الصفحة الرئيسية » بحوث » الدعاء بعد الصلاة المكتوبة سنة أم بدعة؟

الدعاء بعد الصلاة المكتوبة سنة أم بدعة؟

الدعاء بعد الصلاة المفروضة سنة أم بدعة؟

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

اللهم سـدّد وأعـن يا كريم، لا إله إلا أنت.
أما بعد

فقد كثر السؤال عن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة، أهو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ وهل يشرع فيه رفع اليدين؟

وهل تشرع فيه الجماعة؟

وهل يشرع الاستمرار عليه بعد كل صلاة؟

وهل لذلك دليل خاص؟

وإن لم يكن فهل تكفي العمومات والإطلاقات الثابتة في القرآن والسنة لإثبات المشروعية باستمرار؟
لقد بينت ذلك في القسم الأول من هذه الرسالة، وناقشت في القسم الثاني اعتراضات المخالفين ، والله ـ سبحانه ـ هو المسؤول أن يجعلنا جميعاً من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

كثرةُ الكلام في المسألة وَزَعْمُ بعضهم أنها بدعة

والدعاء بعد الصلوات المكتوبة مسألة تكلم فيها كثيرون، وزعم بعضهم أن هذا الدعاء بدعة ، وتأولوا الأحاديث الكثيرة التي جاء فيها ذكر الدعاء دبر الصلاة فقالوا : دبر الشيء آخره وهو منه وزعموا أن المراد بهذه الأدعية أن تكون قبل السلام بعد التشهد ، مع أنه ثبت في السنة استعمال لفظ الدبر في معنى ما بعد الصلاة كرواية مسلم (برقم 595) في التسبيح بعد الصلاة فإن في بعض المواضع ”تسبحون..دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين.. الحديث“.

مناقشة التأويل

وإذا كان الدبر مستعملاً في المعنيين حقيقة ـ على قاعدة من ينكر المجاز ـ فلا يجوز أن يقصروه على الأول منهما إلا أن يذكروا دليلاً يرجحه على المعنى الآخر أو أن يقرّوا بالمجاز ويعتبروا الدبر حقيقة في آخر أجزاء الشيء مجازاً فيما بعده ـ إذ الحقيقة لا تحتاج إلى مرجح ـ

ومع ذلك فلا ثمرة لتأويلهم سوى ترك الاحتجاج بالأحاديث التي تحتمل الوجهين على سنية الدعاء بعد المكتوبة، لكن الأدلة الأخرى تثبتها وتبطل هذا التأويل لأنها لا تقبل التأويل.

استدلال منكري الدعاء بعد صلاة الفريضة

القائلون بأنّ الدعاء بعد الصلاة المكتوبة ليس بسنة احتجوا بحديث مسلم (رقم592): عن عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام“.

ردّ استدلالهم :
وردّ كثير من العلماء هذا الاستدلال بأنّ هذا نفي لعلمها وليس نفياً للواقع، وقد روى الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من هذا عند مسلم نفسه وعند البخاري، وكل صحابي روى ما رأى وسمع ، فهي معذورة ـ إذا اقتصرت على رواية ما تعلمه ـ ولا يعذر من بلغته أحاديث الأصحاب الآخرين

الدليل على أن هذا الدعاء سنة :
وهذه التسبيحات المروية من طريق عائشة رضي الله عنها، رواها مسلم عن ثوبان رضي الله عنه (برقم 591) قبل حديث عائشة رضي الله عنها ، فزاد فيها الاستغفار، فقال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام“.

وهذا الحديث صريح بمنع النزاع في أن الدعاء بعد انتهاء الصلاة المكتوبة سنة ، لأن الاستغفار معناه طلب المغفرة ، والطلب من الله تعالى هو الدعاء ، سواء كان بلفظ الطلب ”اللهم اغفر لي“ أو كان بلفظ الخبر ”أستغفر الله“، ولا تحتاج المسألة لدليل آخر، فإنكارها بدعة مخالف صريح السنة، ولاسيما إذا كان الإنكار عاماً لكل دعاء كما يقول هؤلاء.

وقد فصل رواية الاستغفار أبو داود (برقم 1509) باب ما يقول الرجل إذا سلم : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال: ”اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت“.

وأخرجه ابن حبان عن علي رضي الله عنه وكرم وجهه أيضاً وعنوانه : ”ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا في عقيب الصلاة “ ولفظـه : ”

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: اللهم اغفر لي …“ إلى أخر الحديث المتقدم ، كما في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان برقم 2025))

ورواه مسلم أيضاً ضمن حديث طويل في كتاب صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (وترقيمه العام 771) عن علي رضي الله عنه وكرم وجهه أيضاً فذكره بروايتين:

الأولى (برقم 201) ضمن ترقيم كتاب صلاة المسافرين، فقـال: ثم يكون من آخـر ما يقـول بين التشهد والتسليم: ”اللهم اغفر لي.. “ إلى آخر الحديث

والرواية الثانية (برقم 202) وفيها: وقال: إذا سلّم قال: ”اللهم اغفر لي ما قدمت“ إلى آخر الحديث، ولم يقل بين التشهد والتسليم. انتهى كلام الإمام مسلم.

ولا يصح أن يقال : إن الروايتين متعارضتان ، تحتاجان إلى دليل يرجح إحداهما ، لأن التعارض المضر هو الذي لا يمكن معه العمل بالروايتين جميعاً ، والعمل هنا ممكن على تقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك حيناً قبل السلام وحيناً بعده ، أو يقوله فيهما .

استدلال آخر :
ويقرب من الاستغفار في هذه المسألة الاستعاذة ، لأن معناها طلب الإعاذة أي الحماية ، والطلب من الله تعالى هو الدعاء ، وقد روى أبو داود (برقم1523) والترمذي (برقم 2903) والنسـائـي (برقم1334) ، وهـو عنـد ابن خزيمة (برقم 755) عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال:

”أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة“ وابن خزيمة شرَط في كتابه الصحة كما هو معلوم، فهذا قرآن مشتمل على دعاء وهو أفضل الدعاء .

مذهب البخاري في المسألة

وقد بوب لهذه المسألة الإمام البخاري في كتاب الدعوات فقال : [ باب الدعاء بعد الصلاة ]

وذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5970) ” تسبحون دبر كل صلاة عشراً وتحمدون عشراً وتكبرون عشراً“

وذكر حديث معاوية رضي الله عنه برقم (808) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلّم ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد“ ، ولفظ الدبر في حديث التسبيح لا يحتمل إلا معنى ”بعد“ .

وجه استدلال البخاري:
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ([1]):

ومناسبة هذه الترجمة ( أي العنوان الذي وضعه البخاري لهذا الباب ) أن الذاكر يحصل له ما يحصل للداعي إذا شغله الذكر عن الطلـب كمـا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما رفعه: ”يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين“ أخرجه الطبراني بسندٍ لين. انتهى كلام ابن حجر .

زيادة مهمة في الاستدلال لعمل البخاري :
وفيه مناسبة أقوى وهي أن الدعاء ذكر، أي هو نوع منه، فحيث كان الذكر مشروعاً فكل أنواعه مشروعة، والدعاء منها، كما في حديث مجالس الذكر الآتي([2]) ، رواه البخاري برقم (6045) وفيه:

”يسألونك الجنة“ وهو دعاء صريح، وفيه مناسبة أخرى هي أن الذكر ـ وإن لم يكن دعاءً صريحاً ـ فيه سؤال وطلب بطريق التعريض لاسيما قوله صلى الله عليه وسلم:”لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت“ فإن المراد به لا نرجو غيرك ولكن نرجوك فأعطنا ، وهذا كقوله تعالى: ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر) [الأنبياء 83 ـ 84]

فقوله سبحانه ( استجبنا له) يعني أنه قد دعا . وهو لم يدع صريحاً إنما ذكر مسّ الضر له، وأثنى على الله تعالى بأنه أرحم الراحمين، وذلك يتضمن معنى ارحمني واكشف ضري

ومثله قوله تعالى: ( ونادي نوح ربه قال ربي إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحـاكمين، قـال يا نوح إنه ليس من أهلك إنـه عمل غير صـالح فلا تسألن مــــا ليس لك بـه علم) [هود 45 ـ 46] ، وهو لم يسأله صراحة .

وروى الحاكم ([3]) حديث: ”أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله“ وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكرار الحمد بعد الصلاة ثلاثاً وثلاثين، وهذا صريح في مشروعية الدعاء بعد الصلاة المكتوبة.

وهذا أمر معلوم في كل الأعراف، حتى إنك ترى المتسولين يكتفون بالثناء على من يسألونه الصدقة، بل إن العرب ذكرت ذلك في الشعر. فقد سئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير“، فقيل له : هذا ثناء وليس بدعاء ، فقال : أما سمعت قول الشاعر :

أأذكر حاجتي أم قـد كفـاني

حياؤك إنّ شيمتـك الحياء

إذا أثنى عليـك المـرء يومـاً

كفـاه مـن تعـرضـه الثناء

ذكر ذلك بهاء الدين بن قدامة ([4]) .

والأذكار التي رواها الإمام البخاري فيها الثناء على الله وهو يدل على إظهار الافتقار إلى الله سبحانه طلباً لفضله، إذ إن المسلم يقول الأذكار رجاء المغفرة والثواب الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ”غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر“ ونحو ذلك .

دليل آخر :
ويؤكد صحة ما فعله البخاري وصحة ما قاله ابن حجر: أن كل من صنف في الأذكار ذكر فيها أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن الدعاء ذكر ، فحيث كان الذكر مشروعاً فالدعاء مشروع لأنه جزء منه.

رفع الصوت بالذكر والدعاء بعد صلاة الفريضة

وكما دل حديث الذكر بعد الصلاة على مشروعية الدعاء بعدها يدل أيضاً على جواز رفع الصوت بالدعاء، لأن الدعاء ذكر، وقد روى البخاري برقم (805) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشافعي في الأم (2/288): ”وهذا من المباح للإمام، وغير المأموم، قال: وأي إمام ذكر الله بما وصفت جهراً أو سراً أو بغيره فحسن“ والعبادة لا تكون إلا مستحبة أو مفروضة، لا إباحة فيها، ولكن أراد أنه لا مانع منه، ثم وصف ذلك بأنه حسن، ثم قال: ”وأختار للإمام وغير المأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر، إلا أن يكون إماماً يجب أن يتعلم منه، فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه، ثم يسر“، يعني أن هذا أفضل، وإن كان الجهر فاضلاً .

فالمهم أنه ليس بدعة، والمفضول لا يخرج عن كونه سنة، ثم قال في (2/289): ”وأستحب للمصلي منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة“.

أحاديث أخرى في الدعاء بعد الصلاة

وقد ذكر ابن حجر ([5]) أحاديث أخرى صريحة منها حديث صهيب رضي الله عنه رفعه : ”كان يقول إذا انصرف من الصلاة اللهم أصلح لي ديني ..“ أخرجه النسائي وصححه ابن حبان . انتهى كلام ابن حجر .

وتمام الدعاء عند ابن حبان في كتاب الإحسان (برقم 2026)([6]): ”اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي ، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد“.

وروى الطبراني في معجميه الصغير والأوسط ([7]) عن أبي أيوب رضي الله عنه قال : ما صليت خلف نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول حين ينصرف:”اللهم اغفر خطاياي وذنوبي كلها، اللهم وانعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت“. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ([8]) : إسناده جيد.

ورواه الطبراني([9]) في الكبير عن أبي أمامة .

ولما رأى العلماء تنوع الأدعية النبوية بعد الصلاة استدلوا بذلك على أنه يجوز أي دعاء كان، ولا يمنع إلا دعاء ثبت النهي عنه في شرع الله تعالى

واستدلوا أيضاً بإطلاق قول الله تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )[غافر/60]، وبعموم قوله تعالى: ( إن ربي لسميع الدعاء) [إبراهيم/39].
وقد ذكر أهل العلم أحاديث أخرى وفيما مضى كفاية إن شاء الله تعالى .

مناقشة منهج المخالفين في الاستدلال

ثم إن هذا الذي تقدم من الاستدلال كله مراد منه إثبات أن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة سنة ليس من البدعة في شيء ، وإن افترضنا أن ما قاله منكروه مسلَّم لهم وهو أنه لا تثبت سنية الدعاء بعد المكتوبة إلا أن يرد دليل يخصها من عمل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يستدلون دائماً على تبديع عمل ما بقولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وكأن الحجة في الدين لا يكفي أن تكون من قوله وحده أو من إقراره وحده أو من الآيات القرآنية وحدها

وهذا لا شك في أنه غير صحيح، فقد اتفق الأئمة على أن كل واحد منها حجة يكفي وحده في الاستدلال، وهذا أوضح ما يرى في الإقرار، فإنه حجة لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر فيه ولا لأنه تكلم فيه بشيء بل لأنه رآه فسكت عليه لا أكثر .

فهل يقال لمن يعمل عملاً يستند إلى إقـراره صلى الله عليه وسلم: إنـه بدعـة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟

أو يقال: لو كان خيراً لسبقنا إليه ؟!

بل هناك أعمال أمر بها ولم يثبت قط أنه فعلها كحديث الصحيحين، ورقمه عند البخاري (1112): ”صلوا قبل المغرب ركعتين“

فهل يقال: كيف يأمر به ويتركه؟!

وعلى هذا فإذا وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئاً من أمور العبادات بحثنا لهذا الشيء عن دليل آخر من الشرع غير فعله صلى الله عليه وسلم، سواء كان آية أو قولاً من النبي صلى الله عليه وسلم أو إقراراً أو أي دليل شرعي ، فإذا لم نجد قلنا حينئذ إنه بدعة .

قال ابن تيمية في الفتاوى (21/314): ”

عدم الفعل إنما هو دليل واحد من الأدلة الشرعية، وهو أضعف من القول باتفاق العلماء، وسائر الأدلة من أقواله ـ كأمره ونهيه وإذنه ـ ومن قول الله تعالى هي أقوى وأكبر… فنفي الحكم بالاستحباب لانتفاء دليل معين من غير تأمل باقي الأدلة خطأ عظيم“.

وإذا كانت الأدلة القولية كافية لا تحتاج إلى ثبوت عمله صلى الله عليه وسلم، فأولى من ذلك ألا تحتاج إلى عمل غيره، فلا يقال عما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم لا نعمل به؛ لأنه لم يثبت عمل السلف به، وذلك لأن عدم الورود كالسكوت، فلا يقدم على القول

وعدم ورود العمل عنهم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم هو المسمى بالاستصحاب، قال عنه ابن تيمية في الفتاوى (23/15):

”التمسك بمجرد استصحاب حال العدم أضعف الأدلة مطلقاً، وأدنى دليل يرجح عليه… ولا يجوز الإخبار بانتفاء الأشياء وعدم وجودها بمجرد هذا الاستصحاب من غير استدلال بما يقتضي عدمها، ومن فعل ذلك كان كاذباً، متكلماً بغير علم… فعدم علمه ليس علماً بالعدم… وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب النفي“.

الاكتفاء بالأدلة العامة عند عدم وجود الخاصة

ويكفي في الدليل أن يكون عاماً يشمل بعمومه العمل الذي نبحث عن حكمه أو يكون مطلقاً ينطبق عليه، ولا يشترط أن يكون ذلك العمل مذكوراً بخصوصه في ذلك الدليل كما أن حديث ”كل بدعة ضلالة“ يشمل كل أمر مخترع بلا دليل شرعي، وليس ضرورياً أن يذكره النبي صلى الله عليه وسلم باسمه الخاص به .

فالبدعة لا تكون إلا عند عدم الدليل الخاص والعام، ومن ادعى في أي فرد من أفراد العموم أنه بدعة كان قوله رداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل إن هذا الادعاء يجعل الأدلة العامة كلها بلا فائدة، إذ يمكن أن يدعى ذلك في كل فرد من أفراد العموم، فيكون العموم غير صالح للاستدلال! مع أن أكثر المسائل أدلتها عامة، وفي فتاوى ابن تيمية (13/122): ”فما أوجبه الله تعالى في كتابه كالوضوء والصلاة والحج وغيرها هي نصوص عامة… وهي راجحة ومقدمة على البراءة الأصلية النافية للوجوب والتحريم“

والبراءة الأصلية تكون عند عدم الأدلة، فيقال في العبادة: لا دليل لها فهي غير مشروعة، وفي المعاملة: لا دليل على المنع فهي مباحة.

وكذلك قـول الله تعالـى: (وافعلوا الخير ) [الحج/77] هـو دليل على مشروعية كل عمل فيه خير للعباد إذا لم يصادم دليلاً شرعياً .

وعلى هذا اعتمد سيدنا عمر رضي الله عنه حين عرض على أبي بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم، حيث قال أبو بكر رضي الله عنه فيما رواه البخاري (برقم 4701) كتاب فضائل القـرآن: كيـف تفعـل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال عمر: ”هو والله خير“.

وعليه أيضاً اعتمد أبو بكر رضي الله عنه حين قال له زيد بن ثابت رضي الله عنه ”كيف تفعلون شيئـاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ “

قال أبو بكـر: ”هو والله خير“ .

وبناءً على هذا فلا يحتاج كل فرد من أعمال الخير إلى دليل يخصه إنما يكفي ألا يصادم دليلاً شرعياً .

وكذلك الدعاء جاء الأمر به مطلقاً دون قيود في الزمان أو المكـان أو الاجتماع أو الافتراق أو رفع اليدين أو المطلوب به (ادعوا ربكم) [الأعراف/55]

فلا يقال في شيء من ذلك إنه بدعة إلا بدليل يستثنيه كالاقتصار على الدعاء بأمر الدنيا دائماً مع ترك دعاء الآخرة ، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله : (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ) [البقرة/200]

فما دام الأمر مطلقاً فلا يجوز لأحد أن يقيده إلا بدليل يستثني تلك المسألة بخصوصها أو يعمها مع أمثالها.
وكذا أوقات الدعاء،حثّ الله تعالى على الدعاء ووعد بالإجابة في عموم الأوقات بقوله سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فقد جاء الوعد بالإجـابة وجعل الدعــاء فـي سياق الشرط (أجيب دعوة الداع إذا دعان)

والشرط من صيغ العموم كما هو معلوم في أصغر كتب الأصول أو اللغة ، وهذا ظرف زماني يتناول كل وقت حصل فيه الدعاء كما لو قال سبحانه:أجيب دعوة الداعي في جميع الأوقات ، فلا يصح بناءاً عليه أن يمنع الدعاء في وقت ما إلا بدليل يستثنيه من هذا العموم

والدعاء بعد السلام من الفريضة وغيرها واحد من أفراد العموم المذكور في الآية التي تحث على الدعاء ، فأقل درجاته الندب ، فإذا انضم إلى العموم الدليل الخاص ، أي فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره في حديث ثوبان ، وحديث علي رضي الله عنهما ، والأحاديث الأخرى كان في ذلك الكفاية وما فوق الكفاية في الاستدلال على أن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة وغيرها سنة نبوية ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا العمل بها وبسائر السنن.

رفع اليدين في هذا الدعاء والدعاء الجماعي

ويتعلق بمسألة الدعاء بعد الصلوات المكتوبة مسألتان يثيرهما المنكرون لهذا الدعاء وهما : رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة ، والدعاء جماعة بحيث يدعو الإمام ويؤمن الباقون ، والمسألتان لا تحتاجان إلى دليل خاص لدخولهما في العموم الذي ذكره الله تعالــى : (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)

لأن لفظ (الداع) معرَّف بالألف واللام ، فيكون من صيغ العموم أي يشمل من رفع يديه ومن لم يرفع ، ومن كان في جماعة ومن لم يكن فيها .

وكذا قوله تعالى : (إن ربي لسميع الدعاء) [إبراهيم/39]

شامل كل ذلك، غير أن لكل منهما دليلاً أقرب إلى الخصوص مما سبق، وإن كان العموم كـافيـاً.

الأدلة على سنية رفع اليدين في الدعاء

أما مسألة رفع اليدين فقد روى مسلم (برقم 2071) عن أنس رضي الله عنه قال: ”رأيـت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء“ ولفظ الدعاء عام يشمل كل دعاء في أي وقت

ورواه أحمد عن أنس رضي الله عنه أيضاً (برقم 13120) ولفظه ”كان رسول الله يرفـع يديـه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيـه“

ورواه عن أبي هريرة رضي الله عنه (برقم 8815) زاد فيه عن المعتمر وقال أبي: ”لا أظنه إلا في الاستسقاء“ .

وتخصيص الرفع بالاستسقاء رواه مسلم عن أنس (برقم 2074) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ”كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء”.

الرد على من توهم أن رفع اليدين خاص بصلاة الاستسقاء

قال ابن حجر في فتح الباري (14/221):

”المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع… الرفع في الاستسقاء يخالف غيره، إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان حذو المنكبين… وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض، وفي الدعاء يليان السماء، قال المنذري: وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح، قلت: ولاسيما مع كثرة الأحاديث“ انتهى كلام ابن حجر

ومعنى قوله: أن الكفين يليان الأرض أن بطونهما إلى الأرض كما صرح في (3/615) فقال: (وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه مسلم… ”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء…“ ولأبي داود: ”جعل بطونهما مما يلي الأرض“).

قال النووي: ” السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء“([10]).

قال النووي: ”بل لقد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن كثيرة، وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثاً من الصحيحين أو أحدهما ذكرتها أواخر صفة الصلاة من شرح المهذب“ ([11]).

قلت : قد عنى الإمام النووي : أن ثبوت رفع اليدين في هذه المواطن الكثيرة ينفي تخصيصه بالاستسقاء أو غيره ويقتضي أن تحمل عليه كل الروايات الساكتة عنه ، لأنه الأكثر ثم إذا ثبت الحث عليه في حديث قولي عام كان هو القاعدة وكان إخراج أي حالة منه بلا دليل يخصها مخالفة للسنة لا العكس .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها“ رواه أبو داود([12]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً“ رواه أبو داود ([13]) .

وقد رواه الطبراني في معجمه الكبير([14]) مرفوعاً أيضاً ـ ولفظه: ”ما رفع قوم أكفهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئاً إلا كان حقاً على الله أن يضع في أيديهم الذي سألوا“ .
قال في مجمع الزوائد (10/169) : رجاله رجال الصحيح .

وهذا الحديث بروايتيه صريح في الحثّ على عموم رفع اليدين في الدعاء، وهو موافق لحديث أنس رضي الله عنه السابق: ”رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء“، ورواية سلمان رضي الله عنه الأخيرة فيها تأكيد الشمول لكل واحدة من الجماعات بأسلوب القصر ـ أي بالنفـي والاستثناء ـ .
ومن لم يرض بهذا العموم الصريح دليلاً، وزعم أنه يريد ثبوت عمل النبي صلى الله عليه وسلم في كل حالة بخصوصها فليقل لنا عمن أخذ هذه القاعدة من السلف أو غيرهم .

وبناء على قاعدته يقال لـه : إن حديث ”كل بدعة ضلالـة“ عـام لا يعمل به فـي أي حالة معينة من مشمولاته حتى يجيء فيها دليل يخصها، فلا يكون رفع اليدين بعد الصلاة المفروضة بدعة، لأنه لم يرد في ذلك دليل يخصه بأنه بدعة غير مشروع.

أهذا كلام مقبول ؟!

أدلة الاجتماع على الدعاء

أما اجتماع الناس على الدعاء فهو داخل في الإطلاق الذي قال الله تعالى : (وقال ربكم ادعوني ) والخطاب للجماعة، فهو وإن كان ينطبق على الأفراد إلا أن صورته للجماعة، فتكون هي الأصل ولا يكون الانفراد هو الأصل، حتى يقال : إن الجماعة تحتاج إلى دليل، فالدعاء الجماعي مشروع ، سواء كانوا يدعون معاً ، أو يدعو بعضهم ويؤمّن بعضهم ؛ لأن كل ذلك جماعي .

ثم إن العمومات فيه كثيرة، كقوله تعالى: (أجيب دعوة الداع ) ، والداعي : معرّف بالألف واللام فهو للعموم، وكذا قوله سبحانه : (إن ربي لسميع الدعاء ) يشمل كل دعاء جماعي أو فردي

فمن استثنى شيئاً بدون نهي خاص فقد خالف كتاب الله، ومن قال : لا نعمل به حتى يُنقل إلينا عمل النبي صلى الله عليه وسلم به، فقد زعم أن القرآن لا يكون وحده حجة شرعية، إلا إن يؤيده عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يؤيده كان بدعة.

ويتأيد ذلك العمـوم بما هو أخص كحديث ”ما رفع قوم أكفهم إلى الله ..“ وقد سبق قريباً ، وبحديث مجالس الذكر؛ لأن الدعاء ذِكر كما سبق البرهان عليه، وهو مذكور صراحة في حديث الصحيحين كما في اللؤلؤ والمرجان (برقم 1722)، وهو عند البخاري في كتاب الدعوات برقم (6045) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ”إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم ، قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، قال : فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم منهم ـ : ما يقول عبادي ؟

قالوا :.. يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك.. يقول: فما يسألوني ؟

قالوا : يسألونك الجنة .. قال : فمم يتعوذون ؟، قالوا : يتعوذون من النار.. ، قال : فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم . قال : فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم“ .

وفي الحديث فوائد منها :

التصريح بأن الدعاء من الذكر، لأنه سماها مجالس الذكر وذكر الدعاء منها، ومنها أنهم جماعة لقولـه تعالـى : ”هم الجلساء“ وهو جمع جليس لا جمع جالس ، والجليس هو الذي يشارك غيره في الجلوس كما في الحديث ”أنا جليس من ذكرني“([15]) ، ولقول الملائكة: ”فيهم فلان“ بضمير الجمع، ودعاء الجلساء عام يشمل دعاءهم معاً ، والتأمين على دعاء الإمام، ودعاء كل لنفسه.

والمتأمل في الحديث يرى التسبيحات واحدة، والدعوات واحدة ، وهذا إنما يكون في الدعاء إذا كانوا جماعة وكانوا يدعون معاً أو يدعو بعض ويؤمن بعض ، وإلا فكيف اتفقوا ؟ .

ومع ذلك الاستدلال فإن للمسألة دليلاً أقرب إلى الصراحة وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : ” قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا“

رواه الترمذي وقال : حسن غريب ([16]) .
ومعلوم أن كلمة المجلس لفظة عامة، فيكون الاجتماع على الدعاء سنة نبوية في كل مجلس، والجلوس بعد الصلاة منها.

وقد روى الطبراني في الكبير (3536) حديثاً خاصاً بفضيلة الاجتماع على الدعاء وهو في المستدرك للحاكم (3/347) وسكت عليه الذهبي: عن حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمّن سائرهم إلا أجابهم الله“([17]) .

وهذا القول يشمل الاجتماع على الدعاء بعد الصلاة لأن الاجتماع والملأ كلاهما جاء في سياق النفي فيعم كل اجتماع وكل ملأ، وهو قول يشمل الترغيب في الاجتماع على الدعاء بعد الصلاة المفروضة ، وقوله صلى الله عليه وسلم حجة لا يتوقف العمل به على كونه فعله أو لم يفعله ، فأي دليل يطلب المنصف فوق ذلك كله.

أما إنكار الدعاء الجماعي بعد الصلاة المفروضة، أو رفع اليدين فيه أو الاجتماع عليه، والاحتجاج بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، فمعناه : أن كل دليل شرعي ـ سواء كان من قول الله تعالى ، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وإقراره ـ لا يُعمـل بـه حتـى يثبـت عمـل النبي صلى الله عليه وسلم بـه ، فليخبرنـا المنكـر مـن أيـن أتـى بهذه القاعدة من كلام المحدثين أو كلام السلف أو غيرهم؟

ولو افترضنا جدلاً تسليم الاحتجـاج بتـرك النبي صلى الله عليه وسلم فتركه مع وجود الأحاديث التي تحث عليه لا يدل على أن هذا الدعاء بدعة، إنما يدل مع وجود الأدلة الأخرى على أنه سنة وفضيلة، لا يجوز الإنكار على فاعله حتى لو كان الانفراد أفضل، فأين هذا من البدعة؟!

موقف الشاطبي من الدعاء بعد المكتوبة

توضيح ومناقشة:
وقد أكثر المنكرون للدعاء بعد الصلاة المفروضة من الاحتجاج بإنكار الشاطبي له، وهذا مردود عليهم؛ لأن إنكاره يختلف عن إنكارهم اختلافاً جذرياً، كما يظهر من قوله في الاعتصام ص(258):

”إن العلماء يقولون في مثل الدعاء والذكر الوارد على إثر الصلاة: إنه مستحب لا سنة ولا واجب“ أما هؤلاء المنكرون فيجعلونه بدعة ضلالة.

فبين قوله وقولهم فرق كبير، كالذي بين الهدى الذي يستحبه شرع الله والضلال الذي يبغضه.
لكن الشاطبي كان يرد على بعض علماء عصره، ممن استنكروا ترك الدعاء بعد المكتوبة، حتى جعلوا تاركه خارجاً عن جماعة المسلمين

ونقل في الاعتصام ص (246) عن أحدهم ـ في كائنة وقعت وهي: إمام مسجد ترك الدعاء بعد الصلاة للناس جماعة ـ أنه أنكر على ذلك الإمام، وقال: ”وقد اجتمع أئمة الإسلام في مساجد الجماعات في هذه الأعصار في جميع الأقطار على الدعاء أدبار الصلاة، فيشبه أن يدخل مدخل حجة إجماعية عصرية“.

فانتقده الشاطبي قائلاً: ”فإن أراد الدعاء على هيئة الاجتماع دائماً لا يترك، كما يفعل بالسنن ـ وهي مسألتنا ـ فقد تقدم ما فيه“ ثم نفى أن يكون في الشريعة دليل على ذلك فقال: ”لا دليل فيها على اتخاذ الدعاء جهراً للحاضرين في أدبار الصلوات دائماً على حد ما تقدم، بحيث يعد الخارج عنه خارجاً عن جماعة أهل الإسلام“ ولما كان موضع استنكاره هو المواظبة على هذا الدعاء جماعة استدل بقول العلماء: ”إنه مستحب“على أمرين:

أحدهما: أن هذه الأدعية لم تكن منه صلى الله عليه وسلم على الدوام.

الثانية: أنه لم يكن يجهر بها دائماً، ولا يظهرها في غير مواطن التعليم.

فالشاطبي لا ينكر الدعاء بعد المكتوبة ولا الجهر فيه ولا الجماعة، ولكنه يستنكر المواظبة على مجموع ذلك، والمواظبة على الجهر أو الجماعة، وقد أوضح ذلك حين استدل بقاعدة سد الذرائع على النهي عن أمثال هذه المواظبة، فقال ص (253)

” قد يكون أصل العمل مشروعاً، ولكنه يصير جارياً مجرى البدعة من باب سد الذرائع… وبيانه: أن العمل قد يكون مندوباً إليه مثلاً، فيعمل به العامل على وضعه الأول من الندبية فلو اقتصر على هذا المقدار لم يكن به بأس، ويجري مجراه إذا دام عليه غير مظهر له دائماً، بل إذا أظهره لم يظهره على حكم الملتزمات والسنن الرواتب والفرائض اللوازم، فهذا صحيح لا إشكال فيه“.

ولما كان العمل بقاعدة سد الذرائع مما اختلف فيه الأئمة بين الشاطبي أنه يمكن أن يخالفه غيره في هذا النوع من المسائل، فقال ص (294):

”إن ذهب مجتهد إلى عدم سد الذريعة في غير محل النص ـ مما يتضمنه هذا الباب ـ فلا شك أن العمل الواقع عنده مشروع، ويكون لصاحبه أجره، ومن ذهب إلى سدها ـ ويظهر ذلك من كثير من السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم ـ فلا شك أن ذلك العمل ممنوع، ومنعه يقتضي أنه ملوم عليه وموجب للذم“.

لا تبديع في مسائل الاجتهاد

وبذلك تكون هذه المسائل اجتهادية، ولا يحق لمجتهد أن يجعل اجتهاده حجة تبطل اجتهاد غيره، إنما يكون اجتهاده معبراً عن فهمه للأدلة، وقد يكون غيره أحق بالصواب منه، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حملة الحديث منهم من لا يفقه فيه أصلاً، ومنهم من يفقه، ولكن غيره أفقه منه، فقال صلى الله عليه وسلم: ”نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه“([18]) .

وهذا التفاضل درجاته كثيرة، وإن كان كل منهم مأجوراً، المصيب له أجر العزيمة، والمخطئ له أجر الرخصة، وليس أحد منهم مبتدعاً ضالاً، لأن الله لا يأجر على البدعة الضلالة، ومن زعم أن المخطئ في اجتهاده مبتدع ضال، فقد رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشعل الفتنة ببن المسلمين، ومن قال ذلك من العلماء السابقين، فإنما يعني أنه بدعة حسب اجتهاده هو .

وقد عاش الصحابة إخوة متحابين رغم الخلاف الاجتهادي الكثير بينهم، لكن مشكلة هؤلاء المنكرين هي أنهم يجعلون فهمهم أو فهم أئمتهم هو السنة نفسها، وفهم الأئمة الآخرين رأياً، فكل من خالفهم فهو صاحب رأي مخالف للسنة !!

وهذه دعوى لا يعجز عنها أحد من المدعين، ولو أنصفوا لقالوا: كلاهما فهم يخطئ ويصيب.

بعض المخالفين للشاطبي في هذا الدعاء

والشاطبي حين استنكر المواظبة على الجهر والجماعة في الدعاء بعد المكتوبة لم يكن يمثل إلا فئة من العلماء، ولا يمثل الجميع، بل لا يمثل جميع أهل مذهبه، وهم المالكية، إذ كان كثير منهم يعده مشروعاً كالشيخ الذي ذكره الشاطبى ويبدو أنه شيخه فرج بن قاسم ابن لب الغرناطي

فقد جاء في كتاب (المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب، تأليف: المنجور أحمد بن علي) ص (696): أن الكائنة بلغته (فأنكر ترك الدعاء إنكاراً شديداً) ثم ذكر بعض أئمة المالكية القائلين بمشروعية الدعاء

ثم قال ص (699): (سأل أهل ”سلا“ الإمام أبا عبد الله بن عرفة عن إمام الصلاة، إذا فرغ منها هل يدعو ويؤمن المأمومون؟… فأجاب: مضى عمل من يقتدي بهم في العلم والدين من الأئمة على الدعاء بأثر الذكر الوارد بأثر تمام الفريضة، وما سمعت من ينكره إلا جاهلاً غير مقتدى به… وأجاب كبير تلامذته وقاضي الجماعة… الغبريني: الصواب جواز الدعاء على الهيئة المعهودة، إذا لم يعتقد كونه من سنن الصلاة، أو فضائلها، أو واجباتها على الهيئة المعهودة، وكذلك الأذكار بعدها على الهيئة المعهودة بلسان واحد).

وقال الأبي ـ في شرح مسلم ـ (2/516):

(ذكر عبد الحق إثر هذه الأحاديث أماكن قبول الدعاء، وأن منها الدعاء إثر الصلاة، وذلك يدل على عدم كراهته إثر الصلاة، كفعل الأئمة والناس اليوم، وكان الشيخ الصالح أبو الحسن المنتصر ـ رحمه الله ـ يدعو إثر الصلوات، وذكر بعضهم: أن في كراهته خلافاً، وأنكره الشيخ، وقال: لا أعرف فيه كراهة، وذكرها القرافي عن مالك في آخر ورقة من القواعد، وعللها بما يقع في نفس الإمام من التعاظم).

وهذا التعليل يعني أنه لا يكره لكونه على هيئة غير مروية، بل لما يقع في نفس الإمام من التكبر، فإذا انتفى ذلك لم يكن مكروهاً، ويدل على ذلك أن مالكاً ـ رحمه الله ـ لم ينصَّ على كراهة الدعاء، إنما كره للإمام أن يمكث في مصلاه، وخص كراهة المكث في المصلى ـ بعد انتهاء الصلاة ـ بإمام الجماعة، حيث قال ـ في المدونة ـ (1/144):

(في إمام مسجد الجماعة، أو مسجد من مساجد القبائل ـ قال: إذا سلم فليقم، ولا يقعد في الصلوات كلها، قال: وأما إذا كان إماماً في السفر أو في فنائه، ليس بإمام جماعة، فإذا سلم، فإن شاء تنحى، وإن شاء أقام)

ولو كان مكروهاً لعدم ثبوته في الشرع لكان مكروهاً في كل حال للإمام وغيره.

وكلام الشافعي في الأم (2/289) صريح في رفع الحرج عن التطويل مطلقاً من إمام الجماعة وإمام السفر وغيرهما، حيث قال:

”وأستحب أن يذكر الإمام الله شيئاً في مجلسه قدر ما يتقدم من انصرف من النساء قليلاً، كما قالت أم سلمة رضي الله عنها، ثم يقوم، وإن قام قبل ذلك، أو جلس أطول من ذلك فلا شيء عليه“،

وحديث أم سلمة هو قولها ـ الذي ذكره الشافعي قبل ذلك قليلاً ـ ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء ـ حين يقضي تسليمه ـ ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيراً“، قال ابن شهاب : ”فنرى مكثه ذلك ـ والله أعلم ـ لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم“.

أقول: وقد رواه البخاري برقم (812) وفيه قالت: ”كان يسلم فينصرف النساء، فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم “
أقول: وهذا مقدار من الوقت يتسع ذكراً غير قليل، والله أعلم.

ووجود العلماء الذين يفتون بغير ما يقوله الشاطبي، ويرجحون غير ما اختاره الشاطبي كاف في الدلالة على أن المسألة اجتهادية، ولا تبديع في الاجتهادات، وإلا لم يخل إمام من الاتهام بالبدعة حتى الصحابة، وإذا كان لابد من مناقشة الأدلة فغير الشاطبي من العلماء قولهم أرجح دليلاً كما يظهر فيما يلي.

مناقشة أدلة الشاطبي وموافقيه

والشاطبي حين أنكر الدعاء بعد الصلاة المكتوبة بهيئة الاجتماع دائماً جعله من البدعة الإضافية، وقد عرفها في الاعتصام ص (210) بأنها: ”التي لها شائبتان:

إحداهما لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من تلك الجهة بدعة، والأخرى ليس لها متعلق إلا ما للبدعة الحقيقية“

ثم قال:”الفرق بينهما من جهة المعنى أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها، مع أنها تحتاج إليه؛ لأن الغالب وقوعها في التعبديات“.

وهذا النوع من الأعمال موضع خلاف بين العلماء، بيَّنه ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام ص (1/173) فقال : ”وقد تباين الناس في هذا الباب تبايناً شديداً… والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه، وهو إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات، أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص. ومَيْل المالكية إلى هذا الثاني، وقد ورد عن السلف ما يؤيده“.

ثم ذكر إنكار ابن عمر رضي الله عنهما صلاة الضحى ودعاء القنوت، وإنكار عبد الله بن مغفل الجهر بالبسملة، وإنكار ابن مسعود رضي الله عنه مجلس الذكر الجماعي الذي فيه العد بالحصى.

وإذا كانت القاعدة ـ التي أقام عليها الشاطبي إنكاره ـ محل اختلاف بين الأئمة، فلا يكون أحد الفريقين حجة على الآخر تبطل اجتهاده وتجعله مبتدعاً، فالجميع مأجور، والله تعالى لا يأجر على البدعة، كما تقدم.

ملاحظة على منهج الشاطبي

والغريب أن الشاطبي ومن يذهب معه هذا المذهب يحتجون بما ورد عن السلف مما يؤيد قولهم، ويتركون القول الآخر وما يؤيده مما ورد عن السلف مع كونه معضداً بالسنة النبوية، فإنكار ابن عمر رضي الله عنهما صلاة الضحى معارض بما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين([19])

ومسألة دعاء القنوت موضع خلاف بين السلف أنفسهم، إذ إن إنكار ابن عمر يكون على ناس من السلف في عصره، إما صحابة وإما تابعين، والإمامان مالك والشافعي ـ وهما من السلف ـ يقولان بمشروعيته في صلاة الصبح، وأبو حنيفة ـ وهو من السلف ـ يقول بمشروعيته في الوتر

وما كان السلف مختلفين فيه لا يصح أن يقال عن أحد القولين فيه إنه مذهب السلف، وعن الآخر بدعة، فمذهب السلف هو ما أجمع عليه السلف، وما اختلفوا فيه فقد جاءت السنة بأن الفريقين مأجوران ، فلا يكون أحدهما بدعة، لأن الله لا يأجر على البدعة، ومن زعم أنه بدعة فقد جعل صاحبه من أهل النار، وهذا عناد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أما الحكم على أحد قولين لهم بأنه مذهب السلف، فهو إخراج لأصحاب القول الثاني من بين السلف تحكماً وتعصباً من زاعمي ذلك لمذهبهم لا للسلف، والحق أن الجميع من السلف ، ومن تبع أياً منهم فهو سلفي .

وكذلك مسألة الجهر بالبسملة هي موضع اختلاف بين أئمة السلف، وأما إنكار ابن مسعود على المجتمعين للذكر وعده بالحصى، فإن كان إنكاراً على الاجتماع فهو معارض بحديث الصحيحين: ”إن لله ملائكة سيارة فضلاً يتبعون مجالس الذكر“([20]) .

وإن كان إنكاراً على عد الأذكار كما صرحت به الرواية في قوله: ”عدوا سيئاتكم، وأنا ضامن أن لا يضيع شيء من حسناتكم“([21]) فهو معارض بكثير من الأحاديث، التي أمر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذكار

وجاء في كثير منها ”أنه صلى الله عليه وسلم كان يعد“ والعد بواسطة الحصى أو النوى([22]) ثبت فيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يكون قول بعض السلف حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم يكون هو حجة عليهم؟!

وقد حشد الشاطبي في الاعتصام ص (259) أقوال السلف في إنكار قعود الإمام في مصلاه بعد الفريضة ليحتج بها على أنه ليس من فعل السلف الدعاء بعد الفريضة، وذكر الحديث الذي فيه: ”أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يمكث في مصلاه إلا يسيراً“ وترك ما ثبت من قعود النبي صلى الله عليه وسلم في مصلاه ”بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس“ كما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (1523)

وترك ما ثبت من حثه صلى الله عليه وسلم على جلوس المصلي في مكانه بعد الصلاة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ”وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، وتصلي عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه“ كما رواه البخاري، في كتاب المساجد برقم (465).

وكذلك ترك الشاطبي كل الأحاديث التي تروي من الأذكار ما يطول وقته كالمائة تسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتهليلاً، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين ونحو ذلك .
وأحكام الله لا تؤخذ من بعض الأدلة دون بعض، وإذا ترك السلف أمراً ما ـ مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، أو حثه عليه ـ لا يعدو ذلك منهم أن يكون رخصة وتخفيفاً، وبياناً لكونه غير فرض، أو لكون تركه لا حرج فيه.

أما تقديم إنكار بعض السلف على قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فهذا من تقديم الفرع على الأصل وهو عكس قواعد الاستدلال.

وأما تقديم عدم فعل السلف على فعله صلى الله عليه وسلم وعلى قوله، فهذا من تقديم الاستصحاب، وهو عدم الدليل، على سنة القول والفعل الثابتة، وكذلك تقديم الاستصحاب على أدلة العموم لا يجوز؛ لأن العموم دليل إثبات، والاستصحاب عدم الدليل، والإثبات ينقض النفي، ونقضه للعدم أولى.

مناقشة قاعدة شمول العام للأحوال

والقاعدة التي ذكرها الشاطبي وابن دقيق العيد، أعني قوله: هل يكتفي في بعض أفراد العموم التي لها هيئة خاصة بدلالة العموم عليها، أو لابد من دليل خاص للهيئة الخاصة؟ هي مما اختلف فيه الأصوليون، ومرد ذلك إلى أن العام في الأفراد هل هو عام في الأحوال والأزمان والأماكن؟

قال المرداوي الحنبلي ـ في التحبير (5/2341):

”العام في الأشخاص عام في الأحوال وغيرها كالأزمنة والبقاع والمتعلقات ـ عند الأمام والأكثر… قال في القواعد الأصولية:

العام في الأشخاص عام في الأحوال، هذا المعروف عند العلماء… وخالف الشيخ تقي الدين والآمدي والقرافي والأصفهاني وغيرهم“.

وفي الكوكب المنير للفتوحي (3/115):

”وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات، عند أكثر العلماء“ ونص على ذلك الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي ـ في غاية الوصول ص (70)ـ وعلله بأنه ”لا غنى للأشخاص عنها، فقوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين) [التوبة/5]

أي كل مشرك، على أي حال كان، في أي زمان ومكان كان، وخص منه البعض كالذمي“.

وذلك لأن اللفظ العام دال على طلبه من جهة شموله له، بغض النظر عن الأحوال فهي تابعة له، فلا يطلب دليل للأحوال إلا إذا أريد أنها عبادة في نفسها، وقد قال ابن دقيق العيد المالكي ـ في إحكام الأحكام (1/55):

”الواجب أن ما دل على العموم في الذوات مثلاً يكون دالاً على ثبوت الحكم في كل ذات تناولها اللفظ، ولا تخرج عنها ذات إلا بدليل يخصها، فمن أخرج شيئاً من تلك الذوات خالف مقتضى العموم“ أي خصصه بلا مخصص.

عمل الأئمة والصحابة بما يوافق قاعدة أن العام في الأفراد عام في الأحوال

وعملاً بهذه القاعدة قال الإمام الشافعي باستحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وبطلب سجود السهو من تاركها، كما في الأم (1/117) وقال باستحبابها عقب التكبير على الذبيحة كما في الأم (2/239) ولا دليل لهذين الحكمين إلا قوله تعالى:

( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) [الأحزاب/56].

وكذلك الإمام مالك ”أجاز أن يقول بعد التسمية: صلى الله على رسول الله“ أي بعد التسمية على الذبيحة، كما في البيان والتحصيل نقلاً عن ابن حبيب في الواضحة، ثم قال: ”وظاهر المدونة أنه كره الأمرين جميعاً ـ يعني الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بدونهاـ وما في الواضحة أبين“.

والمتأمل في فعل الصحابة يرى أن عمل بعضهم يؤيد قاعدة أن العام في الأفراد عام في الأحوال، بل يظهر من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وافقهم على ذلك، فمن أشهر ذلك ما رواه البخاري برقم (741):

”كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ( قل هو الله أحد ) حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة …فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر

فقال :يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟

فقال :إني أحبها

فقال: حبك إياها أدخلك الجنة“

فهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الالتزام، وعلى طريقة الاستدلال عليه، وهي الاكتفاء بعموم الأمر بقراءة القرآن في الصلاة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلزم هذه السورة.
وكذلك حديث البخاري برقم (3858) عن أبي هريرة في مقتل خبيب ”فكان أول من سن الركعتين عند القتل“ وخبيب لم يبلغه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دليل لما فعله إلا عموم الأمر بالصلاة.

ومثلهما حديث البخاري برقم (1098): ”يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته … قال: ما عملت عملاً أرجى عندي: أني لم أتطهر طهوراً ، في ساعة ليل أو نهار ، إلا صليت بذلك الوضوء ما كتب لي أن أصلي“.

وهنا يقال : إن هذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم على العمل وعلى طريقة الاستدلال به، وهو عموم الأمر بالصلاة ، مع أن بلالاً يصرح بالملازمة ، فحالة الملازمة مشمولة بالعموم بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم

فيقال مثل ذلك في ملازمة الدعاء جهراً جماعة بعد صلاة الفريضة، بناء على الأدلة العامة، أو الأدلة المطلقة، وفي الدعاء عمومات ثلاثة، في قوله تعالى أجيب دعوة الداع إذا دعان ) [البقرة/186]

عموم الدعوة، لأنها مضافة إلى عام فتعم كل دعوة في كل حال جهراً أو إسراراً

وعموم الداعين، لأن ”الداع“ معرف بالألف واللام فيعم كل داع في كل الحال، ومنها الجماعة

وعموم الأزمان ”إذا دعان“ أي في كل وقت مهما تكرر.

فهذه العمومات وما يؤيدها من الإطلاق كاف في المشروعية، لو لم توجد أدلة أخص منها، وقد ذكرت الأدلة الأخص في أدلة الدعاء قبل مناقشة كلام الشاطبي رحمه الله

شبهات في دلالة العموم على فرد من أفراده

هذا وقد زعم بعض الناس أنه لا يكفي الدليل العام لمشروعية كل فرد من أفراده، وأنه لابد من دليل خاص بكل فرد، واستدلوا بكلام الشاطبي مع أنه لا يقول بذلك، وحقيقة قوله هي التي تقدم شرحها، وتقدم اختلاف العلماء في مضمونها.

بل زعم بعضهم أن كل الأحاديث القولية لا يعمل بها حتى يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عملوا بها، وقالوا: لو كان خيراً لسبقونا إليه، وهذا القول يترتب عليه أن كلامه صلى الله عليه وسلم إذا لم يثبت عمله به فليس بخير، بل يترتب عليه أن الآيات التي لم يثبت عمله بها كذلك، ولست أتهمهم أنهم يقصدون ذلك، ولكن أقول: إنه نتيجة لقولهم لعلهم لم ينتبهوا إليها،

ويترتب عليه : ادعاء أن كل ما لم يثبت عمله به صلى الله عليه وسلم من الأحاديث القولية والآيات القرآنية فهو منسوخ ، وهذا أمر لا يقوله أحد من علماء الإسلام، والكل متفقون على أن قوله صلى الله عليه وسلم وحده حجة، ولا يتوقف الاحتجاج به على ثبوت عمله به، لأن الواجب عليه صلى الله عليه وسلم هو تبليغ أحكام الله ، وهو يحصل بالقول وحده ، و بالفعل وحده، وقد يكون بهما معاً، ولا يجب كلاهما

وإذا اكتفى بالقول فالفعل قد يحصل منه سراً ولا يبلغه، أو يقع منه في أحيان نادرة، كما قالت السيدة عائشة: ”وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها“ كما في البخاري برقم (1076) ورأته أم هانئ يصليها كما في البخاري برقم (1122)

وقد يشغل عنه بما هو أفضل، إذ لا يجب على أحد فعل جميع النوافل ، وقد جعل أهل العلم إقراره صلى الله عليه وسلم حجة، مع أنه لم يفعله ، ولم يقل فيه شيئاً، إنما رآه فسكت، ومن قال: لا يعمل بقوله صلى الله عليه وسلم حتى يفعله كانت نتيجة ذلك أنه لا يحتج بإقراره حتى يفعل ما أقره، فلا يكون إقراره حجة، وبهذين الأمرين يُترك قسم عظيم من السنة.

وينبغي أن يقال لمن يكررون الاحتجاج بهذه الكلمة: ”لو كان خيراً لسبقونا إليه“ يقال لهم: ألا يكفي أن يسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله؟!

ولماذا لم يقل الصحابة عن سنة المغرب القبلية التي ندب إليها كما في البخاري برقم(1128) لو كان خيراً لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ألا يدل ذلك على اكتفائهم بقوله صلى الله عليه وسلم؟.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بها، ويجنبنا مواطن الزلل.

اللهم اهدنا والمسلمين جميعاً إلى العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي يرضيك عنا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحبّبنا فيه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرّهنا فيه، وجنبنا وجميع المسلمين العصبية لأنفسنا، واجعلنا اللهم من الراشدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

* * *

فهرس المراجع
1ـ الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ، لعلاء الدين علي بن بلبان ـ مؤسسة الرسالة .
2ـ تاريخ الثقات ، للعجلي . ط دار الكتب العلمية .
3ـ تحفة الأحوذي ، للمباركفوري ـ دار الفكر.
4ـ تعجيل المنفعة ، لابن حجر، دار البشائر الإسلامية .
5ـ تقريب التهذيب ، لابن حجر ، تحقيق: محمد عوامة ـ دار الرشيد.
6ـ الثقات ، لابن حبان ـ دار الفكر.
7ـ سنن أبي داود ـ إحياء التراث العربي.
8ـ سنن الترمذي ـ دار الدعوة وسحنون.
9ـ سنن النسائي ـ دار الدعوة وسحنون.
10ـ صحيح ابن حبان . ط مكتبة ابن تيمية تحقيق أحمد شاكر.
11ـ صحيح ابن خزيمة ـ المكتب الإسلامي
12ـ صحيح البخاري. تحقيق د. البغا .
13ـ صحيح مسلم ، تعليق : فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية .
14ـ عارضة الأحوذي ، لابن العربـي المالكي ـ إحياء التراث العربي.
15ـ العدة شرح العمدة ، لبهاء الدين بن قدامة المقدسي ـ ط بيروت 1414 .
16ـ فتح الباري ، لابن حجر ، تحقيق : فؤاد عبد الباقي ـ دار الريان .
17ـ مجمع الزوائد ، للهيثمي ـ دار الكتاب العربي ـ صورة عن طبعة القدسي.
18ـ المجموع ، للنووي ـ مكتبة الإرشاد.
19ـ المستدرك ، للحاكم ـ دار الفكر ـ صورة عن الطبعة الهندية.
20ـ المعجم الأوسط ، للطبراني ـ دار الحرمين.
21ـ المعجم الصغير ، للطبراني ـ دار عمار.
22ـ المعجم الكبير ، للطبراني ـ إحياء التراث العربي.
23ـ ميزان الاعتدال ، للذهبي ـ دار المعرفة.
24ـ نتائج الأفكار تخريج أحاديث الأذكار ، لابن حجر. مكتبة ابن تيمية عام 1991م .

* * *

فهرس الموضوعات
الموضوع / ص
1ـ الافتتاحية 3
2ـ المقدمة 7
3ـ كثرة الكلام في المسألة وزعم بعضهم أنها بدعة 9
4ـ مناقشة تأويل كلمة ” الدبر“ 9
5ـ استدلال منكري الدعاء بعد الفريضة 10
6ـ رد استدلالهم 10
7ـ الدليل على أن هذا الدعاء سنة 11
8ـ دليل آخر 14
9ـ قول البخاري في ذلك 15
10ـ وجه استدلال البخاري 16
11ـ زيادة مهمة في الاستدلال لصحة قول البخاري 16
12ـ دليل آخر 20
13ـ رفع الصوت بالذكر والدعاء بعد صلاة الفريضة 21
14ـ أحاديث أخرى في الدعاء بعد الفريضة 22
15ـ مناقشة منهج المخالفين في استدلالهم 26
16ـ الاعتماد على الأدلة العامة عند عدم وجود الخاصة 29
17ـ رفع اليدين في الدعاء، والدعاء الجماعي 33
18ـ سنية رفع اليدين وأدلة ذلك 34
19ـ الرد على من توهم أن رفع اليدين خاص بالاستسقاء 35
20ـ الدعاء جماعة وأدلته 41
21ـ موقف الشاطبي من الدعاء 50
22ـ لا تبديع في مسائل الاجتهاد 54
23ـ بعض المخالفين للشاطبي 56
24ـ مناقشة أدلة الشاطبي وموافقيه 60
25ـ ملاحظة على منهج الشاطبي 62
26ـ مناقشة قاعدة شمول العام للأحوال 67
27ـ عمل الأئمة والصحابة بما يوافق هذه القاعدة 70
28ـ شبهات في دلالة العموم على أحد أفراده 73
29ـ المراجع 77
30ـ الفهارس 81

* * *

([1]) في طبعة فؤاد عبد الباقي، عقب الحديثين (6329 ـ 6330).
([2]) ص (44).
([3]) المستدرك: (1/503). وهو في صحيح ابن حبان (برقم 2326) وفي الجامع الصغير برقم (1253) ورمز لصحته.
([4]) العدة شرح العمدة من الفقه الحنبلي (ص 187) بيروت /1414هـ.
([5]) فتح الباري (11/134) ـ قوله باب الدعاء بعد الصلاة أي المكتوبة .
([6]) وأول الحديث عند ابن حبان: عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعباً حلف له بالذي فلق البحر لموسى أنا نجد في الكتاب أن داود النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من الصلاة قال: اللهم أصلح لي ديني .. وحدثني كعب أن صهيباً حدثه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن عند انصرافه من صلاته .
وقد حسنه في نتائج الأفكار تخريج أحاديث الأذكار (2/318) وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (برقم 745) .
وضعفه بعضهم لأن في سنده أبا مروان ، قال فيه النسائي : غير معروف ، لكن قال العجلي في تاريخ الثقات (برقم 2038) : تابعي ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات (7/89) واسمه عبد الرحمن بن معتب .
والتوثيق مقدم على الجهالة ، وتصحيح ابن خزيمة يدل على أنه عرفه، والله أعلم .
([7]) هو في المعجم الصغير: (1/365) برقم (610) ، ط دار عمار= =وفي الأوسط: (4/362 وبرقم 4442) ، ط دار الحرمين.
وهو فيهما بالسند نفسه ، فيه حمزة بن عون المسعودي ذكره ابن حبان في الثقات: (8/210) ، وفيه عمر بن مسكين ، ذكره أيضاً في الثقات (7/178) ، وقال ابن عدي في الكامل : روى … عن ابن عمر في الجنازة لا يتابع عليه …، وفي غسل الجنابة وغير ذلك أحاديث معروفة
قلت : معلوم أنه لا يضره مخالفة حديث واحد ، وبقية السند رجاله ثقات . وفي الجامع الصغير رمز لحسنه دون ذكر كلام أبي أيوب لأن اصطلاح الكتاب ذكر الألفاظ النبوية فقط ، لكنه موجود في مراجع الجامع الصغير وزياداته كما بينا ، والسند واحد، وهو في مستدرك الحاكم (3/462) .
([8]) مجمع الزوائد: (10/111) .
([9]) المعجم الكبير برقم (7982) وفي مجمع الزوائد (10/112) قال: ”رجاله رجال الصحيح، غير الزبير بن خريق وهو ثقة“ لكن في التقريب أنه ”لين الحديث“ فهو محتج به على الأول، ويقوي حديث أبي أيوب على الثاني.
([10]) شرح النووي على صحيح مسلم (3/457) ط دار أبي حيان.
([11]) يعني المجموع (3/487) ، ط مكتبة الإرشاد.
([12]) في سننه برقم (1486) ونحوه عند الطبراني ، قال في مجمع الزوائد (10/169): رجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة، وهو في الجامع الصغير ورمز لحسنه.
([13]) هو في سننه ط إحياء التراث: (2/87) برقم (1488) ورواه الترمذي في الدعوات (برقم 3565) في عارضة الأحوذي ط دار إحياء التراث، وقال: حسن غريب، وقال ابن حجر في فتح الباري (11/143): سنده جيد . ورواه الحاكم (1/497) بلفظ ”يبسط يديه“ بسندين: أولهما موقوف على شرط الشيخين، وهذا أمر غيبي لا مجال فيه للاجتهاد فهو بمنزلة المرفوع والثاني مرفوع فيه جعفر بن ميمون صدوق يخطئ ، وهو في سند أبي داود والترمذي، وقد حسنه= = هـو وجـوده ابن حجر كما سبق ، بل احتج الشيخان ببعض من قيل ذلك فيهم مثل شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وكثير بن شنظير كما يظهر من ترجمتهما في مقدمة فتح الباري وتقريب التهذيب، وإنما شرطوا في الحديث الحسن لذاته أن يرتفع راويه عن درجة من يعد تفرده منكراً كما في تدريب الراوي (1/158) ثم قال الحاكم : وله شاهد صحيح من حديث أنس ، وذكر فيه رفع اليدين ، وعارضه الذهبي، فقال : فيه عامر بن يسـاف : ذو منـاكيـر قـلـت : في تعجيل المنفعة (ص 708) عن ابن عدي : مع ضعفه يكتب حديثه وعن أبي داود : ليس به بأس رجل صالح . قلت : فيصلح الاستشهاد به على الأقل ، فيكون بمجموع الطرق صحيحاً لغيره. وهو في الجامع الصغير (برقم 1730) ، وقال : حسن .
([14]) (6/254) وبرقم (6142 ) وفيه أبو طلحة الراسبي . قال= = في تقريب التهذيب: صدوق يخطئ ، فهو كجعفر بن ميمون ، وقد مرّ قبول حديثه في التعليق السابق.
ومع ذلك أشار بعض المعاصرين إلى تضعيف هذه الرواية بسببه وزعم أنها غير محفوظة؛ لأنها تخالف الرواية السابقة، كأنه ظن أن الأولى تدل على الدعاء الإفرادي والثانية تدل على الجماعي، لكن المتأمل يرى المعنى واحداً وعليه العمدة ، ولا يضر اختلاف الألفاظ لأن لفظ ”عبده“ مضاف وهو من ألفاظ العموم ، فيشمل المفرد والجمع ، وقوله : ”كان حقاً عليـه أن يضـع فـي أيديهم الذي سألوا “ هو بمعنى ”يستحي أن يردهما صفراً“ والله أعلم .
([15]) مصنف ابن شيبة برقم (1224) ط مكتبة الرشيد.
([16]) كتاب الدعوات: (باب 79 ، رقم الحديـث 3502)، حسب طبعة دار الدعوة و دار سحنون ضمن موسوعة السنة . و في عارضة الأحوذي (رقم 3511). وفي تحفة الأحوذي (رقم 3569). وفي الجامع الصغير (برقم 1505)، وقال: حسن.
([17]) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : (10/170) : رجاله رجـال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث .
قلت : إنما حسن الهيثمي حديث ابن لهيعة هنا لأن الراوي عنه عبد الله بن يزيد المقرئ أبو عبد الرحمن وهو ممن روى عنه قديماً كما نص عليه الذهبي في ميزان الاعتدال : (2/477) . تحقيق علي محمد البجاوي . وقد أرّخ ابن حجر في التقريب عند الترجمة عنه ذات الرقم (3563) : اختلاطه باحتراق كتبه ، وذلك في سنة (169 أو 170) ، وهو قد مات سنة (174) .
([18]) سنن الترمذي (5/33) برقم (2656)، وابن ماجه (1/84) برقم (230) موسوعة السنة.
([19]) البخاري برقم (1114) ومسلم برقم (721).
([20]) صحيح البخاري، في كتاب الدعوات، فضل ذكر الله برقم (6045)، ومسلم، في كتاب الذكر، فضل مجالس الذكر برقم (2689) واللفظ له.
([21]) الدارمي في المسند الجامع (2/247) برقم (215).
([22]) رواه الترمذي برقم (3568) وحسنه، وابن حبان في صحيحه في ترتيب ابن بلبان (3/1198)، والحاكم في المستدرك (1/547) وصححه هو والذهبي، أما تضعيف بعض المعاصرين فحجته ضعيفة كما يظهر لمن رجع إلى الأصول وقارن بينها، فتصحيح أولئك الأئمة هو الموافق للقواعد مهما رفضه المنكرون.