الصفحة الرئيسية » بحوث » حكم من سب الصحابة رضوان الله عليهم

حكم من سب الصحابة رضوان الله عليهم

حكم من سب الصحابة في المذاهب الأربعة ) دراسة فقهية مقارنة (
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبع هداه إلى يوم الدين

وبعد :

فصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم – هم خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء، وهم نقلة الدين وناصروه وناشروه، فجزاهم الله عن أمة محمد خيرا وجمعنا بهم في جنات النعيم مع سيدنا محمد والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصديقين والشهداء والصالحين

وهذا مقال في حكم من خذله الله فسبَّهم رضوان الله عليهم , وفيه ثلاثة مباحث :

الأول في حكم من سب الصحابة بغير التكفير

والثاني في حكم من سب الصحابة بالتكفير

والثالث في حكم من سب أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها

المبحث الأول
حكم من سب الصحابة بغير التكفير
ولذلك حالتان :

الأولى حكم سب جميع الصحابة

والثانية حكم سب بعض الصحابة

الحالة الأولى :
سب جميع الصحابة بغير التكفير :
وهذا لا شك أنه كفر لأنه تكذيب للآيات والأحاديث التي مدحتهم ولأنهم نقلة الدين في الطعن فيهم طعن في الدين , قال التقي السبكي في فتاويه 2/575 : ( وينبني على هذا البحث سب بعض الصحابة فإن سب الجميع لا شك أنه كفر ) اهـ

وفي كلام بعض المالكية أن ذلك ليس بكفر, قال الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير 4/312 ( قوله ( أو سب صحابيا ) قال عج : أي جنسه فيشمل سب الكل … ) اهـ

وفي بلغة السالك للصاوي 4/231 : ( أو سب صحابيّاً ) قال الأجهوري أي جنسه أي فيشمل سب الكل … ) اهـ

الحالة الثانية :
سب بعض الصحابة بغير التكفير :
ولذلك جهتان :
الجهة الأولى :
سب بعضهم لكونهم صحابة :
وهذا لا شك في كفره أيضا قال التقي السبكي في فتاويه 2/575 : ( وهكذا إذا سب واحدا من الصحابة حيث هو صحابي لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ففيه تعرض إلى النبي فلا شك في كفر الساب , وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي وبغضهم كفر فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر ) اهـ

وقال أيضا [ فتاوى السبكي 2/ 575 ]: ( ولا شك أنه لو أبغض واحدا منهم – أي أبو بكر وعمر- لأجل صحبته فهو كفر بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرا قطعا ) اهـ

والجهة الثانية :
سب بعضهم لأمر غير الصحبة :
وهنا وقع الخلاف فمن أهل العلم من حكم على ذلك بالكفر منهم من لم يحكم على ذلك بالكفر بل بالفسق فقط وعلى هذا جمهور أهل العلم , وقد وقع الخلاف في ذلك في كل مذهب من المذاهب الأربعة , وهذا بعض أقوالهم من المذاهب الأربعة :

المذهب الحنفي

– الصحيح عند الحنفية أن ذلك فسق وليس بكفر
– ومن الحنفية من يرى أن ذلك كفر
– ومنهم من يرى أن ذلك كفر في المستحل أو المستخف أو المتدين بذلك دون غيرهم
وهذه بعض أقوال الحنفية :
في حاشية ابن عابدين 5/11 🙁 وأنت خبير بأن الصحيح في المعتزلة والرافضة وغيرهم من المبتدعة أنه لا يحكم بكفرهم وإن سبَّوا الصحابة أو استحلوا قتلنا بشبهة دليل، كالخوارج الذين استحلوا قتل الصحابة … وبه ظهر مراد البحر : غير الكافر منهم , ولذا شبهه بالكافر وبه سقط اعتراض النهر بأن الرافضي الساب للشيخين داخل في الكافر وكذا ما أجاب به بعضهم من أن مراد البحر المفضِّل لا الساب، فافهم.) اهـ

وفي حاشية ابن عابدين 7/162 : قوله ( من سب الصحابة ) لأنه لو سب واحدا من الناس لا تقبل شهادته فهذا أولى. قهستاني

والحاصل أن الحكم بالكفر على ساب الشيخين أو غيرهما من الصحابة مطلقا قول ضعيف لا ينبغي الإفتاء به ولا التعويل عليه كما حققه سيدي الوالد رحمه الله تعالى في كتابه تنبيه الولاة والحكام، فراجعه .

وقال فيه أيضا : وأما قتل العلماء والأولياء وسبهم فليس بكفر إلا إذا كان على وجه الاستحلال أو الاستخفاف، فقاتل عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما لم يقل بكفره أحد من العلماء إلا الخوارج في الأول، والروافض في الثاني …
وأما من سب أحدا من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالإجماع إلا إذا اعتقد أنه مباح أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة …فإذا سب أحدا منهم فينظر فإن كان معه قرائن حالية على ما تقدم من الكفريات فكافر وإلا ففاسق.) اهـ

وفي حاشية ابن عابدين 4/236 : ( مطلب مهم في حكم سب الشيخين 🙂
نقل في البزازية عن الخلاصة : أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر وإن كان يفضِّل عَلِياً عليهما فهو مبتدع .اهـ

وهذا لا يستلزم عدم قبول التوبة، على أن الحكم عليه بالكفر مشكل، لما في الاختيار اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل الخ …ومما يزيد ذلك وضوحاً ما صرحوا به في كتبهم متونا وشروحا من قولهم ، ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف، وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية

وقال ابن ملك في شرح الجمع : وترد شهادة من يظهر سب السلف لأنه يكون ظاهر الفسق وتقبل من أهل الأهواء الجبر والقدر والرفض والخوارج والتشبيه والتعطيل. اهـ

وقال الزيلعي : أو يظهر سب السلف يعني الصالحين منهم وهم الصحابة والتابعون لأن هذه الأشياء تدل على قصور عقله وقلة مروءته، ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة بخلاف ما لو كان يخفي السب .اهـ

ولم يعللْ أحد لعدم قبول شهادتهم بالكفر كما ترى، نعم استثنوا الخطابية لأنهم يرون شهادة الزور لأشياعهم أو للحالف وكذا نصَّ المحدِّثون على قبول رواية أهل الأهواء، فهذا فيمن يسب عامة الصحابة ويكفرهم بناء على تأويل له فاسد

فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر، قول ضعيف مخالف للمتون والشروح بل هو مخالف لإجماع الفقهاء كما سمعت
وقد ألف العلامة ملاَّ علي القاري رسالة في الرد على الخلاصة، وبهذا تعلم قطعاً أن ما عُزى إلى الجوهرة من الكفر مع عدم قبول التوبة على فرض وجوده في الجوهرة باطل لا أصل له ولا يجوز العمل به
وقد مر أنه إذا كان في المسألة خلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى المفتي أن يميل إلى عدم التكفير فكيف يميل هنا إلى التكفير المخالف للإجماع فضلاً عن ميله إلى قتله وإن تاب، وقد مر أيضاً أن المذهب قبول توبة ساب الرسول فكيف ساب الشيخين. اهـ

وفي غمز عيون البصائر لابن نجيم 1/291 : ( وفي السراج أيضا : إن سب الصحابة كبيرة , ونظر فيه بعض الفضلاء بأنه يُشعر بأنه ليس بكفر مع أنه كفر .اهـ
وفيه أن الكبيرة لا تنافي الكفر بل تجامعه كما في الإشراك بالله فمن أين جاء الإشعار، غاية الأمر أنه ساكت عن ذلك , على أنه ذكر في الاختيار في فصل الخوارج والبغاة إن سب أحدا من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل فإن عليا رضي الله عنه لم يكفر شاتمه حتى لم يقتله ) اهـ
وفي فتاوى السبكي 2/576 : ( وقد رأيت في الفتاوى البديعية من كتب الحنفية : قسم الرافضة إلى كفار وغيرهم وذكر الخلاف في بعض طوائفهم وفيمن أنكر إمامة أبي بكر وعمر أن الصحيح أنه يكفر ولا شك أن إنكار الإمامة دون السب

ورأيت في المحيط من كتب الحنفية : عن محمد : لا تجوز الصلاة خلف الرافضة ثم قال لأنهم أنكروا خلافة أبي بكر وقد أجمعت الصحابة على خلافته
وفي الخلاصة من كتبهم في الأصل ثم قال : وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر

وفي تتمة الفتاوى : والرافضي الغالي الذي ينكر خلافة أبي بكر يعني لا تجوز الصلاة خلفه

وفي الغاية للسروجي رحمه الله وفي المرغيناني : وتكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة ولا تجوز خلف الرافضي ثم قال : وحاصله إن كان هوى يكفر به لا تجوز وإلا تجوز وتكره
وفي شرح المختار لابن بلدجي من الحنفية : وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل فإن عليا رضي الله عنه لم يكفر شاتمه حتى لم يقتله …

وفي الفتاوى البديعية من كتب الحنفية : من أنكر إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فهو كافر وقال بعضهم هو مبتدع والصحيح أنه كافر ) اهـ

المذهب المالكي

– مذهب المالكية أن ذلك ليس بكفر بل فسق
– وحكي ابن كثير رواية عن الإمام مالك في أن ذلك كفر ولم أقف في كتب المالكية على هذه الرواية
وهذا بعض أقوال المالكية :
قال الدردير في شرحه على خليل 4/312 وهو يعدد من لا يقتل : (أو سب من لم يجمع على نبوته ) كالخضر ولقمان ومريم وخالد بن سنان الذي قيل فيه أنه نبي أهل الرس ( أو ) سب (صحابيا)اهـ
قال الدسوقي في حاشيته عليه 4/312 : ( قوله ( أو سب صحابيا ) قال عج ، أي جنسه فيشمل سب الكل … ) اهـ
وفي بلغة السالك للصاوي 4/231 : ( أو سب صحابيّاً ) قال الأجهوري أي جنسه أي فيشمل سب الكل … )اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/579 : ( قال القاضي عياض في سب الصحابة : قد اختلف العلماء في هذا فمشهور مذهب مالك في هذا الاجتهاد والأدب الموجع , قال مالك رحمه الله في مَنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، قُتِل ، ومن سب أصحابه أُدِّب …

وقال ابن حبيب : من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أُدِّب أدبا شديدا ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي صلى الله عليه وسلم .
قال سحنون : من كذب أحدا من أصحاب عليا أو عثمان أو غيرهما يوجع ضربا ) اهـ

وفي تفسير ابن كثير 1/487 : (قلت : وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة وهو رواية عن مالك بن أنس رحمه الله ) اهـ

المذهب الشافعي

عند الشافعية :
– إذا كان السب لأبي بكر وعمر فوجهان : التكفير وعدم التكفير، والمذهب عدم التكفير
– وإذا كان السب لمن عداهما من الصحابة، فلا تكفير قولا واحدا
– واختار التقي السبكي تكفير من فعل ذلك

وهذه بعض أقوال الشافعية :
ففي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي 1/128 : ( ادَّعى بعض الناس أن هذا الرجل الرافضي ( رافضي سب الصحابة فقُتل ) قُتل بغير حق ، وشنع السبكي في الرد على مدعي ذلك بحسب ما ظهر له ورآه مذهبا وإلا فمذهبنا كما ستعلمه أنه لا يكفر بذلك , فقال [ السبكي ] : كذب من قال إنه قتل بغير حق بل قتل بحق لأنه كافر مصر على كفره ) اهـ

وفي الصواعق المحرقة أيضا 1/129 : ( و بهذا تعلم أن جميع ما يأتي عن السبكي إنما هو اختيار له مبني على غير قواعد الشافعية ) اهـ

وفي فضائح الباطنية للغزالي ص 149 : ( فإن قيل : فلو اعتقد معتقدٌ فسقَ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وطائفة من الصحابة، فلم يعتقد كفرهم، فهل تحكمون بكفره ؟ قلنا : لا نحكم بكفره وإنما نحكم بفسقه وضلاله ومخالفته لإجماع الأمة ) اهـ

وفي في فتاوى السبكي 2/575 : ( وأما إذا سب صحابيا لا من حيث كونه صحابيا بل لأمر خاص به، وكان ذلك الصحابي مثلا ممن أسلم من قبل الفتح، ونحن نتحقق فضيلته، كالروافض الذين يسبون الشيخين … فقد ذكر القاضي حسين في كفر من سب الشيخين وجهين ) اهـ

وفي فتاوى السبكي أيضا 2/577 : ( وأما أصحابنا فقد قال القاضي حسين في تعليقه في باب اختلاف نية الإمام والمأموم : ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم، يكفر بذلك ومن سب صحابياً فسق ، وأما من سب الشيخين أو الحسين ففيه وجهان :

أحدهما : يكفر لأن الأمة اجتمعت على إمامتهم

والثاني : يفسق ولا يكفر ) اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/590 : (ومرَّ عن القاضي حسين أن في كفر ساب الشيخين أو الختنين، وجهين، ولا ينافيه جزمه في موضع آخر بفسق ساب الصحابة، وكذا ابن الصباغ وغيره، وحكوه عن الشافعي رضي الله عنه لأنهما مسألتان، فالثانية في مجرد السب وهو مفسق ، وإن كان المسبوب من آحاد الصحابة وأصاغرهم بخلاف الأول فإنها خاصة بسب الشيخين أو الختنين وهو أشد وأغلظ في الزجر بأن فيه وجهاً بالكفر ) اهـ

وفي مغني المحتاج4/436 : ( تنبيه : قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره وهو المرجح في زيادة الروضة …

وقال السبكي في الحلبيات : في تكفير من سب الشيخين وجهان لأصحابنا فإن لم نكفره فهو فاسق لا تقبل شهادته، ومن سب بقية الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة، ولا يغلط فيقال شهادته مقبولة اهـ.

فجعل ما رجحه في الروضة غلطا
قال الأذرعي : وهو كما قال ونقل عن جمع التصريح به … ) اهـ

وفي إعانة الطالبين 4/291 : ( قوله وإن سب الصحابة ) غاية في قبول الشهادة من المبتدع أي تقبل الشهادة من المبتدع وإن كان يسب الصحابة …) اهـ

وفي حواشي الشرواني10/235 : ( قوله ( وإن سب الصحابة الخ ) وقع في أصل الروضة نقلا عن صاحب العدة وأقرَّاه : عد سب الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الكبائر وجزم به ابن المقري في روضه وأقرَّه عليه شارحه غير متعقب له وجزم به بعض المتأخرين …) اهـ

المذهب الحنبلي

في مذهب الحنابلة الأقوال التالية :
– المستحل لذلك كافر ، وغير مستحل على روايتين : الكفر والفسق
– المجتهد الداعية كافر والمقلد فاسق
– عدم التكفير مطلقا
– تكفير من يفعل ذلك تدينا دون غيره

وهذه بعض أقوال الحنابلة :
في الفروع لابن مفلح 6/153 : ( و ذكر غيره روايتين فيمن سب صحابياً غير مستحل، وأن مستحله كافر … وفي نهاية المبتدى : من سب صحابيا مستحلا كفر وإلا فسق وقيل عنه يكفر ) اهـ

وفي المبدع لابن مفلح10/221 : ( وذكر ابن البنا في تكفير من سب الصحابة والسلف من الرافضة ومن سب عليَّاً من الخوارج خلافا ، والذي ذكره القاضي عدم التكفير ) اهـ

مطالب أولي النهى 6/273 : وقال ( في نهاية المبتدي من سب صحابيا مستحلا كفر وإلا ( يكن مستحلا ( فسق والمراد ولا تأويل، ولذا لم يحكم كثير من الفقهاء بكفر ابن ملجم قاتل علي ) فإنه قال حين جرحه أطعموه واسقوه واحبسوه فان عشت فأنا ولي دمي وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به (ولا يحكم بكفر مادحه ) أي مادح ابن ملجم ( على قتله لِعَلِي ) اهـ

وفي مطالب أولي النهى أيضا 6/615 : ( ( قال المجد ) : الصحيح أن كل بدعة كفَّرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيها، كمن يقول بخلق القرآن، أو أن علم الله مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة ( أو يسب الصحابة تديُّنا ) فمن كان عالماً في شيء من هذه البدع يدعوا إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع. انتهى

( ويكفر مجتهدهم ) أي مجتهد القائلين بخلق القرآن ونحوهم ممن خالف عليه أهل السنة والجماعة ( الداعية)
قال في الفصول في الكفاءة : وعندي أن ( عامتهم ) أي المبتدعة ( فسقة كعامة أهل الكتاب كفار مع جهلهم ) ، والصحيح لا كفر، لأن أحمد أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج ) اهـ

وفي مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية 560 : ( من سب أحدا من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء فإنه لا يكفر ،إلا إذا كان سبه مخالفا لأصل من أصول الإيمان، مثل أن يتخذ ذلك السب دينا وقد علم أنه ليس بدين ،وعلى هذا ينبني النزاع في تكفير الرافضة ) اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/580 : ( قال أحمد بن حنبل فيمن سب الصحابة : أما القتل فَأَجْبُنُ عنه ولكن أضربه ضرباً نكالا
وقال أبو يعلى الحنبلي : الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلا لذلك كفر وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر , قال : وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة … ) اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/590 : ( ومن ثم قال أحمد أيضا : شَتْمُ عثمان زندقة , ووجهه أنه بظاهره ليس بكفر وبباطنه كفر، لأنه يؤدي إلى تكذيب الفريقين كما علمت، فلا يفهم من كلامه كفر ساب الصحابة خلافاً لبعض أصحابه كما مر ) اهـ

ومن الخلاف السابق تعلم خطأ السمعاني في الأنساب 3/188 حيث ادعى اجتماع الأمة على كفر الأمامية لأنهم يضللون الصحابة حيث قال : ( واجتمعت الأمة على تكفير الإمامية لأنهم يعتقدون تضليل الصحابة، وينكرون إجماعهم ، وينسبونهم إلى ما لا يليق بهم ) اهـ

ويمكن أن يقال : مراده تضليل جميعهم , ولكن يشكل عليه أنه قد نص على الإمامية وهم لا يضللون الكل كما هو معلوم

الأدلة

أولا : أدلة من قال بكفر من فعل ذلك

(1) أن ذلك يعود على الدين بالنقص :
قال التقي السبكي في فتاويه 2/576 : ( وأما الرافضي فإنه يبغض أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لما استقر في ذهنه بجهله وما نشأ عليه من الفساد عن اعتقاده ظلمهما لِعَلي ، وليس كذلك ولا عَلِيٌّ يعتقد ذلك، فاعتقاد الرافضي ذلك يعود على الدين بنقص لأن أبا بكر وعمر هما أصل بعد النبي فهذا مأخذ التكفير ببغض الرافضة لهما وسبهم لهما ) اهـ
وأجيب بأن ذلك يلزم إذا قيل بسبهم كلهم لا بعضهم

(2 )أن الرافضي يستحل ذلك وهو محرَّم ومن استحل محرم كفر :
قال السبكي في فتاويه 2/587 : ( الدليل الثاني استحلاله لذلك بمقتضى اعترافه، ومن استحل ما حرمه الله فقد كفر، ولا شك أن لعنه الصديق وسبه محرم، قال ابن حزم واللعن أشد السب وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سباب المؤمن فسوق، فسب أبي بكر رضي الله عنه فسق،

فإن قلتَ: إنما يكون استحلال الحرام كفراً إذا كان تحريمه معلوما بالدين بالضرورة،

قلتُ : وتحريم سب الصديق رضي الله عنه معلوم من الدين بالضرورة بالنقل المتواتر على حسن إسلامه ) اهـ

وأجيب كما ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة 1/132 بأن : ( شرط الكفر بجحد الضروري أن يكون ضروريا عند الجاحد، وليس الرافضي يعتقد تحريم لعن أبي بكر حتى يستلزم جحده حينئذ تكذيبه فضلاُ عن كونه يعتقد أن تحريمه ضروري، وقد ينفصل عنه بأن تواتر تحريم ذلك عند جميع الخلق يلغي شبهة الرافضي التي غلظت على قلبه حتى لم يعلم ذلك وهذا محل نظر وجدل وميل القلب إلى بطلان هذا العذر أي باعتبار ما ظهر للسبكي وإلا فقواعد المذهب قاضية

بقبول هذا العذر بالنسبة لعدم التكفير لأنه إنما يسب أو يلعن متأولاً وإن كان تأويله جهلاً وعصبية وحمية لكن باب الكفر يحتاط فيه كما هو مقرر في محله ) اهـ

(3 )قوله تعالى في مدح الصحابة ( ليغيظ بهم الكفار) :
ففي التبصير للاسقرائيني ص 42 : ( قال أبو إدريس المفسر : إن ظاهر هذه الآية يوجب أن الروافض كفار لأن قلوبهم غيظا من الصحابة وعداوة لهم ألا تراه يقول ( ليغيظ بهم الكفار ) فبين أن من كان في قلبه غيظ منهم من الكفار ) اهـ

وفي روح المعاني 26 /127 : ( وفي المواهب : أن الإمام مالكا قد استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنهم يغيضونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر ووافقه كثير من العلماء. انتهى
وفي البحر،ذكر عند مالك رجل ينتقص الصحابة فقرأ مالك هذه الآية، فقال : من أصبح من الناس في قلبه غيظ من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية ويعلم تكفير الرافضة بخصوصهم

وفي كلام عائشة رضي الله تعالى عنها ما يشير إليه أيضا فقد أخرج الحاكم وصححه عنها في قوله تعالى ( ليغيظ بهم الكفار ) قالت أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ) اهـ

قال ابن حزم في الجواب عن ذلك في الفصل 3/140 : ( قال أبو محمد : واحتج بعض من يكفر من سب الصحابة رضي الله عنهم بقول الله عز وجل ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم – إلى قوله – ليغيظ بهم الكفار ) قال: فكل من أغاظه أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر

قال أبو محمد : وقد أخطأ من حمل الآية على هذا، لأن الله عز وجل لم يقل قط أن كل من غاظه واحد منهم فهو كافر وإنما أخبر تعالى أنه يغيظ بهم الكفار فقط ، ونعم هذا حق لا ينكره مسلم وكل مسلم فهو يغيظ الكفار

وأيضا فإنه لا يشك أحد ذو حس سليم في أن عليا قد غاظ معاوية وأن معاوية وعمرو بن العاص غاظا عليا وأن عمار أغاظ أبا العادية وكلهم أصحاب رسول الله فقد غاظ بعضهم بعضا فيلزم على هذا تكفير من ذكرنا وحاشى لله من هذا ) اهـ

(4) أن في ذلك تكذيبا للآيات والأحاديث التي مدحتهم :
في المواقف للإيجي 3/572 : ( الرابع من تلك الأبحاث قد كفر الروافض والخوارج بوجوه :
الأول : أن القدح في أكابر الصحابة الذين شهد لهم القرآن والأحاديث الصحيحة بالتزكية والإيمان تكذيب للقرآن وللرسول حيث أثنى عليهم وعظمهم فيكون كفرا ) اه
وأجاب الإيجي عن ذلك بقوله : ( قلنا لا ثناء عليهم خاصة , أي لا ثناء في القرآن على واحد من الصحابة بخصوصه ,وهؤلاء قد اعتقدوا أن من قدحوا فيه ليس داخلا في الثناء العام الوارد فيه , وإليه أشار بقوله ولا هم داخلون فيه عندهم فلا يكون قدحهم تكذيبا للقرآن
وأما الأحاديث الواردة في تزكية بعض معين من الصحابة والشهادة لهم بالجنة فمن قبيل الآحاد فلا يكفر المسلم بإنكارها , أو نقول ذلك الثناء عليهم وتلك الشهادة لهم مقيدان بشرط سلامة العاقبة ولم توجد عندهم فلا يلزم تكذيبهم للرسول ) اه
5- أن في ذلك إغاضة للنبي صلى الله عليه وسلم وإغاضته صلى الله عليه وسلم كفر :
ذكر ذلك التقي السبكي في فتاويه , ولكنه اعترضه بأن فعل المعاصي فيه إغاضة للنبي صلى الله علية وسلم فيلزم منه تكفير صاحب الكبيرة فلا يصلح ذلك دليلا

ثانيا : أدلة من قال بعدم كفرهم

(1) أن سب المسلم فسق وليس بكفر ولا فرق بين الصحابة وغيرهم :
قال الغزالي في فضائح الباطنية ص 149 : ( لا نحكم بكفره وإنما نحكم بفسقه وضلاله ومخالفته لإجماع الأمة، وكيف نحكم بكفره ونحن نعلم أن الله تعالى لم يوجب على من قذف محصنا بالزنا إلا ثمانين جلدة، ونعلم أن هذا الحكم يشتمل كافة الخلق ويعمهم على وتيرة واحدة ، وأنه لو قذف قاذفٌ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالزنا، لما زاده على إقامة حد الله المنصوص عليه في كتابه ولم يدَّعوا لأنفسهم التمييز بخاصية في الخروج عن مقتضى العموم ) اهـ

(2) أن بعض الصحابة قد سب بعضا ولو كان كفراً لكفروا :
ففي صحيح مسلم 4/1967 : (عن أبي سعيد قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) اهـ

(3 ) أن الصحابة قد اقتتلوا والقتل أكبر من السب :
ففي صحيح البخاري 6/2592 : ( عن عبد الله بن مسعود قال النبى صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) اهـ . أي دون كفر أو هو للمستحل كما قال شراح الحديث

(4) عدم الدليل المُسلَّم على تكفير من فعل ذلك :
فكل الأدلة السابقة على التكفير قد أجاب عنها القائلون بعدم التكفير كما تقدم

(5 ) أن الصحابة لم يكفروا الخوارج وقد كفروا الصحابة والتكفير أكبر من السب :
ففي مصنف عبد الرزاق 10 / 150 : ( عن الحسن قال : لما قتل عليُّ رضي الله عنه الحروريةَ قالوا من هؤلاء يا أمير المؤمنين أكفارٌ هم ؟ قال: من الكفر فروا، قيل ، فمنافقين، قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا ، قيل فما هم ؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فَعَمُوا فيها وصمُّوا ) اهـ
وفي التمهيد لابن عبد البر 23/335 : ( وروى حكيم بن جابر وطارق بن شهاب والحسن وغيرهم عن عليٍّ بمعنى واحد أنه سئل عن أهل النهروان أكفارٌ هم ؟ قال من الكفر فروا …) اهـ

المبحث الثاني

سب الصحابة بالتكفير

ولذلك حالتان :
الحالة الأولى : تكفير جميع الصحابة :
وهذا لا شك في أنه كفر، فإذا كان سب جميع الصحابة بما دون التكفير كفر، فمن باب أولى سبهم وهذه بعض أقوال أهل العلم في ذلك :

المذهب الحنفي

في حاشية ابن عابدين 7/162 عن والده قال : ( وأما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالإجماع … أو اعتقد كفر الصحابة فإنه كافر بالإجماع ) اهـ

المذهب المالكي

قال الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير 4/312 : ( … وأما من كفَّر جميع الصحابة فإنه يكفر كما في الشامل، لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة ، وكذَّب اللهَ ورسولَه ) اهـ

وفي بلغة السالك للصاوي 4/231 وأما من كفر جميع الصحابة فإنه يكفر باتفاق ، كما في الشامل لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة و كذب الله و رسوله ) اهـ

وفي القوانين الفقهية لابن جزي 239 : ( لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية … أو كفر جميع الصحابة رضي الله عنهم أو جحد شيئا مما يعلم من الدين ضرورة ) اهـ

المذهب الشافعى

في روضة الطالبين 10/ 70 : ( وكذا يقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة ) اهـ

وقال النووي في شرح مسلم 15/174 : ( قال القاضي : كفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره ، وزاد بعضهم فكفر عليَّاً لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم، وهؤلاء أسخف مذهباً وافسد عقلا من أن يرد قولهم أو يناظر

وقال القاضي : ولا شك في كفر من قال هذا لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الإسلام

وأما من عدا هؤلاء الغلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك، فأما الإمامية وبعض المعتزلة فيقولون هم مخطئون في تقديم غيره لا كفار وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة لجواز تقديم المفضول عندهم ) اهـ
وقال التقي السبكي في فتاويه 2/578 : ( وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة، كقول الكاملية من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم أبطلوا الشريعة بانقطاع نقلها، وإلى هذا والله أعلم أشار مالك في أحد قوليه ، يقتل من كفر الصحابة ) اهـ

المذهب الحنبلي

في كشاف القناع 6/170 : ( ( أو ) قال قولاً يتوصل به إلى ( تكفير الصحابة ) أي بغير تأويل ( فهو كافر ) لأنه مكذب للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله أصحابي كالنجوم وغيره، وتقدم الخلاف في الخوارج ونحوهم ) اهـ

والحالة الثانية : تكفير بعض الصحابة :
ولذلك جهتان :
الجهة الأولى : تكفيرهم لأجل الصحبة :
فهذا كفر لأن مجرد سبهم لأجل الصحبة كفر، فتكفيرهم لأجلها كفر من باب أولى، وهذه الحالة لا يُتَصور صدورها ممن ينتسب لأهل القبلة إلا من زنديق، ومثل ذلك قل في السب لأجل الصحبة

والجهة الثانية : تكفيرهم لأمر غير ذلك :
وهنا اختلف أهل العلم من المذاهب الأربعة فمنهم من كفر من فعل ذلك، ومنهم من لم يكفره بل حكم عليه بالفسق فقط , وهذه بعض أقوالهم من المذاهب الأربعة :

المذهب الحنفي

– الصحيح من مذهب الحنفية أن ذلك ليس بكفر
– وذهب بعض الحنفية إلى أن ذلك كفر
وهذه بعض أقوالهم :
في حاشية ابن عابدين 4/236 : ( وذكر في فتح القدير : أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة، حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة
وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون , قال ابن المنذر : ولا أعلم أحداً وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء …
نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا. اهـ

وكذا نص المحدثون على قبول رواية أهل الأهواء فهذا فيمن يسب عامة الصحابة ويكفرهم بناء على تأويل له فاسد ) اهـ

المذهب المالكي

– مذهب المالكية أن ذلك ليس بكفر
– وحكى السبكى عن مالك بكفر من فعل ذلك
– وذهب سحنون وعياض منهم إلى أن ذلك كُفر , وأشار السبكي إلى أن كلام سحنون في مُكفِّر الأربعة جميعا
وهذه بعض أقوالهم :
قال الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير 4/312 : ( ومثل السب تكفير بعضهم ولو من الخلفاء الأربعة، بل كلام السيوطي في شرحه على مسلم المسمى بالإكمال يفيد عدم كُفر من كفَّر الأربعة، وأنه المعتمد فيؤدب فقط خلافاً لقول سحنون أنه يرتد ) اهـ
ونحو ذلك في بلغة السالك للصاوي 4/231

وفي فتاوى السبكي 2/585 : ( ويشهد لهذا من كلام مالك رضي الله عنه أنه حمل الحديث [ أي حديث من كفر مسلما فقد كفر ] على الخوارج الذين كفروا أعلام الأمة فهذا نص مالك يوافق استنباطي من هذا الحديث تكفير هذا القائل ) اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/579 : ( قال القاضي عياض : من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أبي بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال :كانوا على ضلال أو كفر قُتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس ، نُكِّل نكالاً شديدا

قلت : وقوله في القتل إذا نسبهم إلى ضلال وكفر حسن أنا أوافقه عليه إذا نسبهم إلى الكفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لكل منهم بالجنة وإن نسبهم إلى الظلم دون الكفر كما يزعمه بعض الرافضة فهذا محل التردد …

وحكي ابن أبي زيد عن سحنون : من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعَلِيٍّ، إنهم كانوا على ضلال وكفر، قُتل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل هذا نُكِّل النكال الشديد

قلت : قتل من كفر الأربعة ظاهر، لأنه خلاف إجماع الأمة إلا الغلاة من الروافض، فلو كفَّر الثلاثة ولم يكفر عليا، لم يصرح سحنون فيه بكلام، فكلام مالك المتقدم أصرح فيه ) اهـ

المذهب الشافعي

– عامة الشافعية على عدم تكفير من فعل ذلك
– وذهب الإمام السبكي إلى تكفيره
وهذه بعض أقوالهم :
في فضائح الباطنية للغزالي ص149 ( فإن قيل : فلو صرح مصرحٌ بكفر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ينبغي أن ينزل منزلة من لو كفر شخصا آخر من آحاد المسلمين أو القضاة والأئمة من بعدهم
قلنا : هكذا نقول فلا يفارق تكفيرهم تكفير غيرهم من آحاد الأمة والقضاة بل أفراد المسلمين المعروفين بالإسلام إلا في شيئين :
أحدهما :

في مخالفة الإجماع وخرقه فإن مكفر غيرهم ربما لا يكون خارقا لإجماع معتد به
الثاني :

أنه ورد في حقهم من الوعد بالجنة،والثناء عليهم، والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم وتقدمهم على سائر الخلق، أخبار كثيرة، فقائل ذلك إن بلغته الأخبار واعتقد مع ذلك كفرهم فهو كافر لا بتكفيره إياهم، ولكن بتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كذَّبه بكلمة من أقاويله فهو كافر بالإجماع
ومهما قطع النظر عن التكذيب في هذه الأخبار وعن خرق الإجماع نزل تكفيرهم منزله سائر القضاة والأئمة وآحاد المسلمين ) اهـ

في إعانة الطالبين 4/291 : ( قوله وإن سب الصحابة ) … عبارة المغني : تنبيه قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره وهو المرجح في زيادة الروضة … وأن الماوردي قال من سب الصحابة أو لعنهم أو كفرهم فهو فاسق مردود الشهادة ) اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/585 : ( فإن قلت قد قال النووي رحمه الله : هذا ضعيف [ أي حمل حديث تكفير من كفر المسلم على الخوارج ] لأن المذهب الصحيح عدم تكفير الخوارج .

قلت : رضي الله عن الشيخ محيي الدين، أخذ بظاهر المنقول من عدم التكفير، وذلك محمول على ما إذا لم يصدر منهم سبب مكفر، كما إذا لم يحصل إلا مجرد الخروج والقتال ونحوه، أما مع التكفير لمن تحقق إيمانه فمن أين ذلك ) اهـ

وفي فتاوى السبكي 2/590 : ( وأما المسألة الثالثة وهي تكفير أبي بكر، ونظر أنه من الصحابة هذه لم يتكلم فيها أصحابنا في كتاب الشهادات ولا في كتاب الصلاة، وهي مسألتنا، والذي أراه أنه موجب للكفر قطعاً عملاً بمقتضى الحديث المذكور ) اهـ

المذهب الحنبلي

في مذهب الحنابلة روايتان :
– رواية بعدم كفر من فعل ذلك، وعليها الأكثر
– ورواية بكفر من فعل ذلك ،وهي الأشهر والأظهر :
وهذه بعض أقوالهم :
ففي الفروع لابن مفلح 6/153 : ( ومن كفر أهل الحق والصحابة واستحل دماء المسلمين بتأويل فهم خوارج بغاة فسقة ، وعنه كفار , وفي الترغيب والرعاية هو أشهر وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه ) اهـ
وفي مطالب أولي النهى 6/273 : ( ومن كفر أهل الحق والصحابة واستحل دماء المسلمين ) وأموالهم ( بتأويل) فهم ( خوارج بغاة فسقة ) باعتقادهم الفاسد قال في المبدع :

تتعين استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم، ويجوز قتلهم وإن لم يبدأوا بالقتال قدمه في الفروع …
( وعنه ) أي الإمام أحمد إن الذين كفروا أهل الحق والصحابة واستحلوا دماء المسلمين بتأويل أو غير ( كفار ) قال ( المنقح وهو أظهر ) انتهى

قال في الإنصاف : وهو الصواب والذي ندين الله به ) اهـ

وفي مطالب أولي النهى أيضا 6/615 : ( فلا تقبل شهادة فاسق بفعل مما مر … ( أو في الرفض ) أي تكفير الصحابة وتفسيقهم بتقديم غير علي عليه في الخلافة …) اهـ

الأدلة

أولا : أدلة من قال بتكفير من كفر بعض الصحابة :
(1 ) أحاديث تكفير من كفر مسلما وهي كثيرة :
قال السبكي في فتاويه 2/585 : (وإنما قلنا إنه كافر لأمور : أحدها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( من رمى رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ) اهـ

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة 1/129 : ( و يجاب بأن نص الشافعي رضي الله عنه وهو قوله، أقبل شهادة أهل البدع والأهواء إلا الخطابية، صريح فيما قاله النووي مع أن المعنى يساعده

وأيضا فتصريح أئمتنا في الخوارج بأنهم لا يكفرون وإن كفرونا لأنه بتأويل فلهم شبهة غير قطعية البطلان صريح فيما قاله النووي ويؤيده قول الأصوليين إنما لم تكفر الشيعة والخوارج لكونهم كفروا أعلام الصحابة المستلزم لتكذيبه صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة لأن أولئك المكفرين لم يعلموا قطعاً تزكية من كفروه على الإطلاق إلى مماته وإنما يتجه لتكفيرهم أن لو علموا ذلك لأنهم حينئذ يكونون مكذبين له ) اهـ

وفي في المواقف للإيجي 3/572 في معرض أدلة تكفير من سب الصحابة : ( الثالث قوله صلى الله عليه وسلم ، من قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء به- أي بالكفر -أحدهما )

قلنا : آحاد، وقد أجمعت الأمة على أن إنكار الآحاد ليس كفرا ، ومع ذلك نقول المراد مع اعتقاد أنه مسلم , فإن من ظن بمسلم أنه يهودي أو نصراني فقال له يا كافر لم يكن ذلك كفرا بالإجماع ) اهـ
وفي فضائح الباطنية للغزالي ص 149 : ( فإن قيل: فما قولكم فيمن يكفر مسلما أهو كافر أم لا ؟
قلنا: إن كان يعرف أن معتقده التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى سائر المعتقدات الصحيحة فمهما كفره بهذه المعتقدات فهو كافر لأنه رأى الدين الحق كفرا وباطلا

فأما إذا ظن أنه يعتقد تكذيب الرسول أو نفى الصانع أو تثنيته أو شيئا مما يوجب التفكير فكَّفره بناء على هذا الظن، فهو مخطئ في ظنه المخصوص بالشخص، صادق في تكفير من يعتقد ما يظن أنه معتقد هذا الشخص، وظن الكفر بمسلم ليس بكفر كما أن ظن الإسلام بكافر ليس بكفر،

فمثل هذه الظنون قد تخطئ وتصيب، وهو جهل بحال شخص من الأشخاص وليس من شرط دين الرجل أن يعرف إسلام كل مسلم وكفر كل كافر، بل ما من شخص يفرض إلا ولو جهله لم يضره في دينه بل، إذا آمن شخص بالله ورسوله وواظب على العبادات ولم يسمع باسم أبي بكر وعمر ومات قبل السماع، مات مسلما فليس الإيمان بهما من أركان الدين حتى يكون الغلط في صفاتهما موجبا للانسلاخ من الدين ) اهـ

(2 ) أن الإجماع انعقد على تكفير من كفَّر عظماء الصحابة :
في المواقف للإيجي 3/572 في معرض أدلة تكفير من كفر الصحابة :

الثاني : الإجماع منعقد من الأمة على تكفير من كفر عظماء الصحابة وكل واحد من الفريقين بكفر بعض هؤلاء العظماء فيكون كافرا .
قلنا : هؤلاء، أي من كفر جماعة مخصوصة من الصحابة لا يُسَلِّمون كونهم من أكابر الصحابة وعظمائهم فلا يلزم كفره ) اهـ

( 3 ) الأدلة السابقة في كفر من سب بعض الصحابة :
فإذا كان سب بعضهم كفر فمن باب أولى من كفر بعضهم , ولكن قد تقدمت أجوبة من يرى عدم التكفير على تلك الأدلة وعدم تسليمهم لها

ثانيا : أدلة من قال بعدم التكفير :
(1 ) عدم وجود دليل مسلم على التكفير :
وقد تقدم جواب غير المكفرين على أدلة التكفير

( 2 ) تقدم معنا أن الصحابة لم يكفروا الخوارج وقد كفروا الصحابة والتكفير أكبر من السب :
ففي مصنف عبد الرزاق 10 / 150 : ( عن الحسن قال : لما قتل علي رضي الله عنه الحرورية قالوا : من هؤلاء يا أمير المؤمنين أكفار هم ؟ قال : من الكفر فروا
قيل : فمنافقين قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرا
قيل : فما هم قال قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا ) اهـ

وفي التمهيد لابن عبد البر 23/335 : ( وروى حكيم بن جابر وطارق بن شهاب والحسن وغيرهم عن علي بمعنى واحد أنه سئل عن أهل النهروان أكفار هم؟ قال : من الكفر فروا …) اه

المبحث الثالث
سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

ولذلك حالتان :
الحالة الأولى : سبها بغير ما برأها الله منه :
فهذا يعود إلى خلافهم السابق في حكم من سب بعض الصحابة , قال الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير 4/312 : ( وأما لو سبها بغير ما برأها الله منه فإنه يؤدب فقط ) اهـ

الحالة الثانية : سبها بما برأها الله منه :
وهذا لا شك في أنه كفر لأنه تكذيب للقرآن، ويفهم من كلام السبكي عن ابن شعبان الآتي أن هناك من خالف في ذلك ، وهذه بعض أقوال أهل العلم من المذاهب الأربعة في ذلك :

المذهب الحنفي

في حاشية ابن عابدين 5/11 : ( بخلاف الغلاة منهم كالقائلين بالنبوة لعلي والقاذفين للصديقة فإنه ليس لهم شبهة دليل فهم كفار كالفلاسفة ) اهـ

وفي حاشية ابن عابدين أيضا 7/162 عن والده قال: ( وأما قذف عائشة فكفر بالإجماع وهكذا إنكار صحبة الصديق لمخالفة نص الكتاب، بخلاف من أنكر صحبة عمر أو علي وإن كانت صحبتهما بطريق التواتر، إذ ليس إنكار كل متواتر كفرا، ألا ترى أن من أنكر وجود حاتم بل وجوده أو عدالة أنورشروان وشهوده لا يصير كافرا إذ ليس مثل هذا مما علم من الدين بالضرورة ) اهـ

المذهب المالكي

قال الدردير في شرحه على خليل 4/312 وهو يعدد من لا يقتل : (أو ) سب ( صحابيا ) إلا عائشة بما برأها الله به فيقتل لردته ) اهـ
قال الدسوقي في حاشيته عليه 4/312 : ( قوله ( بما برأها الله به ) أي منه وهو الزنا وقوله فيقتل أي فإذا سبها بما برأها الله منه بأن قال زنت، فيقتل لردته لتكذيبه للقرآن , وأما لو سبها بغير ما برأها الله منه فإنه يؤدب فقط ) اهـ

وفي بلغة السالك للصاوي 4/231 : ( قوله ( بغير الزنا ) أي لأن الله برأها منه لقوله جل من قائل ( أُولئكَ مُبَّرءُونَ ممَّا يقُولونَ )و ظاهره أن رميها بالزنا كفر و لو بغير واقعة صفوان ) اهـ

في فتاوى السبكي 2/590 : ( وفي كتاب ابن شعبان : و من سب عائشة رضي الله عنها ففيه قولان : أحدهما : يقتل والآخر كسائر الصحابة يجلد حد المفتري قال : وبالأول أقول …
قال هشام بن عمار سمعت مالكا يقول : من سب أبا بكر وعمر قتل، ومن سب عائشة رضي الله عنها قتل ، لأن الله تعالى يقول فيها ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ) فمن رماها فقد خالف القرآن ،ومن خالف القرآن قتل، قال ابن حزم وهذا قول صحيح ) اهـ

المذهب الشافعي

في فتاوى السبكي 2/592 : ( وأما الوقيعة في عائشة رضي الله عنها والعياذ بالله ، فموجبة للقتل لأمرين :
أحدهما : أن القرآن يشهد ببراءتها فتكذيبه كفر والوقيعة فيها تكذيب له .

والثاني : أنها فراش النبي صلى الله عليه وسلم، والوقيعة فيها تنقيص له، وتنقيصه كفر

وينبني على المأخذين سائر زوجاته صلى الله عليه وسلم إن عللنا بالأول، لم يقتل من وقع في غير عائشة رضي الله عنها وإن عللنا بالثاني قتل لأن الكل فراش النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح على ما قاله بعض المالكية

وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم قذفة عائشة، لأن قذفهم كان قبل نزول القرآن فلم يكن تكذيباً للقرآن، ولأن ذلك حكم ثبت بعد نزول الآية فلم ينعطف حكمه على ما قبلها ) اهـ

وفي مغني المحتاج4/436 : ( تنبيه : قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره وهو المرجح في زيادة الروضة قال : بخلاف من قذف عائشة رضي الله تعالى عنها فإنه كافر أي لأنه كذب على الله تعالى ) اهـ

المذهب الحنبلي

في بغية المرتاد لابن تيمية 343 : ( وكذلك من نسب عائشة رضي الله عنها وعن أبيها إلى الفاحشة، وقد نزل القرآن ببراءتها، فهو كافر لأن هذا وأمثاله لا يمكن إنكاره إلا بتكذيب الرسول أو إنكار التواتر ) اهـ

تتمة في معنى السب

السب : هو الشتم والتعيير قال ابن منظور في لسان العرب 1/455 : ( وفي الحديث سِبابُ المُسْلِم فُسوقٌ وقِتاله كُفرٌ , السَّبُّ : الشَّتْم ) اهـ

وفي مختار الصحاح 136: ( س ب ب السَّبُّ : الشَّتْم والقَطْع والطَّعْن وبابه رَدَّ والتَّسَابّ التَّشَاتُم والتَّقَاطُع. وهذا سُبَّةٌ عليه بالضم أي عارٌ يُسَبُّ به ورجل سُبَّة يَسُبُّه الناسُ. وسُبَبة كَهُمَزة يَسُبُّ الناسَ. )اهـ

وفي المصباح المنير 4/133 : ( س ب ب ) : سَبَّهُ سَبًّا فَهُوَ سَبَّابٌ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأُصْبُعِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ سَبَّابَةٌ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ وَالسُّبَّةِ الْعَارُ وَسَابَّهُ مُسَابَّةً وَسِبَابًا وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ سِبٌّ بِالْكَسْرِ ) اهـ
فتبين أن السب أخص من الذم والنقد والغيبة فالكلام السابق إنما هو في السب

تنبيه مهم

ليس مقالنا في حكم الإمامية والخواراج، بل في حكم من سب الصحابة , فإن مخالفات الإمامية والخوارج أعم من سب الصحابة فليتنبه لذلك

هذا آخر المطاف والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه

عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
اليمن – صنعاء

24 ذو الحجة / 1427 هـ