الصفحة الرئيسية » بحوث » لفت أنظار أهل الإحسان بما يخص صحبة القرآن

لفت أنظار أهل الإحسان بما يخص صحبة القرآن

لفت أنظار أهل الإحسان لما يخص صحبة القرآن

الحمد لله الذي أنزل القرآن وجعله نورا وهدا وفرقان والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام نبينا محمداً صفوة الرسل الكرام وآله وأصحابه الغر العظام. الذين حملوا القرآن جيل عن جيل إلى أن أوصلوه بين أيدينا من غير تحريف ولا تزييف ولا زيادة أو نقصان.
كيف لا يحملونه ويعتنون به وقد علموا أنه معجزة رسولهم الخالدة وأنه تعالى تكفل بحفظه فأرادوا الدخول في جملة من يحمله ويحفظه لينالوا الشرف بخدمة رسالة ربهم النازلة من السماء التي تحمل بين طياتها الهدى والنور والبركة.

قال تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم) الواقعة 76
كريم لما فيه من منافع جمة والكرم اسم جامع لما يحمد، وذلك لما فيه من النور والخير والبركة، فما لازم القرآن أحد قط إلا ونال شيء من بركاته وما نزل بساحته نازل وشرب من مورده شارب إلا ولقي ما لقي من البركات والرحمات

بركات القرآن
فمن بركات هذا الكتاب بركات على الروح العبد قال تعالى :
( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) يونس 57

قال بعض المحققين :
إن في ذلك إشارة إلى أن للنفس الإنسانية مراتب كمال، من تمسك بالقرآن فاز بها:

أحدها: تهذيب الظاهر عن فعل ما لا ينبغي و إليه الإشارة بالموعظة بناءً أن فيها الزجر عن المعاصي.
ثانيها: تهذيب الباطن عن العقائد الفاسدة و الملكات الرديئة و الأخلاق الذميمة و إليه الإشارة بشفاء لما في الصدور .
ثالثها: تحلي النفس بالعقائد الحقة و الأخلاق الفاضلة و لا يحصل ذلك إلا بالهدى .
رابعها: تجلي أنوار الرحمة الإلهية وتختص بالنفوس الكاملة المستعدة بما حصل لها من الكمال الظاهر والباطن لذلك.

وعن أبي سعيد في قوله تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)
قال: بفضل الله القرآن وبرحمته أن جعلكم من أهله.

ومن بركاته أيضا على قلب العبد ما جاء في الحديث (إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ، فقيل : يا رسول الله وما جلاؤها فقال علية السلام: تلاوة القرآن وذكر الموت) رواه البيهقي.

بركته على بدن العبد
يحفظ القرآن ببركته عقل العبد وبدنه

يقول عكرمة ( من قرأ القرآن لم يردُّ إلى أرذل العمر ) ثم قرأ ( لكيلا يعلم بعد علم شيئا) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
من قرأ القرآن لم يردَّ إلى أرذل العمر ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) وذلك قوله تعالى ( ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا ) قال إلا الذين قرؤوا القرآن.
وعن عبد الملك بن عمير ( أبقى الناس عقولاً قراء القرآن) .

شفاء لداء الجسد
يقول تعالى: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا). وعن خثيمة قال (عليكم بالشفاءين القرآن والعسل).

بركة على البيت الذي يقرأ فيه القرآن وعلى أهل البيت
يقول أبو هريرة : إن البيت الذي يُتلى فيه القرآن اتسع بأهله ، وكثُر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين ، وإن البيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله عز وجل : ضاق بأهله وقلَّ خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين ) والعياذ بالله .

وغيرها من البركات منها ما نعلم ومنها ما نجهل
قال ابن عباس : (إن للحسنة ضياءَ في الوجه ونوراً في القلب ، وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق) ولا شك في أن قارئ القرآن ينال من الحسنات والثواب الشيء الجزيل، وذلك من الفضل الذي خص الله به قارئ القرآن.

فضل القرآن
قال صلى الله عليه وسلم ( فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على سائر خلقه)

فضله على العبد في الدنيا
عن علي رضي الله عنه أنه قال: ( من قرأ القرآن على أي حالٍ قرأه فله بكل حرفٍ عشر حسنات).

يكفي الله تعالى قارئ القرآن مسألته
جاء في الحديث ( من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين)
رواه الترمذي حديث حسن غريب.

ويكون من خيرة الناس عند الله تعالى
قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وكان أبو عبد الرحمن السلمي راوي الحديث يعلِّم القرآن في زمان عثمان رضي الله عنه واستمر إلى زمن الحجاج، فقال: وذلك الذي أقعدني مقعدي هذا، يعنى هذا الحديث.

ومن فضله أيضا أن الملائكة تدنوا من قارئ القرآن
قال سفيان الثوري : إذا قرأ الرجل القرآن قبَّل الملك بين عينيه.
وقال عليه الصلاة والسلام : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة وذكرهم الله عز وجلَّ فيمن عنده).

رفعة للمؤمن
جاء في الحديث (إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)

القرآن خير للعبد من المال والنعم
عن عقبه بن عامر رضي الله عنه الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُفة ، فقال : ” أيكم يحب أن يغدوا كل يومٍ إلى بُطحان أو إلى العقيق ، فيأتي منه بناقتين كوْمَاوَيْن في غير إثم ولا قطع رحم ؟
فقلنا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك
قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل” رواه مسلم.

فضله على العبد في الآخرة
عن ابن عباس قال : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة في الدنيا ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك أن الله تعالى يقول : فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى – وجاء في الحديث (اقرءوا القرآن فانه نعم الشفيع لصاحبه يوم القيامة) رواه مسلم

وغيرها الكثير من الأحاديث التي لا يسعنا حصرها في هذا المقام ففضل القرآن أعظم من أن يحصره الكلام أو يوجزه اللسان.

فيا صاحب الهمة بعد ما علمت من بركة هذا الكتاب العظيم وفضله أقول لك:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

وان استعطت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل، وقل لنفسك التي بين جنبيك

أقسمت يا نفس لتنـزلنَّه *** كارهةً أو لتطاوعنه
مالي أراك تكرهين الجنة *** قد طال ما قد كنت مطمئنة

واتخذ القرآن صاحبا، فنعم الصاحب المبارك الوفي رفيق النهار تصحبه بالحفظ والمراجعة وأنيس الليل حين تقرأه بتدبر وتفكر في وقت يصفو فيه الذهن ويخلو من الشواغل فتنحت الآية في ذهنك تدعوك للعمل بمقتضاها وتحثُّك على تطبيق محتواها.

ثم اعلم أن لهذه الصحبة واجبات وحقوق منها:
1- الإخلاص لله تعالى عند تلاوته، فلا يقرؤه رِياءً ولا سُمعةً ولا عُجْبا.

2- الوفاء والإحسان ومن الإحسان لهذا الصاحب أن لا تنساه ولا تهجره.

قال صلى الله عليه وسلم:
( تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تَفَصِِِِِِِّياً من الإبل من عُقُلها ) رواه البخاري.

وقال عليه الصلاة والسلام ( من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله أجْذم ) رواه الدارامي في كتاب فضائل الأعمال، والأجذم المقطوع اليد،والمعنى كما قال ابن الأعرابي: يلقى الله خالي اليدين عن الخير

وقال آخر معناه: لقي الله لا حجة له ويقول الضحاك بن مُزاحم: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يُحْدِثُه، لأن الله تعالى يقول (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.

3- التأدب بآداب تلاوة القرآن: من طهارة واستقبال القبلة وستر العورة والسواك وطهارة المكان والاستعاذة والتدبر والخشوع وغيرها من الآداب الجمة كرفعه عن كل مهان وغيره مما يليق بقدسية كتاب الله عز وجل.

4- العمل بما فيه و الوقوف على حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه ، جعنا الله من القائمين على حدوده قبل حروفه.

5- أن تحسن تلاوته وتجويده، واسلك في ذلك طريق العلم. فإذا عزمت وشمَّرت فأبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ومن بطَّأَ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم.

وقد تتساءل؟؟
ما هو التجويد؟
وما هي أهميته؟

تعريف التجويد:
إعطاء كل حرف حقه ومستحقه.

ما هي أهميته:
1- يعصم اللسان من الوقوع في الخطأ في كتاب الله أو تحريف اللفظ وبالتالي تغير المعنى ، فمثلا لو قرأ قارئ في قوله تعالى (ولا الضَّالين) وقلب الضاد دالا لصارت ولا الدالين ولاختل المعنى وكذلك في قوله تعالى (عسى ربه) لو فخَّم قارئ حرف السين لصار الكلمة كأنها عصى ربه ، وكذلك لو قرأ قارئ قوله تعالى (يوم التلاق) ولم يرقق التاء لصارت يوم الطلاق. وقس على ذلك

2- تتوقف صحة الصلاة على صحة قراءة سورة الفاتحة وذلك لكونها ركن من أركان الصلاة. فلو تعمد قارئ أن يقول في قوله تعالى ( ولا الضَّالِّين ) ولا الظالين وقلب الضاد ظاءً لبطلت صلاته وكذلك على القارئ أن ينتبه للحروف المشددة في سورة الفاتحة وكذلك الإدغام الشمسي في (الرحمن الرحيم) وغيرها من الكلمات.

3- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بطريقة قراءته للقرآن مجوداً مرتلاً فعلى طالب العلم أن يتأسى بالسلف الصالح في ذلك أيضا ويعتني أشد العناية بتعلم كتاب الله تعالى

فلقد كان القرآن وتجويده من أول العلوم التي يعتنون بها ويعلمونها أولادهم لأنهم كانوا يبدءون بصغار العلم قبل كباره فلا يتجاوزون القرآن وتعلمه إلى غيره من العلوم حتى يتقنوه ويحفظوه لأنه أولى الكتب بالعناية والحفظ والإتقان

كيف لا يكون كذلك وهو معجزة الله الخالدة ورسالة رب العالمين إلى الناس أجمعين، فإذا ما اعتنيت بهذا الفن و قرأت القرآن بالطريقة الأولى التي أُنزل بها شعرت كأن القرآن يتنزل الآن

عن نواس بن سمعان – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(إذا أراد الله أن يُوحي بأمره تكلم بالوحي ، فإذا تكلم بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله تعالى فإذا سمع ذلك أهل السماوات صُعِقُوا وخروا سُجَّداً فيكون أوَّل من يرفع جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه الطبراني.

نعم أوحى الله تعالى القرآن إلى جبريل وجبريل عليه السلام نقل ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام كما أوحي إليه مجوَّداً تجويدا، وأخذ الصحابة بعد ذلك القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلوه إلينا كما تعلموه مجودا ًمرتلاً محفوظاً من التحريف والتزييف
فلله دَرُّ من سار على هدي النبي صلوات ربي عليه وصحابته في قراءة القرآن واتبع وما ابتدع.

4- قراءة القرآن بالتجويد تعطي فسحة للقلب بأن يتدبر ويتفكر ويخشع لما يسمع ، وذاك لأن التجويد يلزم القارئ بالحفاظ على مقدار الغنن في القراءة و توفية المدود وإعطاء الحروف حقها من تفخيم وترقيق وغيره وهذا كله يعطي القراءة تُؤده واطمئنان وتأني

ويعطي المستمع فسحة للتفكر والإمعان في الآيات وجمال سياقها وروعتها لا سيما إذا كان القارئ ممن فتح الله تعالى عليه بحسن الأداء ووفق في طريقة القراءة عند وقوفه على المعاني العظيمة في كتاب الله تعالى

فلا يقرأ الآية التي تحوي البشارة كقراءته للآية التي تحوي الوعيد ولا يقرأ آيات الرحمة والتفضل والنعم كآيات العتب واللوم، ولا يعطي آيات الحجة والاستنكار والبرهان والتعليم ما يعطي آيات الصبر والتسلية والتثبيت لرسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

كل آية لها ما يناسبها من أداء يناسب مقام كتاب الله من غير تمايل وفحش في التلحين وإنما هو التأدب بما يليق برسالة رب العالمين.

5- الالتزام بأحكام التجويد أثناء القراءة ، تجلي معاني كلام الله عز وجل وخاصة إن اعتنى القارئ بالوقف والابتداء وتظهر معاني جميلة جدا ودقيقة يدرك المستمع بها أن القرآن كتاب عظيم لا تنتهي عجائبه ولا تنقضي أسراره، يعظ فيسمع ويزجر فيوقع في القلب ما يوقع من خوف ورجاء مرهباً وبشيرا

فـ (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) لذا فإن قارئ القرآن المجيد يصادف لذته الروحية وأنسه الحقيقي الذي لا يعدله أنس ولا تضاهيه لذة ولا متعة ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

قال القاسم بن عبد الرحمن : قلت لبعض النساك ما ههنا أحد نستأنس به ؟
فمدّ يده إلى المصحف ووضعه على حِجره وقال:هذا.
والحق أن قراءة القرآن بالتجويد لا يتأثر بل المؤمن فقط بل حتى الكافر قد يسلم على يد قارئ من قراءته فقط
يروى عن الإمام أبي عبد الله بن علي البغدادي، المعروف بسبط الخياط، أنه كان قد أُعطي من ذلك حظاً عظيماً وأنه أسلم جماعةٌ من اليهود والنصارى من سماع قراءته فقط

بل قد يظهر أثر القراءة الجميلة حتى على ما لا يعقل من الدواب والطيور، يروى عن الشيخ تقي الدين محمد بن أحمد الصائغ المصري – رحمه الله – وكان أُستاذاً في التجويد ، أنه قرأ يوما في صلاة الصبح (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد )وكرر هذه الآية فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى أكملها فنظروا إليه فإذا هو الهدهد.

وكذلك الجن تعجب من كتاب الله حين سمعته، وكيف لا وقد كان يُتلى على أكمل وجه و ذاك في زمن النبوة، قال تعالى: ( قل أوحي إلي أنه استمع نفرٌ من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرءاناً عجبا).

وكيف لا يتأثر الخلق من إنسٍ وجنٍ وبهائمَ وطيور وهو كلام ربِّهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وربما أردت دليلا يطمئنك وداعيا من الكتاب أو السنة يحفزك لتعلم التجويد.

فما هي أدلة وجوب التجويد؟

لقد وردت أدلة من الكتاب والسنة على وجوب تجويد القرآن، منها:

قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا )، قال ابن عباس: (بيِّنْه بياناً) والبيان لا يتأتى إلا مع مراعاة قواعد التجويد.

قوله تعالى : (اقرؤوا ما تيسر من القرآن) وقراءة القرآن عبادة والعبادات توقيفية، فكما تلقينا كيفية الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام تلقينا كيفية قراءة القرآن فنقرأه بالكيفية التي قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم

قوله تعالى : (الذين ءاتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) قال ابن جرير الطبري بسنده ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :

والذي نفسي بيده إنَّ حق تلاوته أن يُحِل حلاله و يحرم حرامه و يقرأهُ كما أنزله الله و لا يحرف الكَلِم عن مواضعه.

عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان يُقرِئُ رجلاً فقرأ الرجل ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، مرسلة أي بدون مد الفقراء مداً متصلاً واجباً
فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : كيف أقْرَأكها يا أبا عبد الرحمن ؟
فقال : أقرأنيها (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) فمدها.

واعلم، أنك إذا قرأت القرآن وأخلصت وأتقنت وجودت، أو اجتهدت وحاولت فستحظى بالميزات الربانية

قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله أهلين من الناس ، قيل ومن هم يا رسول الله ؟،قال :أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) أخرجه النَّسائي.

وقال عليه الصلاة والسلام: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكِرام البررة، والذي يقرؤه وهو شديد عليه فله أجران) رواه مسلم.

ولعله خطر ببالك الآن هذا السؤال كيف أتعلم التجويد؟
قال تعالى: (وائتوا البيوت من أبوابها)
قال الشيخ السعدي، أي ائتوا كل أمر من الطريق الموصل إليه المسهل لحصوله.

والطريق الموصل لتعلم التجويد هو الآتي:
1- اعلم أن قراءة القرآن عبادة توقيفية لا بد فيها من الإتباع ، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ القرآن كان عن طريق العرض والسماع وذاك لأن القرآن لا يؤخذ إلا عن طريق المشافهة

روى البخاري في كتاب فضائل القرآن (عن فاطمة رضي الله عنها قالت: أَسَرَّ إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم إن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلى.)

فمعنى هذا أن جبريل يقرأ القرآن والنبي يسمع، ثم النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وجبريل يسمع.

لذا لا بد من التصحيح على شيخ متقن، بعرض قراءتك عليه ليرشدك إلى مواطن زللك وينبهك على نقصك وخللك، ثم يقرأ الشيخ وتسمع منه وفي استماع الطالب لقراءة الشيخ فوائد تزيد على عرض القراءة فقط من هذه الفوائد الآتي:

• عند قراءة الشيخ للطالب يتمكن الطالب من النظر إلى الشيخ وهو يقرأ وإلى طريقة إخراجه بعض الحروف في عدة آيات وذلك يسعف الطالب في معرفة أخطائه في عدة مواطن ، وإلى إدراكه للطريقة المثلى في القراءة

فقد لا يحصل للطالب أن يوقفه الشيخ على بعض الحروف والأحكام لأنه أتى بها بشكل جيد أو مقبول أثناء عرض قراءته على شيخه ولم يخطئ فيها الخطأ الذي يستدعي الشيخ أن ينبهه عليه، ولكن حين يقرأ الشيخ يدرك الطالب أن هناك درجة أجود في إخراج هذا الحكم فيسعى للإتيان بها بمجرد سماعه.

• فن الأداء وطريقة تلاوة الآية فن لا يُدرك حتى يسمع الطالب من شيخه قراءته فيدرك بعض الأسرار وجمال العرض للآيات بشكل يناسب المعنى والتسلسل القرآني الحكيم ، فتجد الشيخ يعدل من طريقة أداء إلى أخرى برقة وعذوبة تتناسب مع مواضيع الآيات وهذا لا يحصل حين يقرأ الطالب والشيخ يصحح له فقط.

• كثرة سماع الطالب من شيخه تساعده على أن يَعِيَ الأحكام بشكل أكبر فتجد أن الطالب يسمع خطأه الواحد عدة مرات وفي أكثر من موطن

فحين يسمع من شيخه مثلا أثناء قراءته أحد الحروف التي يخطأ في إخراجها كحرف (التاء) مثلاً يسمع الطالب من الشيخ طريقة إخراج هذا الحرف بكل حالاته سواء أكان ساكناً كالوقف على قوله تعالى (بيناتْ) أو مفتوح كـ(ليلةََ الصيام ) أو مكسور كما في قوله تعالى (تِلك حدود الله)

فقد يحدث أن يخطئ في إخراج حرف حال كسره ولا يخطئ به حال فتحه مثلا، وسماع القراءة من شيخه تساعده على سماع مخرج الحرف الواحد مع النظر إلى طريقة إخراجه بكل حالاته ، وعلى سماع مقدار الغنن بكل صورها سواء في الإدغام أو الإخفاء أو الانقلاب وإلى سماع المدود بكل أشكالها سواء أكان مد طبيعي أو متصل أو منفصل أو لازم.

فترى الطالب قد استفاد من عدة أوجه وفي أكثر من حكم وتردد عليه الحكم عدة مرات وهذا لا يحصل عند قراءة الطالب على شيخه فإن الشيخ قد لا يوقف الطالب على كل زلل إما لسهوه أو نسيانه أو تركه ذلك تعمدا خشية من سآمة الطالب والإثقال عليه

وفي سماع القراءة من الشيخ توفير للوقت وفوائد لا تحصل في طريقة العرض فقط. والله تعالى أعلم.
وصدق القائل :
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهةً *** يكن عن الزيغ والتصحيف في حَرم
ومن يكن آخذاً للعلم من صُحُفٍ *** فعلمه عند أهل العلم كالعدم

ومن الأدلة على أن القرآن يُؤخذ من أفواه المقرئين ما جاء في الحديث أنه (ذَكَرَ عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن مسعود فقال : لا أزال أحبه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعةٍ : عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأُبي بن كعب) رواه البخاري

يقول الشيخ أحمد الحسيني رحمه الله تعالى، فيما يؤخذ من هذا الحديث:

أ‌- قراءة القرآن تؤخذ بالتلقي من أفواه المقرئين .

ب – مشروعية تحري الضابطين من أهل القرآن للأخذ عنهم والتلقي منهم فهذا القرآن لا يؤخذ عن كل أحد.

ج- محبة أهل القرآن، القراء الحافظين على وجه الخصوص لأن صدورهم أوعيةٌ لكتاب الله تعالى.

ومن الأدلة أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام :

(من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أمِّ عَبْد) رواه الإمام أحمد في مسنده. و(ابن أم عبد) هو عبد الله بن مسعود

وفي ذلك دعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستماع إلى قراءة عبد الله بن مسعود والقراءة على نحوها.

2- تعلم أحكام التجويد ،وهذا أيضا يكون على شيخ متقن، فيدرسها دراسة جيدة مع التطبيق والنظر في المصحف فإن ذلك يختصر الوقت ويجمع على الطالب إذ تجمع له الأحكام المتماثلة في باب واحد وكذلك يتنبه لبعض الأوجه في القراءة ، فيتعلمها ثم يتدرب عليها حين يلاحظها في المصحف

3- رياضة اللسان بمحاولة تصحيح مخارج الحروف وإخراج الغنن والمدود بشكل صحيح وغيرها من الأحكام التي لا تتأتى للطالب إلا بالتكرار والرياضة المستمرة للسان

يقول ابن الجزري :
وليس بينه وبين تركه *** إلا رياضة امرئ بفكه
ويقول أبي عمرٍ الداني – رحمه الله – حيث يقول: ليس بين التجويد وتركه إلا رياضةٌ لمن تدبَّرهُ بفكه.

4- وعلى الطالب أن لا يغفل أيضا عن الاستماع إلى القراء المجيدين فكما أن طالب أي فن من الفنون يعتمد في دراسته على الكتب والمراجع الأمهات ، فكذلك طالب التجويد يجب أن يدمن سماع القراء المتقنين الثقات من أمثال المشايخ : محمود خليل الحصري، ومحمود على البنا، مصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط ومحمد رفعت، وأحمد الرز يقي.

وغيرهم ممن يحاكيهم في الإتقان وجودة القراءة فمثل هؤلاء البارعين يكاد لا يدرك عليهم زلل ولا يسمع منهم غير الجودة والتمكن من التلاوة الخالية من اللحن و الخلل.
والله تعالى أعلم

خاتمة
الحمد لله الذي وفق وسدد وأعان بفتحه كل من جد فأنجز وبعد: فهذه رسالتي القصيرة كتبتها لأهل الإحسان والعلم والبصيرة،ما كان فيها من الصواب فمن فضل الله وما كان فيها من الزلل فمن تقصيري والشيطان والله المستعان.

وأختم ما كان بموعظة أوجز فيها الكلام فأقول ناصحة نفسي قبلك يا صاحب القرآن ،هلا أجمعت الهمم، بعد ما أتاك من العلم واجتهدت وأخذت ما سمعت بالقوة والحزم فإن باب صحبة القرآن و تعلمه باب خير عظيم حرم منه الكثير إما بذنب أو تقصير فلنكن في زمرة السابقين مع الطيبين الخيريين وإلا فلنرضى بمنزلة المتخلفين المتأخرين.

وإني لأظن أنه لا يزال في القلب همة ترجوا توقدها ونور يبادر إلى توهجه فإنا نسأل الله أن لا تخمد الهمة ولا يُظْلِم النور وأن نوفق للسعي لما ينفعنا وينجينا ويرقى بنا إلى أعلى عليين ، قائمين بحق صحبة القرآن الكريم لنكن في زمرة النبيين و البررة الحفاظ المتقنين.

هذا وصلى الله على سيدنا محمد الهادي الأمين وأصحابه الأطهار الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،و الحمد لله رب العالمين.

كتبته الفقيرة إلى ربها:
حنين مساعد الصانع
حنين الجذع