رمـــــضَـــان أهـــــلا
رمـــــضَـــان أهـــــلا
بقلم د. محمد حسان الطيان
منسق مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة
عضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق
تشتاق رمْضان َ نفوسُ الورى وإنـَّما الشـوق إلى صَـفْـوِهِ
أهلاً بشهر الصوم رَوْحَ قلوبنا..
أهلا بشهر الصوم يجمع بيننا..
أهلا بشهر تشتاقه نفوسنا..وتهفو إليه قلوبنا..
يعتادنا عاما بعد عام ، فنجد فيه الأنس بعد الوحشة، والراحة بعد التعب, والطمأنينة والسكينة بعد اللهاث والغليان، والنظام والترتيب بعد الفوضى والتشتت، و الذكرى والموعظة بعد الإعراض والنسيان.
أهلا بالأيام المعدودات، تجلو عن قلوبنا الران، وتمحو عن نفوسنا الغل والحقد، وتطهر أرواحنا من الإثم والحوب لتسمو بها نحو بارئها صافيةً ضافيةً, راضيةً مرضيةً، هانئه سعيدة, في نعمى لا يعرفها إلا من ذاقها، ولا يدركها إلا من عاشها, نعمى يتقلب فيه الصائم في دنياه قبل آخرته، وفي عاجل أمره قبل آجله.
أهلا بشهر تقام فيه للعبادات دولة، ويشاد في للطاعات صروح ، فمن صيام إلى صلاة ، ومن تلاوة للقرآن إلى ذكر للرحمن ، ومن زكاة إلى صدقات ومبرات .
أهلا بشهر يعيد للأخلاق نقاءها, وللنفوس صفاءها ، وللقلوب والسرائر أنسها وبهجتها فترى الناس فيه متحابين متعاونين, وترى الأرواح فيه متعارفة متآلفة ، وترى الخير فيه يعم الجميع .
أهلا بشهر يجمع الشمل بعد طول شتات، ويؤلف القلوب بعد طول تنافر، ويزكّي النفوس بعد طول تنافس وتدابر . أهلا بموسم الطاعات، وموئل الرحمات، ومستودع المبرات والصدقات، وزمان الخيرات والمسرات.
أهلا بشهر التراويح، شهر القيام والتسابيح، والمجالس التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة ويذكرها الله فيمن عنده.
أهلا بشهر الغني والفقير، والصالح والطالح، والتائب والعاصي، والمقبل والمدبر، والبَرّ والعاق.. يزداد فيه الغني إنفاقا، والصالح تقى وصلاحا، والتائب استقامةً وفلاحا, والمقبل قرباً ووصالا، والبَرّ طاعةً ورضوانا.
ويعود الفقيرُ فيه حامدا شاكرا, والطالحُ صالحاً فالحاً، والعاصي تائباً نادماً، والمدبرُ مقبلاً ساعياً، والعاقُّ بَرّاً راضيًا.
أهلا بشهر القرآن.. شهر الكلام مع الرحمن، وما أجمل أن يكلم العبد ربه، والمملوك مليكه ، والمخلوق خالقه، وما أجمل أن يناجي الحبيب حبيبه دون واسطة أو وسيلة.. أو رقيب أو حسيب.
ما أجمل أن يناجي الصائم ربه، وهل يناجيه إلا بالقرآن ؟”
ما أجمل أن يكون المرء من أهل الله وخاصته ، وهل لله أهل وخاصة إلا أهل القرآن ؟
“إن لله تعالى أهلين من الناس.
قالوا يا رسول الله من هم ؟
قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته”.
ما أجمل أن يأكل المرء من مأدبة الرحمن، وهل للرحمن مأدبة في الأرض إلا مأدبة القرآن ؟
“إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، ولا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته، كل حرف عشر حسنات، إني لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ”
أهلا بشهر يضم ليلة القدر، أعظم ليالي الدهر، وهي خير من ألف شهر..فطوبى لمن عرف قدرها، وطوبى لمن ترقبها، وطوبى لمن أدركها.
أهلا بشهر يبدأ بالمغفرة، ويتوسط بالرحمة, وينتهي بالعتق من النار.. فيا سعادة من غنمه، ويا فوز من كان فيه من المقبولين.
أهلا برمضاننا، مجمع خيراتنا، ومراح نفوسنا، ومبلغ أمانينا.
رمـضــَان أهلا يا حبيب ومرحبا عيد القلوب وبهجة الأكوان.