الصفحة الرئيسية » أدبيات » هى الأحكام يُصدرها القضاء

هى الأحكام يُصدرها القضاء

هِيَ الأَحكامُ يُصدِرُها القَضاءُ

فَلَيسَ لِمُبرَمٍ إِلّا المَضاءُ

وَلا يَنبو حُسامَ المَوتِ مِهما

أُتيحَ لَهُ عَلى الخَلقِ اِنتِضاءُ

لَقَد عَمَّ الرَدى كُلَّ البَرايا

وَماتَ الناسُ حَتّى الأَنبِياءُ

وَأَصبَحنا رَعايا لِلمَنايا

عَلَينا مِن وِلايَتِها لِواءُ

أَلَسنا الخَلقَ غايَتَنا زَوالُ

وَعُنصُرُ خَلقِنا طينٌ وَماءُ

وَسَفَرُ مَراحِلٍ وَذَوي حَياةِ

لَها بِالوَيلِ خَتمٌ وِاِبتِداءُ

نُهِلُّ إِلى البُكاءِ مَتى وُلِدنا

وَيَصحَبُنا إِلى الرَمسِ البُكاءُ

وَلا نَرجو بِذي الدُنيا بَقاءُ

أَلا أَنَّ البَقا مِنّا بَراءُ

حَياةٌ كَاِنسِيابِ الطَيفِ مُرّاً

بِدُنيا لِلفَناءِ هِيَ الفِناءُ

إِذا كانَت نِهايَتُها خُفوتاً

فَأَطوَلُها وَأَقصَرُها سَواءُ

يَغَرُّ المَرءُ مِها وَردَ عِزٍّ

كَذا الدُنيا وَما فيها رِياءُ

يُديرُ الدَهرَ فينا كُلَّ كَأسٍ

لَنا مِن صَرفِ خَمرَتِها اِنتِشاءُ

وَيُرهِقَنا مِنَ الأَرزا بِبَطشٍ

تُقصِرُ دونَهُ الأَسَلُ الظَماءُ

يُمَزِّقُ في البَرِيَّةِ كُلَّ شَملٍ

فَيُصبِحُ مِثلَما نَثَرَ الهَباءُ

وَيَهدِمُ لِلمعالي كُلَّ رُكنٍ

فَيَشمَلُهُ بِأَيديهِ العَفاءُ

كَذا قَضَتِ اللَيالي مِن بَنيها

بِأَن لا يَستَتِبَّ لَهُم هَناءُ

لَعَمرُكَ في البَرِيَّةِ أَيُّ أُمٍّ ع

َلى أَولادِها مِنها اِعتِداءُ

فَواعَجَباً لِضاهِدَةٍ لَدَيها

أَواصِرَ ما بِهِنَّ لَها اِعتِناءُ

لَقَد آلَت رَعاها اللَهُ قَدَماً

يَميناً أَن تُسِرَّ بِما نِساءُ

تُفَجِّعُنا بِكُلِّ فَقيدٍ فَضَلَّ ع

َلَيهِ يَلطُمُ الوَجهَ العَلاءُ

لَقَد كانَت تَتيهُ بِهِ المَعالي

وَكانَ عَلَيهِ مِن شَرَفِ رِداءُ

رُوَيدَكَ أَيُّها المَنعي نَعياً

بِهِ تَنعى المَكارِمَ وَالرَجاءُ

وَيا مُتَرَحِّلاً مُهِلّاً لَعَمري

ِداكَ الناسُ لَو صَحَّ الفِداءُ

وَردَ حَمامِكَ الآسونِ لَكِن

دَوَيُّ المَوتِ لَيسَ لَهُ دَواءُ

تُناديكَ الفَضائِلُ وَهي تَبكي

وَلَكِن لَيسَ يَنفَعُها النِداءُ

وَكَم جَفَّت عَلَيكَ شُؤونُ دَمعٍ

بِعَينٍ لَم تَجِفَّ لَها دِماءُ

أَلا مَن مُبلِغِ الأَفضالِ عَنّي

توفي نَدبُهُ وَلَهُ البَقاءُ

فَإِن يَجزَعُ فَلَيسَ عَلَيهِ لَومٌ

كَذا تَبغي الصَداقَةَ وَالوَلاءُ

وَإِن يَصبِرَ فَذاكَ عَلى فَقيدٍ

بِنَشرِ حَياتِهِ كَفلُ الثَناءُ

أَغَرَّ أَبَرَّ سَمحُ الخَلقِ كانَت

تَصرِفُهُ السَماحَةُ ما تَشاءُ

عَلَيهِ مَدَّتِ التَقوى وَشاحا

وَشَدَّ بِهِ مَناطِقَهُ الصَفاءُ

إِذا أَمَّ العُفاةُ نَدى يَدَيهِ

فَكَم يَعرو الحَيا مِنهُ الحَياءُ

حَوى غُرَرَ الخِلالِ وَكُلُّ حَرٍّ

لَهُ بِسَنّى شيمَتُهُ اِقتِداءُ

فَتُبكيهِ المَفاخِرُ وَالمَعالي

وَتَندِبُهُ الطَلاقَةُ وَالسَخاءُ

وَظَلَّ ثَناؤُهُ في القَومِ طَراً

يَضوعُ وَلا كَما ضاعَ الكَباءُ

فَإِن يَكُ فارِقُ الدُنيا مَجداً

فَأَثوَتهُ مَراقيها السَماءُ

لِيَنعَم بِاللِقا أَبَداً وَفيها

يَكونُ بِهِ اِحتِفالٌ وَاِحتِفاءُ

فَيا أَنجالُهُ الأَنجابُ مَهلاً

عَزاءُكُم وَإِن عَزَّ العَزاءُ

وَلَستُ أَزيدُكُم حُبّاً بِصَبرٍ

جَميلٍ بِرَدِّ لابِسِهِ بَهاءُ

وَلا راعَ البَلاءُ لَكُم قُلوباً

وَلَكِن في البَلاءِ لَكُم بَلاءُ

وَلا يَبكي عَلى مَن فاتَ دُنيا

لِيَخلُدَ في النَعيمِ لَهُ ثَواءُ

فَيا صَوبَ الحَيا باكِرَ ثَراهُ

فَمِنهُ طالَما سَحَّ العَطاءُ

وَزَرَ جَدثاً بِقُربِ البَحرِ تَعثُرُ

عَلى بَحرَينِ بَينَهُما اللِقاءُ

هُنالِكَ غَيبَ الأَقوامِ شَهماً

وَغَيَّبتُ المُروءَةُ وَالوَفاءُ

وَيا ذاكَ الفَقيدُ اِذهَب فَحاشا

مَقامُكَ أَن يَقومَ بِهِ الرِثاءُ

عَلَيكَ سَلامُ رَبِّكَ ما تَوالى

صَباحٌ مُنذُ يَومِكَ أَو مَساءُ

وَمَن كانَ الصَلاحُ لَهُ اِبتِداءُ

فَبِالأَجرِ الجَزيلِ لَهُ اِنتِهاءُ

1286 – 1366 هـ / 1869 – 1946 م
شكيب بن حمود بن حسن بن يوسف أرسلان.
من سلالة التنوخيين ملوك الحيرة، عالم بالأدب والسياسة، مؤرخ من أكابر الكتاب، ينعت بأمير البيان.
من أعضاء المجمع العلمي العربي، ولد في الشويفات (بلبنان) وتعلم في مدرسة (دار الحكمة) ببيروت، وعين مديراً للشويفات سنتين فقائم مقام في (الشوف) ثلاث سنوات وأقام مدة بمصر وانتخب نائباً عن حوران في مجلس (المبعوان) العثماني وسكن دمشق في خلال الحرب العالمية الأولى ثم (برلين) بعدها وانتقل إلى جنيف (بسويسرا) فأقام فيها نحو 25 عاماً وعاد إلى بيروت فتوفي فيها ودفن بالشويفات. عالج السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية وكان من أشد المتحمسين من أنصارها.
واضطلع بعد ذلك بالقضايا العربية فما ترك ناحية منها إلا تناولها تفصيلاً وإجمالاً وأصدر مجلة باللغة الفرنسية ( La Nation Arabe ) في جنيف للغرض نفسه وقام بسياحات كثيرة في أوربة وبلاد العرب وزار أميركا سنة 1928 وبلاد الأندلس سنة 1930 وهو في حله وترحاله لا يدع فرصة إلا كتب بها مقالا أو بحثاً.
جاء في رسالة بعث بها إلى صديقه السيد هاشم الأتاسي عام 1935 م، أنه أحى ما كتبه في ذلك العام فكان 1781 رسالة خاصة و176 مقالة في الجرائد و1100 صفحة كُتُب طبعت.
ثم قال: وهذا (محصول قلمي في كل سنة) وعرفه (خليل مطران) بإمام المترسلين وقال: (حضريّ المعنى، بدويّ اللفظ، يحب الجزالة حتى يستسهل الوعورة، فإذا عرضت له رقة وألان لها لفظه، فتلك زهرات ندية ملية شديدة الربا ساطعة البهاء كزهرات الجبل.)
من تصانيفه (الحلل السندسية في الرحلة الأندلسية -ط) ثلاث مجلدات منه، وهو في عشرة، و(غزوات العرب في فرنسة وشمالي إيطالية وفي سويسرة-ط) و(لماذا تأخر المسلمون-ط) و (الارتسامات اللطاف-ط) رحلة إلى الحجاز سنة 1354 هـ ، 1935 م ، و (شوقي ، أو الصداقة أربعين سنة-ط)، و(أناطول فرانس في مباذله-ط) خ لبنان-خ)، و(ملحق للجزء الأول من تاريخ ابن خلدون-ط). وغيره الكثير.
وله نظم كثير جيد، نشر منه (الباكورة-ط) مما نظمه في صباه، و(ديوان الأمير شكيب أرسلان-ط.)