المؤمن كالشاة المأبورة
المؤمن كالشاة المأبورة
بينما أنا في روضة من رياض الجنة أقلب كتبي اذ استوقفتني عبارة مالك ابن دينار رضي الله عنه حين قال : ( مثلُ المؤمن كمثل الشاة المأبورة )
لم أفهم العبارة ولم أدرك ماذا يعني ، فسألت شيخي في اللغة عن المعنى فقال : أي أن المؤمن كالشاة التي أكلت في علفها الإبرة ، يريد أنها مبتلاة …
قلت في نفسي (الله أكبر ما أشد بلاءك أيها المؤمن ) انك والله لتمتحن في كل لحظة في دينك شعرت أم لم تشعر وإنك والله لتبتلى بالمحن والأحزان والأكدار ليل نهار تبتلى بالخير والشر تبتلى بحرمانك من الولد وتبتلى بالولد ذاته، تبتلى بفراغك من العمل والأشغال وتبتلى بالشغل وتراكم المهمات، تبتلى بالزوج وتبتلى بفقد الزوج، فأين تذهب أيها المؤمن من البلاء
قال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنَّ نصر الله قريب) .
إي والله هذا درب الجنة محاط بالأشواك، ولا تكون الرحلة له إلا بالصبر،ولعلك تتساءل لماذا كل هذا البلاء وهذا العذاب
فلتعلم أيها المؤمن ما خلف سحب هذا البلاء الذي أنكره قلبك من الخير والغيث لك:
· في هذا البلاء تكفير لذنبك وغسل لسوء عملك.
· بهذا البلاء ترفع درجتك وتعلو منزلتك .
· يذكرك هذا البلاء بربك فتدعوه قائما وقاعدا.
· يعرفك بلاؤك بفقرك لله وضعفك وحاجتك له.
· قد يجعل الله لك في هذا البلاء خيراً عظيماً لا تدركه إلا ببلائك هذا، مثال ذلك أن من الناس من لا يصلح دينه إلا الفقر ولو أغناه الله تعالى لفسق.
هكذا يجعل الله لك الخير من خلف هذا البلاء وانظر وتأمل قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام لما قتل الخضر الغلام قال بعد ذلك لموسى مفسراً ما فعله:
(وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) فلو عاش هذا الغلام لكان مرهقاً لأبويه المؤمنين فكان ابتلاؤهما بموته خيراً لهما.
· يشعرك هذا البلاء بقيمة العافية فإن عافاك الله كان حمدك وشكرك له أعظم من ذي قبل.
· قد يربيك الله بهذا البلاء فيصقل خلقك ويهذب طبعك فتخرج من بلائك بخبرة عظيمة وعلم وفير وخلق عالي
يقول الله تعالى: (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعَلَ اللهُ فيه خيراً كثيرا).
· أما إن كان بلاؤك أيها المؤمن في دينك فابتليت بالذنب والبعد عن الله بعد القرب ففي بلائك هذا خير لك أيضا
يقول شيخ الإسلام ابن القيم في مفتاح دار السعادة ( إذا شهد ذنوبه ومعاصيه وتفريطه في حق ربه استكثر القليل من نعم ربه عليه ، ولا قليل منه ، لعلمه أن الواصل إليه فيها كثير على مسيء مثله واستقلَّ الكثير من عمله لعلمه بأن الذي ينبغي أن يغسل نجاسته وأوضاره وأوساخه أضعاف ما يأتي به ، فهو دائماً مستقل لعمله كائناً ما كان مستكثر لنعم الله عليه وإن دقت)
· ومن فوائد الابتلاء بالذنب أن الذنب يوجب لصاحبه التيقظ
يقول ابن القيم ( الذنب يوجب لصاحبه التيقظ والتحرز من مصائد عدوه ومكامنه ومن أين يدخل عليه اللصوص والقطاع ومكامنهم ومن أين يخرجون عليه وفي أي وقت يخرجون فهو قد استعد لهم وتأهب وعرف بماذا يستدفع شرهم وكيدهم…..)
ويقول أيضاً فيمن ابتلي بالآفات ( يقول مثل هذا يصير كالطبيب ينتفع به المرضى في علاجهم ودوائهم … وهذا معنى قول بعض الصوفية: أعرف الناس بالآفات أكثرهم آفات ! وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما تنقض عرى الإسلام عُروةً عُروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ،انتهى كلام عمر رضي الله عنه …. فإذا عرف الضدين وعلم مباينة الطرفين وعرف أسباب الهلاك على التفصيل كان أحرى أن تدوم له النعمة).
· ولعل هناك فوائد عظيمه أخرى فاتتني أو لم يبلغها علمي القاصر.
ولكن يكفينا قول النبي عليه الصلاة والسلام (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له) . رواه مسلم.
فالحمد لله الذي جعل رحماته في بطن ابتلاءاته وجعل عقب كل ليل نهار وبعد كل حمل ولادة ، سبحانه أَبْكى ليفرح وأمات ليحي وأَذَلَ ليرفع سبحانه ،سبحانه ما أعظم لطفه وإحسانه.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أقرب خلق الله وأشدهم بلاء وأحسنهم صبرا وأرفعهم ذكرا.