الصفحة الرئيسية » بحوث » صلاة التراويح

صلاة التراويح

صلاة التراويح

المقدمة

الحمد لله حبَّب الصلاة والعبادة للمتقين، وحبَّب قلوبهم للانشغال بطاعة رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الراكعين والساجدين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.

أما بعد

قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183

وقال عز من قائل:

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة 185

وقال صلى الله عليه وسلم ” من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ” متفق عليه.

وقال عليه الصلاة والسلام ” إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسنَنْتُ لكم قيامه فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ” رواه أصحاب السنن.

وقد دلت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على عِظَمِ العبادة في هذا الشهر المبارك. حيث رغب الشارع بالاكثار من العبادة في هذا الشهر.

وصلاة التراويح من النوافل والسنن المخصوصة في هذا الشهر وهي بمثابة قيام شهر رمضان المبارك حيث إن بعض الفقهاء يسميه القيام.

وقد صحَّ عن سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم أنه صلاها بعض الليالي ، فلما رأي ازدياد عدد الصحابة توقف عن الخروج وأخبر أصحابه بأن تأخره كان رأفة بأمَّته وخشية أن يفترض عليها هذا القيام فيعجز الكثير عن أدائها ويصبح مخالفاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد صح بالروايات المتواترة، أن سيدنا عمر بن الخطاب جمع الناس على صلاة التراويح وأمر أن يصليها بهم سيدنا أبي بن كعب، وكان يصليها عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، كما سنبين ذلك لاحقاً.

حكمها وفضلها

قال الشيخ محمد علي الصابوني حفظه الله تعالى في كتابة الهدى النبوي الصحيح وفي صلاة التراويح:

صلاة التروايح : هي صلاة تُؤدَّي في ليالي شهر رمضان المعظم ، بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر .

وهي سُنَّة في حق الرجال والنساء، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وحث الناس على أدائها ، وواظب عليها الصحابة والتابعون من بعده ، وهي شعيرة من شعائر رمضان المبارك لها جلالها في نفوس المسلمين ولها قدرها وفضلها عند رب العالمين .

ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ”

ومعنى الحديث الشريف أن من أحيا ليالي رمضان بالصلاة والذكر ، وتلاوةالقرآن ، مؤمناً بالله ، محتسباً أجره وثوابه عنده ، غفر الله له ذنوبه الماضية ، ما كان منها من صغائر أما الكبائر فلا بد لها من توبة نصوح ، كما صرح بذلك كثير من الفقهاء ”

(الفقه الواضح على المذاهب الاربعة محمد بكر إسماعيل- بتصرف”)

ثبوت صلاة التراويح

قال الشيخ الصابوني حفظه الله تعالى – في الهدى النبوي الصحيح:

أول من صلى التروايح رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن قدامة في كتابة :” المغني ” ما نصه:

وهي سنة مؤكدة وأول من سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(أ‌) قال أبو هريرة رضي الله عنه “: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان ، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول :” من قام رمضان إيمناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبة ” رواه مسلم

(ب‌) وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال :” قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ” وذلك في رمضان رواه مسلم.

( ج) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:” خرج رسول الله صلى الله وعليه وسلم فإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هؤلاء ؟

قيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي بهم، وهم يصلون بصلاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصابوا ونعم ما صنعوا ”

رواه أبو داود، وقال : في إسناده مسلم بن خالد المخزومي وهو ضعيف ، وقال الحافظ في الفتح ، والمحفوظ أن عمر رضي الله عنه هو الذي جمع الناس على أُبَيِّ بن كعب .

ونُسبت التراويح إلي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لأنه جمع الناس على ” أبي بن كعب ” فكان يصليها بهم.

فقد روى البخاري عن عبد الرحمن القارى قال :” خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان ، فإذا الناس أوزاع – أي يصلون جماعات جماعات – متفرقون يصلى الر جل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط

فقال عمر : أني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل – أي أفضل وأقرب إلي الخير – ثم عزم فجمعهم على ” أُبَىِّ بن كعب ”

قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر : نِعْمَت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون – يريد آخر الليل – وكان الناس يقومون أوَّله “. اخرجه البخاري.

من هذه الأحاديث الشريفةالصحيحة يتضح لنا بجلاء أن أول من صلى صلاة التراويح في قيام رمضان ، هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى بهم ثلاث ليال أو أربع ليال ، ثم لم يخرج بعد ذلك إليهم ، رحمة بهم وشفقة عليهم لأنه – عليه الصلاة والسلام – خشى أن تفرض عليهم

ويؤيد هذا ما رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل – وذلك في رمضان – فصلى في المسجد ، فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع اكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلواً بصلاته ، فأصبح الناس يذكرون ذلك … فكثر أصحاب المسجد من الليلة الثالثة

فخرج فصلوا بصلاته فلما كان الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله ، فلم يخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال يقولون :

الصلاة، الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال:

” أما بعد: فإنه لم يخف على شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها “. رواه البخاري

وفي رواية أخرى: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.

لماذا سميت صلاة التراويح

تسمى صلاة قيام رمضان ” صلاة التراويح ” لأنها صلاة طويلة ذات ركعات عديدة يستريح فيها المُصَلُّون بعد كل أربع ركعات ثم يتابعون الصلاة فلذلك سميت صلاة التراويح.

قال ابن منظور في لسان العرب :

التراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة ،مثل تسليمة من السلام ،والترويحة في شهر رمضان ، سميت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات ثم قال والراحة ضد التعب

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :” أرحنا بها يلا بلال” أي أذن للصلاة فنستريح بأدائها فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى ، ولهذا قال :” وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة “.

فصلاة التراويح إذاً ، هي صلاة ” قيام رمضان ” كما ثبت في الاحاديث الصحيحة التي ذكرنا .

عدد ركعات صلاة التراويح

قال الإمام النووي في شرح المهذب:

صلاة التراويح من النوافل المؤكدة كما دلت على ذلك الأحاديث الشريفة المتقدمة وهي عشرون ركعة من غير صلاة الوتر، ومع الوتر تصبح ثلاثا وعشرين ركعة … على ذلك مضت السنة واتفقت الأمة، سلفا وخلفا من عهد الخليفة الراشد ” عمر بن الخطاب” رضي الله عنه وأرضاه – إلي زماننا هذا … لم يخالف في ذلك فقيه من الائمة الأربعة المجتهدين إلا ما روى عن إمام دار الهجرة”مالك بن أنس ” – رضي الله عنه – القول بالزيادة فيها ، إلي “36” ست وثلاثين ركعة

في الرواية الثانية عنه – محتجا بعمل أهل المدينة فقد روي عن نافع أنه قال : ” أدركت الناس يقومون رمضان بتسع وثلاين ركعة يوترون منها بثلاث ” ذكره في شرح المهذب.

أما الرواية المشهورة عنه، هي التي وافق فهيا الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة على أنها ” 20 ” عشرون ركعة وعلى ذلك اتفقت المذاهب الأربعة وتم الإجماع.

ومما احتج به جماهير العلماء ما يأتي:

(أ‌) احتج أئمة المذاهب على أنها عشرون ركعة بما رواه البيهقي وغيره بالإسناد الصريح الصحيح ،عن ” السائب بن يزيد” رضي الله عنه – الصحابي المشهور- أنه قال :” كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في شهر رمضان بعشرين ركعة ” رواه البيهقي في السنن الكبرى .

(ب‌) واحتجوا أيضا بما رواه مالك في الموطأ والبيهقي ايضا عن يزيد بن رومان ” قال :” كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه – بثلاث وعشرين ركعة “. يعني يصلّون التراويح عشرين ركعة ويوترون بثلاث ركعات.

(ج) واحتجوا كذلك بما روى عن الحسن أن عمر – رضي الله عنه – جمع الناس على ” أبي بن كعب ” فكان يصلي لهم عشرين ركعة ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني ، فإذا كان العشر الأواخر ، من رمضان تخلف ” أبي ” فصلى في بيته فكانوا يقولون : أبق أبي . ذكر أن قدامة في المغني أنه رواه ابو داود.

هذا وقد حكي ابن قدامة في المغني الإجماع على أنها عشرون ركعة ورد على مالك – رحمه الله – في روايته الثانية : أنها ستة وثلاثون ركعة فقال ما نصه :

” وقيام شهر رمضان عشرون ركعة – يعني صلاة التراويح وهي سنة مؤكدة وأول من سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبت التراويح إلي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لأنه جمع الناس على “أُبَيِّ بن كعب ” فكان يصليها بهم

فقد روي أنه خرج ليلة في رمضان إلي المسجد فإذا الناس يصلون في المسجد أوزاعاً – أي متفرقين – فقال عمر :” لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرج ليلة أخرى والناس يصلون وراء إمامهم فقال : نعمت البدعة هذه ” رواه البخاري

ثم قال :” ابن قدامة”.

” والمختار عند أبي عبدالله رحمه الله – يريد أحمد بن حنبل- فيها عشرون ركعة وبهذا قال الثوري وابوحنيفة والشافعي وقال مالك : ستة وثلاثون ركعة وتعلق بفعل أهل المدينة ولنا أن عمر – رضي الله عنه – لما جمع الناس على أبي بن كعب كان يصلي لهم عشرين ركعة

وروى مالك عن ” يزيد بن رومان” قال: كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة “.

وعن علي – رضي الله عنه – أنه أمر رجلاً يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة ” وهذا كالإجماع، ثم قال:

ولو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه – أي صلوا ستاً وثلاثين ركعة – لكان ما فعله عمر ، وأجمع عليه الصحابة في عصره ، أولى بالاتباع ،

وقال بعض أهل العلم : إنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة ، فإن أهل مكة يطوفون سبعاً بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وأحق أن يتبع

وقد روي أن علياً – رضي الله عنه- مرَّ على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان، فقال:

” نوَّر الله على عُمَرَ قبره، كما نوَّر علينا مساجدنا ”

وقال احمد – رحمه الله:” يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم والأمر على ما يحتمله الناس

وقال القاضي : لا يستحب النقصان عن ختمة في الشهر ليسمع الناس جميع القرآن ولا يزيد على ختمة كراهية المشقة على من خلفه ”

انتهى كلام ابن قدامة.

أقول – الشيخ الصابوني-

والمشهور في مذهب الإمام مالك أنها عشرون ركعة وبذلك يكون إجماع الأئمة المجتهدين على أفضلية العشرين فقد جاء في كتاب ” أقرب المسالك على مذهب الإمام مالك ” للشيخ الدردير مانصه :

” والتراويح برمضان وهي عشرون ركعة بعد صلاة العشاء يسلم من كل ركعتين غير الشفع والوتر ونُدب الختم فيها – أي التروايح – بأن يقرأ كل ليلةجزءاً يفرقه على عشرين ركعة ونُدب الانفراد بها في بيته إن لم تعطل المساجد عن صلاتها بها جماعة فإن لزم بها تعطيل المساجد فالأَوْلى إيقاعها في المساجد جماعة “.

وهكذا ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلي أنها عشرون ركعة لإجماع الصاحبة على ذلك في عهد عمر الفاروق فقد قال الإمام ابن عبد البر :

” هو الصحيح عن أبي بن كعب أنه صلى التراويح بهم عشرين ركعة، من غير خلاف بين الصحابة “.

وفي مختصر المزني أن الإمام الشافعي – رحمه الله قال :

” رأيتهم بالمدنية يقومون بتسع وثلاثين واحب إلي عشرون لأنه روي عن عمر وكذلك بمكة يقومون عشرين ركعة يوترون بثلاث.

وتتلخص أقوال الفقهاء في صلاة التراويح على النحو التالي

قال الشيخ عبد القادر عيسى دياب حفظه الله تعالى في كتابه” الميزان العادل لتمييز الحق من الباطل”

اتفقت الأمة ومنهم أئمة المذاهب الأربعة وأصحابهم وداود الظاهري إلي أن صلاة التراويح في شهر رمضان عشرين ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا موافق لإجماع الصحابة رضوان الله عليهم الذين وافقوا سيدنا عمر بن الخطاب في اجتهاده

وأدلتهم على ذلك ما يلي:

1- ما رواه محمد بن نصر المروزي عن زيد بن وهب قال: ” كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل” قال الاعمش : كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث ” ذكره العيني في شرحه صحيح البخاري

2- ما أخرجه مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال ” كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة “.

3- ما رواه البيهقي وغيره بإسنادٍ صحيح عن السائب بن يزيد الصحابي قال :” كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمئين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام ” صححه النووي في المجموع والعيني في شرح صحيح البخاري والسبكي في شرح المنهاج والعراقي في شرح التقريب والقسطلاني فيشرح البخاري والكمال بن الهمام في شرح الهداية .

4- ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن صلاة التروايح عشرون ركعة بعشر تسليمات وأخذ هؤلاء بما صح عن الصحابة أنهم صلوها في عهد عمر وعثمان وعلي عشرين ركعة قال العيني في شرحه صحيح البخاري واحتج أصحابنا ” الحنفية ” والشافعية والحنابلة بما رواه البيهقي باسناد صحيح عن السائب بن يزيد الصحابي قال :” كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله عنه بعشرين ركعة وعلى عهد عثمان رضي الله عنهم مثله ” عمدة القاري للعيني (ج 5 ،ص 357 ) وقال ابن الهمام الحنفي : ثبتت العشرون في زمن عمر والمشهور في مذهب الإمام مالك أنها عشرون ركعة كما ذكر ذلك الشيخ الدردير في كتاب أقرب المسالك على مذهب الإمام مالك وفي الموطأ عن يزيد بن رومان قال :” كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة ” وروى البيهقي في المعرفة عن السائب بن يزيد قال : كنا نقوم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهخ بعشرين ركعة والوتر قال النووي في الخلاصة إسناده صحيح وقال الخطيب الشربيني الشافعي في شرحه على المنهاج ص 226 ” التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان لما رواه البيهقي بإسناد صحيح أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة “.

5- وروى عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أنها ست وثلاثون ركعة فقد روى محمد بن نصر المروزي من طريق داود بن قيس قال : أدركت الناس في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز – يعني بالمدينة – يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث وروى ابن وهب عن العمري عن نافع قال : لم ادرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ويوترون منها بثلاث ”

والمشهور عن الإمام مالك أنها عشرون ركعة ويتضح أن للإمام مالك رواينتن اصحهما أنه قال صلاة التراويح عشرون ركعة .

*وهناك قولٌ آخرُ ضعيفٌ لا تقوم به الحجة أن عدد صلاة التروايح ثمان ركعات واستدلوا بالأدلة التالية :

1- أخرج ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما عن جابر :” أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثمان ركعات الوتر ثم انتظروه في القابلة يخرج إليهم ”

إلا أنه في سنده عيسى بن جارية قال فيه ابن معين ” عند مناكر ” وقال عنه أو داود ” منكر الحديث ” وقال ابن عدي عنه ” أحاديثه غير محفوظة ” وذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء ”

راجع التهذيب لابن حجر ج8 ص 207 وفيه يعقوب بن عبدالله القمي ، قال : الدار قطني : ليس بالقوى.

2- ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت : ” ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على احدى عشر ركعة ” وقالوا : هذه الأحدى عشر ركعة هي ثمان للتراويح وثلاث للوتر .

وقد رد جماهير الققهاء على هذا القول بالردود التالية :

أن الحديث الأول الذي رواه ابن حبان وابن خزيمة عن جابر بن عبدالله ضعيف ضعفاً شديداً فلذلك لا تقوم به حجة ولذا قال الصنعاني نقلاً عن الزركشي في كتاب الخادم : ” بل الثابت في الصحيح الصلاة من غير ذكر بالعدد ” سبل السلام ج2 ص10

وأما الحديث الثاني المروي عن عائشة رضي الله عنها فلا حجة فيه لهم وذلك للأسباب التالية:

1-أن قولها :” ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على أحد عشرة ركعة ” المراد به صلاة الوتر لا صلاة التراويح لأنه صلى الله عليه وسلم وإن كان قد صلى الوتر ثلاث ركعات لكن لا يناسب مقامه أن يكثر من ذلك وهو الذي نهى أمَّته أن يوتروا بثلاث كما روى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو سبع ” الحديث ” رواه الدار قطني باسناده

ورواته كلهم ثقات فكيف يوتر صلى الله عليه وسلم بثلاث دائما أو غالبا وينهي المسلمين أن يوتروا بثلاث ؟

هذا بعيد عن كماله وحبه للعبادة صلى الله عليه وسلم

وقال الترمذي :” وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحد

فإذا كان وتره صلى الله عليه وسلم في غير رمضان ثلاث عشر أو إحدى عشر أو تسع أو سبع أو خمس فهل يناسبه أن يوتر في شهر العبادة بثلاث فقط ؟ ذلك بعيد ، مما يؤكد أن قولها ( إحدى عشر ركعة ) هي الوتر .

2- اختلفت روايات السيدة عائشة رضي الله عنها في هذه الناحية فقد روت أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على احد عشر ركعة ”

وأخرج الشيخان عنها أنها قالت ” كان يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة

وفي رواية عنها ” أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيتين فكانت خمس عشرة ركعة ”

وقال صاحب سبل السلام :” إعلم أنه قد اختلفت الروايات عن عائشة رضي الله عنها في كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل وعددها فقد روى عنها سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر ” ثم ذكر الروايات السابقة عنها.

وهذا مما يؤكد أنها تخبر عن وتره صلى الله عليه وسلم لا عن صلاة التراويح ولذلك أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني روايات عائشة رضي الله عنها في كتابة ” بلوغ المرام ” بين أحاديث الوتر لأنها تتعلق بها

وعلى ذلك يحمل قول الترمذي ” وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشر وتسع وسبع وخمس وثلاثة وواحدة ”

3- إذا قلنا رواياتها تتعلق بصلاة التراويح والوتر لكان تعدد تلك الروايات واختلافها في العدد يدعونا إلي القول: بأن الحديث مضطرب وإذا قلنا باضطرابه أصبح من الحديث الضعيف فلا حجة فيه.

4- إذا قلنا إن روايات السيدة عائشة رضي الله عنها تتعلق بالتراويح والوتر وفهمنا منها أن للتروايح عدد ثابت ثمان ركعات وأن الاختلاف في صلاة الوتر كان هذا معارضاً بفهم الصحابة وعملهم حيث ثبت وصح عنهم أنهم كانوا يصلونها عشرين ركعة في عهد عمر وعثمان وعلي وبقي عمل أهل مكة عشرين ركعة حتى عهد مالك والشافعي

فلا يعقل أن يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم التراويح ثمان ركعات ثم يعلم الصحابة ومع ذلك يجمعون على خلاف صلاته ويصلونها عشرين ركعة

ولا يعقل أن تعلم السيدة عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم صلى التروايح ثمان ركعات ثم تسكت على مخالفة الصحابة له بصلاتهم التراويح عشرين ركعة مما يؤكد أن روايتها متعلقة بصلاة الوتر لا بصلاة التراويح ويدل هذا على خطأ من فهم من قولها خلاف ذلك .

والخلاصة

إن صلاة التراويح هي قيام الليل في شهر رمضان وهي سنة حيث صلاها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخرج أبو داود عن السيدة عائشة رضي الله عنها

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا في الليلة الثلاثة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ”

وروى البخاري قريبا من هذا اللفظ.

واستمر الناس على ذلك يصلون في رمضان منفردين أن يصلي بعضهم بصلاة بعض من غير التزام بعدد معين حتى مضى شطر من خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجمع الناس خلف أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه

فقد أخرج البخاري عن عبد الرحمن القارى: أن عمر بن الخطاب خرج ليلة فطاف في رمضان في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب

ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : “نعمت البدعة هذه”

فالسنة أن تُصلى عشرين ركعة، جماعةً في المسجد لأن الصحابة صلَّوْها عشرين وعلى رأسهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي…” رواه مسلم

ولأنهم صلَّوْها بناءً على رأي عمر ووافقه الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :” اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر “رواه احمد والترمذي وابن ماجه عن حذيفة

وقال : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ” رواه احمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وفي المستدرك وصححه

ولأن موافقة الصحابة له : كانت إجماعاً والإجماع مصدر ثالث بعد الكتاب والسنة من مصادر التشريع الأسلامي وأن التمسك برأي سيدنا عمر والصحابة رضي الله عنهم أجمعين تمسكٌ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .

من خلال ما تقدم يتضح أن من قال إن صلاة التراويح ثمان ركعات فقط لم يستند على دليل صحيح وإنه مخالف لما عليه الصحابة في عهد عمر وعثمان وعلي ومخالف لجماهير الفقهاء قديما وحديثا وفي ذلك يقول صاحب كتاب فقه السنةج2 ص54 :

” وصح أن الناس كانوا يصلون على عهد عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم عشرين ركعة ” وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وداود الظاهري

قال الترمذي وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون ركعة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي وقال – أي الشافعي – هكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة ” وهؤلاء خير القرون وهم السلف الصالح والهداة إلي الخير فالخير في اختيارهم والهدى في نهجهم.

أقوال الأئمة في صلاة التراويح

جاء في كتاب الهدى النبوي الصحيح للشيخ الصابوني :قال الإمام الترمذي في جامعه المسمى ” سنن الترمذي ”

” أكثر أهل العلم على ما روي عن عمر ، وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : عشرين ركعة وهو قول سفيان الثوري وأبن المبارك والشافعي وقال الشافعي : وهكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة . أهـ.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد :

” اختار مالك – في أحد قوليه – وأبو حنيفة والشافعي وأحمد القيام بعشرين ركعة سوى الوتر”.

وقال الإمام النووي في المجموع :

” مذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر وذلك خمس ترويحات والترويحة أربع ركعات بتسليمتين “.

وبه قال أبو حنيفة وأصحابه و أحمد وداودو وغيرهم ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء.

وقال مالك: التراويح تسع ترويحات وهي ستة وثلاثين ركعة غير الوتر

واحتج أصحابنا بما رواه البيهقي بالإسناد الصحيح عن ” السائب بن يزيد ” الصحابي – رضي الله عن – قال ” كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام .

وعن يزيد بن رومان قال :” بثلاث وعشرين ركعة ” رواه مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان ، قال البهقي لكنه مرسل فان يزيد بن رومان لم يدرك عمر.

وقال يجمع بين الروايتين بأنهم كانوا يقومون بعشرين ركعة ويوترون بثلاث وروى البهقي عن علي – رضي الله عنه – أيضا قيام رمضان بعشرين ركعة ، المجموع .

وقال الإمام ابن تيمية في الفتاوي :” ثبت أن أبي بن كعب ، كان يقوم بالناس عشرين ركعة في رمضان ويوتر بثلاث فرأي كثير من العلماء أن ذلك هو السنة لأنه قام بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر”.

وفي مجموعة الفتاوى النجدية أن الشيخ عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب ذكر في جوابه عن عدد ركعات التروايح أن عمر – رضي الله عنه – لما جمع الناس على أبي بن كعب كانت صلاتهم عشرين ركعة .

فهذه النقول الكثيرة عن أئمة علماء المسلمين ، سلفا وخلفا تثبت بما لايحتمل الشك أن ما عليه المسلمون اليوم من صلاة التروايح ” عشرين ركعة ” هو الحق الذي لا محيد عنه وهو الذي تأكد بعمل الصحابة – رضوان الله عليهم جميعا – وبإجماع الأئمة المجتهدين – أئمة المذاهب الأربعة – الذي هم أعلام الهدى ومناورات العلم في كل زمان وحين وهو الذي أمر به عمر الفاروق – رضي الله عنه – الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه كما صح بذلك الحديث الشريف

وما يفعله المسلمون اليوم في الحرمين الشريفين من أداء صلاة التراويح عشرين ركعة أدل دليل على تمسكهم بالسنة التي أجمعت عليها الأمة منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

صلاة التراويح

لمشايخ الكويت

جاء في كتاب ” مجالس رمضان الوعظية “للشيخ عبد الله بن خلف الدحيان رحمه الله تعالى

والشيخ محمد بن سليمان الجراح رحمه الله تعالى:

وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات يكثر فيها من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف.

وكان صلوات الله وسلامة عليه: يحث على قيام رمضان ويرغب فيه أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “.

وأخرج النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أن الله فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامة فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه “.

قال العلماء :

والمراد بقيامه صلاة التراويح في لياليه وسميت تراويح لأن السلف كانوا يستريحون بعد كل تسليمتين، هي سنة مؤكدة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست محدثة لأمير المؤمنين عمر

ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ” أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بأصحابه ثلاثاً ثم تركها خشية أن تفرض ”

واستمر فعلها في غير الجماعة إلي خلافةعمر رضي الله عنه فلما رأي الناس يصلون أوزاعا جمعهم على أُبَّي بن كعب ، وتابعه على ذلك أصحابة ومن بعدهم .

قال السائب بين يزيد : لما جمع عمر رضي الله عنه الناس على أُبَّي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ويوتر الإمام بعدها بثلاث ركعات

واخرج مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال : كان الناس يقومون في عهد عمر رضي الله عنه بثلاث وعشرين ركعة ” (1)

وروى أبو بكر بن عبدالعزيز في كتابة الشافي عن ابن عباس رضي الله عنهما :” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة ” (2)

فقد استقر العمل عليها في سائر الأعصار والأمصار على أنها عشرون ركعة يسلم من كل ركعتين ينوي في أَوَّل كل ركعتين أنه يصليهما من التراويح المسنونة أو من قيام رمضان

وفعلها جماعة أفضل قال الإمام أحمد : كان علي وجابر وعبدالله رضي الله عنهم يصلونها في الجماعة (3).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وصلّى الله تعالى وسلَّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) وهذا في مظنّة الشهرة بحضرة الصحابة رضي الله عنهم فكان إجماعا.

(2) ولا بأس بزيادة على العشرين نصا قال عبد الله بن الإمام أحمد : رأيت أبى يصلى في رمضان ما لا أحصى، وكان عبد الرحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعة و يوتر بسبع.

(3) وروى الإمام أحمد وصححه الترمذي : ” من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ويكره التنفل بينها أي التراويح وقال في الشرح الكبير : نص عليه ، وقال فيه ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبادة، وأبى الدرداء، وعقبة بن عامر.