الشيخ عبد القادر عيسى
نسبه و مولده
هو سيدي الشيخ :عبد القادر بن عبد الله بن قاسم بن محمد بن عيسى عزيزي الحلبي الشاذلي , و يصل نسبه بالشيخ عمر البعاج إلى السبط الحسين عليه السلام.
ولد بحلب سنة 1338 من هجرة المصطفى صلى الله عليه و سلم, من أبوين أميين من عوام المسلمين و عاش في كنفهما عيشة رغد و رخاء.
بداية الشيخ رحمه الله
حبب إليه رحمه الله في مقتبل عمره النشاط الرياضي و الكشافة فكان يلبس أحسن الثياب و يتطيب بأفخر أنواع الطيب.
ثم جذبته يد العناية الربانية من الدنيا و زينتها فأعرض عما كان فيها من اللهو و اللعب وأقبل على الله.
طلبه للعلم
حبب إليه طلب العلم فصحب العلماء منهم الشيخ محمد زمار و الشيخ أحمد معود و بعد ذلك انتسب إلى المدرسة الشعبانية في عام 1949 و درس فيها مدة ست سنوات كاملات كان خلالها إماما لمسجد ساحة حمد
طلبه للطريق
صحب الشيخ حسن حساني شيخ الطريقة القادرية قبل انضمامه إلى المدرسة الشعبانية فسلك على يده و أذن له الشيخ بالطريقة و كان خلال صحبته يدرس في الشعبانية.
اجتمع في الشيخ رحمه الله خلال دراسته في الشعبانية من الصفات الكريمة و الأخلاق العلية ما ينبئ عن خير واعد فسلك على يده عدد من زملائه في المدرسة و هو لا يزال طالبا فيها.
و مما يدل على علو همته و صدق إقباله على الله عز و جل أنه لم تغره المشيخة و لم يقنع بما و صل إليه من الحال و الجاه فراح يبحث عن المرشد الكامل الذي يعرفه على الله عز وجل و يعبر عن ذلك فيقول:
(( كنت أقرا في كتاب شرح الحكم لابن عجيبة فأرى فيه أشياء لم أكن متحققا بها -رغم كوني شيخاً- فعرفت انه لا بد لي من صحبة مرشد كامل.))
بعد ذلك لم يجد الشيخ رحمه الله تعالى بغيته في حلب فسافر إلى دمشق , والتقى بكثير من علمائها ولكن لم يجد في واحد منهم مبتغاه, فتردد على زيارة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي رحمه الله، فألهم بصحبة الشيخ محمد الهاشمي شيخ الطريقة الشاذلية , فبحث عنه فوجده في الجامع الأموي بدمشق يقرر بعض مباحث علم التوحيد و حوله ثلة قليلة من إخوانه
فأقبل على مجلس الشيخ ثم تعرف عليه فقال له الشيخ الهاشمي رحمه الله ( جئت آخر الناس و تكون أولهم بإذن الله فأنا أنتظرك منذ زمن طويل) فتم للشيخ رحمه الله مبتغاه من صحبة المرشد الكامل فصحب الشيخ الهاشمي سنة 1952م إلى أن توفاه الله تعالى سنة 1961م.
لما رأى الشيخ الهاشمي في شيخنا أهليته للإرشاد أذن له بالورد العام و الخاص في الطريقة الشاذلية كما أذن له بالتربية والإرشاد وذلك في سنة 1337ه – 1958م.
استمر الشيخ رحمه الله تعالى إماما و خطيبا في مسجد ساحة حمد إلى أن انتقل الشيخ إلى جامع العادلية فأقام فيه مجلس للذكر بعد صلاة العشاء من يوم الخميس.
عمر الجامع بمجالس العلم و الذكر و طارت شهرته في الأفاق فأقبل عليه الناس بمختلف طبقاتهم بعد ذلك انتشرت طريقة الشيخ في معظم سوريا بل جاوز ذلك إلى بلاد مجاورة كالأردن و تركيا و لبنان و العراق ثم جاوزت شهرته ذلك كله فلا تكاد تجد بلدا في العالم إلا و للشيخ فيه إخوان و مريدون فوصلت إلى الكويت و السعودية و المغرب و جنوب إفريقيا و الهند و باكستان و انجلترا و بلجيكا و فرنسا و كندا و أمريكا و غيرها من دول العالم مما يدل على باع الشيخ الطويل في المعرفة و الإرشاد .
يعد الشيخ رحمه الله تعالى في طليعة المجددين للطرق الصوفية عامة والطريقة الشاذلية خاصة، يشهد لذلك كتابه هذا الذي طبع مرات متعددة وترجم إلى اللغة الإنكليزية واللغة التركية، وطارت شهرته في الآفاق، كما يشهد لعلو مقام الشيخ كثرةُ إخوانه على اختلاف فئاتهم من جميع طبقات الناس في كل بقاع الأرض، الذين يعتبرون بحق كتباً ناطقة عن الشيخ الذي لم يخلف من الثروة العلمية إلا هذا الكتاب، وذلك بسبب واجبات الدعوة الإصلاحية التي حملها على كاهله في نشر الطريق الصحيح القائم على الكتاب والسنة المطهرة، كما تلمح ذلك على صفحات هذا الكتاب.
إن خلاصة منهاجه وما أراد أن ينقله للناس قد أودعه وبيَّنه في كتابه “حقائق عن التصوف” الذي كان بحق فتحاً في علم الشريعة والطريقة والحقيقة، فتلقاه الناس بالقبول والانتفاع على مختلف طبقاتهم، واستفاد منه خلق كثير.
كان للشيخ كرامات كثيرة وكشوفات واضحة، ولكنه كان يعرض عن كل ذلك ويُحَذِّر إخوانه من الركون إلى الكرامات والكشوفات، ويقرر أن أعظم الكرامات الاستقامة على شرع الله عز وجل، وكان يعرف الطريقة فيقول رحمه الله تعالى: الطريقة هي العمل بالشريعة.
ويعرف الشيخ رحمه الله تعالى التصوف فيقول: “التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف”.
أُكْرِمَ رحمه الله تعالى بمجاورة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة قرابة خمس سنوات، ثم أقام بالأردن بعمان يدعو إلى الله تعالى، كما هو شأن الصادقين المتحققين حيثما حلوا ونزلوا، فاستفاد منه خلق كثير من علمه وحاله ودعوته.
وفي سنة 1991 سافر إلى تركيا حيث يقيم خليفته سيدي الشيخ أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى ، فاشتد عليه المرض هناك، فأدخل المشفى في مدينة مرعش، ثم نُقل بعد ذلك إلى استانبول ودخل أحد مشافيها.
تعجب القائمون على معالجته من أطباء ومختصين، كيف لا يتوجع أو يظهر ألماً، وهو ساكت لا يتكلم، مستغرق بقلبه وببصره وبكله إلى الله تعالى.
فأراد أحد أولاده أن يطمئن عن شعوره وإحساسه وإدراكه، وعن غيبته التي طالت، وعن عقله وهو لا يكلم أحداً، وكان بينه وبين والده ـ رحمه الله تعالى ـ ملاطفة ومدارسة فسأله عن بيت من الشعر كان قد سمعه منه رحمه الله تعالى ليثبت للموجودين آنذاك بأن الله تعالى هو يتولى الصالحين، وأنه كامل الوعي والإحساس والعقل، ولكنه منجذب بمحبة الله تعالى ومستغرق به سبحانه وتعالى، فذكّره بهذا البيت من الشعر:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها وســــــهــــــو …
ثم سكت وقال له: يا سيدي من فضلك أكمل لي هذا البيت وكان يمازحه، فالتفت إليه وقال متمماً:
…والسهو عن كل قلبٍ غافلٍ لاهي
سها عن كل شيء سرُّه فسهـا عمَّا سـوى الله فالتعظيـم لله
وأعاد شطر البيت مراراً ( والسهو عن كل قلبٍ غافلٍ لاهيٍ ) ثم دمعت عيناه رحمه الله تعالى وبكى ولم يكلم أحداً بعدها .
كان انتقاله رحمه الله تعالى إلى جوار ربه، عشية يوم السبت الساعة السادسة، في الثامن عشر من ربيع الآخر سنة اثنتي عشر وأربع مئة وألف من الهجرة النبوية الشريفة، الموافق للسادس والعشرين من تشرين الأول سنة إحدى وتسعين وتسع مئة وألف للميلاد ( 18 ربيع الآخر 1412 هـ 26 تشرين الأول 1991م)
وكان مثواه الأخير بجوار الصحابي الجليل سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في استانبول، فخسر المسلمون بموته علماً عاملاً ومرشداً كاملاً من أعلام الطريق والدعوة إلى الله تعالى، تغمده الله برحمته وأعلى مقامه، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
وقد نُقِشَ على قبره قول الله عز وجل : { ومَنْ يُهاجِرْ في سبيل اللهِ يجِدْ في الأرضِ مُراغَماً كثيراً وَسَعَةً ومّنْ يَخرُجْ مِنْ بيتِهِ مهاجراً إلى اللهِ ورسولِه ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموتُ فقد وقعَ أجرهُ على اللهِ وكانَ اللهُ غفوراً رحيماً } [النساء: 100] ، { ربِّ أوزِعني أنْ أشكُرَ نعمَتَكَ التي أنْعَمْتَ عليَّ وعلى والِدَيَّ وأنْ أعملَ صالحاً ترضاهُ وأدخِلْني برحمتِكَ في عبادك الصالحينَ } النمل: ( 19)
اللهم انفعنا بأوليائك الصالحين أحياءً و ميتين