تقديم أ. د. محمد حسن هيتو
تقديم
الشيخ الدكتور محمد حسن هيتو
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فإن أغرب سؤال وجه إلي في حياتي العلمية هو: هل يعتبر الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟
لقد استوقفتني صيغة هذا السؤال طويلا، إذ وجدتها فارغة من معنى السؤال العلمي الصحيح، مما يدل على سذاجة السائل وجهله بتاريخ هذه الأمة وعقيدتها.
وذلك أن ما يعرفه كل من شم للعلم رائحة، على مدى تاريخ أمتنا الطويل هو أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة.
وأنه إذا أطلقت كلمة أهل السنة في كتب العلم- على اختلاف أنواعها- فإنهم هم الذين يرادون بها.
وهم الذين تردد الخلافات بينهم وبين المعتزلة، أو غيرهم من الفرق الإسلامية في كتب العقيدة، والفقه، والأصول، والتفسير، والحديث، بل في كتب اللغة، وغير ذلك من كتب العلم التي تعرض للخلاف في العقيدة.
وذلك أن الأشاعرة هم الذين وقفوا في وجه المعتزلة، فزيفوا أقوالهم، وأبطلوا شبههم، وأعادوا الحق إلى نصابه على طريق سلف هذه الأمة ومنهجهم.
وإلإمام أبو الحسن الأشعري لم يؤسس في الإسلام مذهباً جديداً في العقيدة، يخالف مذهب سلف هذه الأمة، وإنما هداه الله تعالى لالتزام مذهب أهل السنة بعد أن أمضى أربعين سنة من حياته على مذاهب الاعتزال، عرف من خلالها حقيقة مذهبهم، وتمرس بفنونهم وأساليبهم في الجدال، والنقاش، والنظر، مما مكّنه من الرد عليهم، وإبطال شبههم.
فوجد فيه أهل السنة ضالتهم التي طالما بحثوا عنها فاتبعوه، وساروا على نهجه، لما رأوا فيه من القدرة على إفحام خصومهم، والدفاع عنهم، وتثبيت مذاهبهم.
وعقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي سار عليها هي عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، والشافعي، ومالك، وأبي حنيفة وأصحابه، وهي عقيدة السلف الصالح، كما نص على ذلك أئمة أهل العلم ممن سار على هذه العقيدة، على كر العصور ومر الدهور.
ولذلك كان الصواب في السؤال أن يقول السائل: من يدخل مع الأشاعرة في أهل السنة الجماعة؟
والجواب على هذا: أنه يدخل معهم كل من سار على نهجهم، وسلك سبيلهم، وإن وقع شيء من الخلاف في بعض المسائل بينهم.
فالماتريدية من أهل السنة، والأثريون من أهل السنة، إلا أن الذي ظهر من أهل ا لسنة ومَثَّلَهم في كتب العلم هم الأشاعرة، ولذلك كانت كلمة أهل السنة إذا أطلقت انصرفت في الغالب إليهم.
على أن جمهرة أهل السنة منهم.
فالمالكية كلهم أشاعرة…
والشافعية كلهم أشاعرة…
والحنفية كلهم أشاعرة أو ماتريدية ولا خلاف بينهم…
وجملة كبيرة من أئمة الحنابلة المتقدمين من الأشاعرة.
وهذا على الجملة.
وأما على التفصيل فعظماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأشاعرة، كالباقلاني، والقشيري، وأبي إسحاق الشيرازي، وأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي، وأبي محمد الجويني، وولده أبي المعالي إمام الحرمين، وحجة الإسلام الغزالي، والقاضي أبي بكر بن العربي، وفخر الدين الرازي، وابن عساكر، والعز بن عبد السلام، وأبناء الأثير، والرافعي، والنووي، والسبكي وأولاده، والمزي، والعراقي، وابنا حجر- العسقلاني والهيتمي-، والسيوطي، وما لا يحصيه العد مما تنقطع بذكره الأنفاس، ويضيق بعده القرطاس.
فإن كان كل هؤلاء ممن ذكرنا، وأضعافا مضاعفة ممن لم نذكر ليسوا من أهل السنة، فمن هم أهل السنة في التاريخ؟
لم يبق بعد هذا إلا أن يقال: إنهم كانوا وهما جسده الجهل المعاصر، وهكذا تنقلب الحقائق آخر الزمان، فيقذف العالم بالجهل ويترك، ويوصف الجاهل بالعلم فيسأل، ليضل ويضل، وتنقض عرى الإسلام عروة عروة.
وقد سخر الله تعالى الإخوة الذين ألفوا هذا الكتاب لبيان الحق وإظهاره، ودحض الباطل وفضحه بما ذكروه من الحقائق العلمية عن الأشاعرة في نشأتهم وعقيدتهم، مما يحتاج إليه كل من لم يعرف شيئاً عنهم، أو عرف عنهم من الأباطيل التي يروجها أدعياء العلم والمعرفة، مما يتنافى مع الأمانة العلمية التي أمر الله بها.
وهم لم يبتدعوا شيئاً جديدا في هذا الكتاب لأنه ليس الأول من نوعه في هذا الموضوع وإنما أظهروا فيه ما كان خافيا على من لم يعلم، أو يتعامى عنه من علم، فجزاهم الله على ما بذلوه فيه خير الجزاء، وأجزل لهم بمنه البذل والعطاء.
وكتبه
الشيخ أ.د. محمد حسن هيتو