الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » الوجيز في أصول التشريع الإسلامي » المقدمات الأصولية في الأحكام الشرعية ،الحكم الشرعي ، الحكم الشرعي التكليفي

المقدمات الأصولية في الأحكام الشرعية ،الحكم الشرعي ، الحكم الشرعي التكليفي

المقدمات الأصولية في الأحكام الشرعية

إن البحث في الأحكام الشرعية يستدعي منا البحث في متعلقاتها، وهي أفعال المكلفين، لأن خطاب الله تعالى متعلق بفعل المكلف .

كما يستدعينا للكلام على الحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم فيه. ولذلك سنرتب البحث في بابين .

الباب الأول: في الحكم الشرعي.

وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول: في تعريفه.

الفصل الثاني: في أقسامه.

الفصل الثالث: في أحكامه.

الباب الثاني: في أركان الحكم.

وفيه ثلاثة فصول أيضا :

الفصل الأول: في الحاكم.

الفصل الثاني: في المحكوم عليه.

الفصل الثالث: في المحكوم به.

الفصل الأول في تعريفه

لقد عرف الإمام أبو عمرو بن الحاجب(4) الحكم الشرعي بقوله : ( هو خطاب الله، المتعلق بأفعال المكلفين، بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع .

شرح التعريف :

1. ( خطاب الله ): هو كلامه النفسي، الأزلي.

ويدل عليه القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، وغيرها من الأدلة.

2. ( المتعلق بأفعال المكلفين ) : هذا قيد احترز به عن الخطاب المتعلق بذاته سبحانه وتعالى، كقوله تعالى : ) شهد الله انه لا إله إلا هو ( وعن الخطاب المتعلق بالجمادات، كقوله تعالى : ) ويوم نسير الجبال ( فإنه خطاب من الله تعالى، إلا إنه ليس بحكم، لعدم تعلقه بأفعال المكلفين .

‌أ- والتعلق: إما معنوي، وهو الصلوحي القديم، قبل وجود المكلف، على معنى أنه إذا وجد، مستجمعاً لشروط التكليف، كان متعلقا به .

وأما تنجيزي، وهو بعد وجود المكلف، بعد البعثة، إذ لا حكم قبلها، وهو تعلق حادث .

‌ب- والمراد بالفعل: ما يصدر من المكلف، وهو عام، يشمل أفعال الجوارح، والعقائد، والأقوال.

‌ج- والمكلف: هو البالغ، العاقل، الذي بلغته الدعوى، وتأهل للخطاب. فلا يتعلق الخطاب بالصبي، والمجنون، والساهي والنائم.

3. ( بالاقتضاء ): والمراد به الطلب، وهو ينقسم إلى طلب فعل، وطلب ترك.

وطلب الفعل يشمل الإيجاب والندب .

وطلب الترك يشمل التحريم، والكراهة .

وسيأتي الكلام على هذه الأقسام، في الفصل الثاني .

4. ( أو التخيير ): أي التسوية بين جانبي الفعل والترك، وهي الإباحة.

5. ( أو الوضع ): والمراد به ما ورد سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسداً، وهو الحكم الوضعي، وسيأتي.

الفصل الثاني في أقسامه

لقد قسم الأصوليون الحكم الشرعي إلى أقسام متعددة، باعتبارات متعددة .

فقسموه باعتبار كونه متعلقاً بفعل المكلف، أو بجعل الشئ سبباً وغيره، إلى قسمين : الحكم الشرعي التكليفي، والحكم الشرعي والوضعي .

وقسموه باعتبار إيقاع العبادة في الوقت المضروب لها أو بعده إلى أداء وقضاء .

وباعتبار المأمور به إلى معين ومخير .

وباعتبار وقته إلى مضيق وموسع .

وباعتبار المأمور إلى واجب على التعيين، وواجب على الكفاية.

وباعتبار كونه على وفق الدليل أو خلافه إلى رخصة وعزيمة.

وسنتكلم على هذه التقسيمات باعتباراتها المختلفة، حسبما يقتضيه المقام .

الحكم التكليفي والوضعي

هذا التقسيم الأول للحكم، وقد قسمه الأصوليون باعتبار كونه متعلقاً بفعل المكلف، أو بجعل الشئ سبباً أو غيره إلى قسمين :

‌أ- الحكم الشرعي التكليفي :

وهو الذي أشرنا إليه في التعريف بـ ( الاقتضاء أو التخيير ).

وهو يشمل الأحكام الخمسة :

1. الإيجاب.

2. الندب.

3. الكراهة

4. التحريم.

5. الإباحة.

‌ب- الحكم الشرعي الوضعي:

وهو الذي ا شرنا إليه في التعريف بـ ( الوضع ).

وهو يشمل الأحكام الخمسة أيضا .

1. السبب.

2. الشرط.

3. المانع.

4. الصحيح.

5. الفاسد.

وسنتكلم أولا على الحكم الشرعي التكليفي، ومتعلقاته، وبعد ذلك نتكلم على الحكم الشرعي الوضعي .

أولا : الحكم الشرعي التكليفي

هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف على جهة الاقتضاء ، أو التخيير،(5) وهو شامل للأحكام التكليفية الخمسة .

1- الإيجاب : وهو ما اقتضاه خطاب الله تعالى من المكلف اقتضاء جازما ، ولم يجوز تركه .

كالأمر بالصلوات المفروضة، والزكاة، والحج، وغير ذلك.

2- الندب: وهو ما اقتضاه خطاب الله تعالى من المكلف، اقتضاء غير جازم، بأن جوز تركه.

كالأمر بصلاة الليل، والضحى، وصدقة التطوع، وإفشاء السلام.

3- الكراهة : وهي ما اقتضى خطاب الله تعالى من المكلف تركه ، اقتضاء غير جازم ، بأن جوز فعله .

كالنهي عن الشرب قائما ، وعن الجلوس في المسجد قبل صلاة ركعتي التحية ، وعن الصلاة في معاطن الإبل .

4- التحريم: وهو ما اقتضى خطاب الله تعالى من المكلف تركه اقتضاء جازما، بأن منع من فعله، ولم يجوزه.

كالنهي عن الزنا ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والغيبة ، والنميمة .

5- الإباحة: وهي ما كان الخطاب فيها غير مقتض شيئا من الفعل والترك، بل خير المكلف بينهما.

كالطعام والشراب في غير حالة الضرورة ، في قوله تعالى : ]كلوا واشربوا (.

ولما كان خطاب الله تعالى متعلقا بفعل المكلف، وصف فعله بمتعلقات هذه الأحكام.

فالذي تعلق به الإيجاب هو الواجب.

والذي تعلق به الندب هو المندوب.

والذي تعلق به الكراهة هو المكروه .

والذي تعلق به التحريم هو الحرام.

والذي تعلقت به الإباحة هو المباح.

فالواجب: هو الفعل الذي يذم شرعاً تاركه قصداً، أو هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه قصداً، قيد يخرج به ما يتركه النائم، والساهي، والمكره، فإنه وإن ترك ما يذم بتركه ويعاقب عليه، إلا أنه لم يقصد تركه.

والمندوب: هو الفعل الذي يحمد فاعله، ولا يذم تاركه. أو هو الذي يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه .

والحرام: هو الفعل الذي يذم شرعاً فاعله قصداً. أو هو الذي يعاقب فاعله، ويثاب تاركه .

والمكروه: هو الفعل الذي يمدح تاركه، ولا يذم فاعله. أو هو الذي يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله .

والمباح: هو الفعل الذي لا يتعلق بفعله، مدح، ولا ذم. أو هو الذي لا يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه.

والفرض والواجب عند الجمهور ـ وهم المتكلمون ـ مترادفان. وفرق الفقهاء ـ وهم الحنفية ـ بينهما، قالوا:

الفرض: هو ما ثبت بدليل قطعي، كالقرآن، والسنة المتواترة. وذلك كقراءة القرآن في الصلاة، الثابتة بقوله تعالى : ) فاقرؤا ما تيسر من القرآن ( .

وسموه بالفرض الاعتقادي، أي الذي يجب على المكلف أن يعتقده . ورتبوا على جحوده الكفر والردة .

والواجب: هو ما ثبت بدليل ظني، كخبر الواحد، والقياس. وذلك كقراءة سورة الفاتحة بخصوصها في الصلاة، الثابتة بحديث الصحيحين، ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) . وسواء في ذلك ظني الثبوت، وظني الدلالة . ورتبوا على تركه الإثم والفسق، لا الكفر والردة.

والحرام، والمكروه كراهة تحريم ـ فيما لو استعمل ـ مترادفان عند الجمهور . وفرق الحنفية بينهما، فقالوا :

الحرام: هو ما ثبت النهي عنه بدليل قطعي من القرآن والسنة المتواترة.

والمكروه تحريماً: هو ما ثبت النهي عنه بدليل ظني، كخبر الواحد، والقياس.

ورتبوا عليهما ما رتبوه على الفرض والواجب من الكفر، أو الفسق والمعصية.

فالأحكام التكليفية عندهم سبعة :

1. الفرض.

2. الواجب.

3. المندوب.

4. المكروه كراهة تنزيه .

5. الحرام.

6. المكروه كراهة تحريم .

7. المباح.

وهم رغم هذا التقسيم لا يختلفون مع الجمهور في النتائج، لأن الجمهور أيضا يميزون بين الفرائض، فمنها ما يكفر جاحده، مما ثبت بدليل قطعي، من الكتاب، أو السنة المتواترة، أو كان معلوماً من الدين بالضرورة، أو غير ذلك من الأمور المعروفة في كتب الفقه .

ومنها ما يترتب عليه الفسق والمعصية لا غير، وهو ما ثبت بدليل ظني، كخبر الواحد، والقياس، وغير ذلك.

إلا أن الجمهور لم يفرقوا بينهما لمآخذ لغوية.

فالنتيجة واحدة، والخلاف في الاصطلاح فقط، وهو خلاف لغوي .

والمندوب، والمستحب، والتطوع، والسنة، والنافلة، مترادفة أيضا.

وهي : الفعل المطلوب طلباً غير جازم .

(4) رفع الحاجب عن ابن الحاجب : 1/ق87 ، أ _ نسخة خطية في خزانتنا الخاصة عن نسخة الأزهر .

(5) نهاية السول : 1/30 و40 ، جمع الجوامع : 1/78 بناني ، الاحكام : 1/135

المحصول:1/107.