الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام » أخطاء الدكتور في كلامه على التأويل ، بيان أن التأويل لا يخلو عنه مذهب من المذاهب

أخطاء الدكتور في كلامه على التأويل ، بيان أن التأويل لا يخلو عنه مذهب من المذاهب

62 – أخطاء الدكتور في كلامه على التأويل:

وبعد هذه الجولة نعود إلى كلام الدكتور، وإلى بيان ما حواه من أخطاء، فنقول وبالله التوفيق:

الخطأ الأول: قوله: (ومعناه المبتدع صرفُ اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينة)

أقول: هذا المعنى للتأويل اصطلاح للأصوليين، ولأهل العلوم أن يصطلحوا على ما يشاءون، كما أنه من المقرر أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فلماذا يشاح الدكتور في الاصطلاح، ويحكم عليه بالابتداع؟! نعم لأنه يعتقد أنه تحريف للكلم عن مواضعه!!!.

الثاني: قوله: (فهو بهذا المعنى تحريفٌ للكلم عن مواضعه كما قرر ذلك شيخ الإسلام) ومن المقرر أن القرينة إذا دلت على ذلك الصرف كان الصرف أمراً لا بد منه، وإلا فما معنى دلالة القرينة على ذلك؟ وتقرير ابن تيمية لما قاله الدكتور لا يغني عنه شيئا، فإن الخطأ خطأٌ كائناً قائله من كان.

الثالث: قوله: (وهو أصل منهجي من أصول الأشاعرة… إلى قوله: وبعض الأوامر التكليفية)

أقول: التأويل -إذا كان صحيحا- أصل منهجي للأشاعرة ولكل المسلمين، ولكل العقلاء بما فيهم الدكتور سفر. نعم للدكتور وغيره أن ينازع في صحة بعض التأويلات، ويناقش فيها، أما إنكار التأويل رأساً فلا يقدم عليه عاقل فضلاً عن فاضل.

الرابع: قوله: (وضرورته لمنهج عقيدتهم، أصلها أنه لما تعارضت عندهم الأصول العقلية التي قرروها بعيداً عن الشرع مع النصوص الشرعية، وقعوا في مأزق ردِّ الكل أو أخذِ الكل، فوجدوا في التأويل مهرباً عقليا، ومخرجاً من التعارض الذي اختلقته أوهامهم)

أقول: ليس ضرورة التأويل لمنهج عقيدة الأشاعرة لما ذكره الدكتور. وهلا ذكر الدكتور أصول الأشاعرة التي قرروها بعيدا عن الشرع لنتكلم عليها؟!

بل ضرورة التأويل الصحيح لمنهج الأشاعرة ولكل المسلمين أن من نصوص الكتاب والسنة ما لو حُمِلَ على ظاهره وعلى المعنى الحقيقي له، قد يخالف صرائح العقول، وقد يخالف المحكمات من الكتاب والسنة، وقد يخالف القواعد الشرعية المقررة المأخوذة من نصوص الشارع، فالمسلمون كلهم في مثل هذه النصوص مضطرون إلى صرف هذه النصوص عن معانيها الحقيقية، واعتقاد أنها غير مرادة للشارع، ثم اختلفوا فمنهم من توقف عند هذا الحد، وفوض معانيها المرادة منها إلى الله تعالى، ويسمى هذا بالتأويل الإجمالي، ومنهم من حاول بيان معانيها المجازية أو الكنائية المرادة منها بقرائن تساعده على ذلك.

هذا ما اضطر الأشاعرة واضطر كل المسلمين إلى التأويل الصحيح لبعض النصوص من الكتاب والسنة.

الخامس: قوله: (فأي تناقض في كتاب الله يا مسلمون نضطر معه إلى رد بعضه، أو الاعتراف للأعداء بتناقضه)

عارٌ عليك أيها الدكتور! مَنْ مِنَ الأشاعرة قال بالتناقض في كتاب الله، وردَّ لأجل ذلك بعضه، واعترف لأعداء الإسلام بتناقضه؟؟؟!!!

نعم التناقض مرفوض، ولا يقول به مسلم. وأما الاختلاف بين ظواهر بعض النصوص أي مخالفة بعضها للبعض الآخر بحسب معانيها الحقيقية فمن يستطيع أن ينكره؟!. وأضرب على ذلك مثالين. قال الله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ففي لفظ (إذ رميت) إثبات الرمي للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وفي لفظ (ما رميت) نفي للرمي عنه، وفي قوله تعالى (فلم تقتلوهم) نفي لأن يكون المؤمنون قتلوا قتلى بدر، أليس ظاهر هذا القول مخالفاً للظاهر المشاهد؟ وقال تعالى: (وما كان ربك نسيا) وقال: (نسوا الله فنسيهم)

ثم أقول للدكتور: ولماذا قال الله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي العلم منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)؟[1]

ولماذا أُلف علمُ مشكل القرآن، وعلم مشكل الحديث أو مختلف الحديث؟؟؟

نعم التناقض لازم لقول من يرفض التأويل رأسا، لكني لا أقول: إنه قائل بالتناقض، معاذ الله!!!

الخطأ السادس: قوله: (وقد اعترف الصابوني بأن في مذهب الأشاعرة تأويلات غريبة، فما المعيار الذي عرف به الغريب من غير الغريب) وهذا إنكار لأن يكون عند الأشاعرة معيار للتأويل الصحيح

أقول أولا: المعيار ما أشار إليه ابن دقيق العيد فيما نقلناه عنه من كلامه، وقد فصَّلناه بأن التأويل الصحيح ما توفرت فيه خمسة شروط.

ثم أقول: القول بأن في مذهب الأشاعرة تأويلات غريبة غير صحيح،لأن مذهب الأشاعرة أن التأويل – إذا كان بشروطه- صحيح، وأما أفراد التأويلات فلا يصح نسبتها إلى مذهب الأشاعرة عامة، بل لا بد من نسبتها إلى القائلين بها من الأشاعرة، إلا إذا كان هناك أفراد من التأويل متفق عليها من الأشاعرة فيصح نسبتها إلى المذهب حينئذ. فالتعبير الصحيح: أن عند بعض الأشاعرة تأويلات غريبة، أو غير صحيحة، وذلك مثل تأويل الاستواء بالاستيلاء وذلك لأن الاستيلاء إن لم يكن مفيداً للمغالبة فلا شبهة في أنه موهمٌ له، ومن شرط التأويل الصحيح أن لا يكون المعنى الذي أول به النص موهماً لما هو ممتنعٌ على الله تعالى. ثم إن بعض التأويلات مما تختلف فيها الأنظار، فيراها هذا صحيحة ويراها الآخر فاسدة.

63- بيان أن التأويل لا يخلو عنه مذهب من المذاهب:

الخطأ السابع: قوله: (وهنا لا بد من زيادة التاكيد على أن مذهب السلف لا تأويل فيه لنص من النصوص الشرعية إطلاقا، ولا يوجد نص واحد –لا في الصفات ولا في غيرها- اضطر السلف إلى تأويله. ولله الحمد)

أقول: من المقرر أن أهم شيء في مسائل الخلاف هو تحرير محل النزاع، فإنه عند تحريره كثيراً ما يتبين أنه لا خلاف في الواقع، وأن الخلاف لفظي، ومن هذا القبيل هذا الخلاف بيننا وبين الدكتور. وذلك أن التأويل في اصطلاح الأصوليين: «صرف اللفظ عن الظاهر الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينة» وقد قررنا أن التأويل بهذه المعنى لا يسوغ لعاقل أن ينكره في ألفاظ الكتاب والسنة.

وأما الدكتور فأظن أنه يقصد بالتأويل كما يدل عليه لاحق كلامه «صرف الكلام عن المعنى الذي تدل عليه القرآن من السياق والسباق والألفاظ المقرونة به» هذا ما يدل عليه قول الدكتور: «وكل الآيات والأحاديث التي ذكرها الصابوني وغيره تحمل في نفسها ما يدل على المعنى الصحيح الذي فهمه السلف منها، والذي يدل على تنزيه الله تعالى، دون أدنى حاجة إلى التأويل» حيث قال: «تحمل في نفسها ما يدل على المعنى الصحيح» ثم قال: «دون أي حاجة إلى التأويل» والتأويل بهذه المعنى تحريف للكلم عن مواضعه، ولعب كما قال السبكي، ولا ينطبق هذا التأويل على تأويلات الأشاعرة بالمعنى الذي اصطلح عليه الأصوليون، بل إنما ينطبق على تأويلات الباطنية!

لكن التأويل بهذا المعنى ليس معنى لُغوياً للفظ التأويل، ولا اصطلاحاً لأحد من علماء الأمة.

ثم إن الدكتور إذا كان قصد هذا المعنى للتأويل، فلا وجه لإنكاره على الأشاعرة، لأنهم لايأوِّلون هذا التأويل، كما أنه لا وجه لتقريره أن الأشاعرة يأوِّلون، والسلف لايأوِّلون.

بل التحقيق أن الأشاعرة وبعض السلف يأوِّلون بالمعنى الذي قصده الأشاعرة للتأويل، ولايأوِّلون بالمعنى الذي قصده الدكتور للتأويل.

وقد نقلنا جملة من تأويلات السلف فيما تقدم.

الخطأ الثامن: قوله: (وإن تعجب فأعجب لهذه اللفظة النابية التي يستعملها الأشاعرة مع النصوص، وهي أنها توهم التشبيه، ولهذا وجب تأويلها، فهل في كتاب الله إيهام، أم أن العقول الكاسدة تتوهم، والعقيدة ليست مجالا للتوهم)

أقول للدكتور: المسألة مسألة علمية لا ينفع فيها التهويل والتقذيع والتهويش، ولا يليق هذا بأهل العلم، بل هذه الأمور علامة على ضعف فاعلها، وعلى عدم نجاحه علميا، فيتجه إلى الإقذاع والتهويش.

ثم أقول: قد قررنا أن من ألفاظ الكتاب والسنة ما لو قُطع عن سابقه ولاحقه وعُري عن القرائن المقرونة به المعينة للمعنى المراد منه، لأوهم معنى لا يصح أن ينسب إلى الله تعالى، وقد مرت أمثلة كثيرة له، والأشاعرة قد عبروا بالإيهام، ولم يعبروا بالإفادة أو الدلالة، لأن هذه النصوص معها من القرائن ما يدل على أن التشبيه غير مقصود منها، ويعين المعنى المراد منها الموافق للتنزيه، فهل بعد هذا يصح إنكار هذا التعبير على الأشاعرة؟ وإذا لم يعبروا بالإيهام فبماذا يعبرون؟؟!!

الخطأ التاسع: قوله: (فالعيب ليس في ظواهر النصوص –عياذا بالله- ولكن العيب في الأفهام، بل الأوهام السقيمة)

من الذي قال: العيب في ظواهر النصوص –معاذ الله- وهل استعمال المجاز والكناية في الكلام من عيوب الكلام؟ أم أنهما مما يزيد الكلام فصاحة وبلاغة ورونقا؟ بل لا تحيا لغة من لغات العالم بدون المجاز والكناية، أَوَلَيْسَ التأويل عند الأشاعرة إلا حمل الكلام على المجاز أو الكناية، نعم صحيح أن العيب في الأفهام والأوهام السقيمة التي لا تريد أن تفهم كلام علماء الإسلام وأئمة الأمة على وجهه، وتسيء الظن بهم، وتتصيد لكلامهم أسوأ المعاني، وأبشع المحامل!

[1] النساء 83.