الصفحة الرئيسية » أدبيات » يا طائر الشوق

يا طائر الشوق

يــاطائِرَ الشوق ، هل طافت بِكَ النـُّـوَبُ

حتـى اعتَـزَلتَ ، فلا شدوٌ ولا طرَبُ !!ا

إنـِّـي عهدتـُكَ في روضي تزينـُهُ

ماذا دهاكَ .. فكدتَ اليوم تحتَجِبُ !!ا

إنِّـي أخو طربٍ قد كانَ يملِكُني

إذ كنتَ تصدحُ بالألحانِ تضطربُ

أسلو بذاكَ عن الآلامِ في كبدي

من حَرِّ شوق سما ، للحُبِّ ينتسبُ

قلبي الوفيُّ لِقَلبٍ كان يألفُهُ

مازالَ يصبو ، ونارُ الحب تلتهبُ

لكنَّـهُ حدثٌ أودى بنشوتهِ

مافي الحوادِثِ لهو ، لا .. ولا لعِبُ

قد طال ليلي على همٍ يُؤَرِّقُني

كأنَّـها سُمِرَت في جوزِهِ الشُّهُبُ

ياطائِرَ الشوق ، قد أدمَى مآقـيـنـا

كرُّ الليالي التِّـي في عِطفِها النَّـصَبُ

أضحى كِلانا سليبا من سعادَتِهِ

فالشجوُ منكَ ، ومني الدَّمعُ ينسكبُ

إنِّـي رأيتُ بني الإسلامِ قد نَزَلَت

فيهِم نوازِلُ لا يقضي بها عَجَبُ

في كُلِّ صِقعٍ بهذا الكونِ ترصُدُهُم

كيلا يثُـوبوا إلى الأمجادِ أو يَثِـبُوا

حتى استطالَ عليهم في معاقِلِهم

ذاكَ العدو الذي مازالَ يرتَقِبُ

من ألفِ عامٍ مضى والكفرُ يدفعُهُ

للكيدِ حقدا ، وتُذكي حِقدَهُ الحِقَبُ

حتَّـى تحقَّقَ ما يرجوهُ من أملٍ

قد كانَ يوما إلى الأحلامِ ينتَسِبُ

فانهالَ في ظُلمَةِ الأيَّـامِ تحسبُهُ

صقرا يُطارِدُ صيدا كدَّهُ التَّـعَبُ

وراحَ يعبَثُ في الأمجادِ ممتَهِنا

يابُؤسَ مَن مجدُهُ يُطوَى ويُنتَهَبُ

فحطَّمَ الوِحدَةَ الكُبرَى وأتبَعَها

نقضَ الخِلافَةِ ، فانجابَت له الكُرَبُ

ثم انحنى حَنِقـًا ، يشفِي ضغينَتَهُ

فعاد يسلُبُ ما أبقَى ويغتَصِبُ

حتَّـى تَعبـَّدَ دُنيا المسلمينَ .. فلا

ترى كيانا لهم في الأرضِ ينتَصِبُ

ورَوَّجَ الكُفرَ والإلحادَ بينَهُمُو

فكانَ شَرَّ صنيعٍ منهُ يُرتَقَبُ

بعدَ التَّحَلُّلِ إذ شاعَت مفاسِدُهُ

ياوصمَةَ العارِ ، لا دينٌ ، ولا أدبُ

يارحمَةَ الله ، قد حارَت بِحاضِرِنا

منـَّا العقولُ ، وشاعت بيننا الرِّيَبُ

في كُلِّ شبرٍ نرى في الأرضِ مجزرَةً

للمُسلِمينَ ، على الأيامِ تُرتَكَبُ

فلا تجفُّ دِماءُ الأمسِ في بلدٍ

إلا وتخضِبُ أخرى بالدم النُّـجَبُ

ولا يكادُ يثوبُ القومُ من هلعٍ

إلا وتنزِلُ فيهِم ضِعفَهُ النُّـوَبُ

قد أذهَلَتهُم خطوبُ الدهرِ دائِبَةً

والدَّهرُ يُردِي إذا عادَى ويستَلِبُ

لا حصنَ يمنَعُهُم ، لا مالَ ينفَعُهُم

لا جاهَ يرفَعُهُم ، لا نصرَ يُتَّـهَبُ

لا حقَّ ينصُرُهُم ، لا أذنَ تسمَعُهُم

لا عدلَ يُنصِفُهُم ، لا خِلَّ يُنتَجَبُ

إنَّ الخليلَ تَولَّـى يومَ حاجَتِهِم

ماكُلُّ خِلٍ لِيَومِ الرَّوعِ يُنتَخَبُ

إنـَّا رأينا خليلَ اليومِ تَدفَعُهُ

فينَا المآرِبُ يَقضِيها وينقَلِبُ

كالشـَّاةِ تُعلَفُ في الإصباحِ تحسَبُهُ

تكرِيمَ حُبٍ ، وفي الإمساءِ تُحتَلَبُ

لا تحسَبَنَّ سليلَ الكُفرِ تأخُذُهُ

بنا الموَدَّةُ ، لا قُربَـى ولا نسَبُ

يروغُ دوما إلى تحقيقِ مأرَبِهِ

كما يرُوغُ لِصَيدٍ .. ثعلَبٌ سَغِبُ

لا تأمنوهُ وقد زاغَتْ عقيدَتُهُ

هذا بيانٌ من القرآنِ مُكتَسَبُ

يارحمَةَ الله .. قد ضاقَ الفُؤَادُ بنا

كما يضيقُ بِنَفسِ البائِسِ الرَّحَـبُ

لقد تحالَفَ أهلُ الكفرِ قاطِبَةً

ضِدَّ العَقيدَةِ ، يحدو حِلفَهُم غَضَبُ

حربُ الصَّـليبِ وإن أودى الزَّمـانُ بها

لكِنَّـها أبدًا للثـَّأرِ تَرتَقِبُ

فاليومَ تثأرُ إذ طابَ الزَّمـانُ لها

ما كُلُّ يومٍ يطيبُ الدَّهرُ أو يَهَبُ

والمسلِمونَ وقد فلَّـت عزائِمُهُم

مستَضعَفونَ ، فلا يـُـقضَـى لهُم طلبُ

مستَسلِمونَ إلى الأحلامِ يخدَعُهُم

زيفُ الأماني ، وقد غَرَّتهُمُ الـرُّتـبُ

يستَنجِدونَ بدَمعٍ بائِسٍ هَطِلٍ

ظَنَّ الصِّـغارِ بِجَدوَى الدَّمعِ ينسَكِبُ

أو نظمِ شِعرٍ بحفلٍ زاخِرٍ غَضِبٍ

أو بالخَطابَةِ كالنيرانِ تُلتَهَبُ

إنَّ البُكاءَ بِدَمعٍ يُستغاثُ به

دأبُ النـِّـســـاءِ إذا ما هالَهُم رَهَبُ

لا تحسبوا مَجدَنا بالشـِّعرِ نبلُغُهُ

لا ينفَعُ الشِّعرُ شيئـًا ، لا ، ولا الخُطَبُ

لن نبلُغَ المَجدَ ، مادامَت مُفرَّقةً

مِنـَّا القُلوبُ ، على الأهواءِ ننتَحِبُ

لن نَبلُغَ المَجدَ ، مادامَت لنا نُصُبٌ

دونَ الإلــهِ ، لها التَّـقديسُ والرَّغَبُ

هذي حقيقَةُ قومِي اليومَ .. وا أسَفا

سوءُ انقِلابٍ بِهِ الويلاتُ والشـَّجَبُ

قومٌ نِيامٌ ، وعينُ الدَّهرِ سـاهِرَةٌ

والنَّـومُ دومـًا بِهِ النَّـكَبَـاتُ تُرتَقَبُ

فَما أقولُ لِمَن باللهوِ قد سَكِروا

لا يَنفَعُ الجـِدُّ فيمَن دأبُهُ اللعِبُ

ياقومِ قد بُحَّ صوتُ المُخلِصين ، فما

نفعُ النِّـداءِ وفي الأجواءِ ذا اللجَبُ

ثوبوا إلى دينِكُم ، يَصفُ الزَّمـانُ لكُم

هذا الدَّواءُ ، فأينَ الجـِدُّ واللعِبُ

يا طائِرَ الشَّوقِ .. قد أدمَى الأسَى كَبِدِي

وخِلتُ أنَّـي لِمَا ألقاهُ أُستَلَبُ

فهل سَيَخلُدُ هذا الحزنُ في خَلَدِي

على الزَّمَـانِ ، وإن طالَت بِهِ الحِقَبُ

أم أنـَّهُ غَسَقٌ .. والفَجرُ موعِدُهُ

حيثُ الضـِّياءُ ، وحيثُ الرُّوحُ والرَّحَبُ

أرجو وآمُلُ أن يمتَدَّ بي زَمَني

حتَّـى أرى رايَةَ الإلحادِ تَحتَجـِبُ

وفي ذُرا المَجدِ تسمُو للعُلا أبدًا

خفـَّاقَةً ، وعلى الآفاقِ تَنتـَصِبُ

راياتُ قومي ، وفي طَيـَّاتِها قَسَمٌ

ألاّ مباديءَ بعدَ الذِّكرِ تُجتَلَبُ

حتَّـى تعودَ لأتِ العَيشِ بهجَتُهُ

ولِلرِّيـاضِ يعودُ الشـَّدو والطَّرَبُ

د. محمد حسن هيتو