يا ليتنى
ياليتنى
عندما كنَّا صغارا كنَّا نعدُّ ابن الأربعين عجوزا ، حتى إذا بلغنا الأربعين قلنا ذلك قمَّة الشباب والنضج ، فإّذا جزنا الأربعين إلى الخمسين نظرنا إلى الستين والسبعين أنها مرحلة يمكن بلوغها بصحة ابن الخمسين ، وكذلك ينظر ابن السبعين ذات النظرة إلى الثمانين ، وهكذا
فلا تعجب إذن حين ترى من بلغ الثمانين وجازها يلهث وراء الدنيا، فإنَّ له نظرة سابقيه عندما ينظر هو إلى من وصل المائة، وهذه هي الخصلة التي لا تشيب ولا تهرم في ابن آدم.
عن حماد بن سلمة عن حميد عن أبى عثمان النهدى قال :
قد بلغت ثلاثين ومائة سنة، فما منى من شيء إلا وقد عرفت فيه النقصان إلا أملى فإنه كما هو.
ولابد من الأمل ، فلولا الأمل لم يكن عمل ، ولولا الأمل ما تعايش الناس ولا تبايعوا ولا تناكحوا ، ولولا الأمل لم يكن للدنيا طعم أو معنى ، ولولا الأمل لتعطلت سنن التسخير ولاضطربت باقي السنن .
هذا هو الأمل الذي لابد منه، والذي لابد منه في هذا الأمل هو عدم تطويله والاتكال على تأجيله، فذاك هو المحذور.
عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
إن أشد ما أتخوَّف عليكم خصلتين ، إتباع الهوى ، وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فإنه يعدل عن الحق ، وأما طول الأمل فالحب للدنيا
ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يعطى الدنيا من يحب ويبغض، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الإيمان، أو كما قال صلى الله عليه وسلم
وكذلك قال الحسن البصري رحمه الله : من طال أمله ساء عمله ، والذي يعنيه الحسن ، تسويف العمل بتطويل الأمل ، أي عدم اغتنام الفرصة أو المسارعة بسبب أمله بأنه سيعيش وسوف يعمل وسيفعل ، فيأتيه ما يقطع عليه (سينه وسوفه) منتقلاً به إلى ياليتنى قدَّمت لحياتي ، ويا رب ارجعون لعلى أعمل صالحا ، وحينها لا ينفع عذر ولا ندامة .
ففيما روى البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: أعذر الله إلى رجلٍ أجَّله حتى بلغ الستين.
فالمعنى ، أن الله قد سلب العذر من صاحب الستين حينا يريد الاعتذار بياليتنى قدمت لحياتي ، وربِّ ارجعون ، لأن الله أمدَّه من الأمل بستين سنة قد ضيَّعها بالتسويف والتأجيل وتضييع المبادرة بالعمل .
وعندما أقول ستين سنة لا تنظر إليها بعدد السنين ، بل انظر كم تحوى السنة من أيام ، وحينها سيتحصل لك واحد وعشرون ألفا وتسعمائة (21,900) من الأيام ، في كل يوم منها أو ساعة مبادرة إلى طاعة أو توبة من معصية ، وحينها سترى عدله حين يسلب العذر من صاحب الستين ، وصاحب السبعين والثمانين أولى بالسلب ، ويا ويح من تعدَّاها
عن سلمان قال : ثلاث أعجبتني ثم أضحكتني ، مؤَمُّل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفولٍ عنه ، وضاحك ملء فيه لا يدرى أساخط رب العالمين عليه أم راضٍ عنه