مو وَقْتَه
مُو وَقْتَهْ
عندما تشتعل النار في المنزل وتبدأ في التهامه, يكون المشتغل بالسؤال عن السبب والمتسبب, وترك إطفائها غاية في الغباء وضيق الأفق والبلادة,
وأما المتفرج القادر على المساهمة في إطفائها ولا يبادر فهو مشارك في الحريق,
وأما الذي لا يملك من المساهمة شيئا ولكنه يتمناها, فذاك قد أَبْرَأَ ذمته,
وأما المتفرج الشامت فلا شك أنه أَلأَمُ القوم.
وها هي غزة تحترق وتستباح وتراق فيها دماء الأبرياء, ولا زال البعض منا يساءل المتسبب,
والبعض ينظر شامتاً متشفيا, كالرسالة التي قرأتها عبر الهاتف النقال , رداً على رسالة استغاثة من غزة ,ومفادها ” هذا جزاهم نِسِيتُوا شْسَوَّوْ فينا بالغزو ما بَيَّنْ بْعِينْهُمْ كل اللِّي سَوِّينَاه معاهم ,تِشَمِّتَوْا فينا ودعوا علينا وعَلِّمَوْا على عيالنا وساعدوا العراقيين وهذا انتقام من الله ” .
انتهت الرسالة.
لا شك أن هذا شعور كثير من الناس ممن ذاق ويلات خيانة فلسطينيين ولدوا من فلسطينيين قد فتحت أمامهم الأبواب في الكويت حينما أوصدت دونهم الأبواب في دول غيرها,
وعاشوا في الكويت وطناً بديلاً عن وطنهم ونهلوا من خيراتها, وزاحموا الكويتيين في الوظائف, بل وترأسوهم في كثير من هذه الوظائف,
ولكني أظن أن ما نراه من قتلٍ للأبرياء لم نكن نرضاه لنا في محنتنا, وإجماعٍ على خذلان غزة من الحكومات اليوم لم نكن نرضى بعضه أيام الغزو,
أقول أن ما نراه يحدث في غزة اليوم لا بد أن يتخطى بنا شعور الأمس, ويُنسينا بعض هذا التذكر لنتغافل لإعمال العقل بعيداً عن هذه العاطفة العمياء.
لا أحب الطرح العاطفي المحض وكذلك مثله من الطرح العقلاني, وأحزن كثيرا عندما أرى صاحب الطرح العاطفي إسلاميا, كصاحب الحذاء الذي دخل حذاءُه المزاد العلني لنصرة غزة,
أحب أن يكون الطرح عقلانيا مشوباً بالعاطفة, أو عاطفياً مُوَجَّهاً بالعقلانية, لأن العقل دون العاطفة جفاء, والعاطفة دون العقل غباء,
وغزة تحترق والمسارعة إلى نجدتها بما نستطيع واجبة, بعيداً عن محاسبة شعبها وقادتها,
فالعقل يقول الانشغال بمحاسبة أهل المنزل حين يحترق وترك النار تلتهمه حمق وبلادة.
نحن نعلم الموقف الفلسطيني قيادةً وشعبا ابتداءً بياسر عرفناك وانتهاء بقيادات حماس بالنسبة للكويت منذ حرب الخليج مروراً بحرب العراق إلى اليوم, ونعرف أثر هذا الموقف المشين الذي كلما أردنا أن ننساه قام بتجديده وبعثه أحد حمقى القيادات,
ونعلم كذلك أن قيادات حماس تسيء اللعبة السياسية بحماسها, وإلا فما معنى العلاقات والزيارات التي يقوم بها قادة حماس إلى إيران والمعانقات والمصافحات الحارة والابتسامات العريضة بين أحمدي نجاد وخالد مشعل وتابعه, في الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس الإيراني شرعية احتلاله للجزر الإماراتية,
أليس ذلك احتلالاً غير مشروع ؟
فما الذي أحلَّ لإيران احتلال جزء من الإمارات وحرَّم على إسرائيل احتلال فلسطين ؟
لا شك أن عدم اعتراف الحكومات العربية بشرعيتكم أحزنكم كما أحزننا كذلك معكم,
ولكن هل يساوي اقتناص إيران الفرصة للاعتراف بكم وإمدادكم ببعض الملايين التي لا تساوي شيئا في عرف خزانة الدول, وكل ذلك لحاجة في نفس نجاد قضاها,
هل يكون ذلك صحيحاً في اللعبة السياسية ؟ !
وهل يجيد اللعب من يشتري رضى إيران بسخط دول الخليج العربية ؟ !
فأين هي اليوم إيران منكم وأين منكم حليف إيران أم أن الطريق إلى فلسطين بالنسبة إليه لا بد أن يمر عبر بيروت ؟!
وكذلك هل من أصول اللعبة السياسية المراهنة على جواد خاسر, أم غرَّتكم تهويلات احمدي بالمفاعل النووي ؟!
أقسم بالله يمينا مبرورة أَلَّوْ كان المفاعل النووي الإيراني يشغل سَمَاوَرَ للشاي الإيراني لما تركته أمريكا أو إسرائيل ” يسوي استكانة شاي ” ولكن أصول اللعبة تقتضي سَبَّ ” الشيطان الأكبر” في العلن, وتبادل المصالح معه سرا, وهي أصول قديمة للعب يستطيع من يريد معرفتها أن يجدها دون عناء مكتوبة على غلاف كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند.
هذا هو لسان حال من يساءل المتسبب في مثالنا السابق, ولكن العقل يقول دع المسائلة الآن فالنار تلتهم المنزل, فيا أصحاب النجدة والعقول أغيثوا غزة ,اجعلوها عاطفة عقلانية ولا تجعلوها عاطفة جاهلية انتقامية.