ملايين خالد مشعل
ملايين خالد مشعل
إذا أراد البعض الاستدلال على صحة خبر قال: ذكرته الصحيفة الفلانية، أو أردت أن تنقض خبره أو تكذبه قال: قرأته في الصحيفة الفلانية، ولاشك ان مثل هذا الاستدلال لايكفي كي يكون الخبر صحيحا،بل إنَّ هذا التصديق بمثل هذا التسليم ضرب من السذاجة والتغفيل، إلا أن
يشتهر الخبر ويستفيض، أو تقوم الصحيفة ذاتها بتأكيده بما يمنع تكذيبه.
وقد قرأت مقالا للاستاذ فؤاد الهاشم في الاسبوع الماضي بعنوان خالد مشعل “مناضل” للايجار، يصف فيه حفل زفاف ابنة خالد مشعل فاطمة بأنه تكلف ملايين الدولارات، نقلاً عن مجلة روز اليوسف القاهرية.
وخلافا لعادة الأستاذ فؤاد في توثيق وتدقيق الخبر، أحاله فقط إلى الصحيفة، ولاشك ان من أحال فقد استبرأ، الا انه على الرغم من ذلك فإحالة مثل هذا الخبر لا تكفي من مثل كاتب في مكانة الاستاذ فؤاد الذي عكس قاعدة قراءة الصحيفة فجعل بداية قراءتها من منتهاها، وجعل من “علامة تعجبه” علامة مسجلة لصحة الخبر لا تقتضي النقض عند كل قارئ يقرأ له.
ومقال الأستاذ فؤاد الهاشم يتكون من شقين:
الأول الذي يتكلم فيه عن العرس ومظاهر الأبهة والسرف الذي بلغ الملايين حسب مانقلته روز اليوسف،
والثاني في نقد خالد مشعل وعلاقته مع إيران.
وسأستهل بالكلام عن الشق الثاني ليستبين القارئ توجهي وأنني باحث عن الحقيقة ولست مبتعثا عن العاطفة، تمهيدا لبيان الرد على الشق الأول.
أقول.. لقد ذكرت في مقال لي بعنوان “مو وقته” في الوطن بتاريخ 14 يناير 2009 أبين فيه نقدي لزيارة خالد مشعل لإيران، وأزيد عليها الآن رداً على من قرأ مقالي وقال:
علاقة حماس بإيران مما يقتضيه تعانق المصالح، وأقول يصح ذلك شرط ان تكون المصلحة متحققة وغالبة، فأين المصلحة التي تحققت؟
أهو الشجب والكلام والشعارات، وهل سيكون شجب إيران الفارسية أبلغ من شجب حكوماتنا العربية؟
وقد يقول بعض من في نظره قصر، استعانت الكويت بأمريكا حينما خذلها العرب في الغزو العراقي، فمالمانع أن تستعين حماس بإيران حينما خذلها العرب ؟
وأقول: وذلك كذلك قصر باع في القياس يدفعه الواقع والنتيجة، فأما الواقع، فأين مصلحة أمريكا في الكويت وماجاورها من مصلحة ايران مع فلسطين وما جاورها؟
وأما النتيجة فهي تجييش الجيوش وتحرير الكويت، فأين تجييش الجيوش؟
أرجو ألا يكون المعني هو جيش حزب الله وقائده المظفر.
وأما الشق الأول من المقال فأقول:
هالني ما قرأت عن تكاليف عرس فاطمة، وكوني لست عاطفي التفكير زادني ذلك غما، لأنني لا أستبعد على أحد ما يجري على غيره، ولا يدفع عن أحد الباطل ما يحيط به من هالة الحق، لأنني أرفض تقديس الرجال.
وبدأت اسأل عن حقيقة مانقلته روز اليوسف، وأغاظني ما سمعت من رد أحدهم بقوله، “لا يمكن أن يفعل ذلك خالد مشعل”.. فقط هكذا لكون خالد مشعل من زعماء حماس
ولكوني حازماً في قبول الخبر فإني أسيئ الظن وذلك من الحزم كما كان ينقل عن سيدنا عمر قوله: “إساءة الظن من الحزم”..
فكان أن عزمت على التأكد من الخبر فتذكرت ثلاثة من أصدقائي وأحبابي في الشام ممن جمعني وإياهم مجالس العلم ورحم العلم ممن لاشأن لهم في السياسة من قريب ولا بعيد، ولو شئت لذكرت أسماءهم.
أقول تذكرتهم فسارعت بالاتصال بهم قائلا:
هل سمعتم بعرس فاطمة بنت خالد مشعل؟
أكرر السؤال على كل واحد منهم على حده، قالوا: نعم، منذ أقل من سنة، وكنا مدعوين إليه حسب عادة أهل الشام بدعوة المشايخ والعلماء إلى الأعراس،
فقلت: كيف كانت مظاهر العرس؟
قالوا تحول من عرس إلى مهرجان خطابي سياسي، قلت لا أعني ذلك، بل أعني هل هناك تكاليف زائدة في إقامة العرس؟
قالوا تكاليف العرس مثل تكاليف أي عرس لشخص متوسط الحال في الشام، وكان في صالة من صالات القرى، بل زاد أحدهم حالفا بالله إن تكاليف العرس على ما رأوه لم تزد على 50 ألف ليرة, لماذا تسأل؟
قلت: لأن أخبار العرس وردت الينا بأن تكاليفه بالملايين فاستغربوا الخبر ونفوا بشدة أن يكون شيء من ذلك, و أقسموا بالله على صدق ما يقولون.
أقول هاقد نقلت لكم تكذيب مقالة روز اليوسف من ثلاثة ثقات حضروا العرس تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، لا مصلحة لهم مع خالد مشعل في تكذيبه أو تصديقه، والثلاثة رواة في مصطلح الحديث هو أول حد التواتر الذي يستفيض فيه الخبر وينتفي عنه به الكذب.
أقول الاختلاف مع الغير لا يستوجب الطعن عليهم, واتهامهم في ما ليس فيهم إلا أن يكون للطاعن من ذلك برهان, فسياسة قادة حماس الخرقاء مع إيران لا تقدح في شرعية جهادهم في غزة
ومواقف الفلسطينيين المشينة معنا لا تستدعي إنكار حقهم على أرضهم, والطعن على ذمة خالد مشعل المالية أو غيره من قادة حماس لا يصح أن نتلقاه على أنه حقائق لمجرد الاختلاف معهم. وعوداً إلى ما بدأت به المقال وبناء عليه,
فلو قال قائل من الناس : فؤاد الهاشم يكتب أكثر لمن يدفع أكثر , فرد عليه آخر, هذا كلام غير صحيح , ورد عليه صاحب الخبر يؤكد كلامه بأنه قرأ الخبر في الصحيفة الفلانية, فهل يكفي ذلك دليلاً على صحة الخبر وإشاعته على أنه حقيقة؟!!
هذا عين ما كتبته روز اليوسف عن خالد مشعل وهذا عين ما يستدل به الأستاذ فؤاد على ملايين خالد مشعل, فهل يرضى الأستاذ فؤاد أن يردد الناس ما يكذبه عليه الآخرون بمجرد السماع أو القراءة ؟!!
قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”..
وقال صلى الله عليه وسلم: “كفى المرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”..