البكاء على الشباب
البكاء على الشباب
أكثرَ الشعراء في ذكر الشباب حتى قال الأصمعى أبكى العرب العجوز على شبابها .
وتقطعت قلوبهم غيظا وجوى وضنى وشجا على ضياعه وذهابه الى غير رجعه . حتى قال ابو عمرو بن العلاء
( مابكت العرب شيئا ما بكت الشباب وما بلغت به ما يستحقه ) .
كيف لا، وقد حل محل الصحة والعافية المرضُ والسقم، وشاع به القتير ووَخَطَهُ الشيبُ ووخزه ولهزه .
كيف لا، وقد شكي من غير علة.
كيف لا، وقد أصبح هامة اليوم أو غدا
أليس من زمرة من قال فيهم القائل:
أتأمل رجعة الدنيا سفاها وقد صار الشباب الى ذهاب
فليت الباكيات بكل أرض جُمعن لنا فَنُحْنَ على الشباب
وهل له أمل في رجعة الأطيبين ؟
وهل لنا من محيد عن هذا المصير ؟
قال اسحاق الموصلى :
قال لي المعتصم: فَضَحَكَ الشيبُ في عارضيك
فقلت: نعم سيدي وبكيت ثم قلت:
تولَّى شبابك إلا قليلا وحلَّ المشيب فصبراً جميلا
كفا حزنا بفراق الصبا وأن أصبح المشيب منه بديلا
فلما رأى الغانيات المشيب أغضين دُونِىَ طرفاً كحيلا
سأندب عهد انقضاء الصبا وأبكى الشباب بكاءً طويلا
وغنَّيتها فبكى المعتصم وقال: لو قدرت على رد شبابك لفعلت ولو بشطر ملكى ، فلم يكن لكلامه عندى جواب
الا ان قبَّلْتُ البساط بين يديه .
قال المازني : قلت لأعرابي فصيح ذي فهم وبلاغة:
ما بال النوح في المراثي والبكاء على الشباب والجزع من الشيب أجود أشعاركم وأحسنها؟
فقال: لأناَّ نقولها بقلوب حزينة تخفق، وأكباد موجعة تحترق .
قال المفسرون في قوله تعالى «وجاءكم النذير».. (فاطر: 37)
قالوا: الشيب
كتب زرُّ بن حبيش الى عبد الملك بن مروان كتابا وفى أخره :
ولا يطمعك أميرَ المؤمنين في طول البقاء ما يظهر لك فى صحتك فأنت أعلم بنفسك واذكرْ ما تكلم به الأولون
إذا الرجال ولدت أولادها وبليت من كبر أكبادها
وجعلت أسقامها تعتادها تلك زروع قد دنا حصادها
فلما قرأه عبد الملك بكى حتى بل طرف ثوبه ثم قال: صدق زر ولو كتب بغير هذا كان أرفق.
بهذا المقدار نكتفي رفقا بمن طار غرابه.
عبد الله الضحيك