كتّاب سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأشاعرة والماتريدية
كتّاب سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأشاعرة والماتريدية
قال الإمام أبو المظفر الإسفراييني – رحمه الله تعالى – (المصدر السابق):
(علوم المغازي والسير والتواريخ والتفرقة بين السقيم والمستقيم، ليس لأهل البدعة من هو رأس في شيء من هذه العلوم فهي مختصة بأهل السنة والجماعة) اهـ.
وممن صنّف في السير والمغازي من الأشاعرة والماتريدية فبلغت مصنفاته ما بلغ الليل والنهار:
· الإمام البيهقي رحمه الله تعالى صاحب دلائل النبوة.
· الإمام أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى صاحب دلائل النبوة أيضاً.
· القاضي عياض رحمه الله تعالى صاحب الشفا في شمائل وأحوال المصطفى ‘ الذي ليس له نظير.
· الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى صاحب الوفا بأحوال المصطفى.
· الإمام الحلبي رحمه الله تعالى صاحب السيرة الحلبية المسماة بإنسان العيون.
· الإمام السهيلي رحمه الله تعالى صاحب الروض الأنف.
· الإمام القسطلاني رحمه الله تعالى صاحب المواهب اللدنية.
· الإمام الصالحي الدمشقي رحمه الله تعالى صاحب سبل الهدى والرشاد.
· الإمام المؤرخ المقريزي رحمه الله تعالى صاحب كتاب إمتاع الأسماع.
ومصنفات هؤلاء الأئمة هي أهم المراجع التي عليها المعتمد في سيرة المصطفى ‘، وكلهم على عقيدة الأشاعرة والماتريدية وعلى ما كان عليه المتقدمون من كتاب السيرة الأوائل مثل ابن إسحاق والواقدي وابن سعد وابن هشام وغيرهم من أكابر العلماء في السيرة والمغازي.
وكذلك من صنف في التواريخ من الأئمة غالبهم من الأشاعرة والماتريدية مثل الإمام الحافظ ابن عساكر في كتابه الفذ تاريخ مدينة دمشق والإمام ابن الجوزي في كتابه المنتظم والإمام الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد وابن خلدون وابن الأثير، وكذلك من صنّف في تراجم الأعلام مثل الإمام الصفدي في كتابه الوافي في الوفيات الذي اختصره في كتابه أعيان العصر، وقبله الإمام الباخرزي صاحب كتاب دمية القصر، وابن شاكر الكتبي صاحب كتاب فوات الوفيات وقاضي القضاة ابن خلكان الشافعي صاحب كتاب وفيات الأعيان، وكُتَّاب تراجم طبقات علماء المذاهب الفقهية وأصحاب كتب التراجم التي وضعت حسب القرون مثل الدرر الكامنة وإنباء الغمر كلاهما للحافظ ابن حجر والضوء اللامع للحافظ السخاوي، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، ومرآة الجنان لليافعي وخلاصة الأثر للمحبّي وسلك الدرر للمرادي والكواكب السائرة للغزي، وغيرهم الكثير.
ومما يلحق بما مرّ وهو قريب منه، ما صُنّف في الأنساب والأماكن والبلدان مثل كتاب الأنساب للإمام السمعاني ومعجم البلدان لياقوت الحموي ومعجم ما استعجم للبكري وغير ذلك كثير جداً، كل أولئك كانوا إما أشاعرة أو ماتريدية.
ونحن في كل هذا إنما نقتصر على من كان معروفاً بين الناس وإلا فالأمر لا يدخل تحت الجهد والطاقة، وهؤلاء الذين ذكرناهم وعدّدنا مصنفاتهم سواء في القرآن وعلومه أو الحديث أو الفقه والأصول أو علوم العربية أو التواريخ والمغازي والسير وغير ذلك، هم عبارة عن مراجع المكتبة الإسلامية التي لا غناء لكاتب أو باحث في أي فن عنها.
وعلى الجملة فإن التاريخ على مدى أدواره كلها منذ منتصف القرن الرابع هو خير شاهد على أن مذهب الأشاعرة والماتريدية ومن وافقهم من أهل السنـة بجمـيع طوائفهم هو المذهب الغالب السائد، فأينما ارتحلت في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، شماله وجنوبه فرايات أهل السنة أعلى ما تراه، ومهما بالغت بالرجوع في أحقاب الزمن لن تجد مذهبهم إلا غالباً على كل ما سواه، وذلك لحديث المصطفى ‘ “لا تجتمع أمتي على ضلالة “.
أضف إلى ذلك، تلك الصروح الشامخة والمراكزالعلمية التي كانت تنشر النور في جميع أصقاع العالم الإنساني، مثل الجامع الأزهر في مصر، وجامع القرويين في المغرب، وجامع الزيتونة في تونس، والجامع الأموي في دمشق، وندوة العلماء في الهند، وغيرها من منارات العلوم المبثوثة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كلها كانت تتبنى إما مذهب الأشاعرة أو الماتريدية، ومن قبلها المدارس الإسلامية التي قامت في حواضر الإسلام قديماً، مثل المدارس النظامية نسبة للوزير نظام الملك، وهي كثيرة، حتى قيل بأنه لا تخلو مدينة من مدن العراق وخراسان من أحدها، وهي من أهم الأسباب في انتشار المذهب السني، ومن أشهرها نظامية بغداد التي كانت أكبر جامعة في الدنـيا يومئـذ([1]) ولي مشيختها الإمام
أبوإسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى، وممن وليها أيضاً الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، ونظامية نيسابور التي ولي مشيختها الإمام الجويني رحمه الله تعالى وبعده الإمام الغزالي أيضاً، ومن تلك الصروح العلمية التي كان لها أكبر الأثر في التاريخ الإسلامي والحركة العلمية في العالم الإسلامي أجمع مدرسة دار الحديث الأشرفية التي كان شرط واقفها أن لا يلي مشيختها إلا أشعري (انظر طبقات ابن السبكي 10/200، 398)، وكان أول من استلم مشيختها الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى، ثم تعاقب الأئمة بعده، فمنهم الإمام الرباني الحافظ يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى والحافظ جمال الدين المزي والحافظ التقي السبكي والحافظ ابن كثير وغيرهم، والذين تخرجوا فيها من العلماء لا يُحصَـوْن كثرة، وهكذا استمرّت هذه المدرسة بإخراج العلماء والأئمة والحفاظ والفقهاء والمقرئين قرونـاً طويـلة،” وبقيت كذلك حتى القرن الحادي عشر الهجري، ثم بدأ يدب إليها الضعف وذلك تبعاً لما كان يمرّ به العالم الإسلامي من تفكك وخور، ثم هيأ الله لها عالمين جليلين استطاعا بجهودهما أن يعودا بالمدرسة إلى سابق عهدها، فاستؤنفت فيها حلقات العلم وقراءة الحديث وروايته منذ عام 1272هـ، كان ذلك بجهود الشيخ يوسف المغربي ودعم الأمير عبد القادر الجزائري الذي افتتح المدرسة بقراءة صحيح البخـاري، وكأن عملـهما ذاك كان تمهيداً لبروز مجدد القرن الرابع عشر الهجري المحدث الأكبر محمد بدر الدين الحسني الذي تسلم مشيختها وأعاد لها عزها ومجدها وفخرها، فمن دار الحديث وعلى يدي شيخها المحدث الأكبر تخرج علماء الشام والبلدات الشامية، وما من عالم بدمشق في عصرنا الحاضر أو طالب علم إلا وهو تلميذ له أو تلميذ لتلاميذه ” (من كتاب دار الحديث الأشرفية بدمشق للدكتور محمد مطيع حافظ، بتصرف يسير).
ومما يستشهد به لإثبات فضل السادة الأشاعرة والماتريدية ما جاء في الحديث من الدعاء والثناء على الجيش الذي يفتح القسطنطينية وأمير ذلك الجيش وهو من الإشارات الباهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في التاريخ الكبير والصغير وأحمد في مسنده والبزار وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وأقره عليه الذهبي عن النبي ‘ قال ” لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش “.
وهذا الحديث حدا بكثير من المسلمين منذ زمن الصحابة إلى الذين بعدهم والذين بعدهم أن يحاولوا الكرة بعد الكرة فتح القسطنطينية، وما ذلك إلا ليحظوا بهذا الشرف السامي والثناء العظيم العاطر من المصطفى ‘، فذخر الله هذا الشرف وهذه المنقبة للسلطان العثماني محمد الفاتح رحمه الله تعالى ولجيشه المقدام الجسور.
وفتحت القسطنطينية وفاز الفاتح وجيشه بثناء رسول الله ‘.
ومما لا يخفى على شادٍ في التاريخ أن محمداً الفاتح والعثمانيين جميعاً كانوا أحنافاً في الفروع، ماتريدية في الاعتقاد.
والسؤال الذي يرد هنا: أيكون ثناء رسول الله ‘ على مبتدع وضال؟!
أيصح أن يكون هذا الثناء العاطر على فاتح القسطنطينية من نصيب منحرف في الاعتقاد؟!.
ومن قبل الفاتح من سلاطين الأمة وفاتحيها يأتي السلطان المجاهد الشهيد نور الدين محمود رحمه الله تعالى ورضي عنه.
والسلطان المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وهو الذي حظي بشرف تطهير المسجد الأقصى من الصليبيين.
والملك المظفر التقي قطز رحمه الله تعالى، الذي حظي بشرف دحر التتار عن بلاد الإسلام.
ومن متأخري الأبطال والمجاهدين الذين يفخر أهل السنة والجماعة بهم الأسد الهصور عمر المختار رحمه الله تعالى وهو أحد أعلام وأتباع الحركة السنوسية المباركة، والعلامة المجاهد الصوفي الناسك بديع الزمان النُّورْسي رحمه الله تعالى محيي الإسلام في تركيا بعد أن كادت تودي به رياح اللادينية، والبطل المجاهد عز الدين القسام رحمه الله تعالى وهو من أعلام العلماء النساك المتصوفة والمجاهدين، والبطل المجاهد عبد القادر الجزائري رحمه الله تعالى.
وغير هؤلاء الكثير ممن لا يحصيهم إلا خالقهم ولقد اكتفينا بمن اشتهر بين الخواص والعوام على السواء فمفاخر أهل السنة لا تدخل تحت الحصر وأنَّى لنا بكيل ماء البحر أو عدِّ نجوم السماء، وإنما ذكرنا هذا استئناساً لا استشهاداً، إذ بما ذكرناه سابقاً من الحجج والبراهين كفاية وبلاغ.
ورحم الله الإمام عبد القاهر البغدادي إذ يقول (الفرق بين الفرق ص/ 283):
(لا خصلة من الخصال التي تعدّ في المفاخر لأهل الإسلام من المعارف والعلوم وأنـواع الاجتهـادات إلا ولأهل السنة والجمـاعة في ميدانهـا القدح المعلى والسهـم الأوفر) اهـ.
ورحم الله الإمام العلامـة عبد الله بن علـوي الحـداد حيث قال (نيل المرام شرح عقيدة الإسلام ص / 8):
(اعلم أن مذهب الأشاعرة في الاعتقاد هو ما كان عليه جماهير أمة الإسلام علماؤها ودهماؤها، إذ المنتسبون إليهم والسالكون طريقهم كانوا أئمة أهل العلوم قاطبة على مرّ الأيام والسنين، وهم أئمة علم التوحيد والكلام والتفسير والقراءة والفقه وأصوله والحديث وفنونه والتصوف واللغة والتاريخ) اهـ.
ولنا الحق أن نتساءل بعد كل ما مر وما قيل: ما الهدف من القدح بأعلام المسلمين وإسقاط الهيبة والتوقير من قلوب الأجيال المسلمة لهم؟!!
لماذا يصر البعض على تحطيم صروح الدين من خلال تحطيم أعلامه ورموزه؟!
ترى ألا يمكن أن يقام مجد للمتأخرين إلا على أنقاض شرف الأولين؟!
أم أنه حق فينا قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها)؟!!
* * * * *
([1]) كما يصفها الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى. الفتاوى 2/253.