستقراء التام، فذلك الجزئي يقطع بثبوت الحكم الثابت لكلية له. كما إذا رأينا حيواناً ولم ندر هل حكم كليه من الاعتذاء بالصحة والسقم ثابت له قطعاً أم لا ؟ فنقول: إنه ثابت له قطعاً، لأن الحكم المذكور ثبت لماهية الحيوان بواسطة ثبوته لجميع جزئياته .

وإن كان الحكم الثابت للكلي نشأ عن استقراء غير تام ، بأن نشأ عن تتبع أكثر الجزئيات فذلك الجزئي لا يقطع بثبوت الحكم الثابت لكلية له لجواز أن يخالف حكمه حكم الأكثر .

كما إذا رأينا حيواناً ، ولم نر هل حكم كلية من تحريك فكه الأسفل عند المضغ ثابت له قطعاً أولا: فنقول ، إنه لا يثبت له ذلك قطعاً ، بل ظناً ،لأن الحكم الثابت للكلي ليس ثابتاً لجميع جزئياته ، لخروج التمساح عنها في ذلك ، إذ يحرك فكه الأعلى ، فجاز أن يكون الجزئي المذكور مثله .

ومثال ذلك في الفقه استدلال بعض فقهاء الشافعية على أن الوتر مندوب وليس بواجب ، بأن الوتر يؤدي على الراحلة ، وكل ما يؤدي على الراحلة لا يكون واجباً ، فالوتر ليس بواجب .

أما إنه يؤدي على الراحلة فهذا مجمع عليه ، ولا خلاف فيه .

وأما إن كل ما يؤدي على الراحلة لا يكون واجباً ، فلأننا استقرأنا وظائف اليوم والليلة أداء وقضاء ، فوجدنا أن ما كان منها واجباً لا يؤدي على الراحلة ، ولذلك جعلنا حكم الجزئي وهو الوتر كحكمها الثابت بالاستقراء .

وكذلك أثبت الشافعية أكثر الحيض وغالبة وأقله بالاستقراء.

4 – الأخذ بأقل ما قيل(267)

وهو من الأصول التي اعتمدها الإمام الشافعي – رضي الله عنه – وحاصله أن يأخذ بأقل ما قيل في المسألة فيثبت به الحكم ، إذا كان الأقل جزءً من الأكثر ، ولم يجد دليلاً غيره .

وذلك لأن الأقل مجمع عليه، والأصل براءة الذمة من الزيادة، إلا بدليل، ولا دليل.

ومثاله دية الذمي، فقد اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال ، فقيل: أنها ثلث دية المسلم.

وقالت المالكية إنها نصف دية المسلم ، قالت الحنفية إنها كدية المسلم .

فـأخذ الشافعي بالثلث وهو أقل ما قيل في المسألة ، بناء على أن الثلث مجمع عليه لأنه مندرج ضمن من أوجب النصف أو الكل ، والأصل براءة الذمة بالنسبة لمن سيدفع الدية فلا يجب عليه شيء إلا بدليل ، ولا دليل يوجب الزيادة على الثلث ، وإنما أوجبنا عليه الثلث للإجماع .

فالشافعي أخذ بأقل ما قيل بناء على هاتين القاعدتين الإجماع على الأقل وبراءة الذمة.

وبناء على ذلك فلو وجد قول رابع يقول بأنه لا يجب عليه شيء ، لما جاز الأخذ بالثلث لأنه ليس مجمعاً عليه .

كما أنه لو وجد دليل يدل على الأكثر لما جاز القول بالأقل ، ولذلك لم يأخذ الشافعي بأقل ما قيل في الغسل من ولوغ الكلب إذ قيل يغسل ثلاثاً ، وقيل يغسل سبعاً ، وإنما أوجب غسله سبعاً لوجود الدليل الدال على وجوبها ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.

الباب الثاني في الأدلة المردودة

ويشتمل على المباحث التالية :

1 – المصالح المرسلة.

2 – الاستحسان.

3 – قول الصحابي .

4 – الإلهام.

1 – المصالح المرسلة

قد مر معنا أثناء الكلام على المناسب في مسالك العلة أن المناسب إما أن يكون مردوداً من قبل الشارع، وهذا لا خلاف في رده.

وإما أن يكون معتبراً بالنص، أو الإجماع، أو يترتب الحكم على وفقه، وهذا أيضاً لا خلاف في قبوله.

وإما أن يشهد له الشرع لا باعتبار ولا بإلغاء، وهذا هو الذي سنتكلم عنه الآن، وهو المسمى بالمرسل، أو المصالح المرسلة، أو الاستصلاح.

وقد وقع في هذا الموضوع خبط كثير ، وصنفت فيه مصنفات مستقلة ، وأنا سأذكر هنا خلاصة موجزة عن المسألة ، بما يتناسب ، مع خطة الكتاب ، تاركاً تفصيل الموضوع إلى مكان آخر على أني قد ذكرت في تعليقي على ” المنخول” للإمام الغزالي ص /370 تذييلاً بينت فيه محل الخلاف في المسألة، ومدى صحة الأقوال المنسوبة للإمام مالك فيها .

والخلاصة أن الجمهور على رد المصلحة التي لم يرد عن الشارع اعتبارها أو إلغاؤها، والإمام مالك على قبولها مطلقاً، حتى جوَّز ضرب المتهم بالسرقة ليقر، وجوَّز أموراً أخرى غيرها لا داعي للإطالة بها.

وأما الغزالي فقد شرط للقطع بها ، لا لأصل القول بها ، أن تكون المصلحة ضرورية قطعية كلية بينما اعتبر الرازي وأتباعه هذه الأمور شرطاً للقول بها ، فإذا لم تتوفر، أو لم يتوفر أحدها لم يقولوا به .

قالوا: والضرورية هي التي تكون من إحدى الضروريات الخمس وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب.

وأما القطعية فهي التي يجزم بحصول المصلحة فيها.

والكلية: هي التي تكون موجبة لفائدة عامة للمسلمين.

ومثلوا لذلك بما إذا صال علينا كفار تترَّسوا بأُسارى من المسلمين ، وقطعنا بأننا لو امتنعنا عن قتل الترس من أجل قتل الكفرة لصدمونا، واستولوا على ديارنا وقتلوا بعد ذلك الترس تبعاً لكافة المسلمين، ولو أنا رمينا الترس وقتلناه ، لقتلنا مسلماً من غير ذنب صدر منه .

فإن قتل الترس في هذه الحالة مصلحة مرسلة، لأنه لم يعهد في الشرع جواز قتل مسلم بلا ذنب، وليس هناك دليل على عدم جواز قتله عند اشتماله على مصلحة عامة ضرورية قطعية كلية للمسلمين.

قالوا: ولذلك يجوز اعتبار مثل هذه المصلحة غير ضرورية كَرَمْيِ أهل قلعة من الكفار، تترَّسوا بمسلمين ، وذلك لأن فتح هذه القلعة ليس ضرورياً ، فإن حفظ ديننا غير متوقف على الاستيلاء عليها .

أو كانت غير قطعية، كما إذا لم نقطع بأن الكفار سوف يستأصلون المسلمين إن لم نرم الترس.

أو كانت غير كلية ، كما لو أشرفت سفينة على الغرق ، ثم علمنا أن نجاة الركاب متوقف على إلقاء واحد منهم أو أكثر في البحر ليخف الحمل وينجو البقية ، فإنه في هذه الحالة لا يجوز إلقاء أي واحد منهم ، لأن نجاة ركاب السفينة ليس كلياً ، على معنى أن نجاتهم ليس نجاة لكل الأمة، ولا عبرة بالقرعة في هذه الحالة، لأن القرعة ليست معتبرة شرعاً في هذا الأمر، وربما كان المُلقى في البحر خيراً من كل من في السفينة من الركاب الناجين ، والله أعلم .

2 – الاسـتحسـان(269)

الجمهور على رد الاستحسان، وعدم العمل به، خلافاً للحنفية رضي الله عنهم .

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : (( من استحسن فقد شرَّع )) وليس هذا هو الاستحسان الذي نريد أن نتكلم عنه والذي اعتمده الحنفية وقالوا به ، لأن الاستحسان بمعنى التشريع تبعاً للهوى أمر أتفق جميع الفقهاء المسلمين على إبطاله ورده ، وهو الذي عناه الإمام الشافعي رضي الله عنه .

وأما الاستحسان الذي قال به الحنفية فقد اختلفت عباراتهم في التعبير عنه ، وقد قسمه الإمام أبو الحسن الكرخي إلى أربعة أقسام .

الأول: إتباع الحديث وترك القياس، كما فعلوا في مسألة القهقهة في الصلاة.

الثاني: إتباع قول الصحابي على خلاف القياس، كما قالوا في تقدير أجرة رد العبد الآبق بأربعين، إتباعا لعبد الله بن عباس.

الثالث : إتباع عادات الناس، وما يطرد به عرفهم، كمصيرهم إلى أن المعاطاة صحيحة، لأن الأعصار لا تنفك عنها، ويغلب على الظن جريانها في عهد النبي-r-.

الرابع: قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى منها، وذلك حيث دلَّ دليل خاص على إخراج صورة ما دلَّ عليه العام.

وذلك كتخصيص أبي حنيفة قول القائل: مالي صدقة بالمال الزكوي دون غيره.

فإن الدليل الدال على وجوب الوفاء بالنذر يقتضي وجوب التصدق بجميع أمواله ، عملاً بلفظه ، لكن هاهنا دليل خاص يقتضي العدول عن هذا الحكم بالنسبة إلى غير الزكوي وهو قوله تعالى : ]خذ من أموالهم صدقة [ فإن المراد بالمال في الآية هو الزكوي ، فليكن كذلك قول القائل: مالي صدقة .

والجامع هو قرينة إضافة الصدقة إلى المال في الصورتين .

استعمال كلمة الاستحسان:

ما ذكرناه من رد الجمهور للاستحسان إنما هو للاستحسان الذي يعتبر أصلا من أصول الشريعة مغايراً لسائر الأدلة.

وأما استعمال لفظ الاستحسان فهذا لا ينكره أحد، وقد استحسن الشافعي أشياء خرَّجها أصحابه على مآخذ فقهية، وليست من الاستحسان المختلف فيه.

فقال: مراسيل ابن المسيب حسنة .

وقال: أستحسن في المتعة أن تكون ثلاثين درهما.

وقال: أستحسن أن تثبت الشفعة للشفيع إلى ثلاثة أيام .

وأستحسن أن يترك للمكاتب شيء من نجوم الكتابة.

وأستحسن التحليف على المصحف .

وقال الروياني فيما إذا امتنع المدعى من اليمين المردودة ، وقال : أمهلوني لأسأل الفقهاء، استحسن قضاة بلدنا إمهاله يوماً . والله أعلم

3 – قول الصحابي (270)

إذا قال الصحابي قولاً، أو أفتى بفتوى، فإما أن يكون لقوله مجالٌ في الاجتهاد، وإما أن لا يكون.

فإن لم يكن له مجال في الاجتهاد، فإنه يكون حجة في هذه الحالة، لأنا نعلم أنه ما قاله إلا عن توقف.

قال الإمام الشافعي : (( روي عن علي – رضي الله عنه – أنه صلى في ليلة ست ركعات ، في كل ركعة ست سجدات ، وقال : لو ثبت ذلك عن علي لقلت به ، فإنه لا مجال فيه للقياس ، فالظاهر أنه فعله توقيفاً )) .

وأما إذا كان قوله في الأمور التي فيها مجال للاجتهاد، فقد اتفق العلماء على أن قوله ليس حجة على أحد من الصحابة المجتهدين، لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز مخالفة بعضهم بعضاً.

وأما بالنسبة لغير الصحابة فهل يكون قوله حجة، يجب علينا العمل بها، أم لا ؟

في المسألة خلاف .

والصحيح الذي عليه الإمام الشافعي، وأصحابه، وجمهور الأصوليين أنه ليس بحجة.

سواء أوافق القياس ، أم خالفه ، انتشر أم لم ينتشر .

ومن عبارات الشافعي الرشيقة في هذا الموضوع، هم رجال ونحن رجال، كيف آخذ بقول من لو حاججته لحججته ؟

وبناء على أنه ليس بحجة، فمذهب الشافعي الجديد أنه لا يجوز للمجتهد أن يقلده.

وأما موافقة الشافعي لزيد في الفرائض فليس من قبيل التقليد، وإنما هو من قبيل موافقته له باجتهاده، وكثيراً ما يوافق الاجتهاد الاجتهاد بمقتضى الدليل المشترك.

4– الإلهام(271)

وهو شيء يقع في القلب فينشرح به الصدر يخص به الله تعالى بعض أصفيائه.

وهذا ليس بحجة في دين الله تعالى، لأن الله أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ولم نعد بحاجة لمثل هذه الإلهامات.

ونحن لا ننكر الإلهام ، ولا ننكر أن الله قد يلقي في قلوب بعض أصفيائه ما يشرح صدورهم .

إلا أن هذا لا ضابط له في قوانين الشرع، وكل ما كان كذلك لا يمكن أن يعتمد عليه لأنه ربما كان من دسائس الشيطان، لا من إكرام الرحمن.

ولو فتحنا هذا الباب في الشريعة لاضطرب أمرها، ولزعم كثير من الناس أنه ألقى إليهم، أو ألهموا في قلوبهم، وهذا باب اتفق العلماء على إغلاقه بالإجماع.

بل زادو على ذلك فقالوا : لو أن القاضي رأى رسول الله في المنام ، وقال له :

إن قضاءك الذي قضيت به بناء على البينة ، قضاء ظالم ، وأن البينة كاذبة ، قالوا ، يجب عليه أن يؤمن بأن قضاءه باطل ، لأن رؤية رسول الله في المنام حق ، والشيطان لا يتشبه به إلا أنه يجب عليه أن يمضي قضاءه القائم على البينة ، عملاً بالظاهر .

ولأننا لو فتحنا هذا الباب لادعى كثير من الفسقة رؤية رسول الله في المنام ، ولهدموا قواعد الشرع وأسسه ، والله الهادي إلى الصواب .

هذا ولقد سبق الكلام على شرع من قبلنا وإجماع أهل المدينة فلا حاجة لإعادة الكلام عليهما هنا.

(264) جمع الجوامع : 2/353 ، نهاية السول : 3 /126 ، المحصول : 6/131 ،

التمهيد: 487.

(265) الإبهاج ونهاية السول : 3 /111 ، المحصول : 6 /148 ، جمع الجوامع : 2 /347 ،

اللمع : 68 ، المستصفى : 1/217 ، تيسير التحرير : 4 /176.

(266) المحصول : 6/217 ، نهاية السول : 32 /132 ، جمع الجوامع : 2/345 .

(267) المحصول : 6 /208 ، نهاية السول : 3 /133 .

(269) المستصفى : 1/274 ، الأحكام : 4/209 ، المحصول : 6 /166 ، نهاية السول :

3 /138 ، جمع الجوامع 2 /353 .

(270) المحصول : 6/174 ، نهاية السول : 3/141 ، التمهيد : 499 ، جمع الجوامع :

2 /354 ، المستصفي : 1/260 ، الأحكام :4/201

(271) جمع الجوامع : 2 /356 .