المسح على الجوربين – من كتاب بحوث في الفقه المقارن – للدكتور مصطفى ديب البغا
المسح على الجوربين – من كتاب بحوث في الفقه المقارن -للدكتور مصطفى ديب البغا
اتفق العلماء على مشروعية المسح على الخفين و هما :تثنية خف , وهما الحذاءان الساتران للكعبين , المصنوعان من جلد.
و الكعبان : هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق .
والمسح عليهما رخصة – أي تسهيل من الشارع- جائزة للرجال و النساء في كل حال , في الصيف والشتاء , في السفر و الحضر , في الصحة والمرض , وذلك بدل غسل الرجلين في الوضوء , والغسل هو الأفضل , لأنه الأصل , مع اعتقاد مشروعية المسح .
دليل جواز المسح عليهما
ودليل جوازه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج مالك رحمه الله تعالى في الموطأ
[الطهارة,باب:ما جاء في المسح على الخفين:1/35]
عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ – قَالَ الْمُغِيرَةُ – فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّىْ جُبَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّىِ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ وَقَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ فَفَزِعَ النَّاسُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ أَحْسَنْتُمْ.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة , باب : تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ..,رقم:274. وأخرجه البخاري مختصراً في مواضع من صحيحه , انظر : الوضوء , باب : الرجل يوضئ صاحبه , رقم:180
وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه : أنه بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ تَفْعَلُ هَذَا. فَقَالَ نَعَمْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
البخاري: الصلاة في الثياب , باب :الصلاة في الخفاف , رقم:380 .
مسلم:الطهارة, باب:المسح على الخفين, رقم:272, و اللفظ له.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: روى المسح سبعون نفساً, فعلاً و قولاً.
و هل يجزئ المسح على الجوربين كما يجزئ المسح على الخفين ؟
والجوربان- عند العرب – كالخفين , إلا أنهما يكونان إلى أعلى الساق , و قد يكونان مصنوعين من غير الجلد .
أ- قال الحنابلة رحمهم الله تعالى:
يجوز المسح على الجوربين إذا تحقق فيهما شروط الخفين و وهي:
1 – أن يكونا صفيقين لا يبدو منهما شيء من القدم, و الرقيق ليس بساتر .
2 – أن يمكن متابعة المشي فيهما و يثبت كل منهما بنفسه على القدم, فلا ينثني بالمشي.
واحتجوا لذلك بحديث المغيرة رضي الله عنه : أن رسول الله توضأ و مسح على الجوربين و النعلين .
أبو داود :الطهارة , باب:المسح على الجوربين , رقم :159 .
الترمذي:الطهارة , باب:ما جاء في المسح على الجوربين و النعلين , رقم:559.
مسند أحمد:4/252 .
و قالوا:إن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب, و لم يظهر لهم مخالف, فكان إجماعاً.
و لأن الجوارب ساتر لمحل الفرض, ويثبت في القدم, فصار كالخف, فيجوز المسح عليه.
ب- و قال الشافعية رحمهم الله تعالى:
بمثل قول الحنابلة, و لكنهم اشترطوا أن لا يكونا بحيث ينفذ الماء منهما إلى القدم إذا صب عليهما, لأن هذه الصفة هي الغالبة على الجوارب التي كانت تلبس في تلك الأيام.
ج-و قال المالكية رحمهم الله تعالى:
يجوز المسح على الجورب, بشرط أن يجلد ظاهره من فوق القدم ومن تحتها, لأنه يصبح في معنى الخف على هذه الحالة.
د- و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
يجوز المسح على الجوربين إذا كانا مجلدين أو منعلين .
وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى:
يجوز المسح عليهما إذا كانا ثخينين لا يشفان .
و احتجا بحديث المغيرة رضي الله عنه.
و لأنه يمكنه المشي بالجورب فيه إذا كان ثخيناً , و هو يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء , فأشبه الخف
و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : إنه ليس في معنى الخف , لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه , إلا إذا كان منعلاً , و عليه يحمل الحديث .
قال في الهداية : و نقل عنه أنه رجع إلى قولهما , و عليه الفتوى .
و الخلاصة: أنك ترى أن الجميع أجازوا المسح على الجوربين في الجملة, و إن اختلفوا في شروطهما, و أقوالهم كلها تدل على أن الجوارب المعروفة اليوم لا تنطبق عليها صفات الجوارب التي يصح المسح عليها
و لذا: لا دليل و لا حجة و لا معتمد لمن يجيز المسح عليها, إلا التمسك بالاسم, و هذا ليس بمستند لحكم شرعي, و الله تعالى أعلم.
تم كتابة البحث من الكتاب المذكور بالحرف و الحمد لله
محمد الجيماز