الصفحة الرئيسية » بحوث » أهمية الأدب

أهمية الأدب

علم بلا أدب كنار بلا حطب وأدب بلا علم كروح بلا جسم

أهمية الأدب

الأدب ومعناه العام :
– ذكر الشيخ محمد عوامة في كتابه أدب الاختلاف تعريف الأدب ومعناه ، وفي “المصباح المنير” : (( قال أبو زيد الأنصاري : الأدب : يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل . وقال الأزهري نحوه، فالأدب اسم لذلك )).

– (( وأهل اللغة يقولون : الأدب : الظرف وحسن التناول في الأمور كلها ، وقال بعض العلماء : الأدب كلمة تجمع خصال الخير كلها … )).

– قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : (( الأدب : استعمال ما يُحمد قولاً وفعلاً، وعبر بعضهم بأنه الأخذ بالمكارم الأخلاق، وقيل : الوقوف على المستحسنات، وقيل : بل هو تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك، وقيل : إنه مأخوذ من المأدبة، وهي الدعوة إلى الطعام، سمي بذلك لأنه يدعى إليه)).

– وأسند الخطيب إلى الإمام مالك أن محمد بن سيرين التابعي العلم الإمام رضي الله عنهما قال حاكياً حال كبار التابعين :

– (( كانوا يتعلمون الهدي، كما يتعلمون العلم )) . قال مالك – مؤكداً ذلك من فعل ابن سيرين – : (( وبعث ابن سيرين رجلاً ينظر كيف هدي القاسم بن محمد وحاله )).

– وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى : (( كان أبو بكر بن إسحاق إذا ذَكَرَ عقل أبي على الثقفي يقول : ذاك عقل مأخوذ من الصحابة والتابعين . وذلك : أن أبا على أقام بسمرقند مدة أربع سنين يأخذ تلك الشمائل من محمد بن نصر المَروزي، وأخذها ابن نصر عن يحيي بن يحيى، فلم يكن بخراسان أعقل منه، وأخذها يحيى عن مالك، وأقام عليه لأخذها سنة بعد أن فرغ من سماعه، فقيل له في ذلك ؟

– فقال : إنما أقمت مستفيداً لشمائله، فإنها شمائل الصحابة والتابعين )).

– وقال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد – وهو وأبوه من الثقات الأثبات – : قال لي أبي : (( يا بنيَ ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إلى لك من كثير من الحديث)).

وروى أبو نعيم في ترجمة الإمام مالك أنه قال لفتى من قريش : (( يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم )).
وهذا أمر نشئ عليه الغمام مالك من أول يوم دخل فيه على العلم. فقد حكي صنيع أمه معه فقال : (( كانت أمي تعممني وتقول لي : اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه )).
ولا بد من كليهما معاً: العلم والأدب، فهما كما قال أبو زكريا العنبري أحد الأجلاء: (( علم بلا أدب كنار بلا حطب وأدب بلا علم كروح بلا جسم )) أخرجه الخطيب في جامعه أيضاً.

أدب التلقَي:
(( غلاء العلم عندهم أغلى من مقام أنفسهم عند الناس ))

ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غده في كتابه ( العلماء العزاب) :
قال العلامة ياقوت الحموي رحمه الله تعالى : في ( معجم الأدباء ) 148:6، في ترجمة صديقه وصاحبه : ( عزيز الدين أبي طالب : إسماعيل بن الحسين ) المروزي النسَابة العلوى الحسيني، المولود سنة 572، والمتوفي بعد سنة 614 رحمه الله تعالى،
ما يلي:
(( حدثني عزيز الدين رحمه الله : قال : ورد الفخر الرازي إلى مَرو، وكان من جلالة القدر، وعظم الذكر، وضخامة الهيبة، بحيث لا يراجع في كلامه، ولا يتنفس أحد بين يدي لإعظامه، على ما هو مشهور متعارف، فدخلت إليه، وترددت بالقراءة عليه.

فقال لي يوماً- وكان عزيز الدين هذا آنذاك في حدود الثلاثين من العمر -:
(( أحب أن تصنف لي كتاباً لطيفاً في أنساب الطالبيين لأنظر فيه، فلا أحب أن أكون جاهلاً به، فقلت له : أتريد مشجراً أم منثوراً ؟
فقال : المشجر لا ينضبط بالحفظ، وأنا أريد شيئاً أحفظه ، فقلت : السمع والطاعة، وصنفت له الكتاب الذي سميته بالفخري وحملته وجئته به.
فلما وقف عليه، نزل عن طَرَّاحته وجلس على الحصير، وقال لي : اجلس على هذه الطَرَّاحة، فأعظمت ذلك – أي استعظمت ذلك واستكبرته علي!- وخدمته- أي دعوت له وقلت له : أنا خادمك لا يليق بي هذا- ، فانتهرني نهرة مزعجة، وزعق علي وقال : اجلس بحيث أقول لك، فتداخلني – عَلِمَ الله – من هيبته ما لم أتمالك إلا أن جلست حيث أمرني.
ثم أخذ يقرأ على ذلك الكتاب، وهو جالس بين يدي، ويستفهمني عما يستغلق عليه، إلى أن أنهاه قراءةً، فلما فرغ منه قال: اجلس الآن حيث شئت، فإن هذا علمٌ أنت أستاذي فيه، وأنا استفيد منك، وأتتلمذ لك، وليس من الأدب أن يجلس التلميذ إلا بين يدي الأستاذ.
فقمت من مقامي، وجلس هو في منصبه، ثم أخذت أقرأ عليه، وأنا جالس بحيث كان أولاً.
وهذا ولعمري من حسن الأدب حسنُ، ولا سيَما من مثل ذلك الرجل العظيم المرتبة)).

وجاء فى كتاب الوافى بالوفيات للصفدى 7-196 فى ترجمة الحافظ أبى بكر الخطيب البغداداى ( أحمد بن على بن ثابت ) المولود ببغداد سنة 392 ، والمتوفى بها سنة 463 رحمه الله تعالى ما يلى :
((حضر أبو بكر الخطيب درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، فروى الشيخ حديثاً من رواية بحر بن كُنَيْزٍ – بالنون والزاي- السَّقَّاء، ثم قال للخطيب ما تقول فيه ؟
فقال الخطيب : إن أذنت لي ذكرت حاله، فأبعد الشيخ أبو إسحاق ظهره من الحائط، وقعد مثلما يقعد التلميذ بين يدي الأستاذ، يسمع كلام الخطيب، وشرع الخطيب في شرح أحواله، ويقول : قال فيه فلان كذا، وقال فيه فلان كذا، وشرح أحواله شرحاً حسناً وما ذكر فيه من الأئمة من الجرح والتعديل، إلى ان فرغ منه، فأثنى الشيخ أبو إسحاق عليه ثناءً حسناً، وقال : هو دارقطني عهدنا)) . انتهى

أدب المنــاظرة :
كانوا يتناظرون فى المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة

رسـالة المسترشدين:
ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غده رحمه الله تعالى :
ومما رأيته مكتوباً على وجه كتاب مخطوط، كتاب (( الانتصار في المسائل الكبار)) لمحفوظ بن أحمد الكلوذاني إمام السادة الحنابلة في عصره، بقلم بعض العلماء – وما يكتبون على وجوه الكتب إلا الفوائد الغوالي، والدرر واللآلي، يسرعون بكتابتها على وجه الكتاب لئلا تشرد منهم، وليروها كلما نظروا الكتاب فيحفظوها- :
(( من أدب الجدل: جاء رجل إلى بعض الأئمة الحكماء، فقال: أريد أن أناظرك، فقال : بعد أن تشترط على نفسك عشر خصال:
أحدها: لا تغضب.
والثانية: لا تتعب.
والثالثة: لا تعجب.
والرابعة: لا تتحكم.
والخامسة: لا تضحك.
والسادسة: لا تجعل الدعوى دليلك.
والسابعة: إذا أخذنا في الأخبار كان غرضنا التصادق.
والثامنة: إذا أخذنا بما في العقول انْقَدْنا للتعارف.
والتاسعة: أن يجعل كل واحد منَا الحق ضالته. لا الغلبة غايته.
والعاشرة: أن لا تقبل على غيري وأنا أكلمك، والسلام )) .
انتهى

وقال الشيخ محمد عوامة فى أدب الاختلاف:
أعجبتني أبياتُ من الشعر الجزل الرصين، تصور هذا الأدب الخلقي الرفيع، بألفاظ أدبية رائقة، مليئة بالتشبيهات البديعة ، رأيتها في ديوان الأستاذ ( أمير الشعر ) على الجارم رحمه الله (1299-1368) يصف فيها حواراً علمياً بين عالِمَيْن كبيرين حول تصحيح كلمة، هما الشيخ أحمد الإسكندري، والشيخ حسين والي رحمهما الله تعالى،
فقال : ويوماً مع الإسكندري رأيتُه ** يجاذبه فَضْل الحديثِ المشقَّق
فهذا يرى في لفظه غيرَ ما يرى ** أخوه ، ويختار الدليلَ وينتقي
فقلت: أرى ليثاً وليثاً تجمَّعا ** وأشدقَ ملء العين يمشي لأشدق
وأعجبني رأيٌ سليمٌ ومنطقٌ ** يصول على رأي سليم ومنطق
وقد لوَّحتْ أيديهما فكأنها ** إشاراتُ رايات تروح وتلتقي
ولم أر في لفظيهما نَبْرَ عائب ** ولم أر في عينيهما لَمْحََ محنق
فقلت هي الفصحى بخير وإنها ** بأمثال هذين الحَفِيَّيْن ترتقي

أدب الاختلاف
وذكر الشيخ محمد عوامة في كتابه ( أدب الإختلاف ) :
ومن الأمثلة الرائعة أيضاً: ما أسنده ابن عبد البر إلى العباس بن عبد العظيم العنبري المتوفي سنة 240، أحد الثِّقات الحفاظ الكبار، وممن روى عن الإمام أحمد وشاركه في الرواية عن بعض شيوخه، قال : (( كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه على بن المديني راكباً على دابة، فتناظرا في الشهادة، وارتفعت أصواتهما حتى خِفْتُ أن يقع بينهما جفاء، وكان أحمد يرى الشهادة، وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد عليٌّ الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه!!)) .

ومن روائع الإمام الشافعي- وكله روائع وإمامة- ماحكاه الذهبي في ترجمة تلميذه يونس بن عبد الأعلى الصدفي- بل هو من خاصة تلامذته – قال : (( ما رأيت أعقل من الشافعي! ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة!.

الصبر في تلقَي العلـم
ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غده رحمه الله في كتابه ( صفحات من صبر العلماء ):
هذه نماذج يسيرة من أخبار العلماء، الذين قرأ الواحد منهم الكتاب عشرات المرات أو مئة مرة أو أكثر، لعلَها تُحَفِّزُ الطالب المُجِدَّ على الصبر على إعادة القراءة للكتاب بعض المرات:

1) ففي ( طبقات علماء إفريقية وتونس )، لأبي العرب القيرواني ص 224، في ترجمة المحدث الكبير الرحَال ( عباس بن الوليد الفارسي ) ، تلميذ سفيان بن عيينة، والفضيل بن عياض: (( قال أبو العرب : ولقد حدثني أبي أحمد بن تميم رحمه الله، إنهم ربما وجدوا في آخر بعض كتب عباس بن الفارسي : درسته ألف مرة، وكان قد قتل سنة 218 رحمه الله تعالى ))

2) في (( شجرة النور الزكية في طبقات المالكية)) لابن مخلوف ص 95، في ترجمة ( أبي محمد عبد الله بن إسحاق ) المعروف بابن التبَان، إمام الفقهاء الراسخين ، المولود سنة 311، والمتوفي سنة 371 رحمه الله تعالى: (( أخذ عن ابن اللبَاد وغيره، درس (( المدونة )) نحو الألف مرة)).

3) في (( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض 186:6 ، في ترجمة الإمام الفقيه المالكي المحدث أبي بكر الأبهري ( محمد بن عبد الله بن صالح ) التميمي البغدادي، المولود قبل سنة 290، والمتوفي سنة 375 رحمه الله تعالى قوله : (( قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمس مئة مرة ، والأسَدِيَّة خمساً وسبعين مرة ، والموطأ خمساً وأربعين مرة ، ومختصر البرقي سبعين مرة ، والمبسوط ثلاثين مرة )) رحمه الله تعالى .

4) في مقدمة الإمام النووي لشرحه على (( صحيح مسلم )) 8:1 ، في ترجمة ( أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي النيسابوري ) المعمََّر ، المولود سنة 353 ، والمتوفي سنة 448 رحمه الله تعالى : (( كان شيخاً ثقة صالحاً مشهوراً مقصوداً من الآفاق، سمع منه الأئمة والصدور، وألحق أحفاد الأحفاد بالأجداد، وقرأ الحافظ الحسن السمرقندي عليه (( صحيح مسلم )) نيفاً وثلاثين مرة، وقرأ عليه أبو سعيد البُحَيْري نيفاً وعشرة مرة )).

5) في (( طبقات الشافعية الكبرى )) للسبكي 233:7 ، في ترجمة الإمام إِلْكَيا الهَرَّاسي- أي الكبير الخائف – ( على بن محمد بن علي ) النيسابوري ثم البغدادي، المولود سنة 450، والمتوفي سنة 504 رحمه الله تعالي، تلميذ إمام الحرمين ومُعِيدِ درْسه، وأجلِّ تلاميذه بعد رفيقه الغزالي : (( عن إِلْكَيا قال : كانت في مدرسة سرهنك بنيسابور قناة لها سبعون درجة، وكنت إذا حفظت الدرس أنزل القناة وأعيد الدرس في كل درجة مرة، في الصعود والنزول، قال : وكذا كنت أفعل في كل درس حفظته)).

6) في (( ذيول تذكرة الحفاظ )) ص 134-135 بتعليق شيخنا الإمام الكوثري رحمه الله تعالى ما ملخصه : (( مُسند الدنيا ورُحلة الآفاق أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي طالب، المشهور بابن الشحنة الحجَار الدمشقي الصالحي الحنفي، ولد في حدود سنة 622، وعُمِّرَ أكثر من مئة سنة، حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وحدَّث بالصحيح أكثر من سبعين مرة بدمشق وغيرها. وانتخَبَ عليه الحفاظ ورحلوا إليه من البلاد وتزاحموا عليه، وقد صام رمضان وهو ابن مئة سنة وأتبعه ستة من شوال، شرع محب الدين بن المحب في قراءة الصحيح عليه قبل موته بيوم، ثم قرأ عليه الميعاد الثاني في يوم وفاته إلى الضحى، فمات قبيل الظهر سنة 730 رحمه الله تعالى )).

7) في (( فهرس الفهارس والإثبات )) لشيخنا الحافظ عبد الحي الكتاني رحمه الله تعالى 1045:2 ، في ترجمة ابن السنوسي ( محمد بن علي السنوسي ) : وفي (( الحِطَّة )) نقلاً عن السيد جمال الدين المحدِّث، عن أستاذه السيد أصيل الدين أنه قال: قرأت صحيح البخاري نحو مئة وعشرين مرة.

8) وفي ترجمة الحافظ برهان الدين الحلبي من (( الضوء اللامع )) للسخاوي 141:1 أنه قرأ البخاري أكثر من ستين مرة، ومسلماً نحو العشرين، سوى قراءته لهما في الطلب أو قراءتهما من غيره عليه.

9) وقال الحافظ السخاوي: حكي الحافظ الذهبي، عن الحافظ شرف الدين أبي الحسن اليونيني أنه سمعه يقول : إنه قابل نسخته من صحيح البخاري، وأسمعه في سنة: إحدى عشرة مرة.

10) وفي (( طبقات الخواص )) للشهاب أحمد الشَّرجي اليمني، في ترجمة سليمان بن إبراهيم العلوي: أنه أتى على البخاري نحواً من مئتين وثمانين مرة، قراءةً وسماعاً وإقراءاً.

11)ووجدت في (( ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البوني )): رأيت خط الفيروزآبادي، في آخر جزء من صحيح الإمام البخاري، قال : أنه قرأ صحيح البخاري أزيد من خمسين مرة )). انتهى كلام شيخنا الكتاني.

12) وفى كتاب الصلة لابن بشكوال الأندلسى ص 433 فى ترجمة المحدِّث أبى بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطيَّة المحاربى الأندلسى المولود سنة 441 ، والتوفى سنة 518 ، وهو والد المفسِّر المشهور عبد الحق بن عطيَّة “كان حافظاً للحديث وطرقه وعِلَلِه، عارفأ بأسماء رجاله ونقلته، منسوباً إلى فهمه، ذاكِراً لمتونه ومعانيه، أديباً شاعراً لُغَوياً، دَيِّناً فاضلاً، قرأتُ بخطِّ بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطيَّة يذكر أنه كرَّر البخارى سبع مئة مرة ”

تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لإبن جماعة الكناني :
ليس العلم ما حُفِظ ، العلم ما نَفَع

أدب العالم والمعلم في نفسه
فينبغي عليه دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلن، قال الشافعي رحمه الله تعالى : (( ليس العلم ما حُفظ ، العلم ما نفع، كما ينبغي عليه السكينة والوقار والخشوع )).

قال عمر رضي الله عنه : (( تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار))

كما ينبغي عليه أن يصون العلم كما صانه علماء السلف رضوان الله عليهم.

و أن يحافظ على القيام بشعائر الإسلام ونوافل الطاعات كإقامة الصلاة في المساجد للجماعات، وإفشاء السلام للخواص والعوام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى، ومداومة الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

وأن يعامل الناس بمكارم ومحاسن الأخلاق، وأن يتطهَّر لمجلس الدرس من الحدث والنجس، وإن كان معلماً أن لا ينتصب للتدريس إذا لم يكن أهلاً له متمكناً فيه

قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : (( المتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور – أخرجه أبو داوود – ))

وأن يقصد بتعليم طلبته وده الله تعالى. وأن يرغبهم في طلب العلم وأن يبذل جهده في توصيله إليهم، وأن يوجههم إلى محاسن الأخلاق في آدابهم وهديهم وأخلاقهم، وأن يتواضع لهم.

وإن كان متعلماً:
ينبغي عليه أن يحسٍن نيته في طلب العلم بأن يقصد وجه الله تعالى والعمل به وإحياء الشريعة وتنوير قلبه به والقرب من الله تعالى يوم القيامة والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه وعظيم فضله، قال سفيان الثوري:

(( ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي )).

وأن يبادر شبابه وأوقات عمره، وأن ينظر إلى شيخه بعين الإجلال وأن يعرف له حقه ولا ينسى فضله قاله شعبة:
كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبداً ما يحيا. وأن يصبر على أي جفوةٍ تَصدُرُ من شيخه وأن يسلك معه حسن الخلق والأدب، كما ينبغي عليه أن يتحلى بمحاسن الآداب مع زملائه في الدرس وعموم الناس.

أمَا الآداب المتطلبة مع الكتاب:
ويراعى الأدب في وضع الكتب باعتبار علومها وشرفها ومصنفها وجلالتهم فيضع الأشراف أعلى الكل ثم يراعى التدريج فإن كان فيها المصحف الكريم جعله أعلى الكل، ثم كتب الحديث الصرف كصحيح مسلم ثم تفسير القرآن ثم تفسير الحديث ثم أصول الدين ثم أصول الفقه ثم الفقه ثم النحو والتصريف ثم أشعار العرب ثم العروض – فإن استوى كتابان في فن، أعلى أكثرهما قرآنا أو حديثا فإن استويا فبجلالة المصنف، فإن استويا، فاقدمهما كتابة وأكثرهما وقوعاً في أيدي العلماء والصالحين فإن استويا فأصحُهما.

إساءة الأدب بالكتب :
و لا يجعل الكتاب خزانة للكراريس أو غيرها ولا مخدة ولا مروحة ولا مكبساً ولا مسنداً ولا متكأً ولا مقتلة للبق وغيره ولا سيما في الورق فهو على الورق أشد.
ولا يطوى حاشية الورقة أو زاويتها و لا يُعلم بعود أو شيء جاف بل بورقة أو نحوها.
ونختم بما ختم به الشيخ محمد عوامة كتابه ( أدب الإختلاف ) قائلاً :
وأختم الكتابة بدعــاء كان يدعو به سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عقب صلاة الفجر: (( اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملا متقبلاً ))

وبدعوة كريمة، هي من مشكاة النبوة، كان يختم بها الإمام ابن شهاب الزهري مجلسه: (( اللهم إن أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة