الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » كشف الستر عن سنية القنوت فى صلاة الفجر » كراهية قراءة القرآن فى القنوت – الجهر والإسرار فى القنوت

كراهية قراءة القرآن فى القنوت – الجهر والإسرار فى القنوت

كراهية قراءة القرآن في القنوت

نقل النووي عن البغوي أنه تكره قراءة القرآن في القنوت ، فإن قرأ لم يبطل صلاته ن ويسجد للسهو(1) .
إلا أن هذا محمول على ما إذا قرأ القرآن بقصد التلاوة للقرآن ،فإن قرأ بقصد القنوت – كما مر معنا في الدعاء بآية من القرآن أو آيات(2) – فلا كراهة ولا سجود .

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت

الصحيح المعتمد المشهور في المذهب سنُّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت، وبهذا قطع الشيرازي، والجمهور.
ونقل البغوي عن القاضي حسين أنه قال : لا تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت ، فإن فعلها بطلت صلاته ، لأنه نقل ركنا قولياً إلى غير موضعه ، وذلك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكن في التشهد الأخير .
قال النووي : وهذا الوجه غلط صريح (3) .اهـ .

وقد استدل أصحابنا على سنية الصلاة بعد القنوت بما رواه النسائي 3 /248 ، عن الحسن رضي الله عنه قال : ” علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ………. إلى قوله تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي محمد ” وهو إسناد صحيح.
والحديث وإن ورد في قنوت الوتر إلا أن القنوت واحد، فقنوت الفجر بمعنى قنوت الوتر، فيقاس عليه بإلغاء الفارق.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أول القنوت
وأما الصلاة في أوله فلا تسن ، خلافا لما ورد في ” العدة ” من أنها تسن في أوله وآخره .

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أول كل دعاء

وأما استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أول كل دعاء : فلا ينافي هذا ، لأن القنوت مستثنى، رعاية للوارد فيه، وجزم الإمام النووي في ” الأذكار “(4) بسن السلام مع الصلاة – وقد استشهد له الإسنوي بقوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” – وهو المعتمد ، خلافا لابن الفركاح في إنكاره – من إنكاره – لزيادة السلام (5)

الصلاة على الآل والصحب

كما تسن الصلاة على الآل والأصحاب ،آما الآل فقد استدل لها الزركشى بما رواه البخاري 6 / 292 ، ومسلم 405 ، وغيرهما ، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال : ” قولوا : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم … ” الحديث.
وأما الصحب فقياسا على الآل ، ولا عبرة أيضا بإنكار ابن الفركاح لذلك

قال ابن حجر وغيره : لقولهم : يستفاد سن الصلاة عليهم من سنها على الآل ، لأنها إذا سنت عليهم وفيهم من ليسوا أصحابه فعلى الصحابة أولى. اهـ

فإن قيل: ينافي هذا إطباقهم على عدم ذكر الصلاة على الصحب في الصلاة على النبي والآل في التشهد ؟
قلتُ : الفرق بينهما بأنهم في التشهد اقتصروا على الوارد ، وهنا لم يقتصروا عليه ، بل زادوا ذكر الآل بحثا ، فقسنا بهم الأصحاب لما ذكرنا، وكأن الفرق أن مقابلة الآل بآل إبراهيم في أكثر الروايات في التشهد ، يقتضي عدم التعرض لغيرهم ، وهنا لا مقتضى لذلك .
فإن قيل: لِمَ لَمْ يسن ذكر الآل في التشهد الأول، وما الفرق بينه وبين القنوت ؟
قلتُ: يفرق بأن هذا محل دعاء، فناسب ختمه بالدعاء لهم، بخلاف ذاك .اهـ .

سماع المصلي اسم النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر العجلي أنه إذا قرأ المصلي آية فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يستحب له أن يصلي عليه .
إلا أن النووي أفتى بخلاف هذا فقال: إذا قرأ المصلي أو سمع آية فيها اسمه صلى الله عليه وسلم لم تستحب الصلاة عليه .
وظاهر كلام ابن حجر والرملي اعتماد ما قاله النووي، دون تفرقة بين الاسم الظاهر والضمير(6) .
إلا أنه ورد في ” العباب ” للزبيدي : أنه لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم ندب له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير ، كصلى الله عليه وسلم ، لا اللهم صل على محمد ، للاختلاف في بطلان الصلاة بركن قولي. اهـ .
قال ابن حجر في ” شرحه ” : والظاهر أنه لا فرق بين أن يقرأ أو يسمع وعلى هذا التفصيل يحمل إفتاء النووي أنه لا يسن له الصلاة عليه وقول العجلي الذي رجحه الأردبيلي والغزي : يسن(7) اهـ .

رفع اليدين أثناء القنوت

المذهب الصحيح المعتمد عند جماهير المتقدمين من أصحابنا وكلِّ المتأخرين، أنه يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت إلى نهايته، وحتى الانتهاء من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو اختيار أبي زيد المروزي ، والقاضي أبي الطيب الطبري ، وأبي محمد الجويني ، وابن الصباغ ، وأبي سعيد المتولي، وحجة الإسلام الغزالي، ونصر المقدسي، والعمراني، البيهقي، والرافعي ،والنووي ، وغيرهم إلى جانب كل المتأخرين خلافا للقفال والبغوي ، والشيرازي ، وغيرهم ممن ذهب إلى أن الأيدي لا ترفع في القنوت ، ورجحوه في المذهب
وسأذكر أدلتهم والرد عليهم عند الكلام على مذاهب العلماء في رفع الأيدي .
وقد احتج البيهقي لرفع اليد في القنوت في سننه(8) بما رواه عن أنس رضي الله عنه في قصة القراء وقتلهم قال : ” لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم ، يعني : على الذين قتلوهم ”
قال النووي:وهذا إسناد صحيح أو حسن اهـ ورواه أحمد في المسند (9)بإسناد صحيح .
قال البيهقي : ولأن عددا من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت .
ثم روى عن أبي عثمان النهدي قال : ” صليت خلف عمر رضي الله عنه ، فقرأ ثمانين آة من البقرة ، وقنت بعد الركوع، ورفع يديه حتى رأيت بياض إبطَيْه، ورفع صوته بالدعاء حتى سُمِع من وراء الحائط ”
وروى عن أبي رافع قال: ” صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقنت بعد الركوع،ورفع يديه ، وجهر بالدعاء .
قال البيهقي : وهذا عن عمر رضي الله عنه صحيح .
قال قتاده : وكان الحسن يفعل مثل ذلك .
قال البيهقي : وروي عن علي بإسناد فيه ضعف ، وروى عن عبدا لله ابن مسعود ، وأبي هريرة في قنوت الوتر. اهـ
ورواه عنهم البغوي في ” شرح السنة “(10) بدون إسناد .
وروى الحاكم في ” المستدرك ” 1 / 226 من طريق عبد الله بن سعيد المقبُري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح ، في الركعة الثانية ، رفع يديه فيدعو بهذا الدعاء : ” اللهم أهدني فيمن هديت .. الخ ”
وقال الحاكم : إنه صحيح . إلا أن الحفاظ لم يقروه على تصحيحه، ولو كان صحيحا لكان فيصلا في الموضوع.
ولقد عجبت للإمام جلال الدين المحلي كيف استشهد به في ” شرحه على المنهاج ”
(11) وترك الاستشهاد بحديث البيهقي الصحيح ، وأثر عمر الصحيح ، إلا إذا كان يعتقد كالحاكم صحته .
قال الحافظ ابن حجر في ” التلخيص ” (12) : وليس كما قال الحاكم ، فهو ضعيف لأجل عبد الله ، فلو كان ثقة لكان الحديث صحيحا .
قال : وروى الطبراني في ” الأوسط ” من حديث بريدة نحوه. اهـ .
قال الرملي في ” النهاية ” (13) : والأوجه أن غاية الرفع إلى المنكب ، إلا إذا اشتد الأمر.اهـ .
وهو كما قال ابن قاسم على ” شرح البهجة “(14) . وهناك المزيد من آداب الدعاء وأحكامه تذكر في مباحث الاستسقاء .
قال الغزالي : ولا يرفع بصره إلى السماء. اهـ

صفة رفع اليدين

قال أصحابنا : وتحصل السنة برفع اليدين سواء أكانتا متفرقتين أم ملتصقتين ، وسواء أكانت الأصابع والراحة مستويتين، أم الأصابع أعلى منها . ويكره رفع اليدين المتنجسة بالدعاء خارج الصلاة ولو بحائل.

بطن الكفين وظهرهما حالة الدعاء

قال أصحابنا : يستحب للداعي في القنوت وغيره أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء إن دعا لرفع بلاء أو نحوه ، وأن يجعل بطونهما إلى السماء إن دعا لتحصيل شيء ، فإذا وصل القانت إلى قوله : ” وقني شر ما قضيت ” قلب يديه فجعل ظهورهما إلى السماء، خلافا للشهاب الرملي ،إذا قال لا يسن قلبهما في الصلاة، لأنها حركة، وهي غير مطلوبة في الصلاة .
وذلك أن الحركة غير مطلوبة في الصلاة أو مكروهة حيث لم ترد، وأما إذا وردت فلا (15) ، كما أجاب به الشمسي الرملي وغيره .
وإنما استحب أصحابنا قلب الأكف للدعاء برفع البلاء لما رواه مسلم 896 ، وأبو داود 1171 ، عن أنس رضي الله عنه (( أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار بظهر كفيه إلى السماء )) .
وفي حديث أبي داود عن أنس : ” كان يستسقي هكذا ، ومد يديه ، وجعل بطونهما مما يلي الأرض ، حتى رأيت بياض إبطيه ” والحكمة في هذا التفاؤل بتغير الحال ، وقلبه ظهراً لبطن والله أعلم .
وقد اعتمد الشهاب الرملي، وابنه الشمس الرملي سنَّ قلب اليد سواء أكان البلاء واقعا أم لا، خلاف لابن حجر إذ اعتمد أن الدعاء لرفع البلاء بظهر الكف إنما هو لما وقع دون ما لم يقع(16) .
قال الشبراملسي : فلو جمع بين الطلب والرفع بصيغة واحدة ، كما لو دعا شخص لتحصيل شيء ورفع آخر ، أو دعا اثنان ، أحدهما : بطلب خير ، والآخر : برفع شر ، فقال آخر : اللهم افعل لي ذلك ، فهل يفعل قائل ذلك ببطون الأكف أم بظهورها ؟
قال: فيه نظر، قيل: ولا يبعد أن يفعل ذلك مقرونا ببطون الأكف، تغليبا للمطلوب على غيره لشرفه.
ثم قال: أقول، والأقرب أن ذلك يكون بظهور الأكف، لأن درى المفاسد مقدم على جلب المصالح.ا هـ
وروى أبو داود 1489 عن ابن عباس موقوفا عليه ومرفوعا أنه قال : (( المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ،والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا ))
وفي رواية : (( الابتهال هكذا : فرفع يديه ، وجعل ظهورها مما يلي وجهه ))
قال البغوي في ” شرح السنة ” (17) : وروى عن أبي سعيد الخدري : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا بعرفة هكذا ، ورفع علي بن الجَعد يديه ، باطنَهما إلى الأرض ، وظاهر كفِّه إلى السماء ”
وروى البخاري في “الأدب المفرد ” من طريق القاسم بن محمد قال: ” رأيت بن عمر يدعو عن القاص، يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، باطنهما مما يليه، وظاهرهما مما يلي وجهه ”
ورفع اليدين في الدعاء مستحب لغير الخطيب يوم الجمعة أما هو فيكره له رفع يديه حال الخطبة، ولو في الدعاء، لما يأتي معنا في صلاة الجمعة.
واستحب الخطابي كشف الكفين في سائر الأدعية .
واعتمد ابن العماد رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء خارج الصلاة ، وما نقلناه عن الغزالي ص / 93 من الكراهة خصه ابن العماد بالقنوت أثناء الصلاة .
وستذكر بعد الكلام على مذاهب العلماء في رفع اليدين في القنوت – ما ورد من الأحاديث في رفع اليدين في الدعاء .

مسح الوجه بعد القنوت

وأما مسح الوجه بعد القنوت فالمشهور في المذهب أنه مستحب ، وممن قطع به من أصحابنا المتقدمين أبو الطيب الطبري ، وأبو محمد الجويني ، وابن الصباغ ، وأبو سعيد المتولي ، والشيخ نصر المقدسي ، والغزالي ، والعمراني ، كما نقله النووي عنهم .
قال النووي : والصحيح المعتمد الذي صححه البيهقي ، والرافعي ، وآخرون من المحققين أنه لا يمسح وجهه. اهـ .
وهذا هو المعتمد عند كل أصحابنا المتأخرين.
قال البيهقي في ” السنن ” (18) : فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء ، فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف ، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ، ولا أثر ثابت ، ولا قياس ، فالأولى أن لا يفعله ،ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم ، من رفع اليدين ، دون مسحهما بالوجه في الصلاة .
ثم روى البيهقي بإسناده عن طريق أبي داود حديث عبدا لله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” سلوا الله عز وجل ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها ، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ”
قال أبو داود: روي هذا الحديث من كل وجه، عن محمد بن كعب، كلها واهية وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضا .
ثم روى البيهقي ، عن علي الباشاني قال : سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال : لم أجد له ثبتا .
قال علي : ولم أره يفعل ذلك .
قال : وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر ، ويرفع يديه. اهـ .
هذا وقد ذكر الإمام البيهقي في رسالته التي بعث بها إلى الشيخ الإمام أبي محمد الجويني عندما عزم على تأليف كتاب ” المحيط ” على طريقة الاجتهاد المطلق ، بالنظر في الأدلة ، وعدم التقيد بمذهب ، فأملى ثلاثة أجزاء من ” المحيط ”
وكان من حسن حظه أنها وقعت بيد الإمام البيهقي، فنظر فيها نظرة الإنصاف وأرسل إلى أبي محمد الجويني رسالة فيها بيان ما وقف عليه من أخطاء حديثية وأوهام دون تعسف في النقد أو إسراف ، فما كان من الجويني إلا أن أعرض عما بدأه ، واستغفر مما أخطأ فيما أملاه وكتبه ، وقال :
هذه بركة العلم ، ودعا للبيهقي .
فكان مما ذكره في هذه الرسالة موضوع مسح الوجه ، فذكر له ما ذكرناه من الأحاديث في السنن وما قيل فيها ثم قال: وكان أحمد بن حنبل ينكرها ، وحكي عنه أنه قال: في الصلاة لا ، ولا بأس به في غير الصلاة .
قال البيهقي : وهذا لما في استعماله في الصلاة من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر .
وقد يدعو في آخر تشهده ، ثم لا يرفع يديه ، ولا يمسحهما بوجهه ، إذ لم يرد بهما أثر ، فكذا في دعاء القنوت ، يرفع يديه ، لورود الأثر به ، ولا يمسح بهما وجهه ، إذ لم يثبت فيه أثر وبالله التوفيق(19) .اهـ .
وأما ما رواه الترمذي 3386 ، عن عمر رضي الله عنه : ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه ” فهو حديث ضعيف
قال الترمذي بعد روايته : هذا حديث غريب ، انفرد به حماد بن عيسى وحماد هذا ضعيف ،كما قال النووي وغيره هذا بالنسبة لمسح الوجه وأما مسح غير الوجه ، من الصدر وغيره فقد اتفق أصحابنا على أن لا يستحب ، بل قال ابن الصباغ : إنه مكروه ، كما قاله النووي في ” المجموع ” والروضة” وهذا في القنوت في الصلاة
وأما في الدعاء خارج الصلاة: فقد جزم النووي في ” التحقيق ” باستحبابه، وهو المعتمد، كما نص عليه ابن حجر (20) ، وغيره(21) .
وقد ذكرنا قول البيهقي : إنه يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة ، وقوله : إنه روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة .وأن أحمد بن حنبل قال : وأما خارج الصلاة فلا بأس به .

الجهر والإسرار في القنوت

المصلي إما أن يكون إماماً،أو مأموماً ، أو منفردا .فإن كان إماما فالصحيح المعتمد ، الذي قطع به أكثر أصحابنا العراقيين أنه يستحب له الجهر .
قال أبو الحسن الماوردي : وليكن جهره به دون جهره بالقراءة ، وأستحسن الزركشي وغيره من أصحابنا.
قال الشبراملسي : يجهر به دون جهر به دون جهر القراءة ، وإن أوى ذلك إلى عدم سماع بعض المأمومين ، لبعدهم ، أو إشتغالهم بالقنوت لأنفسهم ، ورفع أصواتهم به ، إما لعدم علمهم باستحباب الإنصات ، أو لغيره (22) .اهـ .
إلا أن الشهاب الرملي قال : ويحتمل أن يقال : إن الجهر به وبالقراءة يختلف بقلة الجمع وكثرته ، ووجهه ظاهر (23) .اهـ .
ونقل الشرواني عن الحفني ما يؤيد هذا الاحتمال فقال : إن جهره به دون جهر القراءة منوط بما إذا لم يزد المأمومون بعد القراءة، وقبل القنوت، وإلا جهر به بقدر ما يسمعون، وإن كان مثل جهره بالقراءة (24) اهـ
روى البخاري 4560 وغيِره عن أبي هريرة رضي الله عنه ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد ، قنتَ بعد الركوع ، فربما قال – إذا قال سمع الله لمن حمدا اللهم ربنا لك الحمد – : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها سنيناً كَسِني يوسف يجهر بذلك ”
وما ذكرناه من الأحاديث السابقة كلها كالصريحة في الجهر ،إذ نقل الرواة ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته .
وجهر الإمام بالقنوت يشمل الصلاة المؤداة والمقضية والجهرية والسرية ، كأن قضى صبحا ، أو وترا بعد طلوع الشمس ، فإنه يجهر فيهما(25).
قال الشبراملسي : وإنما طلب من الإمام الجهر بالقنوت في السرية ، مع أنها ليست محلا للجهر ، لأن المقصود من القنوت الدعاء ، وتأمين القوم عليه ، فطلب الجهر ليسمعوا فيؤمنوا. اهـ .
فإن أسر به للإمام فالذي يقتضيه كلام القزويني في ” الحاوي الصغير ” أنه تفوته سنة القنوت والجهر به .
والمعتمد عند أصحابنا أنه تفوته سنة الجهر به فقط ، وأما سنة القنوت فإنها تحصل له ، كما صرح به الرملي في ” النهاية ” وغيره .
قال القيلوبي : وكذا يسن للإمام أن يجهر بكل دعاء دعا به في الصلاة ، كسؤال رحمة ، واستعاذة من عذاب ، وأن يوافق المأموم فيه. اهـ .
وقيل: لا يجهر الإمام في القنوت بل يسر, قياسًا علي التشهد , وسائر الأدعية في الصلاة.
وهذا قياس باطل , لأنه معارض للنص الصحيح الصريح , ولنصوص كثيرة ظاهرة , والمعتمد ما ذكرناه من الجهر .

وأما المأموم فله في جهر الإمام حالان

الأول : أن يسمع قنوت الإمام , والأصح في هذه الحالة أنه يؤمن على دعائه , ولا يقنت , وبهذا قطع الشيمازي في (( المهذب )) والأكثرون , وهو الذي اقتضاه كلام البغوي في(( التهذيب )) ويجهر بتأمينه كالجهر بتأمين القراءة .
روى أبو داود 1443 وغيره بإسناد حسن أو صحيح , عن عبد الله بن عباس قال : (( قنت رسول الله صلي الله عليه وسلم شهراً متتابعا , في الظهر , والعصر, والمغرب , والعشاء , وصلاة الصبح , في دبر كلِّ صلاةٍ , إذ قال : سمع الله لمن حمده , من الركعة الآخرة , يدعو على أحياء من سُلَيم , على رِعْلٍ , وذكوانَ , وعُصَيََّة , ويُؤَمِّنُ مَنْ خَلَفه )) وقيل: يتخير المأموم بين التأمين والقنوت .
وهل يُؤَمِّن في كل القنوت أو ما فيه الدعاء فقط ؟
فقيل : يؤمن في الجميع .
الأصح الذي قطع به أكثر أصحابنا أنه يؤمن فيما فيه الدعاء فقط وهو الكلمات الخمس
وأما الثناء من قوله : فإنك تقضي , فهو بالخيار، إن شاء شاركه فيه ، فيقول الثناء سرا تبعا للإمام
قال النووي : وهو الأولى، لأنه ثناء وذكر لا يليق فيه التأمين، وإن شاء سكت مستمعا لإمامه، وإن شاء قال، أشهد أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين .

وهل يصح أن يقول المأموم في تأمينه: (( صدقتَ وبرِرْتَ )) ؟
لا شك أنه إن قالها إجابة للمؤذن أنها تبطل صلاته، لما فيها من خطاب الآدمي، علي ما سيأتي معنا في مبطلات الصلاة.
ولكن هل يطَّرِد هذا هنا فتبطل صلاته، أم أنها لا تبطل، لما بين الإمام والمأموم من الرابطة؟
اختَلفَ أصحابنا في هذا .
فقال الغزالي في ((الإحياء )) وتبعه القموليّ, وجمع منهم الشهاب الرملي وابنه الشمس الرملي في (( النهاية)) : إنه يصح ولا تبطل به الصلاة .
قال الرملي في (( النهاية )) والفرق بين بطلانها بـ (( صدقت وبررت )) في إجابة المؤذن , وعدمه هنا- أن هذا متضمن للثناء , فهو المقصود منه بطريق الذات , بخلافه ثمَّ , فليس متضمنا له , إذ هو بمعنى الصلاة خير من النوم، وهذا مبطل ٌ وما هنا بمعنى: فإنك تقضي ولا يقضى عليك مثلا، وهو ليس بمبطل .
ولا أثر للخطاب, لأنه بمعنى الثناء أيضا.

وعليه فيفارق نحو الفتح بقصده, حيث أثر، بأن إعادته بلفظه صيرته كالكلام الأجنبي، والأصل في محل القراءة عدم تكريرها ، ولا كذلك الثناء ونحوه .

وفرَّق الوالد – رحمه الله تعالى – بين ما هنا والأذان أيضاً : بأن إجابة المصلي للمؤذن مكروهة , بخلاف مشاركة المأموم في القنوت بإتيانه بالثناء, أو ما ألحق به, فإنه سنة, فحسن البطلان بالأول دون الثاني اهـ .
وقد وافق الرملي على هذا القليوبي وغيره من أصحاب الحواشي .
ولم يرتض ابن حجر هذا , بل ذهب إلى البطلان بهذه الصيغة , وأيده أيضا بعض أصحاب الحواشي , والشربيني في (( المغنى ))
قال ابن حجر في ” التحفة “: ويقول – أي المأموم –: أشهد، لا نحو صدقت وبررت، لبطلان الصلاة به
خلافا للغزالي ، وإن جزم بما قاله جمع ،وَزَعْمُ _ أن ندب المشاركة هنا اقتضى المسامحة ، وأن هذا لا يقاس بإجابة المؤذن بذلك ، لكراهتها في الصلاة – لا يصح ، إلا لو صح في خبر أنه يقول هذا ، فحيث لم يصح ذلك ، بل لم يرد ، أبطل على الأصل في الخطاب(26) اهـ .

وهل الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم من الدعاء , فيؤمن المأموم , أومن الثناء ,فيقولها مع الإمام ؟

قال الغزي , والجوجري : إنه من قبيل الثناء , أي يقوله المأمون مع الإمام . وقال المحب الطبري ، وهو قول الأكثرين إنه :دعاء , فيؤمن المأموم عليه مع الإمام, وهو قول المحلي , وشيخ الإسلام زكريا , والشهاب الرملي, وابن حجر, والشمس الرملي, والشربيني قالوا :
ولا يعارضه خبر: (( رَغِمَ أنفُ رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليََّ )) لأن طلب استجابة الصلاة عليه بآمين أي معنى الصلاة عليه .
قال الشربيني : بل قيل : يشاركه وإن قيل : إنها دعاء، ثم قال : ولذا بعض مشايخي: الأَولى أن يؤمن علي إمامه ويقوله بعده .ثم عقب على هذه بالانتصار لقول الأكثرين فقال : والأول_ أي أنه دعاء فيؤمن عليه _
أوجه (27) .اهـ .

وعلى القول بأن المأموم يشارك الإمام في الثناء _ وهو الأولى _ فهل يجهر به الإمام أو يسر ؟
قال في (( النهاية )): فيه نظر، يحتمل أن يقال : يسر به , كما في غيره مما يشتركان فيه .
ويحتمل _ وهو الأوجه _ الجهر به , كما إذا سأل الرحمة , أو استعاذ من النار ونحوها,
فإن الإمام يجهر به , ويوافقه فيه المأموم , ولا يؤمن , كما قاله في (( المجموع )). اهـ .
الحال الثاني للمأموم : أن لا يسمع الإمام إما لبعد أو غيره , فالأصح _ بناء على أنه إن سمع أُمَّن_ أنه يقنتُ معه سراً , كبقية الأذكار والدعوات التي لا يسمعها , وقياساً على قراءة السورة لم يسمع الإمام . (28)
وقيل : يؤمن ولو لم يسمع , بناء على أنه لو لم يسمع الإمام في قراءة السورة لا يقرأ السورة , بل ينصت .
وهذا كله في صلاة الصبح وقنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان .
وأما القنوت في بقية المكتوبات فقال الرافعي : كلام الغزالي أنه يسر به في السريات , وفي جهره في الجهريات الوجهان .
قال : وإطلاق غيره يقتضي طرد الخلاف في الجميع .
قال : وحديث قنوت النبي صلى الله عليه وسلم حين قتل القراء رضي الله عنهم يقتضي أنه كان يجهر به في الجميع. اهـ .
قال النووي : والصحيح أو الصواب استحباب الجهر , ثم ساق حديث البخاري 4560 الذي ذكرناه قبل قليل ص / 98 .

جهر المنفرد وإسراره

ما ذكرناه إنما هو بالنسبة للمأموم والإمام , وأما المنفرد فإنه يسر بقنوته في جميع الصلوات , بلا خلاف عندنا , كما صرح به الماوردي , والبغوي , وغيرهما .


(1) المجموع 3 /480
(2) ص / 83
(3) المجموع 3 /47
(4) ص / 58
(5) وانظر شرح الروض 1 /159 حيث نقل كلام ابن الفركاح ، واستشهد للمعتمد من كلام الإسنوي والزركشي ، وهو شهر بالرد عليه
(6) التحفة 2 /66 والنهاية 1 /505
(7) كما نقله عنه ابن قاسم على التحفة 2 / 66
(8) 2 / 211
(9) 3 / 137
(10) 3 / 126
(11) 1 / 157 قليوي
(12) 1 / 250
(13) 1 / 506
(14) 1 / 331
(15) انظر النهاية 1 / 506 والمفنى 1 / 167 ، والشرواني على التحفة 2 / 67
(16) وانظر حاشية الشيرواني على التحفة 2 / 67
(17) 4 / 408
(18) 2 / 112
(19) أنظر الرسالة كاملة في ” طبقات الشافعية ” لابن السبكي من 5 / 77 900
* وانظر كلام أحمد في الإنصاف للمردادي 2 / 172 وفيها خلاف عن أحمد
(20) نقله عن المكروي على شرح بأفضل وانظر شرواني على التحفة 2 / 67
(21) وانظر القليوني 1 / 158
(22) على النهاية 1 / 507
(23) على الروض 1 / 159
(24) على التحفة 2 / 67
(25) النهاية 1 / 506 والتحفة 2 / 67 والقيلوبي 1 / 158
انظر فتح الجواد 1 / 136 _ 137 وفيه تفضيل
(26) انظر النهاية 1 / 507 ، التحفة 2 /67 -68 ،المغني 1 /167 ، القليوبي 1 /158 والشهاب الرملي على شرح الروض 1 /159 .
(27) انظر النهاية 1 / 507 والتحفة 2 / 67 وشرح الروض 1 / 160 والمحلي 1 / 158
(28) انظر ما قدمناه في هذا الموضوع 8 / 284 _285