وحي القلم / المقالة الثانية
وحي الألم
” المقالة الثانية ”
((اللغة العربية أهميتها، ومكانتها، وعلومها)).
الحمد لله رب العالمين الذي قال في محكم تنزيله:
( إنا أنزلناه قرأناً عربياً لعلكم تعقلون) سورة يوسف الآية2. والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ خير خلقـه أجمعين الذي قال:
(( بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ))([1]) وهو القائل صلى الله عليه وسلم :(( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا))([2])، ورضي الله تبارك وتعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعدُ معشرَ القراءِ الكرامِ
لا يخفى عليكم أهمية اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وتحدث به نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي اله عنهم، وإليها تهفو نفس كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، فهي لغة العبادة للمسلمين كافة، وهي لغة التواصل والتخاطب بين أهلها، ويرحم الله القائل:
لغةٌ إذا وقعتْ على أسماعِنا كانتْ لنا برداً على الأكبادِ
ستظل رابطةً تؤلِّفُ بيننـا فهي الرجاءُ لناطقٍ بالضادِ
فاللغة العربية أرسخ اللغات ثباتاً وبياناً، لم تتغير بلاغتها وفصاحتها منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا، حفظها الله لنا بحفظ القرآن على مر الزمان إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومَنْ عليها قال جلَّ مِن قائلٍ سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).سورة الحِجر الآية 9 .
وأنا أريد من خلال هذه الكلمات أن أعرفكم ببعض جوانب لغتكم لتزيد محبتكم لها وعنايتكم بها، وانظروا إلى سلفكم الصالح كيف كان اهتمامهم بالعربية،
فسيدنا علي رضي الله عنه هو الذي أشار على أبي الأسود الدؤلي بوضع علم النحو لحرصه على لغة العرب وخوفه أن تمتزج بها اللغات الأخرى فتضيع العربية([3])، وسيدنا عمر بن الخطاب رضي اله عنه يقول:((تعلموا العربيةَ فإنها تثبتُّ العقلَ، وتزيدُ المروءة)) ([4]).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل 🙁 إنا أنزلناه قرأناً عربياً لعلكم تعقلون) سورة يوسف:
((وذلك لأن لغةَ العرب أفصحُ اللغات وأبينُها وأوسعُها، وأكثرُها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزلَ أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه ))([5]).
أيها القراء الكرام لغتكم العربية هذه من أيسر اللغات نطقًا وتعلمًا وتعليمًا، والشاهد على ذلك القرآن الكريم الذي نزل بها، وجاء فيه قول ربنا تبارك تعالى:(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر). سورة القمر الآية17.
والقرآن عربي كما تعلمون، وإذا كان القرآن ميسراً للذكر، فهذا يعني أن اللغة العربية التي نزل بها ميسرة أيضاً، ويشهد لما أقول تاريخ العربية في ذلك، فلقد أتقنها غير العرب حتى أصبحوا علماءها ومراجعها الكبار.
هاتوا لي _ أيها الإخوة_ لغة أخرى_ سوى العربية_ أصبح فيها غيرُ أهلِها مراجعَها وكتبوا أصولَها.
ألم يكتب سيبويه ـ وهو فارسي الأصل ـ أساس النحو للعربية في كتابه المسمى بالكتاب؟ ألم يكتب لنا الزمخشري ـ وهو من خوارزم([6]) ـ أساس البلاغة والكشاف؟.
بل انظروا إلى معاجم اللغة العربية، فمن كتب لنا معجم القاموس المحيط؟ أليس الفيروزآبادي؟ وفيروزآباد هي مدينة جنوب شيراز، ومن كتب لنا مختار الصَّحاح؟ أليس الرَّازي؟ وهو من بلاد الرَّي([7])،وغيرهم كثير.
وبلغت محبة غير العرب للغة العربية والعناية بها حداً لا يمكن تصوره، حتى قال أبو الريحان البيروني ـ وهو من علماء خوارزم ـ وله مؤلفات باللسانين العربي والفارسي قال:(( لأن أُهجى بالعربية أحب الي من أن أُمدح بالفارسية))([8]).
وكان للغة العربية تأثير مباشر أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي؛ كالتركية والفارسية والأردية وغيرها، بل تعدى أثرها على كثير من لغات العالم.
واللغة العربية لغة غنية ثرة متجددة متطورة، ولها أصولها الثابتة التي تعتمد عليها من نحو وصرف وبلاغة وغيرها، وعلم النحو يبحث في أقسام الكلام، وحركات الحروف في أواخر الكلام، وأما علم الصرف فإنه يبحث في بِنْية الكلمة نفسِها من حيث وزنها.
وأما علم البلاغة، فهو علم يعتني بتحسين الألفاظ وتجميل المعاني حتى تكون كالماء الجاري عذوبة ورِقّة، ويشمل: البيان والمعاني والبديع، والبيان: فيه التشبيه وأقسامه وأركانه، والاستعارات بأنواعها، والحقيقة والمجاز، والكنايات، وأما المعاني: ففيه الخبر والإنشاء، وأما البديع: فإنه يشتمل على المحسنات اللفظية والمعنوية كالجناس، والطباق، وأسلوب الحكيم، وحسن التعليل، والتطريز، والتوشيح، وغير ذلك، وأختم بقول الشاعر حافظ إبراهيم من قصيدته “اللغة العربية تتحدث عن نفسها”:
وسعتُ كتابَ اللهِ لفظاً وغايةً وما ضقتُ عن آيٍ به وعظـاتِ
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدُّرُّ كامنٌ فهلْ سألوا الغواصَ عن صَدَفاتِي
والصلاة والسلام على نبينا محمد خير من نطق بالضاد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
——————————————————————————–
([1])صحيح البخاري(ج 23 / ص 166)،عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم(7013).
([2])صحيح البخاري(ج 19 / ص 228)،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر رضي الله عنهما برقم(5767).
([3]) مفتاح العلوم للسكاكي (ج 1 / ص 99).
([4]) شعب الإيمان للبيهقي(ج 4 / ص 187) برقم(1625 ).
([5]) تفسير ابن كثير (ج 4 / ص 365).
([6]) خوارزم تقع اليوم في غرب أوزبكستان.
([7]) والرَّيّ اليوم في أطراف مدينة طهران.
([8]) نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (ج 1 / ص 107).