الصفحة الرئيسية » كتب للقراءة والتحميل » منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام » الأخطاء العلمية عن الكون في كتب الأشاعرة ومسألة كروية الأرض وحركتها،المرجئة صنفان: مرجئة البدعة، ومرجئة السنة

الأخطاء العلمية عن الكون في كتب الأشاعرة ومسألة كروية الأرض وحركتها،المرجئة صنفان: مرجئة البدعة، ومرجئة السنة

77 – الأخطاء العلمية عن الكون في كتب الأشاعرة ومسألة كروية الأرض وحركتها:

ثم قال الدكتور: {وهناك قضية بالغة الخطورة لا سيما في هذا العصر، وهي الأخطاء العلمية عن الكون التي تمتلئ بها كتب الأشاعرة… ومن ذلك قول البغدادي: إن أهل السنة أجمعوا على وقوف الأرض وسكونها[1]، وقد استدل على ذلك في كتابه “أصول الدين” بمعنى اسم الله الباسط، قال: لأنه بسط الأرض وسماها بساطا خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين: إن الأرض كروية غير مبسوطة،[2] ومثله صاحب الموافق الذي أكد أنها مبسوطة، وأن القول بأنها كرة زعم الفلاسفة}[3]

أقول: أيها الدكتور إنك بصدد الكلام على منهج الأشاعرة في العقيدة، وهذا الأمور التي ذكرتها في هذا الفقرة ليست من العقيدة، في شيء، لا يؤثم المخطئ فيها فضلاً عن أن يبدع أو يكفر، وإنما هي مسائل متعلقة بالكون، فلا وجه لإيرادها في هذا الكتاب، ثم إن كتب الأشاعرة لم تمتلئ بالأخطاء عن الكون بل معظمها لم تتعرض للمسائل الكونية حتى يتصور وقوعها في الخطأ فيها، وما تعرض منها لهذه المسائل، فهل كل ما فيها من تلك المسائل خطأ؟! وأقصى ما يمكن أن يقال: إنها قد احتوت على جملة من الأخطاء، ثم إن أكثر هذه الأخطاء الوارد في كتبهم ليست أراءً لهم، وإنما هي أخطاء الفلاسفة والفلكيين أوردها الأشاعرة في كتبهم، وقد كانت معظمها من مقررات عصورهم ومن ثقافتها، ولم يتبين خطئها إلا بعد الحصول على وسائل الاكتشاف وآلاته الحديثة، وهل يتوقع من علماء تلك العصور أن يتوصلوا بدون هذه الوسائل إلى ما توصل إليه العلماء المحدثون عن طريق هذا الوسائل؟!

فعدُّ هذه الأخطاء في معائبهم، والطعن فيهم من أجلها لا يقدم عليه عاقل.

وأنت أيها الدكتور إذا تصفحت كلام من تسميهم بأهل السنة والجماعة تجد في كلامهم عين تلك الأخطاء أو قريبا منها أو مثيلات لها، فأقم الوزن بالقسط، ولا تكل بمكيالين!

ثم إن كثيراً من الأشاعرة قد قرَّر كروية الأرض، ونكتفي هنا بنقل كلام إمامين عظيمين من أئمتهم: الغزالي والرازي. قال الغزالي: «عرف العقل ببراهين لم يقدر الحس على المنازعة فيها أن قرص الشمس أكبر من كرة الأرض بأضعاف مضاعفة» وقال: «إن الواقفين على نقطتين متقابلتين من كرة الأرض تتقابل أخمص أقدامهما، ونحن بالضرورة نعلم ذلك»[4].

وقال الإمام الرازي في تفسيره: «الأرض كرة. وإذا كان كذلك فكل وقت يمكن أن يفرض فهو صبح لقوم، وظهر لثان، وعصر لثالث، ومغرب لرابع، وعشاء لخامس…»[5]

وقد أكد الرازي كروية الأرض في مواضع متعددة من تفسيره.

ثم إن كلام الدكتور هذا قد اشتمل على خطأين في النقل:

الأول: قوله: (واستدل على ذلك في كتابه أصول الدين بمعنى اسم الله الباسط)، فالبغدادي لم يستدل باسم الله الباسط على سكون الأرض، وإنما استدل به على كون الأرض مبسوطة، وليست كروية.

والثاني: قوله: (ومثله صاحب المواقف الذي أكد أنها مبسوطة، وأن القول بأنها كرة من زعم الفلاسفة)

أقول: الدكتور على عادته في عدم فَهْمِ كلام الأشاعرة لم يفهمْ كلام صاحب المواقف، فإن الذي يدقق النظر في كلام صاحب المواقف يري أنه لم يبدِ في كلا المسألتين رأيا، وإنما نقل كلام الفلاسفة والفلكيين، ثم ذكر ما أُورِدَ عليهم من التشكيكات والاعتراضات، ثم أورد ما أجابوا به عن تلك الاعتراضات. هذا ما فعله القاضي، وأما أن القاضي عضد الدين أكد أن الأرض مبسوطة وليست كروية، وأنها ساكنة وليست متحركة، واختار ذلك رأياً له، فليس ذلك بصحيح.

78- المرجئة صنفان: مرجئة البدعة، ومرجئة السنة:

قال الدكتور38: {وكل من قال: إن الإيمان هو المعرفة أو التصديق فهو مرجئ}

أقول: المرجئة صنفان:

مرجئة البدعة وهم الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب.

ومرجئة السنة وهم الذين يرجئون أمر العصاة إلى الله تعالى إن شاء عذبهم وإن شاء عفى عنهم. كما قال الله تعالى: (يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء) وقال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) والأشاعرة من مرجئة السنة، كما أن الدكتور منهم.

وأما من قال: الإيمان هو المعرفة، فقوله غير صحيح لأن كثيراً من الكفار يعرفون الحق ولكنهم لا يصدقون به ولا يذعنون له، كما قال الله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)

وأما أن الإيمان هو التصديق فهو مذهب أهل السنة على خلاف بينهم في النطق بالشهادتين: هل هو داخل في الإيمان أو خارج عنه شرط أو ليس بشرط.

وأما الأعمال فمن قال من أهل السنة: إنها داخلة في الإيمان وهو المروي عن معظم السلف، حيث جاء عنهم أنهم قالوا: (الإيمان اعتقاد، وقول، وعمل)، أراد الدخول لأجل كمال الإيمان، لا لأجل تحقق أصل الإيمان المنقذ من الخلود في النار، وذلك نظير دخول الثمار والورق والأغصان في مسمى الشجرة مع تحقق أصل الشجرة بدونها. وهذا ما لا يخالف فيه أحد من أهل السنة، ومن قال: إن الأعمال غير داخلة في الإيمان، أراد أنها غير معتبرة في تحقق أصل الإيمان، وهذا الأخير مروي عن أبي حنيفة، فالخلاف لفظي.

وقالت المعتزلة والخوارج: إن الأعمال داخلة في الإيمان ومعتبرة في تحقق أصله، فكفرت الخوارج مرتكب الكبيرة، وأثبتت له المعتزلة المنزلة بين المنزلتين.

قال الشيخ عبد الحي اللكنوي: إن الإرجاء قد يطلق على أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة الزاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة.

وقد يطلق على الأئمة القائلين بأن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان، وبعدم الزيادة والنقصان – وهو مذهب أبي حنيفة وأتباعه – من جانب المحدثين القائلين بالزيادة والنقصان وبدخول الأعمال في الإيمان.

وهذا النزاع وإن كان لفظياً كما حققه المحققون من الأولين والآخرين، لكنه لما طال، وآل الأمر إلى بسط كلام الفريقين من المتقدمين والمتأخرين أدى ذلك إلى أن أطلقوا الإرجاء على مخالفيهم، وشنعوا بذلك عليهم، وهو ليس بطعن في الحقيقة كما لا يخفى على مهرة الشريعة.

وقال الإمام أنورشاه الكشميري في “فيض الباري على صحيح البخاري”: الإيمان عند السلف عبارة عن ثلاثة أشياء: اعتقاد، وقول، وعمل، وقد مر الكلام – يعني في كتابه – على الأولين – أي: التصديق والإقرار. بقي العمل هل هو جزء للإيمان أم لا؟

فالمذاهب فيه أربعة: قالت الخوارج والمعتزلة: إن الأعمال أجزاء للإيمان، فالتارك للعمل خارج عن الإيمان عندهما، ثم اختلفوا، فالخوارج أخرجوه من الإيمان وأدخلوه في الكفر، والمعتزلة لم يدخلوه في الكفر، بل قالوا بالمنزلة بين المنزلتين. والثالث مذهب المرجئة فقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النجاة هو التصديق فقط، فصار الأولون والمرجئة على طرفي النقيض.

والرابع مذهب أهل السنة والجماعة وهم بين بين فقالوا: إن الأعمال أيضا لا بد منها لكن تاركها مفسق لا مكفر، فلم يشددوا فيها كالخوارج والمعتزلة، ولم يهونوا أمرها كالمرجئة.

ثم هؤلاء أي أهل السنة والجماعة افترقوا فرقتين فأكثر المحدثين ذهب إلى أن الإيمان مركب من الأعمال، وإمامنا الأعظم رحمه الله تعالى وأكثر الفقهاء والمتكلمين إلى أن الأعمال غير داخلة في الإيمان مع اتفاقهم جميعا على أن فاقد التصديق كافر، وفاقد العمل فاسق، فلم يبق الخلاف إلا في التعبير فإن السلف وإن جعلوا الأعمال جزءً لكن لا بحيث ينعدم الكل بانعدامه، بل يبقى الإيمان مع انتفائها.

وإمامنا أبو حنيفة وإن لم يجعل الأعمال جزءً لكنه اهتم بها وحرض عليها، وجعلها أسبابا سارية في نماء الإيمان، فلم يهدرها هدر المرجئة، إلا أن تعبير المحدثين القائلين بجزئية الأعمال لما كان أبعد من المرجئة المنكرين جزئية الأعمال، بخلاف تعبير إمامنا الأعظم رحمه الله تعالى فإنه كان أقرب إليهم من حيث نفي جزئية الأعمال رمي الحنيفية بالإرجاء، وهذا كما ترى جور علينا فالله المستعان.

ولو كان الاشتراك مع المرجئة بوجه من الوجوه التعبيرية كافياً لنسبة الإرجاء إلينا لزم نسبة الاعتزال إليهم –أي إلى المحدثين- فإنهم –أي المعتزلة- قائلون بجزئية الأعمال أيضا كالمحدثين، ولكن حاشاهم من الاعتزال. وعفى الله عمن تعصب ونسب إلينا الإرجاء، فإن الدين كله نصح لا مراماة ومنابزة بالألقاب. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.انتهى.

قال الدكتور في حاشيته المرقومة بالرقم (1): {ومن العجيب أنَّ الماتريدية يُخْرجون الأشاعرة من أهل السنة ويدَّعونه لأنفسهم، وهم أكثرُ فرقتين في الإسلام تقارباً واشتراكاً في الأصول. انظر حاشية على شرح العضدية: 38، أما ما يتعلق بالخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة فهو برمَّته خلافٌ داخليٌّ ضمن المدرسة العقلية التي هي مدرسة الهوى والبدعة. ولا بأس أن يستفيد أهلُ السنةِ من ردودِ الأشاعرة عليهم إذا كانت حقاً}

أقول: أما إخراج الماتريدية الأشاعرة من أهل السنة، فهذا ما لا أعلم أحدا من الماتريدية فعله، وإن كان قد قال به بعض متعصبة الماتريدية فهو رأيٌ انفرد به هذا البعض. ولا يصحُّ نسبتُهُ إلى الماتريدية كلِّهم ، فإنَّه من المقرَّر أنَّ الأشاعرة والماتريدية لم يبدعْ بعضُهم البعض،، لأنَّ الخلافَ بينَهُمْ ليس في الأصول التي يُبَدَّع فيها المخالفُ.

وأما الخلافُ بين الأشعرية والمعتزلة فهو خلافٌ بين مدرستين جمعت إحداهما بين النقل والعقل، واستعملت كلاًّ منهما في مجاله الذي يجب أن يستعمل فيه وهم الأشاعرةُ. وغلت الأخرى في الاعتماد على العقل، وردَّتْ بذلك جملةً من النصوصِ المجمعِ على صحتها وأولتْ جملةً من الآيات التي تنقُضُ مذهبَهُمْ، وهم المعتزلة.

قال الدكتور: {بل نحن نزيدكم إيضاحاً فنقول: إنَّ هذه العقائد التي أدخلتموها في الإسلام وجعلتموها عقيدة الفرقة الناجية بزعمكم، هي ما كان عليه فلاسفةُ اليونان ومشركوا الصابئة وزنادقة أهل الكتاب، لكن ورثها عنهم الجهمِ بنُ صفوانَ وبشرُ المريسي وابنُ كُلاّب. وأنتم ورثتموها عن هؤلاء، فهي من تركة الفلاسفة والابتداع وليست من ميراث النبوة والكتاب}

أقول: أصلحنا الله وإياك أيها الدكتور. كيل التهم العظيمة للمخالفين بضاعة الذين يشعرون بضعفهم أمام مخالفيهم، ويحاولون ستر ضعفهم بكيل التهم للمخالفين، والناقد البصير لهم بالمرصاد، والله من ورائهم محيط.

ثم إن هذه التهم ينقضها ما علقناهُ سابقاً على كلامِ الدكتور، فعلى القارئ أن يقرأه بتمعن وإنصاف وحياد حتى يعلم ما هو نصيب هذه التهم العظيمة من الصحة.

ولو أعطي الناسُ بدعواهم لادّعى ناسٌ دماءَ أقوامٍ وأموالَهم، ولكنَّ البيِّنةَ على المدَّعي.

والله تعالى يتولى هدانا وهو يتولى الصالحين.

ومن أجل أن الدين النصيحة أنصح الأخ الفاضل الدكتور سفر بتلاوة آيات الإفك من سورة النور بتدبر من قوله عز وجل: (إن الذين جائوا بالإفك عصبة منكم…..إلى قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر، ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم) النور 11-21

وأذكره منها خاصة بقوله تعالى: يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين.

وأدعو لنفسي وله بما يلي:

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث أصلح لنا شؤننا كلها ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

4 جمادي الأولى 1427هـ

31 أيار 2006

قونيه

[1] الفرق بين الفرق 318.

[2] أصول الدين 124.

[3] انظر الموافق، 199-217-219.

[4] معيار العلم 2-15 وانظر تهافت الفلاسفة 80.

[5] مفاتيح الغيب 4/319.