الصفحة الرئيسية » تراجم » الشيخ محمد طاهر الكردي

الشيخ محمد طاهر الكردي

مؤرخ مكة المكرمة
العلامة الشيخ محمد طاهر الكردي المكي
1321 هـ ـــ 1400هــ
السيد سمير احمد حسن برقة

يحفل تاريخنا المكي بالكثير من المؤرخين العظام الذين استطاعوا بما يملكون من قدرات ومواهب ومعارف وعلوم وفنون أن يؤرخوا للتاريخ وغيره من العلوم وان يوظفوا كل ذلك في خدمة بلد الله الحرام مكة المكرمة ـ حرسها الله ـ وذلك وفاء لها ولمكانتها التي تربعت في قلوبهم وانغرست في وجدانهم وتسرب حبها في عروقهم ودمائهم.

فهي قبلة الدنيا ومهبط الوحي ومهوى الأفئدة ومنبع الأسرار والأنوار ومحط سادات الرجال، وقد نبغ من مؤرخيها أئمة منهم: الإمام الازرقى والفاكهي والطبري والفاسى وابن فهد وابن ظهيرة والقطبي وابن علان والبكرى والهيتمى والعجيمى والدحلان، وانتهاء بالغازي والحضراوى وباسلامة والسباعي والرفيع والكردي والبلادى وغيرهم كثير حتى عدهم احدهم بأكثر من مائتي مؤرخ.

ويأتي المؤرخ العلامة الشيخ محمد طاهر الكردي من أوسعهم تاريخا لأنه بحق يعتبر كتابه الموسوم بعنوان ” التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم ” موسوعة تاريخية واجتماعية وأدبية جمع فيه معارف شتى وعلوم وفنون عديدة وفوائد وفرائد مكية قل أن تجدها في كتاب واحد.
وحوي كتابه المذكور تاريخ البلد الأمين مكة المكرمة وبيته المطهر الشريف والمشاعر المقدسة منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى سنة 1385 هـ مزين كتابه بالخرائط المهمة والصور الفوتوغرافية والرسوم اللطيفة للاماكن المقدسة والمواضع الأثرية والرجال البارزين والعلماء المؤرخين وفيه من التحقيقات والتدقيقات ما يجذب القارئ إلى كثرة مطالعته لأنه يشفى الفؤاد بسيرة ذكر خير البلاد.

لقد عرف الشيخ محمد طاهر الكردي بأنه احد أعلام التاريخ والأدب والعلم والفكر المشهود لهم برسوخ القدم وكثرة التأليف وسعة الإطلاع , فهو شخصية علمية وأدبية ودينية معروفة بمكة المكرمة , قضى حياته العامرة في البحث والمعرفة فقد ولد في مكة المكرمة ـ حرسها الله ـ عام 1321 هـ وتوفى ودفن بها في عام 1400 هـ

وتلقى تعليمه بمدرسة الفلاح المشهورة والتي أسسها الشيخ محمد على زينل وهى مدرسة العلماء والنجباء ثم ألحقه والده الشيخ عبد القادر بالأزهر الشريف لمواصلة طلب العلم سنة 1340 هـ وهكذا استمر اهتمام والده به ورعايته له حتى وفاته في 9 رجب 1365هـ عن عمر بلغ تسعين سنة ودفن بالطائف.

وقد اخبرني أحد أحفاده بأنه يمتلك مجموعة من المخطوطات لجده عبد القادر في الفقه والمناسك وغير ذلك وأفادني هذا الحفيد أيضا أن للشيخ محمد طاهر شقيق يدعى الشيخ محمد مكي ارتحل لمدينة الرياض واشتغل في وزارة الدفاع وكان من أشهر عاقدي الأنكحة بالرياض وله مجموعة كتب لازالت مخطوطة في المناسك والفقه وغير ذلك.

ونعود لشيخنا محمد طاهر فأشتغل بالعلوم الدينية والعربية كما اشتغل بتعلم الخطوط العربية بأنواعها وما يتعلق بها من رسوم وزخرفة وتذهيب وعرف بمكة بالخطاط لأنه توجهه بكتابة القرآن الكريم بما يعرف “مصحف مكة” .

والحديث عن الشيخ محمد طاهر الكردي يطول والذي يهمنا هنا هو أن نتحدث عنه مؤرخا مرموقا وباحثا معروفا وكاتبا مميزا , والتاريخ هو من أوسع الأبواب ولوجا ,لان التاريخ علمه عظيم وفائدته كبيرة ومنافعه جمة وعبره معتبرة وأحداثه مدونة.

وقد أجاد وأفاد علامتنا هذا الفن بما سجله بيراعه وسطره بقلمه وبحثه بعلمه وسعة إطلاعه , فهو قد استوعب كل ما وقف عليه من تاريخ لمكة المكرمة ـ حرسها الله ـ فجمع المسائل والأبحاث المتعلقة بها ولم يترك سوى ذكر الحروب متعللا بان ذلك من اختصاص المؤرخين السياسيين , وقد أخذ عليه الشيخ محمد على مغربي ذلك وهو يترجم له في كتابه ” أعلام الحجاز ”
بقوله:
“أما تجنب ذكر الحوادث تفاديا لهذا الحرج أو للسبب الذي ذكره مؤلف كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم فهو كما ذكرت من الأسباب التي تخرج الكتاب عن الصفة التي أراد المؤلف أن تكون لكتابه , أن الحوادث السياسية والحروب هي مادة التاريخ إذا صح هذا التعبير , فالحروب هي التي غيرت وتغير وجه العالم , وكلما كانت الحروب كبيرة وواسعة كلما كان التغيير اشمل واعم”

وبقدر اتفاق أو اختلاف الشيخ المغربي مع الشيخ الكردي يظل الكردي رجل متعدد المواهب صائب الفكرة لأنه استطاع أن يدون ويسجل ما لم يتمكن غيره.

ومن الملاحظ أن العلامة الشيخ محمد طاهر الكردي في تاريخه القويم تعرض لأمور تاريخية سياسية يفطن إليها اللبيب ويلقطها النجيب ويلاحظها القاري المدقق الذي يقرأ ما بين السطور.

ومما يدعم هذه الملاحظة ما نقله الأستاذ الدكتور الفقيه عبد الوهاب أبو سليمان وهو يعرِّف بالمؤرخ الشيخ محمد طاهر الكردي بقوله:
” إنه عاصر حادث الحرم وما فعلته الفئة الخارجة في بداية عام 1400هـ وكان يتمنى أن تساعده قواه على تدوينه ويأمل ـ وقد أصبح عاجزا ـ أن تهتم الحكومة السنية بإصدار كتاب مفصّل توضح فيه كافة الجوانب والملابسات والأحداث لهذا الحادث الذي يعد من بين الأحداث التاريخية المعدودة فيما يتصل بالمسجد الحرام فيكون وثيقة تاريخية صادقة أمينة تقف عليها الأجيال بدلا من الروايات المتعددة والإشاعات الرائجة التي قد لا يكون لها جانب من الصدق “.
والتراث التاريخي هو بوابة المستقبل وعبق الماضي ونسيم الحاضر والتاريخ القويم عنوان لذلك فهو بحق يعتبر دائرة معارف مكية وموسوعة تاريخية شاملة ومنظومة اجتماعية وأدبية متكاملة.

وقد قام مشكورا معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن دهيش بإعادة طباعة الكتاب في عام1420 هـ عن دار خضر في بيروت على قطعة من المقاس المعتاد بدلا من القطع الكبير الذي كانت عليه الطبعة الأولى لعام 1385 هـ .

ثم قام مرة أخرى بإعادة طباعته طبعة ثالثة عام 1425 هـ في أربع مجلدات لست أجزاء من القطع الكبير شاملا في الجزء الخامس مقدمة وتعريف وتقريظ العلماء لمؤلف الكتاب الذي تقوم مكتبة الأسدى بمكة المكرمة بتوزيعه .

ونجدها فرصة مواتية لنزف البشرى بقرب خروج وطباعة مخطوطه ” التفسير المكي ” في 9 مجلدات كبار ( وقد اخبرني أحد طلبة العلم والمهتم بالكتب بان منهج وطريقة الشيخ الكردي قريبة جدا من طريقة الشيخ طهطاوى جوهري صاحب كتاب” تفسير الجواهر ” والذي يكتب كل ما أمامه من معلومات) والذي يعكف على تحقيقه وإخراجه احد دور النشر المعروفة بجده وهى أيضا على وشك إخراج كتاب ” زهرة التفاسير ” في مجلد واحد ضخم تتجاوز صفحاته 600 صفحة فنسأل الله لهم العون والتوفيق.
والحقيقة عندما يريد الباحث أن يدرس شخصية الكردي فسيجد نفسه أمام شخصية إنسان حوت الكثير من الجوانب الإنسانية فهو متعدد المواهب عملاق في فكره واسع في أدبه متعمق في دراساته متنوع في موضوعا ته منطقي في تحليلاته قوى في أسلوبه صادق في عزمه متفاني في طلبه أصيل في بحثه أمين في تاريخه

فهو سهل ممتنع أديب راقي عالم واسع صاحب قلم بأسلوبه بارع في فنه وخطه أسلوبه جميل شعره منظم ببلاغة واضحة ولفظ رائق وطاقة أدبية واضحة وجمال وقوة صياغة ملحوظة وأقواله حكم وأمثال وهمته من همم الرجال وبصماته مسجلة في دواوين الرجال وحبه لمكة لا يوازه حب ، وسوف نعرض بعضا من شعره وأمثاله وحكمه وأدبياته وكتبه.

ومن شعره قوله:

كم عاقل فاضل تلقاه مضطربا وجاهل خامل تلقى به طربا
هذا له الحظ في الدنيا وذاك له عز من الله في أخراه قد وجبا

وقوله:

دع الأمر تحت القضا والقدر فما ينفع العقل لا و الحذر
فمن رام سخطا على ما جرى فذاك الكفر وشر البشر
ومن سلّم الأمر نال المنى وما يبتغيه ونال الظفر
فصبرا جميلا على ما قضاه الإله عساه يزيل الضرر
ولا تتركن الدعاء والطلب فان اللطيف به قد أمر
ولا تركبن بحار الهوى فان المعاصي قرين الخطر

ومن حكمه وأمثاله قوله:

حركات المرء تدل على عقله
حفظ المعروف من المروءة
تقدير الأعمال يزيد نشاط العمال
مراعاة إحساس الأصدقاء تقوى حبل الصداقة
الاعتراف بالإحسان من كمال الإنسان
الاستبداد والقسوة يورثان البلادة والجفوة
هضم الحقوق موجب للعقوق
الكريم بلا مال كالشجاع بلا سلاح
لا تحتقر ضعيف اليوم فقد يصبح غدا عظيما
من احترم غيره فقد احترم نفسه
الوظائف تكيف الرجال , والرجال تنهض بها

أما كتبه فمتنوعة:

التاريخ والآثار:
1) التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم
2) مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام
3) منظومة في أشهر بنايات الكعبة المعظمة
4) تعليق مختصر على تاريخ مكة للقطبي
5) النسب الطاهر الشريف
6) تبرك الصحابة بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم
7) رسالة انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى
8) عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام
9) صورة حجر مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام
10) الشوق والرغبة في معرفة ما حصل في الكعبة في العهد السعودي
11) تراجم من له قوة الحافظة
12) عجائب ما رواه التاريخ

في التفسير وعلومه:
1) التفسير المكي
2) زهرة التفاسير
3) تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه
4) رسالة حفظ التنزيل من التغيير والتبديل
5) الاستحسان في وضع علامات الترقيم في القرآن

في الفقه والتربية:
1) إرشاد الزمرة لمناسك الحج والعمرة
2) دعاء عرفة
3) الأدعية المختارة
4) تحفة العباد في حقوق الزوجين والوالدين والأولاد
5) الأحاديث النبوية في الآداب الدينية والتربية الإسلامية
6) الموعظة الحسنة في عدم اليأس وفى الصبر والتفويض
7) منظومة في التعاريف الفقهية

في الأدب والشعر واللغة:
1) أدبيات الشاي والقهوة
2) بدائع الشعر ولطائف المنن
3) مختصر المصباح والمختار في اللغة
4) حسن البساط في ديوان محمد طاهر الكردي الخطاط
5) المحفوظات الأدبية المختارة

في الخط وفنونه:
1) تاريخ الخط العربي وآدابه
2) حسن الدعابة فيما ورد في الخط وأدوات الكتابة
3) رسالة في الدفاع عن الكتابة العربية في الحروف والحركات
4) تحفة الحرمين في بدائع الخطوط العربية
5) مصحف مكة

كتب متنوعة:
1) استحالة الإقامة في القمر والكواكب
2) البحث والتحقيق في معرفة معنى الصديق
3) لوحات فنية

هذا هو محمد طاهر الكردي بنشاطه التأليفى الواسع وعلمه الغزير وثقافته المتنوعة استطاع بجدارة أن يغرس بصماته في سجل دواوين الرجال وان يغترف من علومه الباحثين الكبار قبل الصغار وان يعترف بفضله العلماء المبرزين فهو شامة سامقة وعلامة بارزة وثمرة من ثمرات بلد الله الحرام التي لازالت تثمر للأمة برجال وعلماء وأدباء ومفكرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

ونتمنى لو يتم إنشاء جائزة الخط تحمل اسمه لأنه الأستاذ الأول للخط بمكة المكرمة وله في ذلك إتقان فقد استطاع أن يكتب بعض قصار السور مثل سورة الإخلاص على حبة من الأرز عدا لوحاته الفنية ورسوماته المتنوعة والتي ملئت كتبه بها وما مصحف مكة إلا ثمرة من هذه الثمار اليانعة والتي بلا شك ستخلد ذكراهم العطرة .

فرحم الله الشيخ الفذ العلامة محمد طاهر الكردي على ما قدم ومكة المكرمة ـ حرسها الله ـ لا يمكن أن تنس أبنائها البررة فقد سجلتهم في سجلات الخالدين بمآثرهم العظيمة وأعمالهم الجليلة ومناقبهم الرائعة فرحمة الله عليه وبركاته .