الصفحة الرئيسية » أدبيات » عندما يتفقه الأدباء، ويتأدب الفقهاء

عندما يتفقه الأدباء، ويتأدب الفقهاء

أمسية أدبية

” عندما يتفقه الأدباء، ويتأدب الفقهاء”

المقدمة:

الحمدلله الكريم المنان، الرحيم الرحمان، خلق الانسان، علمه البيان

والصلاة والسلام على النبي العدنان الذي قال: إن من البيان لسحرا، لما وَفَدَ إليه الزِّبْرِقَانُ بن بدر وعمرو بن الأهتم فقال الزبرقان يا رسول الله أنا يدُ تميم والمطاع فيهم والمجابُ منهم آخُذُ لهم بحقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم ذلك – يعني عمروا.

فقال عمرو : أجل يا رسول الله إنه مانعٌ لِحَوزَتِه(1) مطاعٌ في عشيرته شديد العارِضة فيهم(2).

(1) حوزة الرجل : ما يحوزه ويملكه.

(2) العارضه : البديهة في الكلام.

فقال الزبرقان : أما إنه والله قد علم أكثر مما قال ولكنه حسدني شرفي.

فقال عمرو :أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته الا ضيق العَطَن(3) زَمِرَ المروءة (4)أحمَقَ الابِ لئيمَ الخال حديث الغِنَى.

(3) العطن : المناخ حول الوِرْد ، وَضَيِّقُ العطن : بخيل.

(4) زمر المروءة : قليلها.

فرأى الكراهَةَ في وَجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا اختلفَ قولهُ فقال :

يا رسول الله رضيتُ فقلتُ أحسن ما علمتُ وغضبتُ فقلتُ أقبَحَ ما علمتُ وما كذبتُ في الاولى وقد صدقتُ في الثانية!

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من البيان لسحرا،

ولعل من يمن الطالع، وحسن الحظ أن نكون على مرمى ليال قليلة من رمضان الفضيل ورحم الله قيس بن الملوح القائل:

ألا زَعَمَتْ ليلى بأن لا أحبها

بلى والليالي العشرِ والشفع والوَترِ

بلى والذي لا يعلمُ الغيبَ غيرُهُ

بقدرتهِ تجري السفائنُ في البحرِ

بلى والذي نادى من الطور عبدَهُ

وعظّمَ أيامَ الذبيحةِ والنّحرِ

لقد فُضِّلَتْ ليلى على الناسِ مثل ما

على ألف شهرٍ فُضِّلتْ ليلة القَدْر

وقد جاء في الخبر الصحيح” للصائم فرحتان” قيل فرحتا الجسد والروح ،فكمال الفرحة باجتماع فرحتي الروح والجسد، وكمال الشخصية بإشباع حاجات الجسد والعقل والروح . وصلاح الجسد بالطعام والشراب والرياضة، وصلاح العقل بالعلم والفقه، وصلاح الروح بالأدب.

يقول أَبَو بَكْرٍ الْوَرَّاقَ ، : ” مَنِ اكْتَفَى بِالْكَلامِ مِنَ الْعِلْمِ ، دُونَ الزُّهْدِ وَالْفِقْهِ ، تَزَنْدَقَ ، وَمَنِ اكْتَفَى بِالزُّهْدِ ، دُونَ الْفِقْهِ وَالْكَلامِ ، ابْتَدَعَ ، وَمَنِ اكْتَفَى بِالْفِقْهِ ، دُونَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ ، يَفْسُقْ ، وَمَنْ تَفَنَّنَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا ، تَخَلَّصَ ” .

وقد قيل :”الوعي بلاتقوى جمود، والتقوى بلا وعي غفلة”

يقول عبد الله بن وهب إمام مصر في عصره، و أحد تلاميذ الإمام مالك: ” صاحبت الإمام مالكا عشرين عاما، تعلّمت منه العلم في عام، و تعلّمت الأدب في تسعةعشرعاما، و يا ليتها كانت كلّها في الأدب”

.وقيل ليكن علمك ملحا وأدبك دقيقا،

ورحم الله القائل

أيها الفاخر جهلا بالنسـب

إنما النـــــــــــــــاس لامٍ و لأب

هل تراهم خُلقوا من فضة

أم حديد أم نحاس أم ذهــــــــب

بل تراهم خُلقوا من طينـة

هل سوى لحمٍ و عظمٍ و عصب

إنما الفخر لعقلٍ ثابـــــــت

و حياءٍ و عفــــــــــــافٍ و أدب

إن يُكْدِ مُطَّرَفُ الإخاءِ فإِنَّنَا

نَغْدُو وَنَسْرِي في إِخَاءٍ تَالِدِ

أو يَخْتَلِفْ مَاءٌ الوِصَال فَمَاؤُنا

عَذْبٌ تَحدَّرَ مِنْ غَمَامٍ وَاحِدِ

أو يَفْتَرِقْ نَسَبٌ يٌؤَلِّفْ بيْنَنَا

أَدَبٌ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الوَالِدِ

و يقول أبو العلاء :

والمـالِكِيُّ ابـنُ نصْـرٍ زارَ فـي سَـفرٍ

بِلادَنَا فَحَمِدْنَا النَّأْيَ والسَّفَــرَا

إذا تفقَّـــهَ أحْيَــا مالِكًــا جَــدَلا

ويَنْشُـرُ المَلِكَ الضِّلِّيلَ إنْ شَعَرَا

الملك الضليل يعني امرأ القيس

ولما كان الأدب من شعر رائق، ونثر شائق، وقصص حسن، داعية لترقيق الطباع، وتهذيب الأذواق، وتقويم الأخلاق حرص عليه السلف العلماء والفقهاء.

يحكى ان عبدالله بن عباس كان يوماً جالساً في المسجد الحرام، وعنده نافع بن الأزرق، وناس من الخوارج يسألونه في امور الدين، اذ اقبل عمر بن ابي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين، فدخل وجلس ثم اقبل عليه ابن عباس وقال له انشدنا فأنشده قصيدته في آل نعم:

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر

غداة غد أم رائح فمهجر

فأقبل ابن الازرق على عبدالله بن عباس وقال له، لله أنت يا ابن عباس إنا نضرب اليك اكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترف من مترفي قريش فينشدك:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت

فيضحى وأما بالعشي فيحسر

فقال ابن عباس: ليس هكذا قال وانما قال:

رأت رجلاً أما اذا الشمس عارضت

فيضحى وأما بالعشي فيحصر

فقال ابن الازرق:

ما أراك الا وقد حفظت البيت، قال: اجل وان شئت انشدتك القصيدة اياها، قال فاني اشاء. فأنشده القصيدة حتى اتى على آخرها .

أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ

غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ

لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها

فَتُبلِغَ عُذراً وَالمَقالَةُ تُعذِرُ

تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ

وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ

وَلا قُربُ نُعمٍ إِن دَنَت لك نافع

وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ

وكان الزهري يقول : هاتوا من أشعاركم ، هاتوا من طرفكم ، أفيضوا في بعض ما يخف عليكم ،وتأنس به طباعكم.

،وقد كان شعبة يحدث الناس ، فإذا تلمح أبا زيد النحوي في أخريات الناس ، قال :

يا أبا زيد !

استعجمت دار نعم ما تكلمنا

والدار لو كلمتنا ذات أخبار

ولما كانت أجواء العلم سيماؤها الجد ،وكانت النفس تمل من الجد ، لم يكن بأس بإطلاقها في مزح ترتاح به لتعاود نشاطها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” ولكن ساعة وساعة”

و كما قال الطغرائي في لاميته لامية العجم:

حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت

بشدة البأس منه رقة الغزل

ولما كانت مواضيع الفقه يتنازعها الرأي وخلافه، أو الصواب والخطأ

فيخشى على دارسه أن أن يعجب برأيه، فيسفه المخالف، ويزدرسه فكان لابد من فضاء تجول فيه النفوس، ويسبح فيه الخيال،

فيدرك المرء أن من الظلم والجور اختزال الآراء في صواب وخطأ ، فقد يتعدد الصواب ” ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات”

وقد قيل “إن لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق”

فلابد من معين ترد إليه النفوس يرقق طباعها،

ويهذب مزاجها، ويرقى بذوقها، فتتصالح مع نفسها، وتتسامى على الخلاف، وتتسامح مع المخالف،

وكلهم من رسول الله ملتمس

غرفا من البحر أو رشفا من الديم

ﻳُﺤﻜﻰ ﺃﻥ ﺭﺟﻼً ﻛﺎﻥ ﻣﻊ معروف الكرخي ،فمرواَ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻳﺸﺮﺑﻮﻥ الخمر ﻭﻳﻐﻨﻮﻥ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ : ﻳﺎﺳﻴﺪﻯ ، ﺍﺩﻉ ﻋﻠﻰ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻨﻜﺮ!

فقاﻝ ﺍلكرخي : ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻓﺮَّﺣﺘﻬﻢ ﻓﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ،

ﻓﺮِّﺣﻬﻢ ﻓﻰ ﺍﻵﺧﺮﺓ

فعجب له فقال الكرخي “إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا”

ويحكى أن أبا حازم سلمة بن دينار –من فقهاء الحجاز من التابعين– خرج يرمي الجمار في الحج ومعه قوم ناسكون يحدثهم، فبينما هم كذلك إذ نظروا إلى امرأة من أجمل الناس، تتلفت يمنة ويسرة، وقد شغلت الناس وبهتوا ينظرون إليها. فقال لها أبو حازم: اتقي الله، فإنك في مشعر من مشاعر الله، وقد فتنت الناس، فأقبلت تضحك من كلامه، وقالت: يا هذا، إني ممن قال فيهم الشاعر العرجي:

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ولكن ليقتلن البريء المغفلا

فأقبل أبو حازم على أصحابه وقال: يا هؤلاء، تعالوا ندع الله ألا يعذب هذه الصورة الحسنة بالنار. وبلغ ذلك الشعبي من علماء العراق فعلق قائلا: ما أرق نسيم أهل الحجاز

إن القلوب إذا رقت، والطباع إذا ترقت ، فاضت رحمة ومحبة للخلق جميعهم “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “فكانت هذه الأمسية” عندما يتفقه الأدباء، ويتأدب الفقهاء” التي أرجو لها أن تكون مساهمة في بث روح الأدب في جسد الفقه ، ونسيم الصبا في جسد الفقيه

على نحو ماقال أحد فقهائنا مفتتحا كتاب البيوع

ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم

ولا أسلمها إلا يدا بيد

فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا

وإن أبيتم يكون الرهن تحت يدي

ولله در لسان الدين بن الخطيب (776ه)

القائل

شرطت عليهم عند تسليم مهجتي

وعند انعقاد البيع قربا يواصل

فلما أردت الأخذ بالشرط أعرضوا

وقالوا يصح البيع والشرط باطل

ولقد تأنق القائل:

يا بدر أهلك جاروا = وعلموك التجري

وقبحوا لك وصلي = وحسنوا لك هجري

فليفعلوا ما أرادوا = فإنهم أهل بدر

وزاد سلطان العاشقين فقال:

ما بَيْنَ مُعْتَركِ الأحداقِ والمُهَجِ

أنا القَتِيلُ بلا إثمٍ ولا حَرَجِ

ودّعتُ قبل الهوى روحي لما نَظَرْتَ

عينايَ مِنْ حُسْنِ ذاك المنظرِ البَهجِ

للَّهِ أجفانُ عَينٍ فيكَ ساهِرةٍ

شوقاً إليكَ وقلبٌ بالغَرامِ شَجِ

وحَبّذَا فيكَ أسْقامٌ خَفيتَ بها

عنّي تقومُ بها عند الهوى حُجَجي

فلْيَصْنَع الرّكْبُ ما شاؤوا بأنفسهِم

هم أهلُ بدرٍ فلا يخشونَ من حرَجِ

وفي السيرة “فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق “ي فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا [ ص: 1942 ] ما شئتم فقد غفرت لكم

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

واستعار موفق الدين العيلاني المصري معنى رقيقا عذبا من القرآن العظيم فقال:

قالوا عشقت وأنت أعمـى

ظبياً كحيل الطرف ألمى

وحلاه مـا عـاينـتـهـا

فنقول قد شغفتك هـمـا

وخياله بك في الـمـنـا

م فما أطاف ولا ألـمـا

من أين أرسل لـلـفـؤا

د، وأنت لم تنظره، سهما

ومتـى رأيت جـمـالـه

حتى كساك هواه سقمـا

والعين داعـية الـهـوى

وبه تـنـم إذا تـنـمـى

وبـأي جـارحة وصـل

ت لوصفه نثراً ونظمـا

فأجبـت إنـي مـوسـو

ي العشق إنصاتاً وفهمـا

أهوى بجارحة الـسـمـا

ع، ولا أرى ذات المسمى

” ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك”

وفي التفسير”وكلمه الله وناجاه حتى أسمعه ، وأدناه حتى سمع صرير القلم فاستحلى موسى عليه السلام كلام ربه واشتاق إلى رؤيته”

وقال بشار بن برد

يا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ

وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا

من الخفرات البيض ود جليسها

إذا ماانقضت أحدوثة لو تعيدها

وافتتح بعض فقهائنا كتاب الصلاة بأبيات كثير عزة:

خليليَّ هذا ربعُ عُزَّة َ فاعقلا

قلوصيكُما ثمّ ابكيا حيثُ حلَّتِ

ومُسّا تراباً كَانَ قَدْ مَسَّ جِلدها

وبِيتاً وَظِلاَّ حَيْثُ باتتْ وظلّتِ

ولا تيأسا أنْ يَمْحُوَ الله عنكُما

ذنوباً إذا صَلَّيْتما حَيْثُ صَلّتِ

ولو لم تلامس رجلها صفحة الثرى

لما كنت أدري علة للتيمم

يقول الشاعر: محمدالامين ولد الشيخ المعلوم

حين رأى حال ولده حين زمت ركاب من يهواه

أما حان للدمع المصون انسكابه

وللبين من تهواه زمت ركابه

زكاة دموع العين فرض على الفتى

وان بانت الاحباب تم نصابه

ومن فارق الاحباب ثم دنا له من

الشوق ما اضناه حل مصابه

وقال هبة الله القاضي السعيد
سعدت ببدر برجه برج عقـرب

فكذب عندي قول كل مـنـجـم

بنفسي من قبلتـه ورشـفـتـه

فقال الهوى فز بالحطيم وزمزم

فجردت قلبي من مخيط همومـه

وطاف به والقلب في زي محرم

ولابن الفارض

لقد نبتت في القلب منكم مودة

كمانبتت في الراحتين الأصابع

حرام على قلبي مودة غيركم

كما حرمت يوما لموسى المراضع

“وحرمنا عليه المراضع من قبل ”

مرِضَ الحبيبُ فعُدْتُه

فمرِضْتُ مِن خوفي عليهِ

فأتى الحبيبُ يزورني

فبَرِئْتُ مِن نَظرِي إليهِ

التورية باستعارة مصطلحات علم الحديث

وقال البهاء زهير

أهوى التذللَ في الغرامِ وإنما

يأبى صلاحُ الدينِ أنْ أتذللا

مَهّدتُ بالغَزَلِ الرّقيقِ لمَدحِهِ

وَأرَدتُ قبلَ الفَرْضِ أن أتَنَفّلا

يروى حديثُ الجودِ عنهُ مسنداً

فعلامَ ترويهِ السحائبُ مرسلا

يا من مديحي فيهِ صدقٌ كلهُ

فكأنما أتلو كتاباً منزلا

يا مَنْ وَلائي فيهِ نَصٌّ بَيّنٌ

والنّصُّ عندَ القَوْمِ لَنْ يَتَأوّلا

ويقول سلطان العاشقين

غَيري على السّلوانِ قادِرْ

وسوايَ في العشاقِ غادرْ

لي في الغرامِ سريرة ٌ والله أعْلَمُ بالسّرائِرْ

ومشبهٌ بالغصنِ قلـ ـبي لا يزالُ عليهِ طائرْ

حلوِ الحديثِ وإنها لحلاوة ٌ شقتْ مرائرْ

أشكو وأشكرُ فعلهُ فاعجبْ لشاكٍ منهُ شاكرْ

لا تنكروا خفقانَ قلـ ـبي والحبيبُ لديّ حاضرْ

ما القَلْبُ إلاّ دارُهُ ضربتْ لهُ فيها البشائرْ

يا تارِكي في حُبّهِ مَثَلاً مِنَ الأمثالِ سائِرْ

أبَداً حَديثي لَيسَ بالـ ـمنسوخِ إلاّ في الدفاترْ

يا ليلُ ما لكَ آخرٌ يُرْجَى وَلا للشّوْقِ آخرْ

يا ليلُ طلْ يا شوقُ دمْ إنِّي على الحالَينِ صابرِ

لي فيكَ أجرُ مُجاهِدٍ إنْ صحّ أنّ الليلَ كافرْ

طرفي وطرفُ النجمِ فيـ ـكَ كلاهما ساهٍ وساهرْ

يهنيكَ بَدرُكَ حاضِرٌ يا لَيتَ بَدري كان حاضِرْ

حتى يبينَ لناظري منْ منهما زاهٍ وزاهرْ

بَدري أرَقُّ مَحاسِناً والفَرْقُ مثلُ الصّبحِ ظاهرْ

وللبهاء زهير

لكم الروح والبدن

لكم السر والعلن

أنا كلي لكم ترى

سادتي انتم لمن

أنا عبد شريتموه

ولكــن بــلا ثـمـن

لم يزل بي من القماط

هواكم الى الكفن

ليس لي بعد بعدكم

لا سكون ولا سكن

فارحموا اليوم عاشقا

في يد البين مرتهن

لا فروضا أضاعها

في هواكم ولا سنن

لي حبيب عبدته

ويح من يعبد الوثن

وجهه يجمع المسرة

للقلب والحزن

هو للحسن مشرق.

فيه قد تظهر الفتن

يا حبيبي لقد حويت

من الحسن كل فن

أنت عيني وأنت أحلى

لعيني من الوسن

كم أيادي أعدها

لك عندي وكم منن

وقبيح وحقك الصبر

عن وجهك الحسن

وقال سالم بن عبد الله بن عمر: ، سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان » (مسلم2905).

وفي ميدان تربية النفس وتزكيتها يقول البوصيري

إِنِّي اتَّهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلِي

وَالشَّيْبُ أَبْعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَم

فَإِنَّ أَمَّارَتِي بِالسُّوءِ مَا اتَّعَظَتْ

مِنْ جَهْلِهَا بِنَذِيرِ الشَّيبِ وَالْهَرِم

وَلاَ أَعَدْتُّ مِنَ الْفِعْلِ الْجَمِيلِ قِرٰى

ضَيْفٍ أَلَمَّ بِرَأْسِي غَيْرَ مُحْتَشَمِ

لَو كُنْتُ أَعْلَمُ أَنِّي مَا أُوَقِّرُهُ

كَتَمْتُ سِرًّا بَدَا لِي مِنْهُ بِالْكَتَمِ

ويقول محمود الوراق

إلهي لقد أحسنت عودا وبدأة

علي فلم ينهض لإحسانك الشكر

إذا كان شكري نعمة الله نعمة

علي له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله

وإن طالت الايام واتصل العمر

إذا مس بالسراء عم سرورها

وإن مس بالضراء أعقبها الاجر

فما منهما إلا له فيه نعمة

تضيق بها الأفهام والبر والبحر

وتساءل المعري في ميدان الحدود فقال:

يدٌ بخمس مئين عسجد وديت

مابالها قطعت في ربع دينارِ

تناقض ماله الا السكوت له

نعـــوذ بالله مولانا من النــار

فرد عليه عبدالوهاب المالكي

عزُ الأمانة أغلاها وأرخصها

ذلُ الخيانة فافهم حكمة الباري

وسئل أحد فقهاء الشافعية ( أبوالفتح البستي هل يؤخذ الحر بالعبد فأجاب شعرا:

خُذوا بدَمي هذا الغزال فإنَّهُ

رَماني بسهْمَيْ مُقلَتَيْهِ على عَمْدِ

ولا تَقتُلوهُ إنَّني أنا عَبدُهُ

وفي مذهبي لا يقتل الحر بالعبد

فأجابه بعض الحنفية رادا عليه بقوله :

خذوا بدمي من رام قتلي بلحظه

ولم يخش بطش الله في قاتل العمد

وقودوا به جبرا وإن كنت عبده

ليعلم أن الحر يقتل بالعبد

جرحت بلحظي خد الحبيب

فما طالب المقلة الفاعلة

ولكنه اقتص من مهجتي

كذاك الديات عَلَى العاقلة

اشارة لطيفة إلى قوله تعالى” فتكون لهم قلوب يعقلون بها”

و قول أبن العفيف:

قضاة الحسن ما صنعي بطرف

تمنى مثله الرشا الربيب؟

رمى فأصاب قلبي باجتهادٍ

صدقتم: كل مجتهد مصيب!

ابن الجوزي يصف رمضان بيوسف

ذكر إبن الجوزي رحمه الله في كتابه “بستان الواعظين ورياض السامعين

“في المجلس 13مجلس في فضل الصيام قال:

قيل : الشهور الاثنا عشر كمثل أولاد يعقوب عليه السلام ، وشهر رمضان

بين الشهور كيوسف بين إخوته ، فكما أن يوسف أحب الأولاد إلى يعقوب ،

كذلك رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب….

– جاء إخوة يوسف معتمدين عليه في سد الخلل ، وإزاحة العِلل ، بعد أن كانوا

أصحاب خطايا و زَلَل ….فأحسن لهم الإنزال ، وأصلح لهم الأحوال ، وأطعمهم

في الجوع ، وأذن لهم في الرجوع …..فسَدّ الواحد خَلل أحد عشر !

كذلك شهر رمضان : نحن نرجو أن نتلافى فيه مافرطنا في سائر الشهور ،

ونصلح فيه فاسد الأمور ، فيُختم لنا بالفرح والسرور.

حمد عيسى الكندري