وحي القلم / المقالة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
وحْي الأَلَم
المقالة الأولى
هذا مقالات أكتبها لكم أيها القراء الكرام في فترة مرض ألمَّ بي سميتُها”وحْيُ الألم”، فإن كان للقلم وحْيٌ وإشارة كما جرى لشيخنا الرافعي رحمه الله تعالى عندما أطلق على مجموع مقالاته” وحْي القلم”، فإنَّ للآلام لساناً مُبيناً ينطقُ كذلك، وإلا فمن أين تعلم أهلُ الآهِ آهاتِهم؟،
وكيف تعلمَ أهلُ الأنينِ أنينَهم وحنينَهم، أليس من لغةِ الآلام؟
بلى. ألم يقلْ قائِلُهم([1]):
أنَّ شوقاً وللمحبِّ أنينُ … حين فاضتْ على الخدودِ الجفونُ
آهِ من زفرةٍ يُنْشِئُها الشّو … قُ وداءٌ بين الضلـوعِ دفـينُ
وقال الآخر:
ذبتُ اشتياقاً ووجداً في محبّتكم … فآهِ من طولِ شُوقي آهِ منْ كَمَدي
كفانا الله وإيّاكم شرّالآلامِ وأنينَها وآهاتِها.
كيف أنطقني الألم؟
لما بَرَّح بي المرض، وطلب مني الأطباء أنْ لا أتكلمَ أبداً، بل وطلبَ مني طبيبٌ أنْ لا أحدثَ نفسي بنجوى، ولا أبوحَ لها بشكوى، فأَخْرسَ لساني عن حديثِ نفسي فضلاً عن حديثِ غيرها، وحاولتُ أن أتعلمَ كيف يتحولُ الإنسانُ إلى صخرةٍ صماءَ، فلمْ أستطعْ، عندها انتزعتُ سِنانِي، وهو قلمي ليكونَ نصفيَ الآخر:
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
هذا اليراعُ هو ما أعددتُه لتلك الحوالكِ يضيئُها بسوادِ حِبْرِهِ، ويسددُ القولَ بانحناءِ يَرَاعتِهِ، وتذكرتُ قولَ عبدِ القيسِ بن خفاف البُرجميّ ([2]):
وأصبحتُ أعددتُ للنَّائبا … تِ عرْضاً بريئاً وعَضْباً صقيلاً
ووقعَ لسانٍ كحدِّ السِّنانِ … ورُمْحاً طويلَ القناةِ عَسولاً
فكتبت هذه الخواطر من “وحْي الألم”.
——————————————————————————–
([1]) أنّ في هذا البيت ليست الناسخة المشبهة بالفعل، بل من أَنَّ الرجلُ من الوجع يَئِنُّ أَنيناً. قال ذو الرمة:
تشكو الخِشاشَ ومَجْرَى النِّسعتَيْن كما … أنَّ المريضُ إلى عُوّادِه الوَصِبُ. لسان العرب مادة” أنن”.
([2]) الرّمْحُ العَسُول الذي لانَ واشْتَدَّ اهْتِزازُهُ.القاموس المحيط مادة “عسل”.