الشيخ يوسف الدجوي
العلامة حجة الإسلام الشيخ
يوسف بن أحمد بن نصر الدِّجوي
رحمه الله تعالى
بقلم الشيخ
المحقق البحر العلامة
محمد زاهد الكوثري
رحمه الله تعالى
انتقل إلى رحمة الله سبحانه ذلك العلامة الأوحد والنحرير المفرد الشيخ أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد بن نصر الدجوي ، عضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
وأم الجماعة في الصلاة عليه فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر في مسجد الأميرة فريال في عزبة النخل.
وحملت جنازته على الأكتاف في جماعة كبيرة جداً من علماء الأزهر وغيرهم من عارفي قدره العظيم إلى مدفنه في ( مقبرة عين شمس ).
وأودع مقره الأخير بعد العصر من نهار الأربعاء خامس صفر الخير من سنة 1365هـ عن ثمان وسبعين سنة قضاها في الأعمال الصالحة ونشر العلوم النافعة والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والجهاد في سبيله بقلمه ولسانه.
وكان رحمه الله تعالى آية في الذكاء وسرعة الخاطر وجودة البيان وقوة الذاكرة وسعة العلم يحضر حلقات دروسه في ( الأزهر الشريف ) مئات تناهز الألف من العلماء وطلبة العلوم ويصغون إصغاء كلياً إلى بيانه الساحر وإلقائه الجذاب وينهلون من هذا المنهل العذب.
وكان هو مفسر الأزهر ومحدثه وفيلسوفه وكاتبه وخطيبه بحق بين أهل طبقته من العلماء.
وكان موضع ثقة الجماهير من الشعوب الإسلامية في شتى الأقطار اعترافاً منهم بسعة علمه وعظم إخلاصه وبالغ ورعه تتوارد إليه استفتاءات من شتى الأقطار والجهات.
وكان سمحاً كريماً يتهلل وجهه سروراً عندما يتمكن من قضاء حاجة من يرجع إليه في أمر ما وكان عطفه على الغرباء مما لا يتصور المزيد عليه وذلك مما هو مذخور له في آخرته.
وله مؤلفات ممتعة سارت بها الركبان إلى شتى البلدان ومقالاته النافعة في شتى المواضيع لم تزل تنشر في الجرائد والمجلات العربية إلى آخر لحظة من أيام حياته رحمه الله تعالى ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولد الأستاذ رضي الله عنه في ( دجوة ) من أعمال قليوب بمصر سنة 1287هـ من أب عربي من بني حبيب وأم من سلالة سيدنا الحسن السبط رضي الله تعالى عنه.
ولما أصيب بفقد البصر في صغره بسبب مرض الجدري أخذت أمه تبكي وتتألم فقال لها والدها من كبار الصالحين في زمانه لا تحزني إن الله سبحانه سيعوضه عن بصره ببصيرة نافذة تجعله عالماً كبيراً يرجع إليه في حل المشكلات فعدت أمه هذه الكلمة كلمة تسلية مجردة لكن الله سبحانه حقق ما قاله أبوها فيه حتى أصبح هذا الطفل فيما بعد عالماً عالمياً مشهوراً في الآفاق.
وحفظ القرآن الكريم في بلده ثم أرسله والده شيخ العرب أحمد بن نصر إلى ( الأزهر الشريف ) فتلقى العلوم من كبار أساتذته من سنة 1301هـ إلى 1317هـ حتى دخل في امتحان العالمية في شهر صفر من سنة 1317هـ ، فحاز شهادة العالمية بتفوق عظيم ، وأعجب به ممتحنوه من كبار أهل العلم ، حتى قصد منزله الشيخ راضي الحنفي المشهور بالبراعة في العلوم إذ ذاك مع نوع من الترفع عن أهل طبقته ، وهنأه بهذا التوفيق ودعا له بالخير ، وعد هذا منقبة عظيمة له بين أترابه وفاتحة خير لوجوه التوفيق في سبيل العلم ، إلى أن أصبح نجماً متألقاً في سماء جماعة كبار العلماء .
وله شيوخ أجلاء في العلوم ، ومن أعظم شيوخه الشيخ هارون بن عبد الرزاق البنجاوي المتوفي سنة 1336هـ ، عن 87 سنة وهو عمدته ، والشيخ أحمد الرفاعي الفيومي المتوفي سنة 1326هـ عن سن عالية ، والشيخ محمد بن سالم طموم المتوفي سنة 1336هـ ، والشيخ أحمد فائد الزرقاني ، والشيخ رزق بن صقر البرقامي ، والشيخ داود ، والشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر ، وهؤلاء من السادات المالكية ، ومن كبار شيوخه أيضاً الشيخ محمد البحيري ، والشيخ عطية العدوي الشافعيان.
وكان شيخه في علوم القراءة هو القارىء المشهور الشيخ حسن الجريسي الكبير ، وسنده في علوم القراءة معروف!
وأما هارون والرفاعي وطموم والزرقاني فقد أخذوا عن الشيخ أحمد منة الله الشباسي المتوفي سنة 1292هـ ، عن الأمير الكبير المتوفي سنة 1232هـ ، وأما رزق والبشري وداود فقد أخذوا عن الشيخ محمد الصفني المالكي المتوفي سنة 1294هـ ، وهو عن الأمير الكبير أيضاً ، وأما البحيري والعدوي فقد أخذا عن إبراهيم السقا الشافعي المتوفي سنة 1298هـ ، عن الأمير الصغير المتوفي سنة 1248هـ ، عن والده الأمير الكبير ، وإلى الأمير الكبير منتهى أسانيد هؤلاء الشيوخ الأعلام ، وللشيخ أحمد منة الله ثبت مطبوع مع ترجمة عبد القادر الرافعي ، يسوق في سنده بطريق البهى ، على أغلاط مطبعية كثيرة فيه ، والشيخ طموم أخذ أيضاً عن الشيخ أحمد ضياء الدين الكشخانوي صاحب رموز الأحاديث وشرحه المتوفي سنة 1311هـ ، وهو أخذ عن السيد أحمد بن سليمان الأروادي المتوفي سنة 1275هـ ، وعن مصطفى المبلط المتوفي سنة 1384هـ ، فالأروادي أخذ عن ابن عابدين وحامد العطار وعبد الرحمن الكزبري والشهاب الصاوي ، وللأربعة أثبات معروفه ، والمبلط له ثبت أخذ عن الأمير الكبير والشنواني تلميذي علي الصعيدي ، والشنواني أخذ أيضاً عن مرتضى الزبيدي ، وأسانيد هؤلاء وأثباتهم معروفه ، جامعة لأثبات من تقدمهم ، حشرنا الله سبحانه وإياهم تحت لواء حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفعنا بعلومهم.
وقد تلقيت من الأستاذ الدجوي رحمه الله تعالى ( موطأ الإمام مالك ) من رواية يحيى الليثي في مجالس آخرها في اليوم الثاني والعشرين من صفر سنة 1361هـ بقراءتي عليه لجميعه إلا بعض مواضع يسيره منه فإنه ناوبني فيها الشيخ على الخصوصي في بعض المجالس.
فأجازني به وبجميع ماله من الروايات إجازة عامة وساق سنده في الموطأ عن أحمد منة الله عن الأمير الكبير بسنده بطريق السقاط ، ورجال هذا السند كلهم من ( المالكية ) من الأستاذ الدجوي إلى الإمام مالك رضي الله تعالى عنه.