الرد على الملاحدة فى أن الإلحاد وليد العقل
الرد على دعوى الملاحدة في أن الإلحاد وليد العقل الحديث
لقد ذكرنا في المقدمة أن قادة الفكر الإلحادي زعموا أن الالحاد وليد العقل الحديث ، وأن الإيمان بالله ، والأديان إنما هو من مخلفات العقل القديم الذي أعجزته الحيلة في الوقوف على الأسباب والعلل للظواهر الكونية ، ولذلك وجد نفسه مضطرا للإيمان بالله ، ليعلل ما يراه من الظواهر بالقدرة الإلهية ، أما العقل الحديث فليس بحاجة لهذا الإيمان ، إذ تمكنمن أن يضع يده على الأسباب والعلل الحقيقية لتلك المظاهر الكونية .
فهل صدق الفكر الإلحادي في أن الالحاد وليد العقل الحديث ؟
هذا ما نريد أن نتكلم عنه في هذه الحلقة فنقول :
إن نظرة سريعة خاطفة إلى تاريخ الإنسان على الأرض في مجابهة الرسل والأنبياء والأديان لكفيله بأن تدلنا دلالة قاطعة على بطلان هذه الدعوى وكذبها .
وإن دعوى كهذه ، في أعراف جميع العقول البشرية ، غير قابلة لأن تسمع علاوة عن أن تحتاج لإقامة الدليل على بطلانها .
إن قضية الكفر والإيمان قديمة قدم الإنسان والدين على ظهر الأرض .
فقد عودي جميع الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله إلى البشر ، يدعونهم إلى الإيمان بالله ، وإتباع شرعه الذي شرعه لهم .
وكان كل من جحد من المتقدمين يعلل جحوده بتفاهة فكرة الألوهية ،والتمسك بمظاهر الكون المادية ، والاعتماد عليها ، وتعليلها بما يتناسب مع مدركاته وتصوراته في عصره .
فهذا نبي الله نوح ، يدعوا ابنه إلى الإيمان بالله ، والركوب معه في السفينة، ]وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {هود/42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [{هود/43} لقد كفر ابن نوح بدعوة أبيه للإيمان بالله ، كم كفر قومه ، ] و ما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَليل[ وعلل ابن نوح عدم إيمانه بالله والاعتماد عليه ، بأن الجبل يمنع من الماء ، ويعصم منه ، فلا داعي للقول بأن الله هو الذي يعصم وينجي .
أنني لا أستطيع أن أجد أي فارق بين هذا القول ، وقول جوليان هكسلي إذ يقول : ” إذا كانت الحوادث تصدر عن قوانين طبيعية ، فلا ينبغي أن ننسبها إلى أسباب فوق الطبيعة ” . ” وإذا كان قوس قزح مظهر لانكسار أشعة الشمس على المطر ، فماذا يدعونا إلى القول بأنها آية الله في السماء ”
لا فرق أبدا بين هذين القولين إلا ما يكون من التصورات التي تختلف باختلاف العصر والبيئة بين ابن نوح وهكسلي . .
وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يعاني ما عاناه نبي الله نوح وغيره من الأنبياء ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِ وَأُمِيتُ . [ البقرة / 258 .
يروى أنه أمر بإحضار سجينين ، ثم أمر بضرب عنق أحدهما ، وعفي عن الآخر ، وقال: إني أحييت أحدهما وأمت الآخر ، فلا داعي للقول بأن الله يحي ويميت ..
وهذا نبي الله موسى يلاقي من العنت مع فرعون ما لاقاه أسلافه من الأنبياء من أممهم .
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يلاقي نفس الأمر من قومه ، إذا أتى بمعجزة قالوا :إنها السحر ذا أتاهم بحديث أو قصة عمن قبلهم ، قالوا : أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا ، وإذا دعاهم إلى الإيمان بالله واليوم الآخر ، سخروا منه وأعرضوا عنه . ]وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [ {الجاثية/24}]هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ [{ 36} ]إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ[ {المؤمنون/37} كلمات واحده ، وأسلوب واحد ، يتناقله الملاحدة فيما بينهم ، ينقله الصغير عن الكبير ، والجيل اللاحق عن الجيل السابق ، كأنما يوصي به بعضهم بعضا ، ولذلك قال تعالى متعجبا من اتفاقهم عليه : ]كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ { 52} أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [ {الذاريات/53} إني لا أجد أي فارق بين قول الدهريين الذي ذكره الله في كتابه الكريم ] نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [ الجاثية / 24 وبين قول الإلحاد المعاصر ” لا اله والكون مادة ”
إن قضية الالحاد والإيمان قضية قديمة قدم الدين والإنسان ، وليست وليدة العصر الحديث ، وما العقل الحديث إلا حلقة في سلسلة العقول الإنسانية يراوده ما راودها قديما في هذه القضية المهمة الأساسية في حياة الإنسان .
وبهذا يتبين لنا كذب وتمويه فلاسفة الالحاد المعاصرين في أن الالحاد وليد العقل الحديث ، ووليد المكتشفات والقوانين العلمية التي وضع الإنسان المعاصر يده عليها .
الأسباب التي أدت إلى الإلحاد
1 – موقف الكنيسة :
لقد ذكرت في المقدمة أن يجب علينا قبل أن نخوض في أقوال الملاحدة المعاصرين وأدلتهم – يجب علينا أن نعرف الأسباب التي دفعت أولئك الناس إلى الإلحاد ، لنضع يدنا على العلة حتى نتمكن من تحديد العلاج .
وأني استطيع أن أحدد الأسباب بسببين رئيسيين أعتقد أنهما من أهم العوامل التي أدت إلى الإلحاد والثورة على الدين .
السبب الأول :
وهو سبب يعم جميع أوساط الناس في أوروبا وغيرها من البلاد التي خضعت لسلطان الكنيسة ، وهو طغيان الكنيسة باسم الدين .
والسبب الثاني :
وهو سبب خاص ببعض المفكرين والمخترعين ، والمكتشفين وغيرهم من المستغلين ، ألا وهو معرفة الأسباب والعلل التي فسرت لهم كثيرا من المظاهر الكونية ، مما جعلهم يستغنون عن عزو هذه المظاهر إلى الله وقدرته .
أما السبب الأول ، وهو في نظري السبب الأهم ، لأنه يعم جميع طبقات المجتمع ، مما جعل الناس يقبلون الفكر الإلحادي ، أو على الأقل لا يشفقون على الدين حينما توجه إليه السهام ويطعن به ، ذلك هو الطغيان الذي مارسته الكنيسة باسم الدين ، مما جعل كل إنسان ينفر منه ويعمل للخلاص من قيوده وتعاليمه ، فقد منحت الكنيسة لنفسها حقا إلهياً في عمل ما تريد ، بلا منازع أو مدافع ، ومنحت البابا العصمة ، لأنه وكيل المسيح على الأرض ، وقسمت المجتمع إلى طبقات ، وأعطت رجال الدين سلطة عامة مطلقة ، وفرضت الضرائب ، واستبدت بالبشر ن وأوجبت الاعتراف بالخطيئة كل عام أمام القس والراهب من أجل المغفرة ، مما كشف أسرار الناس ، وهتك حرماتهم ، وكان هذا الاعتراف طريقا لتدخل الكنيسة في كل شأن من شئون الإنسان العامة والخاصة ، بل طريقا لمآربها الخسيسة الدنيئة ، فباعت الجنة وأصدرت صكوك الغفران ، وصارت هناك تسعيرة معروفة لمسح كل خطيئة ، فكان ثمن الغفران من خطيئة الزنا 150 دوقا ، وثمن الغفران لمن قتل ابنة 400 دوقا ، وثمن الغفران لمن قتل ابنتين 800 دوقا وهكذا . . حتى أصبحت الكنيسة شركة ضخمة لبيع الخلاص بالجملة والتجزئة . . بل صارت مناصب الكنيسة تباع وتشترى ، لأنها أقرب طريق للإثراء والاستبداد ، والوصول إلى لمأرب ، وتحقيق الشهوات والأهواء .
وقد لخص اسكندر السادس أخلاق البلاط البابوي ، وكان قد عرف وسائله أكثر من ثلاثين عاما في ظل البابا أنوسنت الثامن الذي اشترى بابويته بالمال أيضا . . لخص أخلاق البلاط البابوي بقوله : (( إن الله لا يريد أن يموت الخاطئ ، بل أن يحي ويدفع ثمن خطيئته )) .
ويضاف إلى ذلك العقيدة الفاسدة التي تبنتها الكنيسة بعد تحريف الدين ، ألا وهي أن المسيح ابن الله ، وأنه قتل وصلب واهين ، وهو على هذه الصفة الإلهية ، أو تصويرهم الله بصورة الإنسان ، وأنه حل في عيسى بن مريم ، إلى غير ذلك من لأباطيل التي لم ولن يؤمن بها العقل لا القديم ولا الحديث ، وقد لخص الدكتور وولتر اوسكار لندبرج (1) هذا السبب بقوله :
(( في جميع المنظمات الدينية المسيحية تبذل محاولات لجعل الناس يعتقدون منذ طفولتهم في إله هو على صورة الإنسان ، بدلا من الاعتقاد بأن الإنسان قد خلق خليفة الله على الأرض .
وعندما تنمو العقول بعد ذلك ، وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية ، فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ الصغر ، لا يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في التفكير ، أو مع أي منطق مقبول .
وأخيرا عندما تفشل جميع المحاولات في التوفيق بين تلك الأفكار الدينية القديمة ، وبين مقتضيات المنطق والتفكير العلمي ، نجد هؤلاء المفكرين يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كليا ، وعندما يصلون إلى هذه المرحلة ، ويظنون أنهم قد تخلصوا من أوهام الدين ، وما ترتب عليها من نتائج نفسية ، لا يحبون العودة إلى التفكير في هذه الموضوعات ، بل يقاومون قبول أية فكرة جديدة تتصل بهذا الموضوع ، وتدور حول وجود الله (2).
وحرمت الكنيسة النظريات العلمية والبحث العلمي ، وفرضت أشد أنواع العقاب على كل من يذكر كلمة نظرية ، أو قانوني علمي ، مما يخالف عقائد الكنيسة ، وتصوراتها ، وكان هذا العقاب بعد الطرد من الرحمة أما القتل بالمقصلة ، وأما الإحراق بالنار .
ولقد بلغ عدد الذين قتلوا بالمقصلة ، أو احرقوا بالنار زيادة عن ثلاثمائة وخمسين الفاً من العلماء والمفكرين .
وصار العلم وبالا ونكبة للإنسان بدلا من أن يكون سبيل رفعته وطريق مجده وشهرته .
فلا يجوز للإنسان أن يفكر إلا من خلال عقل القس أو الراهب ، وإلا فمصيره المقصلة أو الحرق .
وبلغ الطغيان الكنسي ذروته عندما فرضت الكنيسة على الناس أن لا يدخلوا بزوجاتهم إلا بعد أن يدخل بهن رجال الكنيسة ، وإلا سبقتهم اللعنة إلى الفراش .
إلى غير ذلك من أمور الانحطاط الخلقي الذي مارسه البابوات والكرادلة ورجال الدين ، مما لا يجمل ذكره ، ويحسن الإعراض عنه ، لما فيه مما يتنافى مع مكانة الدين الذي حرفوه واستغلوه، وكرامة الإنسان الذي أهانوه واحتقروه ، مما جعل كل ذي عقل وكرامة يعمل كل ما بوسعه من اجل التخلص من هذا الإخطبوط المستبد في ظل الكنيسة والمتمسح بالدين . .
وكانت الثورة الساخطة ، ليس على الكنيسة وكهانها فقط ، بل على الدين نفسه ، لأن أولئك المستبدين ما مارسوا ما مارسوه إلا باسم الدين .
ومن ثم عمم أولئك الثائرون على الديانة النصرانية والكنيسة ، عمموا نظرتهم الثائرة الحاقدة لكل دين ، ولكل فكر يدعو إلى الدين والألوهية . . لأنهم ذاقوا في ظلاله أشد أنواع العنف والعذاب . . بل لأنهم لم يطلعوا على حقيقة الدين بصورة عامة ، وحقيقة الإسلام بصورة خاصة .
إن الخطأ الذي وقع به الثائرون ليس في ثورتهم على الكنيسة وتعاليمها ، وظلمها واضطهادها ، فان هذه الثورة واجبة على هذه المعاني ، وهي لا تمثل الدين ، والدين منها براء ، ولكن الخطأ في تعميمهم النقمة على كل دين في الأرض ، ولو أنصفوا لما كان أمامهم بد من اللجوء الى الدين الحق الذي لم يبدل ولم يحرف ، وفيه كل ما تسمو إليه الإنسانية ، ويصبوا اليه الفكر ، وتتحقق به السعادة . .
2 – المكتشفات العلمية الحديثة
لقد عرفنا في الفقرة السابقة أن طغيان الكنيسة واستبدادها ، كان من أهم العناصر المباشرة التي أدت إلى الثورة على الدين .
وفي هذه الحلقة سنعرض للعنصر الثاني أدى إلى هذه الثورة ، ألا وهو المكتشفات العلمية الحديثة ، والتي استغلت من قبل حملة الفكر الإلحادي أسوأ الاستغلال وأقبحه .
وسنذكر الشبه التي أوردها ونقررها ، ثم نذكر الرد عليها .
قالوا : إن الإنسان القديم – ويعنون به من كان قبل الثورة العلمية الحديثة – كان يرى الكتكوت الصغير يكسر البيضة ويخرج منها في اليوم الحادي والعشرين لحضانته تحت الدجاجة فكانوا يعجبون من هذا ، وينسبونه إلى قدرة الله التي ساعدت هذا الكتكوت على كسر البيضة والخروج منها ، وإلا فلا سبيل للكتكوت إلى الخروج من البيضة .
إلا أننا اكتشفنا بوسائلنا العلمية الحديثة ، أنه في اليوم الحادي والعشرين لحضانة الكتكوت يخرج على منقاره قرن عظمي صغير ، يستطيع بواسطته أن يكسر البيضة ويخرج منها . ومادام الأمر كذلك ، فلا داعي للقول بأن قدرة الله هي التي أخرجته من البيضة ، لقد كنا مضطرين لهذا القول قبل أن نعرف العلة المباشرة التي تمكن بواسطتها من كسر البيضة ، أما وقد عرفنا ذلك فليس ثمة داع لعزو هذا الأمر للقدرة الإلهية .
وقالوا : لقد كان الإنسان القديم يرى الأمطار تهطل عليه من السماء ، فينسب ذلك إلى قدرة الله وخلقه ، إلا أننا اكتشفنا أن المطر إنما ينزل بقانون علمي مطرد ، عرفنا من خلاله أن المطر يتكون نتيجة لتكاثف طبقات السحاب بملامسة طبقة جوية باردة ، ويمكننا إجراء هذه التجربة على كل مكان فيه بخار الماء ، كما يمكن للطفل الصغير أن يرى ذلك بعينه بواسطة كوب للماء مع البخار المتصاعد من إبريق الشاي ، بل إننا قادرون على إنزال الأمطار الصناعية بواسطة هذا القانون، إذن فلا داعي للقول بأن قدرة الله كانت وراء نزول الأمطار، لقد كنا مضطرين لهذا القول قبل معرفة القانون ، أما وقد عرفناه ، فلسنا بحاجة لهذا القول .
وقالوا : لقد كان الإنسان القديم يرى الكواكب في السماء ، ويحار فيها ، وفي كيفية وجودها في هذا الفضاء ، واضطربت أفكارهم في تعليل ذلك ، فمنهم من قال أنها مربوطة بسلاسل ذهبية في السماء ، ومنهم من قال أنها مسامير لامعة طرقت في السماء ، ولما تبين لهم عدم صدق أفكارهم وجدوا أنفسهم مضطرين لعزو وجودها في هذا الفضاء الهائل ، ودقة حركتها فيه وجدوا أنفسهم مضطرين لعزو هذا لقدرة الله ن فقالوا : أن الله هو الذي خلق النجوم ، وهو الذي يسيرها ، إلا أننا بعد أن عرفنا قانون الجاذبية الذي اكتشفه نيوتن والذي ينظم حركة جميع الكواكب في هذا الفضاء الهائل ، لم نعد بحاجة إلى القول بأن قدرة الله هي التي تحركها ، لقد كنا بحاجة لهذا القول حينما كنا نجهل القانون ، أما وقد عرفناه ، فقد عرفنا علة الحركة المنضبطة وعلة وقوف هذه الكواكب في الفضاء ، مما لا تحتاج معه إلى قدرة الله . .
ولا نريد أن نستطرد بذكر الأمثلة ، فقد وضع الإنسان يده على علل كثير من الظواهر الكونية وعرف قوانينها ، وكلما وقف على قانون جديد أعاد نفس الدعوى . . لقد عرفنا العلة ، ولسنا بحاجة إلى عزو ذلك إلى قدرة الإله المجهول . .
لقد تظاهرت هذه الاكتشافات الحديثة ، والقوانين العلمية المطردة التي عرفوها – لقد تظاهرت مع مواقف الكنيسة الجائرة على النحو الذي ذكرناه في الفقرة السابقة ، لتجعل كثيرا من رواد العلم يقف في وجه الدين ، ويجحد الإله ، لان الدين يبحث فيما وراء المادة ، والإله شيء غيبي ، والعقل الحديث لا يؤمن إلا بالمشاهدات والمجريات ، إلى جانب من ذكرنا من المستغلين من حملة الفكر الإلحادي والعداء للدين .
ولذلك قال جوليان هكسلي :
(( تعتبر التطورات العلمية التي حدثت في القرن الماضي انفجارا معرفيا في وجه الأساطير الإنسانية عن الآلهة والدين ، كما تفجرت الأفكار القديمة ونسفت بمجرد تفجير الذرة )) .
وقالوا : (( لقد أثبت نيوتن أنه لا وجود لإله يحكم النجوم ، وأكد لابلاس بفكرته الشهيرة إن النظام الفلكي لا يحتاج إلى أي أسطورة لا هوتية )) .
إلى أن قال هيوم :
(( لقد رأينا الساعة وهي تصنع في المصنع ، ولكننا لم نر الكون وهو يصنع ، فكيف نسلم بأن له صانعا ؟ )) .
وقال كنت :
(( إنني استطيع خلق الإنسان لو توفر لي الماء والمواد الكيماوية والوقت )) .
وأخيرا قال نيتشه : (( لقد مات الإله الآن ))
وسنرى في المباحث القادمة إن شاء الله من أين أتى هؤلاء المفكرون ، كما سنرى وجه الخطأ في تصوراتهم وأوهامهم .
(1) عالم الفسيولوجي والكيمياء الحيوية ، أستاذ فسيولوجيا الكيميا والكيميا الحيوية الزراعية بجامعة مينسوتا .
(2) الله يتجلى في عصر العلم ص 32 .