الرسالة المؤيدة في شرح العقيدة المرشدة
الرسالة المؤيدة
في شرح العقيدة المرشدة
للشيخ الأديب عصام جاسم محمد عبدالله القطان ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إفضاله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله ..
)إعلم) علما قاطعا مطابقا للواقع لا تردد فيه ولو تقليدا مع اطمئنان النفس، (أرشدنا الله وإياك أنه ) (يجب)وجوبا عينيا سواء ببلوغ الدعوة إليك أو النظر أو النشأة والعادة (على كل مكلف) بالغ عاقل (أن يعلم أن الله عز وجل واحد في ملكه )، (خلق) (العالم بأسره ) الخلق كله من شاهد وغائب ، (العلوي) وهو الأفلاك وما حوت والمجرات وما انطوت ،وعالم الملائكة والملكوت ، كلها خاضعة لسلطانه ،( والسفلي ) وهو ما أنت فيه أيها الإنسان مما تحسه أو لا تحسه وما تذلل من المعايش وما لم يتذلل وما تأدى به الحياة برمتها
( والعرش ) خلقه ولا يعلم قدره إلا الله الواحد الأحد ، فكيف برب العرش سبحانه (والكرسي ) خلقه وهو ملكه أو أعظم المخلوقات في العلى ، (والسموات ) وهي الكواكب أو الأفلاك السحيقة عن أفق الإنسان ،( والأرض ) محل الحياة والرزق بأسبابها وعناصرها ،( وما فيهما ) من خواص الأشياء وتراكيبها والفراغات بعيدها وقريبها( وما بينهما ) من الأهوية والجهات والأبعاد والمساحات وروابطها
( جميع الخلائق مقهورون بقدرته( ، فهو قادر سبحانه على كل شيء في الوجود ، لأن كل شيء جرى بخلقه ،)لا تتحرك ذرة إلا بإذنه( ،وقد خصصها بحكمته ، وكونها بلطفه ، لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، سبحانه ما أعظم شانه ،) ليس معه مدبر في الخلق (، ولا يجوز في الأذهان أن يكون مدبران ، بل هو إله واحد بأمره يجري الملوان ،
وكل من عرف نفسه ، عرف ربه ) أنه لا شريك له في الملك (، (وهو)سبحانه ( حي) لا يموت ، والجن والإنس والملائك يموتون ، وحياته من كمال ذاته العلية ، وذاته العلية لا يشبهها شيء في الوجود ، وهو سبحانه( قيوم )ما من شيء إلا يقوم بأمره ، فيعطيه ما به قوامه .
سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم ، لأن هذه الأشياء تجري على المفتقر المحتاج إليها ، والله هو الغني وهو يحي الموتى ، ويخلق النوم السنة فلا يحتاج إليها ، سبحانه موجود قبل الخلق ، وهو يبدأ الخلق ثم يعيده، فالخلق محتاج إليه ، ولا يحتاج إلى الخلق
( ليس له قبل ولا بعد) لأنه خلق الزمان (و لا) له ( فوق ولا تحت)، لأنه خلق المكان فلا يحتاج لا للزمان ولا للمكان ، (ولا) له جهة ( يمين) ( ولا) جهة (شمال) لأنه خلق كل الجهات وهو غني عنها وليس له (جهة أمام ولا خلف) لأن هذه للأشياء التي نراها والله سبحانه ليس كمثله شيء ، ولا يتصور سبحانه بالأذهان ( فلا يقال كلٌّ ولا بعض ) ، لأن هذه للأمور المحسوسة والله بخلافها
(ولا يقال عنه) سبحانه (متى كان) ؟ (ولا أين كان) ؟ (ولا كيف كان) ؟ لأنها سؤال عن الزمان والمكان والأحوال ، والله غني عنها
وقال مالك : الكيف غير معقول . لأنه سبحانه كان قبل كل شيء ثم خلق كل شيء ، فهو كان سبحانه ولا مكان ، ثم (كون الأكوان) بلطفه
(ودبر الزمان) بحكمته ، فهو (لا يتقيد بالزمان) ، أما الخلق فيتقيدون بالزمان
وهو (لا يتخصص بالمكان) لأنه غني عن كل زمان وعن كل مكان وهو خالقهما ، سبحانه (لا يشغله شان عن شان) ، كل يوم هو في شأن من أمور يبديها ولا يبتديها
وقوله سبحانه ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) أي سيأتيكم حسابكم ، سبحانه (عالم الغيب والشهادة)، وكل الغيب عنده دقيقه وجله ، وقد يطلع سبحانه من يشاء من أصفيائه على بعض الغيب إذا شاء ، جل شانه (لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) ، وكل معلوم أحاط به كليات وجزئيات ، كيف لا وهو يعلم ما في البر والبحر ، ولا يفوته ما في أعماق المحيطات والجبال والصخر
(وما تسقط من ورقة) من أي شجرة في أي ساعة (إلا يعلمها) ومقدارها ، (ولا حبة) أو دونها إلا ويعلم أسرارها ،
وما كان في (ظلمات) الحنادس ، (ولا رطب) من الأرض (ولا يابس)، مما لا يحصى عند البشر ، ولا يستقصى في النظر ، إلا هو مسطور (في كتاب مبين) عند علام الغيوب ، ولأنه خالق كل شيء ، متفرد بالفعل متفرد بالصفات متفرد بالذات ، فإنه (أحاط بكل شيء علما)
( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، وعلمه تفصيلي حاصر ما اجتمع أو تبددا ، (وأحصى) بقدرته العظيمة( كل شيء عددا) ، وهو المختار لما يفعل ، الحكيم في تصريفه فيما بقي أو تبدل
( فعال لما يريد) ه بإرادة سابقة لكل المخلوقات كسائر الصفات ،( قادر على ما يشاء )، فالخلق خلقه ، وكل ما يختار مقدور عليه ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) (له الملك) ونحن عبيد عنده ، وله (الغنى) ونحن في نهاية الإفتقار إليه ،
(وله العز) فلا يطلب بشيئ لا يريده وكل عباده خاضعون ، وله (البقاء) الدائم فهو الأول والآخر و
( كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ، (وله الحكم) النافذ الذي لا يوقفه شيء ، وله (القضاء) المبرم المحتم ، الآخذ بالناصية والقدم ، ( والله يحكم لا معقب لحكمه) ، (وله الأسماء) التي لا تضاهيها أسماء (الحسنى ) ولا تساويها في الحسن الأشياء ،إذا قضى أمرا ف(لا دافع لما قضى) ، وله منا نهاية الرضا ،
(ولا مانع لما أعطى) إذ العطاء من خزائن حكمته ، وودائع علمه ورحمته ، سبحانه (يفعل في ملكه ما يريد) وكلنا ملكه فله ما يشاء من الإسعاد والشقاوة ، وغيرهما ، إذ ليس فوقه أحد ، ولا يطلبه أحد وهو الفرد الصمد ، فله سبحانه أن (يحكم في خلقه بما يشاء) ، فلا يظلم أحدا ، ولا يجوز عليه ، أما ما يقع من ملوك الأرض فإن الله فوقهم يحاسبهم ، ولا أحد فوقه سبحانه ، فهو (لا يرجو ثوابا) من أحد فيصانعه ، (ولا يخاف عقابا) من أحد فيقدمه ، وليس عليه واجب يحتمه
و ( ليس عليه حق يلزمه) ، (ولا عليه حكم) من أحد وهو أحكم الحاكمين ، ف(كل نعمة منه فضل) والفضل لمن له منتهى النعم ، ولمن إليه منتهى الإفتقار ، (وكل نقمة منه) حكمة و (عدل) ، وليس عليه حساب من أحد والكل محاسبون ، و(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)، له الكمال والجلال والقدس والجمال، ولنا النقص في كل شيء من الأحوال ، سبحان ذي الجلال شيد ملكه بحكمته وعزته وجبروته المتعال ، وقد وسع كل شيء علما، ف(لا يلحقه وهم) في فعل ، ولا يحيط بذاته عقل ، ولا يكتنفه أبدا فكر ،
( ولا يحيطون به علما ) و(هل تعلم له سميا ) ، تعالى (فلا يتخصص بالذهن) لعجز العقول عن كنه ذاته ، (ولا يتمثل في النفس) فكل ما تصورته فالله بخلافه ، (ولا يتصور) كذلك (في الوهم) ، لأن غاية ما في الوهم ، محسوسات هذا العالم ، والله خلق هذا العالم فلا يكون مثله ، وهو ذو العزة والجبروت ، فلا يتكيف في العقل ( وما قدروا الله حق قدره ) ولا تلحقه مطلق الأوهام والأفكار ،
( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ليس لذاته ولا لأفعاله ولا لصفاته شبيه،
ولم نقل مثلك نعني به غيرك يافردا بلا مشبه
حي عليم قدير والكلام له باق سميع بصير ما اراد جرى
والحمد لله رب العالمين
إنتهت .