الصفحة الرئيسية » أدبيات » هذا الصباح صباح الشيب قد وضحا

هذا الصباح صباح الشيب قد وضحا

هذا الصباح صباح الشيب قد وضحا

سرعان ما كان ليلا فاستنار ضحى

للدهر لونان من نور ومن غسق

هذا يعاقب هذا كلما برحا

وتلك صبغته أعدى بنيه بها

إذا تراخى مجال العمر وانفسحا

ما ينكر المرء من نور جلا غسقا

ما لم يكن لأماني النفس مطرحا

إذا رأيت بروق الشيب قد بسمت

بمفرق فمحيا العيش قد كلحا

يلقى المشيب بإجلال وتكرمة

من قد أعد من الأعمال ما صلحا

أما ومثلي لم يبرح يعلله

من النسيم عليل كلما نفحا

والبرق ما لاح في الظلماء مبتسما

من جانب السفح إلا دمعه سفحا

فما له برقيب الشيب من قبل

من بعد ما لام في شان الهوى ولحا

يأبى وفائي أن أصغي للائمة

وأن أطيع عذولي غش أو نصحا

يا أهل نجد سقى الوسمي ربعكم

غيثا ينيل غليل الترب ما اقترحا

ما للفؤاد إذا هبت يمانية تهديه

أنفاسها الأشجان والبرحا

يا حبذا نسمة من أرضكم نفحت

وحبذا ربرب من جوكم سنحا

يا جيرة تعرف الأحياء جودهم

ما ضر من ضن بالإحسان لو سمحا

ما شمت بارقة من جو كاظمة

إلا وبت لزند الشوق مقتدحا

في ذمة الله قلبي ما أعلله بالقرب

إلا وعاد القرب منتزحا

كم ليلة والدجى راعت جوانبها

قلب الجبان فما ينفك مطرحا

سريتها ونجوم الأفق فيه طفت

جواهراً وعباب الليل قد طفحا

بسابح أهتدي ليلا بغرته والبدر

في لجة الظلماء قد سبحا

والسحب تنثر در الدمع من فرق

والجو يخلع من برق الدجى وشحا

ما طالبت همتي دهري بمعلوة

إلا بلغت من الأيام مقترحا

ولا أدرت كؤوس العزم مغتبقا

إلا أدرت كؤوس العز مصطبحا

هذا وكل الذي قد نلت من أمل

مثل الخيال تراءى ثمت انتزحا

كم يكدح المرء لا يدري منيته

أليس كل امرئ يجزى بما كدحا

وارحمتا لشبابي ضاع أطيبه

فما فرحت به قد عاد لي ترحا

أليس أيامنا اللائي سلفن لنا

منازلا أعلمت فيها الخطا مرحا

إنا إلى الله ما أولى المتاب بنا

لو أن قلبا إلى التوفيق قد جنحا

الحق أبلج والمنجاة عن كثب

والأمر لله والعقبى لمن صلحا

يا ويح نفس توانت عن مراشدها

وطرفها في عنان الغي قد جمحا

ترجو الخلاص ولم تنهج مسالكها

من باع رشدا بغي قلما ربحا

يا رب صفحك يرجو كل مقترف

فأنت أكرم من يعفو ومن صفحا

يا رب لا سبب أرجو الخلاص به

إلا الرسول ولطفا منك إن نفحا

فما لجأت له في دفع معضلة

إلا وجدت جناب اللطف منفسحا

ولا تضايق أمر فاستجرت به

إلا تفرج باب الضيق وانفتحا

يا أهل تبلغني مثواه ناجية تطوي

بي القفر مهما امتد وانفسحا

حيث الربوع بنور الوحي آهلة

من حلها احتسب الآمال مقترحا

حيث الرسالة تجلو من عجائبه

ا من الجمال بنور الله متضحا

حيث النبوة تتلو من غرائبها ذكرا

يغادر صدر الدين منشرحا

حيث الضريح بما قد ضم من كرم

قد بذ في الفخر من ساد ومن نجحا

يا حبذا بلدة كان النبي بها

يلقى الملائك فيها أية سرحا

يا دار هجرته يا أفق مطلعة

لي فيك بدر بغير الفكر ما لمحا

من هاشم في سماء العز مطلعة

أكرم به نسبا بالعز متشحا

من آل عدنان في الأشراف من مضر

من محتد تطمح العلياء إن طمحا

من عهد آدم ما زالت أوامره

تسام بالمجد من آبائه الصرحا

عناية سبقت قبل الوجود له

والله لو وزنت بالكون ما رجحا

يا مصطفى وكمام الكون ما فتقت

يا مجتبي وزناد النور ما قدحا

لولاك ما أشرقت شمس ولا قمر

لولاك ما راقت الأفلاك ملتمحا

صدعت بالنور تجلو كل داجية

حتى تبين نهج الحق واتضحا

يا فاتح الرسل أو يا ختمها شرفا

بوركت مختتما قدست مفتتحا

دنوت للخلق بالألطاف تمنحها

والقلب في العالم العلوي ما برحا

كالشمس في الأفق الأعلى مجرتها

والنور منها إلى الأبصار قد وضحا

كم آية لرسول الله معجزة

تكل عن منتهاها ألسن الفصحا

إن ردت الشمس من بعد الغروب

له قد ظللته غمام الجو حيث نحا

يا نعمة عظمت في الخلق منتها

ورحمة تشمل الغادين والروحا

الله أعطاك ما لم يؤته أحدا

والله أكرم من أعطى ومن منحا

حبيبه مصطفاه مجتباه وفي

هذا بلاغ لمن حلاك ممتدحا

أثنى عليك كتاب الله ممتدحا

فأين يبلغ في علياك من مدحا

قد أبعدتني ذنوبي عنك يا أملي

فجهدي اليوم أن أهدي لك المدحا

لعل رحماك والأقدار سابقة

تدني محبا بأقصى الغرب منتزحا

نفس شعاع وقلب خان أضلعه

مما يعاني من الأشواق قد برحا

إذا البروق أضاءت والغمام همت

فزفرتي أذكيت أو مدمعي سفحا

لم لا أحن وهذا الجذع حن له

لما تباعد عن لقياه وانتزحا

كم ذا التعلل والأيام تمطلني

كأنها لم تجد عن ذاك منتدحا

ما أقدر الله أن يدني على شحط

وأن يقرب بعد البين من نزحا

يا سيد الرسل يا نعم الشفيع إذا

طال الوقوف وحر الشمس قد لفحا

أنت المشفع والأبصار شاخصة

أنت الغياث وهول الخطب قد فدحا

حاش العلا وجميل الظن يشفع لي

أن يخفق السعي مني بعدما نجحا

عساك يا خير من ترجى وسائله

تنجي غريقا ببحر الذنب قد سبحا

ما زال معترفا بالذنب معتذرا

لعل حبك يمحو كل ما اجترحا

عسى البشير غداة الروع يسمعني

بشرى تعود لي البؤسى بها فرحا

لا تيأسن فإن الله ذو كرم وحبك

العاقب الماحي الذنوب محا

صلى الإله على المختار صفوته

ما العارض انهل أو ما البارق التمحا

وأيَّد الله مولانا بعصمته بأي

باب إلى العلياء قد فتحا

وهنئ الدين والدنيا على ملك

بسعده الطائر الميمون قد سنحا

أنا الضمين لمكحول بغرته

ألا ترى عينه بؤسا ولا ترحا

مولاي خذها كما شاءت بلاغتها

غراء لم تعدم الأحجال والقزحا

كأن سرب قوافيها إذا سنحت

طير على فنن الإحسان قد صدحا

نبذة عن الشاعر ابن زمرك

733-795 هـ / 1333-1392 م
محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، أبو عبد الله.
المعروف بابن زمرك وزير من كبار الشعراء والكتاب في الأندلس، أصله من شرقيها، ومولده بروض البيازين (بغرناطة) تتلمذ للسان الدين ابن الخطيب وغيره.
وترقى في الأعمال الكتابية إلى أن جعله صاحب غرناطة (الغني بالله) كاتم سره سنة 773هـ، ثم المتصرف برسالته وحجابته.
ونكب مدة، وأعيد إلى مكانته، فأساء إلى بعض رجال الدولة، فختمت حياته بأن بعث إليه ولي أمره من قتله في داره وهو رافع يديه بالمصحف.
وقتل من وجد معه من خدمه وبنيه، وكان قد سعى في أستاذه لسان الدين بن الخطيب حتى قتل خنقاً فلقي جزاء عمله.
وقد جمع السلطان ابن الأحمر شعر ابن زمرك وموشحاته في مجلد ضخم سماه (البقية والمدرك من كلام ابن زمرك) رآه المقري في المغرب ونقل كثيراً منه في نفح الطيب وأزهار الرياض.
قال ابن القاضي:
كان حياً سنة 792 ذكرت الكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد.