الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » مفاهيم يجب أن تصحح » تفريق ضرورى بين البدعة الشرعية واللغوية

تفريق ضرورى بين البدعة الشرعية واللغوية

مفاهيم يجب أن تصحح

السيد محمد بن علوى المالكى رحمه الله

تفريق ضروري بين البدعة الشرعية واللغوية

ينتقد بعضهم تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة ، وينكر على من يقول ذلك أشد الإنكار ، بل ومنهم من يرميه بالفسق والضلال ، وذلك لمخالفة صريح قول الرسول r : [كل بدعة ضلالة] ،وهذا اللفظ صريح في العموم وصريح في وصف البدعة بالضلالة ، ومن هنا تراه يقول : فهل يصح بعد قول المشرع صاحب الرسالة : أن كل بدعة ضلالة يأتي مجتهد أو فقيه مهما كانت رتبته فيقول : لا – لا – ليست كل بدعة ضلالة ، بل بعضها ضلالة وبعضها حسنة وبعضها سيئة .

وبهذا المدخل يغترّ كثير من الناس فيصيح مع الصائحين وينكر مع المنكرين ويكثّر سواد هؤلاء الذين لم يفهموا مقاصد الشريعة ، ولم يذوقوا روح الدّين الإسلامي ، ثم لا يلبث إلا يسيراً حتى يضطر إلى إيجاد مخرج يحل له المشاكل التي تصادمه ، ويفسر له الواقع الذي يعيشه ، إنه يضطر إلى اللجوء إلى اختراع وسيلة أخرى ، لولاها لما يستطيع أن يأكل ولا يشرب ولا يسكن ، بل ولا يلبس ولا يتنفس ولا يتزوج ولا يتعامل مع نفسه ولا أهله ولا إخوانه ولا مجتمعه ، هذه الوسيلة هي أن يقول باللفظ الصريح : إن البدعة تنقسم إلى بدعة دينية ودنيوية ، يا سبحان الله – لقد أجاز هذا المتلاعب لنفسه أن يخترع هذا التقسيم أو على الأقل أن يخترع هذه التسمية ولو سلّمنا أن هذا المعنى كان موجوداً منذ عهد النبوة لكن هذه التسمية : دينية ودنيوية لم تكن موجودة قطعاً في عهد التشريع النبوي فمن أين جاء هذا التقسيم ؟ ومن أين جاءت هذه التسمية المبتدعة ؟ .

فمن قال : إن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة لم يأت من الشارع، نقول له : وكذا تقسيم البدعة إلى دينية غير مقبولة ، ودنيوية مقبولة هو عين الابتداع والاختراع .

فالشارع بقول : (كل بدعة ضلالة)هكذا بالإطلاق ، وهذا يقول :لا – لا ليست كل بدعة ضلالة بالإطلاق ، بل إن البدعة تنقسم إلى قسمين :دينية وهي الضلالة ، ودنيوية وهي التي لا شيء فيها .

ولذا لابد أن نوضح هنا مسألة مهمة وبها ينجلي كثير من الإشكال ، ويزول اللبس إن شاء الله .

وهو أن المتكلم هنا هو الشارع الحكيم ، فلسانه هو لسان الشرع ، فلابد من فهم كلامه على الميزان الشرعي الذي جاء به ، وإذا علمت أن البدعة في الأصل هي : كل ما أحدث واخترع على غير مثال، فلا يغيب عن ذهنك أن الزيادة أو الاختراع المذموم هنا هو الزيادة في أمر الدين ليصير من أمر الدين ، والزيادة في الشريعة ليأخذ صبغة الشريعة ، فيصير شريعة متبعة منسوبة لصاحب الشريعة ، وهذا هو الذي حذر منه سيدنا رسول الله r بقوله : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فالحد الفاصل في الموضوع هو قوله : (في أمرنا هذا). ولذلك فإن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة في مفهومنا ليس إلا للبدعة اللغوية التي هي مجرد الاختراع والإحداث ، ولا نشك جميعاً في أن البدعة بالمعنى الشرعي ليست إلا ضلالة وفتنة مذمومة مردودة مبغوضة ، ولو فهم أولئك المنكرون هذا المعنى لظهر لهم أن محل الاجتماع قريب وموطن النزاع بعيد .

وزيادة في التقريب بين الأفهام أرى أن منكري التقسيم إنما ينكرون تقسيم البدعة الشرعية، بدليل تقسيمهم البدعة إلى دينية ودنيوية ، واعتبارهم ذلك ضرورة ،وأن القائلين بالتقسيم إلى حسنة وسيئة يرون أن هذا إنما هو بالنسبة للبدعة اللغوية لأنهم يقولون : إن الزيادة في الدين والشريعة ضلالة وسيئة كبيرة ، ولا شك في ذلـك عندهـم فالخلاف شكلي ، غير أني أرى أن إخواننا المنكريـن لتقسـيم البدعـة إلـى حسنـة وسيئـة ، والقائليـن بتقسيمهـا إلـى دينية ودنيوية لم يحالفهم الحظ في دقة التعبير ، وذلك لأنهم لما حكموا بأن البدعة الدينية ضلالة – وهذا حق – وحكموا بأن البدعة الدنيوية لا شيء فيها قد أساءوا الحكم لأنهم بهذا قد حكموا على كل بدعة دنيوية بالإباحة ، وفي هذا خطر عظيم ، وتقع به فتنة ومصيبة ، ولا بد حينئذ من تفصيل واجب وضروري للقضية ، وهو أن يقولوا : إن هذه البدعة الدنيوية منها ما هو خير ومنها ما هو شر كما هو الواقع المشاهد الذي لا ينكره إلا أعمى جاهل ، وهذه الزيادة لابد منها ، ويكفي في تحقيق هذا المعنى بدقة قول من قال : بأن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة ، ومعلوم أن المراد بها اللغوية كما تقدم ، وهي التي عبر عنها المنكرون بالدنيوية ، وهذا القول في غاية الدقة والاحتياط ، وهو ينادي على كل جديد بالانضباط والانصياع لحكم الشرع وقواعد الدين ، ويلزم المسلمين أن يعرضوا كل ما جد لهم وأحدث من أمورهم الدنيوية العامة والخاصة على الشريعة الإسلامية ليرى حكم الإسلام فيها مهما كانت تلك البدعة ، وهذه لا يتحقق إلا بالتقسيم الرائع المعتبر عن أئمة الأصول ، فرضي الله عن أئمة الأصول وعن تحريرهم للألفاظ الصحيحة المجزئة المؤدية إلى المعاني السليمة دون نقص أو تحريف أو تأويل .