الصفحة الرئيسية » بحوث » ما بني من الأفعال على حرف واحد

ما بني من الأفعال على حرف واحد

ما بُني من الأفعال على حرف واحد

د. محمد حسان الطيان

حكى السيوطي في (البغية) أن أبا حاتم السجستاني[1] دخل بغداد فسُئل عن قوله تعالى:

{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}[2]، ما يقال منه للواحد ؟

فقال: قِ،

فقال: فالاثنين ؟

فقال: قيا.

قال فالجمع ؟

قال: قوا،

قال: فاجمع لي الثلاثة، قال: قِ، قيا، قوا.

قال وفي ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد: احتفظ بثيابي حتى أجيء، ومضى إلى صاحب الشُّرطة، وقال: إني ظفرت بقومٍ زنادقة يقرؤون القرآن على صياح الديك. فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشُّرطة فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشُّرْطة، فسألنا فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر وقد اجتمع خلق من خلق الله، ينظرون ما يكون، فعنَّفني وقال: مثلك يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا ! وعمَد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة، وقال: لا تعودوا إلى مثل هذا، فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعاً، ولم يُقِمْ ببغداد ولم يأخذ عنه أهلها [3].

فعل وقى وأمثاله عند الإسناد

سقت هذه القصة لأتوقف عند فعل (وقى) وما لفَّ لفّه مما يسمّى في العربية باللّفيف المفروق, إذ تحذف منه فاؤه لدى تصرّفه في المضارع كما تحذف من المثال الواوي (كوعد يعِد، وورد يرِد) لوقوعها بين عدوتيها الياء المفتوحة والكسرة فيصير: (يقي) ثم يُبنى على حذف حرف العلة من آخره لدى تصرفه في الأمر كما يُبنى كل معتل ناقص كـ (اسعَ، وامشِ، وادنُ) فيصير (قِ) أي إنه يبقى على حرف واحد هو عين الكلمة.

وقد جمع هذه الأفعال ابن مالك صاحب الألفية مبيّناً كيفية إسنادها للواحد المذكر، ثم المثنى مطلقاً، ثم الجمع المذكر، ثم الواحدة ثم جمعها، وذلك في عشر أبيات طريفة – ليست من الألفية – يقول فيها:

إنّي أقولُ لمنْ تُرجى مودَّتُهُ قِ المستجير قياهُ قُوهُ قِي قِينَ

وإنْ صرفتَ لوَالٍ شُغْلَ آخرَ قُلْ لِ شُغْلَ هذا لِياهُ لُوهُ لِي لِينَ

وإنْ وشَى ثوبَ غيري قلتُ في ضجرٍ شِ الثوبَ وَيْكَ شِياهُ شُوهُ شِي شِينَ

وقُلْ لقاتِل إنسانٍ على خطأٍ دِ مَنْ قتَلْتَ دِياهُ دُوهُ دِي دِينَ

وإنْ همُ لمْ يَرَوْا رأيي أَقُولُ لهمْ رَ الرأيَ وَيْكَ رَياه رَوْه رَيْ رَيْنَ

وإنْ همُ لمْ يَعُوا قوْلِي أَقُولُ لهمْ ع ِالقولَ مِنِّي عِياهُ عُوهُ عِي عِينَ

وإن أمَرْتَ بِوَأْيٍ للمُحِبِّ فقلْ إِ مَنْ تُحِبُّ إياهُ أوهُ إِي إينَ

وإنْ أردْتَ الوَنَى وَهْوَ الفُتُورُ فقلْ نِ يا خَلِيلِي نِياهُ نُوهُ نِي نِينَ

وإنْ أبَى أن يَفِي بالعهدِ قلتُ لَهُ فِ يا فلانُ فِياهُ فُوهُ فِي فِينَ

وقُلْ لساكِنِ قلْبِي إنْ سِوَاكَ بِهِ جِ القلبَ مِنِّي جِياهُ جُوهُ جِي جِينَ [4]

ذكر هذه الأبيات الشيخ الخضري في حاشيته على ابن عقيل ثم أردفها بالقول:

(فهذه عشرة أفعال كلها بالكسر إلا (رَ) فيفتح في جميع أمثلته لفتح عين مضارعه، وكلها متعدية إلا (نِ) فلازم لأنه بمعنى تأنَّ. فالهاء في نِيَاه هاء المصدر لا المفعول به) [5].

والحقُّ أن هذه الأبيات لا تحيط بكل ما في العربية من أفعال اللفيف المفروق وإنما تقتصر على تسعة منها هي كل ما جاء مكسوراً فيها، أمّا (رَ) وهو المفتوح الوحيد فيها فليس من هذا الضرب، وإنما هو ناقص مهموز العين، إذ إن أصله (رأى) ومضارعه (يرأى) إلا أنَّ همزته تسقط تخفيفاً فيبقى على (يرى) ثم يبنى على حذف حرف العلة من آخره في صيغة الأمر فيبقى على (رَ) ووزنه (فَـ) لأن ما سقط منه هو العين واللام خلافاً لسائر الأفعال المذكورة في الأبيات إذ إنَّ وزنها (عِ) لأن ما سقط منها هو الفاء واللام.

* شواهد على اللفيف المفروق

وأما مبلغ عدة اللفيف المفروق في العربية فهو ثمانية عشر فعلاً وفق ما دلَّ عليه إحصاؤنا للأفعال العربية في المعجم الحاسوبي [6].

يضاف إليها أربعة أفعال لم نثبتها في معجمنا لضعف روايتها وانفراد بعض المعجمات بها. ويبلغ المجموع بها اثنين وعشرين فعلاً، فإذا استثنينا ما جاء في الأبيات السالفة منها، بقي لدينا ثلاثة عشر فعلاً تحتاج إلى مزيد بيان وإيضاح، وسأسردها فيما يلي مشفوعة بأبوابها الصرفية، ومصادرها، ومعانيها المختلفة، مع شواهد لها، محيلاً على أشهر المعجمات التي وردت فيها:

1 – وَثَى: أورد صاحب اللسان هذا الفعل بمعنى وشى في رواية – انفرد بها ابن الأعرابي وهو مولع بالنوادر – هذا نصها:

(وثى به إلى السلطان: وشى، عن ابن الأعرابي، وأنشد:

يجمع للرِّعاءِ في ثلاثِ

طولَ الصَّوى وقلةَ الإرْعاثِ

جمعَكَ للمُخاصم المُواثي

كأنه جاء على واثاه، والمعروف عندنا أثى) [7].

على حين عدّ صاحب القاموس الوثيَ لغةً في الوثء [8], وهو وصْمٌ يصيب اللحم ولا يبلغ العظمَ فيَرِمُ [9]

قال: (الوَثْيُ الوثْءُ ووُثِيَتْ يده بالضم فهي مَوْثِيَّة) [10].

وزاد صاحب التاج: (ونصُّ الليث وُثِيَتْ يدُهُ كرُمِيَتْ) [11].

ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا الحاسوبي السالف لضعف روايته.

2 – وحَى: وَحَى يحِي وحياً، وقد ورد هذا الفعل بعدةِ معانٍ أشهرها:

أ – الإشارة والإلهام: قال: وَحَيْتُ إليه الكلام وأوْحَيْتُ [12].

ب – الكتابة: يقال: وَحَيْتُ الكتاب أَحِيه وَحْياً أي كتبْتُه. قال العجاج:

حتّى نَحَاهم جدُّنا والنّاحي

لقَدَرٍ كانَ وحاهُ الواحي

بثرْمَداءَ جهْرةَ الفِضاحِ

جـ – الإسراع: وحى وتوحّى بالشيء أسرع [13].

3 – وَخَى: وَخَى يخِي وخْياً إذا توجه لوجه، ووخى الأمر: قصده.

أنشد الأصمعي:

قالتْ ولم تقصِدْ له ولم تَخِهْ

ما بالُ شيخٍ آضَ من تشيُّخِهْ

كالكُرّزِ المربوطِ بين أَفْرُخِهْ [14]

وقال الشاعر:

لو أبصرَتْ أبْكَمَ أعْمى أصْلَخا إذاً لسَمًّى واهتدى أنَّى وَخَى

أي أنَّى توجّه [15].

4 – وذِي: جاء في اللسان: (ابن الأعرابي: هو الوَذْيُ والوَذِيُّ، وقد أوذَى ووَذِي [16].

وهذا الفعل مما استدركه الزبيدي في التاج على القاموس، قال:

(ومما يستدرك عليه: الوذْيُ: هو الودي، لما يخرج من الذكر بعد البول، لغة فيه عن ابن الأعرابي، ويُشدَّد أيضاً، وقد وذِي وأوذَى.

ونقل ابن القطّاع عن ابن دريد وَذَى الحمارُ: أدْلَى [17] بالدال المهملة [18]، وشهوة وذِيّة كغَبِيَّة أي حقيرة) [19]. ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا أيضاً.

5 – ورى: وَرَى يرِي وَرْياً. وورِي يرِي وَيورَى ورْياً ووُرِيًّا ورِيةً. وله معانٍ أشهرها:

أ – ورى القيحُ جوفَهُ يرِيه ورْياً أكَلَه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيحاً حتى يرِيَهُ خيرٌ له من أن يمتلئ شِعراً).

وتقول منه: رِ يا رجل، وريا للاثنين، ورُوا للجماعة، وللمرأة رِي، وللمرأتين رِيا، وللنسوة رِينَ، والاسم الوَرَى بالتحريك [20].

ب – وَرَتِ النارُ ترِي وَرْياً ورِيَةً حسنةً، وَوَرِيَ الزَّند يرِي ووَرَى يرِي ويورَى وَرْياً ووُرِيًّا ورِيَةً، وهو وارٍ ووَرِيٌّ: اتَّقَد.

قال الشاعر:

وجَدْنا زَنْدَ جدِّهمُ ورِيًّا وزِنْدَ بني هَوازِنَ غير وارِي [21]

جـ – وَرِيَ المخُّ كَوَلِيَ: اكتنز [22].

6 – وزى: وزَى يزِي. وقد عدَّه صاحب القاموس [23] واويًّا إذ رسم واواً قبله فتعقَّبه الزّبيدي بقوله:

( (و) هكذا في النسخ كأنه اغترَّ بما في نسخ الصحاح من كتابة الوزا بالألف فحسب أنه واوي، وقد صرَّح ابن عديس وغيره من الأئمة نقلاً عن البطليوسي أن الوزى يكتب بالياء لأن الفاء واللام لا يكونان واواً في حرف واحد، كما كرهوا أن تكون العين واللام في مثل قووت من القوّة فردُّوه إلى فعلت فقالوا قويت فتأمل ذلك) [24].

ولهذا الفعل معنيان:

أ – وَزَى الشيءُ يزِي: اجتمع وتقبّض [25] .

ب – وزَى فلاناً الأمرُ أي غاظه، ووزاه الحسدُ

قال يزيد بن الحكم:

إذا ساف من أعْيارِ صَيْفٍ مَصامة وزاهُ نشيجٌ عندها وشهيقُ

ولا يخفى ما بين المعنيين من صلة؛ لأن المغيظ تنقبض أسارير وجهه وتجتمع.

7 – وسى: وسَى رأسَهُ وأوْساهُ إذا حلقه بالمُوسَى [26]، وهو مما استدركه صاحب التاج على القاموس أيضاً، قال:

(ومما يستدرك عليه الوسْيُ الحلْقُ، وقد وَسَى رأسَهُ كأوْسى) [27].

8 – وصى: وصَى يصِي وَصْياً: وصلَ واتّصل. جاء في اللسان:

ووصَى الرجلَ وصياً: وَصَلَهُ: ووصَى الشيءَ بغيره وصياً: وصله. أبو عبيد: وصيتُ الشيء ووصلتُه سواء، قال ذو الرمّة:

نَصِي الليلَ بالأيّام, حتى صلاتُنا مُقاسَمَةُ يَشتَقُّ أنصافَها السَّفْرُ [28]

ثم قال: (قال الأصمعي: وصَى الشيءُ يصي إذا اتّصل، ووصّاه غيره يصِيه وصلَه).

هذا وقد انفرد صاحب القاموس بإيراد معنى لهذا الفعل يجعله في زمرة الأضداد، قال: (وَصَى كوَعَى: خسَّ بعد رفْعة واتَّزنَ بعد خِفَّةٍ) [29].

إلا أنّ الزبيدي تعقّبه بقوله: (قلت لم أر هذا لأحد من الأئمة وقد مرَّ هذا المعنى في (لشا) عن ابن الأعرابي)[30].

9 – وطى: نصَّ عليه صاحب اللسان بقوله: (وَطِيتُهُ وطْأً: لغة في وَطِئْتُهُ) [31].

وهو مما استدركه الزبيدي على القاموس حيث قال:

(ومما يستدرك عليه: وطِيتُه لغة في وطِئْتُهُ عن سيبويه، وقد تقدَّم) [32].

وجاء في مادة (وطأ): (وقرأ بعضهم: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [ طه: 1 – 2 ] بتسكين الهاء وقالوا أراد: طَأِ الأرض بقدميك جميعاً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع إحدى رجليه في صلاته.

قال ابن جني: فالهاء على هذا بدل من همزة طأ) [33].

قلت: وهذه القراءة تنسب إلى الحسن كما جاء في مختصر شواذّ القرآن لابن خالويه [34].

على حين نسبها أبو حيان في البحر إلى فرقة ، منهم الحسن وعكرمة وأبو حنيفة وورش في اختياره [35] .

وقد أورد أبو حيان في تفسير {طه} على قراءة الجهور – أي طاها – قولاً يلتقي مع ما جاء في اللسان، قال:

(وقيل طا فعل أمر، وأصله طأ الأرضَ، أي طأ الأرض بقدميك ولا تراوح، إذ كان يراوح حتى تورَّمت قدماه).

ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا الحاسوبي لأننا استبعدنا اللغات.

10 – وكى: وَكَى القِرْبَةَ وأوكاها وأوكى عليها إذا شدَّ وِكاءَها أي رِباطَها [36]

جاء في التاج: (.. قال وأوكى رباعياً أفصح من الثلاثي كما في الفصيح وغيره.

قلت: ولذا اقتصر عليه الجوهري) [37].

11 – ومى: وَمَى يمِي. أورده صاحب اللسان بقَوله: (الفرّاء: أومى يومي وومَى يمِي مثل أوحى ووحى) [38].

والإيماء الإشارة بالأعضاء. وهو مما استدركه الزبيدي على القاموس في التاج[39].

ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا.

12 – وهى: وهَى يهِي: ووَهيَ يهِي وهياً، كوعَى وولِي: تخرَّق وانشقَّ واسترخى رباطُهُ.

قال ابن هرْمة:

فإن الغيثَ قد وهِيتْ كُلاهُ ببطحاءِ السَّيالة فالنظيمِ [40]

13 – يدي: يدَى يدِي، ويدِي يَيْدَى. يتصرف من بابين ولكل منهما معنى أو أكثر:

أ – يدِي فلانٌ من يدِه كرضي: ذهبت يده وَيَبِسَتْ

ومنه قول الكميت:

فأيٌّ ما يكنْ يكُ وهْو منّا بأيدٍ ما وَبَطْنَ ولا يَدِينا [41]

ب ـ يَدَيْتُ الرجلَ يَدْياً: أصبت يده أو ضربتها فهو مَيْديٌّ.

ويَدَيتُ الرجل: اتخذت عنده يداً، كأيديت عنده يداً فأنا مودٍ وهو مودًى إليه.

قال بعض بني أسد:

يَدَيتُ على ابنِ حسحاسِ بنِ وهْبٍ بأسفلِ ذي الجِذاةِ يَدَ الكريم

وأنشد شمر لابن أحمر:

يدٌ ما قد يَدَيْتُ على سُكَينٍ وعبد الله، إذ نهِشَ الكُفُوفُ [42]

أفعال أخرى تبقى على حرف واحد

وبعدُ فليس هذا الضرب من الأفعال – أعني ما يبقى على حرف واحد في صيغة الأمر – مقصوراً على اللفيف المفروق، بل تدخل فيه أنواع صرفية أخرى كما رأينا في (رأى) التي تصبح على (رَ) وكما ذكر ابن جني في (بأى) التي تخفف في الأمور فتغدو (بَ) [43].

وعليه فإن معظم حروف العربية يمكن أن تستعمل على هذا النحو، وقد أفرد لها ابن جني فصلاً من كتاب سر الصناعة عنونه بقوله:

(وهذا فصل لإفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم) [44]

أتى فيه على حروف العربية حرفاً حرفاً، ونصَّ على إغفال ما أغفل منها – أي لم يستعمل منه فعل أمر – وهي سبعة أحرف: (الضاد, والطاء، والظاء، والغين, والواو، والمدّة, والياء).

وكل هذه الحروف مهمل في المعجمات أيضاً عدا الطاء، فقد ورد لغةً في وطِئ كما تقدّم.

إن إنعام النظر في جملة ما ورد من هذه الأفعال في العربية يفضي بنا إلى ملاحظة جملة من الأمور أهمها:

– كل هذه الأفعال واوي الفاء، عدا الأخيرة وهو (يدي) فيائيٌّ، ولم يمنع ذلك من وجود (ودي) الواوي.

– جل هذه الأفعال يتصرف من باب ضرب (الباب الثاني: فتح كسر) وبعضها يجمع إليه باب حسِب (الباب السادس: كسرتان) فيتصرف من بابين (كورِي ووهِي) وبعضها يقتصر على الباب السادس (كَوَلِي).

وفي جميع ذلك ينبغي حذف الفاء لوقوعها بين عدوتيها كما سلف بيانه، غير أن هناك فعلاً واحداً اقتصر تصرُّفه على باب عَلِمَ (الباب الرابع: كسر فتح) وهو: (وجِي يوجَى) بمعنى حفِي، مما يقتضي ثبوت الفاء فيه في صيغتي المضاري والأمر لعدم وقوعها بين عدوتيها ؛ إذ انفتح ما بعدها.

على أن ابن مالك لم يستعمل هذا الفعل في أبياته السالفة بهذا المعنى، وإنما استعمله بمعنى اللكز والقطع، مما يدل على أنه تسهيل لفعل (وجأ يجأ) [45].

وهو أيضاً مفتوح العين، وإن حذفت فاؤه كما حذفت من يَهَب ويضَع، مما يقتضي فتح العين في صيغة الأمر أيضاً، فنقول منه (جَ) يا فلان وليس (جِ) كما ورد في الأبيات

وعليه فثمَّة فعلان مفتوحان لا فعل واحد كما جاء في حاشية الخضري في النقل المتقدم. إلا أن ابن جني حكي لغةً لبعض العرب (جا يجي) بغير همز ثم قال: (فإذا أمرت قلت: جِ يا رجلُ، وجِيا، وجُوا، وجِي يا امرأة، وجِيا، وجِينَ، فاعرفه) [46].

وقبل أن أختم القول عنَّ لي أن أنظم ما فات ابن مالك رحمه الله نظمُهُ من هذه الأفعال، فقلت محاكياً نظمه:

إنّي أقولُ لمنْ طالت قطيعَتُهُ صِ الرَّحْمَ ويك صِياهُ صُوهُ صِي صِينَ

وإنْ وشَيْتَ بقوم مفسدين فقلْ ثِ بالمسيء ثِياهُ ثُوهُ ثِي ثِينَ

وإنْ أمرتَ بكَتْبٍ للكتابِ فقل حِ يا صديقي حِياهُ حُوهُ حِي حِينَ

كذا تقول من الإيماء في خَفَرٍ مِ يا خليلي مِياهُ مُوهُ مِي مِينَ

وإنْ أشرْتَ بقصْدٍ للمسيرِ فقلْ خِ الدَّربَ نهجاً خِياهُ خُوهُ خِي خِينَ

وإن فرَغْتُ من الإحرامِ نُودِيَ بي سِ الرأسَ حالاً سِياهُ سُوهُ سِي سِينَ

وإنْ قصدتَ اتَّقاد الزَّند قلت له رِ يا زُنيدُ رِياهُ رُوهُ رِي رِينَ

وقلْ لمن يُكثرُ الإسرافَ في بَطَرٍ كِ الكيسَ وَيْكَ كِياهُ كُوهُ كِي كِينَ

وقلْ للابسِ ثوبٍ بعد طولِ بِلًى هِ الثوبَ وَيْكَ هِياهُ هُوهُ هِي هِينَ

وإنْ أمرتَ بغيظٍ للعدوِّ فقلْ زِ القومَ جميعاً زِياهُ زُوهُ زِي زِينَ

وقُلْ لمن يزدهي كبراً وعجرفةً طَ التُّربَ وَيكَ طَياهُ طَوهُ طَيْ طَيْنَ

وإن أمرتَ بوذْيٍ قلت في ضَحِكٍ ذِ يا حماري ذِياهُ ذُوهُ ذِي ذِينَ

ـــــــــــــــــــــــ

[1] الإمام العلامة سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري, مقرئ نحوي لغوي, أخذ عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي ويعقوب الحضرمي, وتصدّر للإقراء والحديث والعربية. حدّث عنه أبو داود والنسائي وعدد كثير, وتخّرج به أئمة منهم المبرد, وله باع طويل في اللغة والشعر والعروض واستخراج المعمّى. خلّف آثاراً كثيرةً منها: إعراب القرآن, والمقصور والممدود, وما يلحن فيه العامة, والقراءات, واختلاف المصاحف. وكان يقول قرأت كتاب سيبويه على الأخفش مرتين. توفي سنة 255هـ, سير أعلام النبلاء 12/268 ـ 270. وانظر طبقات النحويين واللغويين للزُّبيدي 94 ـ 96, وبغية الوعاة 1/606.

[2] التحريم: 6.

[3] بغية الوعاة 1/606

[4] حاشية الخضري على ابن عقيل 31, وحاشية تشويق الخلان على شرح الآجرّومية 94, والفضل في تنبيهي على هذه الأبيات ومصدرها ينصرف إلى شيخنا العلامة محمد صالح الفرفور رحمه الله تعالى وجزاه الجزاء الأوفى.

[5] حاشية الخضراوي 31.

[6] انظر (إحصاء الأفعال العربية في المعجم الحاسوبي) ص24.

[7] اللسان (وثى).

[8] القاموس (وثى).

[9] اللسان (وثاً).

[10] القاموس (وثى).

[11] التاج (وثي).

[12] اللسان والتاج (وحى).

[13] اللسان والقاموس (وحى).

[14] اللسان (وخى). وفي القاموس: (توخّى رضاه: تحرّاه, كوخاه).

[15] اللسان (وخى وصلخ) التاج (وخى).

[16] اللسان (وذي).

[17] أدلى الفرس وغيره: أخرج جردانَهُ ليبول أو يضرب. اللسان (دلا).

[18] الذي في طبعة التاج الحديثة (طبعة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت): (وذى الحمارُ: أذْلَى, بالذال المعجمة) وقد عزا المحقق ذلك إلى كتاب الأفعال 3/334.

[19] التاج (وذي).

[20] اللسان (وري).

[21] اللسان (وري).

[22] القاموس (وري).

[23] القاموس (وزا).

[24] التاج (وزي).

[25] اللسان (وزي).

[26] اللسان (وسي).

[27] التاج (وسي).

[28] اللسان (وصي).

[29] القاموس (وصي).

[30] التاج (وصى).

[31] اللسان (وطي).

[32] التاج (وطي).

[33] اللسان والتاج (وطأ).

[34] مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع 87.

[35] البحر المحيط 6/224.

وانظر معجم القراءات للدكتور عبد اللطيف الخطيب 5/407 ـ 408.

[36] اللسان والقاموس (وكى).

[37] التاج (وكي).

[38] اللسان (ومي).

[39] التاج (ومي).

[40] اللسان والقاموس (وهي).

[41] وبطن: ضعُفن, ويدين: شَللْنَ. اللسان والتاج (يدي).

[42] اللسان (يدي).

[43] سر الصناعة 2/822.

[44] سر الصناعة 2/831.

[45] جاء في اللسان (وجأ) تعليقاً على حديث: (أنه ضحّى بكبشين موجوءين): (ومنهم من يرويه مَوْجِيَّين بغير همز على التخفيف, فيكون من وجيتُهُ وجياً فهو موجِيٌّ).

[46] سر الصناعة 2/823 ـ 824.

المصدر: نشر هذا البحث في مجلة الفيصل السعودية العدد 284, عام 1998م.