ألقاب … وإقلاب!!!
ألقاب وإقلاب
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مصرف الأمور كيف يشاء ويختار، أحمده على كل حال ونعوذ به من حال أهل النار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له المحيط علماً بالأسرار وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صفوة العالم المختار…اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه آناء الليل والنهار…أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته واجتناب نواهيه وزواجره…
عندما استولى الإسكندر –على مملكة فارس كتب إلى مؤدبه أرسطو يأخذ رأيه في ذلك فكتب إليه…الرأي أن توزع المملكة إلى نواحي…وتسمى صاحب كل ناحية ملكاً، وأفرده بالملك واعقد التاج على رأسه وإن صغر ملكه، فإن المسمى بالملك لا يخضع لغيره …ولا يلبث بعد ذلك أن يقع بينهم تغالب على الملك، فيعود حربهم لك حرباً بينهم …وفي ذلك شاغل لهم عنك، وأمان لإحداثهم بعدك شيئاً …فاستصوب الإسكندر رأيه وعمل به وفرق القوم في الممالك …فيقال أنهم لازالوا برأي أرسطو مختلفين أربعمائة سنة …انتهى …فانظروا أيها الأحبة كيف كان عاقبة اللقب …وهذا حال أمتنا العربية والإسلامية، ألقاب أضيفت، ثم بعد ذلك أضفت على صاحبها مالا يوجد في حقيقة اللقب إلا مسماه، فكل حزب بما لديهم فرحون …ومن هذه البابة وهذا القبيل ما يموج في ساحة الدعوة من ألقاب …كالدكتور الفلاني والعلامة الفلاني…والمحقق الفلاني…ألقاب أضفت على أصحابها مالا يوجد في حقيقة اللقب ولا في مسماه…فاعتد كل بلقبه…وأعتقد أن النهاية في العلم قد انتهت إليه وان الرياسة في الفتيا قد وقفت عليه …وكأنه والقائل:
حلف الزمان ليأتين بمثله *** حنثت يمينك يا زمان فكفر
ومن فضول القول أن أقول أن هذا ليس حكماً على الجميع بل هو حكم في المجموع بل علم الله أن هناك من الأفاضل من يحمل هذا اللقب وقد شرف به اللقب دون أن يشرف به ،وافتقر إليه اللقب من حيث هو مستغنٍ عنه …ولكني أقول ما أقول لما نراه من كثرة هذه الألقاب، وسهولة الحصول عليها حتى غدت لا طعم لها ولا لون ولا ريح و لو صورت ماء لجاز الوضوء به …ومن خطورة هذه الألقاب أنها من الممكن أن تضفي على صاحبها من العلم مالا يحوز معشاره وهنا السوءة السوءاء والداهية الدهياء… فيكفيه أن يحصل على لقب دكتور فيصبح بعد ذلك أمام عوام الناس أصولياً ،فقيهاً ،محدثاً ،متكلماً…، وحقيقة شهادته لم تتعد كونها بحثاً في التفسير أو مدخلاً إلى الفقه أو الأصول والحديث… ومن أين للعوام أن يعلموا بذلك… فتراهم يتلقفون ما يقول على هالة الاسم لا على حقيقة المسمى،وعلى حقيقة التهويل لا على هالة الحقيقة… وهنا يكمن الخطر …فمن لصاحب اللقب أن يعلمه بأنه لا يعلم؟ ومن للعوام بمن يعلمهم بأن صاحبهم لا يعلم؟؟
وهنا تكمن الخطورة على العوام، لأن كلام صاحب اللقب يصبح قانوناً مسلماً…مدعوماً بهذه الشهادة وهذا اللقب …فتنقلب السنة بدعة بقوله..والمندوب واجباً والمكروه حراماً بفعله .. والحرام شركاً بتقريره …ويقصى قول الجمهور بقول الواحد…بل الإجماع…وتنسى قضايا الأمة وجراحاتها بخلافيات لم تكن يوماً من خلافيات فقه الأمة…وتفترق الجماعة الإسلامية وهي أحوج ما تكون إلى التوحد والاجتماع…ويكفى العدو مؤنة الانشغال بخطرنا… إذ قد تبرعنا له بالانشغال عنه بأنفسنا…
وبعد… فلا يظنن ظان أني شامت بكلامي …حاشا…وكيف أشمت وعيبة إخوتي هي عيبتي…وعزهم هو عزي وذلهم ذلي…وإنما هي حرقة وإنما هو بيان…بيان لهم بعدم الاغترار بقيل العامة وثنائهم…
وتحذير للعامة بعدم الاغترار بألقابهم حتى لا ينخدع البعض بالبعض…ويزهق بالباطل الحق…وإنما هو كذلك دعوة لهم باستغلال هذه الشهادات والألقاب بما ينفع الأمة…فإن لم تكن تحوي ما يكفي من العلم، فلا أقل من نملأها بما يكفي من الدعوة والعمل…دعوة إلى نبذ الفرقة…دعوة إلى تعددية الرأي…دعوة إلى نبذ الغلو وأحادية الرأي والقول…دعوة إلى احترام الرأي الآخر…دعوة إلى وسطية رشيدة…دعوة إلى تفعيل الانفعالات إلى أفعال …فلا يكفي الحرقة والكلام فيما حدث ويحدث ،بل لابد من العمل و الاستفادة بما حدث لما سيحدث…دعوة إلى الحفاظ على عرى الإسلام أن تنقض وقد آذنت هذه الأيام أن تنقض…روى أحمد و الحاكم وابن حبان في صحيحه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لينقضن الإسلام عروة، عروة…فكلما انتقضت عروة تشبت الناس بالتي تليها…فأولهن نقضاً الحكم…وآخرهن الصلاة”…أو كما قال…
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه…إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة الجمعة /16 ربيع الأول 1427 هـ //14 أبريل 2006 م
للشيخ /حمد السنان