المرسل المردود بالاتفاق
المرسل المردود بالاتفاق
يرد المرسل اتفاقاً في الحالات الآتية :
1- إذا كان المرسل غير عادل فلا يقبل مرسله إجماعاً .
2- إذا كان عدلا ولكنه لا يحترز ويرسل عن غير الثقات .
3- إذا خالف مقطوعاً به .
4- إذا كان العمل به يؤدى إلى نسخ خبر لمعارضته له .
قال السرخسى في أصوله (1/361) بعد أن ذكر عن ابن أبان أن المرسل أقوى من المسند : فإن قيل : فعلى هذا ينبغى أن يجوز النسخ بالمرسل كما يجوز بين الأخبار بالمشهور عندكم .
قلنا : ” إنما لم يجز ذلك لأن قوة المرسل من هذا الوجه بنوع من الاجتهاد فيكون نظير قوة تثبت بطريق القياس ، والنسخ بمثله لا يجوز ” اهـ .
والحالة الأولى والثانية ذكرها ابن عبد البر ، والثالثة والرابعة ذكرتها استنباطاً من كلامهم.
* * * *
بيان أكثر من تروى عنهم المراسيل والموازنة بينهم
قال الحاكم في علوم الحديث : ” أكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة عن ابن المسيب.
ومن أهل مكة عن عطاء بن أبى رباح .
ومن أهل البصرة عن حسن البصري .
ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن زيد النخعي .
ومن أهل مصر عن سعيد بن أبى هلال .
ومن أهل الشام عن مكحول “.
قال : ” وأصحها كما قال ابن معين مراسيل ابن المسيب ، لأنه من أولاد الصحابة ، وأدرك العشرة وفقيه أهل الحجاز ، ومفتيهم ، وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم كإجماع كافة الناس ، وقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسله فوجدوها بأسانيد صحيحة ، وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره ” اهـ .
قال السيوطي في التدريب (123) : ” تكلم الحاكم على مراسيل سعيد دون سائر من ذكر معه ونحن نذكر ذلك ” .
قال ابن المديني : كان عطاء يأخذ عن كل ضرب ، مرسلات مجاهد أحب إلى من مرسلاته بكثير .
وقال أحمد بن حنبل : مرسلات سعيد بن المسيب أصلح المرسلات ، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها ، وليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن ، وعطاء بن أبى رباح ، فإنهما كان يأخذان عن كل واحد ومراسيل الحسن تقدم القول فيها عن أحمد .
وقال ابن المديني : مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ، ما أقل ما يسقط منها .
وقال أبو زرعة : كل شيء قال الحسن قال رسول الله r وجدت له أصلاً ثابتاً ، ما خلا أربعة أحاديث .
وقال يحيى بن سعيد القطان : قال الحسن في حديثه قال رسول الله r إلا وجدنا له أصلاً إلا حديثاً أو حديثين .
قال شيخ الإسلام : ولعله أراد ما جزم به الحسن .
وقال غيره : قال رجل للحسن ، يا أبا سعيد إنك تحدثنا فتقول : قال رسول الله r ، فلو كنت تسنده لنا إلى من حدثك؟ فقال ثلاث مائة من أصحاب محمد r ، فلو كنت تسنده لنا إلى من حدثك ؟ فقال الحسن : أيها الرجل ما كذبنا ولا كُذِّبنا ، ولقد غزونا إلى خراسان ومعنا فيها ثلاث مائة من أصحاب محمد r .
وقال يونس بن عبيد : سألت الحسن قلت : يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله r وإنك لم تدركه ؟ فقال يا ابن أخى : لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك منى ما أخبرتك ، إنى في زمان كما ترى ، – وكان في زمن الحجاج – كل شيء سمعتني أقوله قال رسوله الله r ، فهو عن على بن أبى طالب ، غير أنى في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً.
وقال محمد بن سعيد : كل ما أسند من حديثه ، أو روى عمن سمع منه ، فهو حسن حجة، وما أرسل من الحديث فليس أن أذكر علياً .
وقال محمد بن سعيد : كل ما أسند من حديثه ، أو روى عمن سمع منه فهو حسن حجة ، وما أرسل من الحديث فليس بحجة .
وقال العراقي : مراسيل الحسن عندهم شبه الريح ، وأما مراسيل النخعي ، فقال ابن معين : مراسيل إبراهيم أحب إلى من مراسيل الشعبي ، وعنه أيضاً أعجب إلى من مرسلات سالم بن عبد الله ، والقاسم ، وسعيد بن المسيب .
وقال أحمد لا بأس بها .
وقال الأعمش : قلت لإبراهيم النخعي ، أسند لى عن ابن مسعود فقال : ” إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت ، وإذا قلت قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله ” اهـ .
وتكلم السيوطي على مراسيل ذكرها الترمذي في جامعة وابن أبى حاتم وغيرهما فقال :
مراسيل الزهري ، قال ابن معين ويحيى بن سعيد القطان : ليس بشئ وكذا قال الشافعي ، قال : لأنا نجده يروى عن سليمان بن أرقم .
وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد قال : مرسل الزهري شر من مرسل غيره ، لأنه حافظ ، وكلما قدر أن يسمى سمى ، وإنما يترك من لا يستحب أن يسميه ، وكان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال قتادة شيئاً ويقول : هو بمنزلة الريح .
وقال يحيى بن سعيد : مرسلات سعيد بن جبير أحب إلى من مرسلات عطاء ، قيل فمرسلات مجاهد أحب إليك أو مرسلات طاوس ؟ قال : ما أقربهما .
وقال أيضاً : مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلى من سفيان عن إبراهيم ، وكان ضعيف.
وقال أيضاً : سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء ، لأنه لو كان فيه إسناد صاحَ .
وقال : ” مرسلات أبى إسحق الهمداني ، والأعمش ، والتيمي ، ويحيى بن أبى كثير ، وشبه لا شيء ، ومرسلات سعيد بن أبي خالد ليس بشيء ، ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي ، ومرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد ابن أسلم . ومرسلات ابن عيينه شبه الريح، ومرسلات مالك بن أنس أحب إلي ، وليس في القوم أصح منه حديثاً ” اهـ .
* * * *
مراسيل الإمام مسلم
قال السيوطى في التدريب : ” وقع في صحصح مسلم أحاديث مرسلة ، فانتقدت عليه ، وفيها ما وقع الإرسال في بعضه ، فأما هذا النوع فعذره فيه أنه يورده محتجاً بالمسند منه ، لا بالمرسل ، ولم يقتصر عليه للخلاف في تقطيع الحديث على أن المرسل فيه قد تبين اتصاله من وجه آخر ، كقوله في كتاب البيوع : حدثنى محمد بن رافع ، حدثنا حجين ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله r نهى عن المزابنة ، الحديث .
قال : وأخبرنى سالم بن عبد الله عن رسول الله r قال : لا تبتاعوا التمر حتى يبدو صلاحه ، ولا تبتاعوا التمر بالتمر ، وقال سالم ، أخبرنى عبد الله ، عن زيد بن ثابت ، عن رسول الله r : أنه أرخص في العرية ، الحديث .
وحديث سعيد بن مينا ، وأبى الزبير عن جابر .
وأخرجه هو والبخارى من حديث عطاء عن جابر .
وحديث سالم ، وصله من حديث الزهرى عن سالم عن أبيه .
وأخرج في الأضاحى حديث مالك عن عبد الله بن أبى بكر ، عن عبد الله بن أبى واقد / نهر رسول الله r عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ، قال عبد الله بن أبى بكر : فذكرت ذلك لعَمرَةَ فقالت : صدق ، سمعت عائشة تقول الحديث .
فالأول مرسل ، والآخر مسند ، وبه احتج .
وقد وصل الأول من حديث ابن عمر .
وفيه من هذا النمط نحو عشرة أحاديث .
والحكمة في إيراد ما أورده مرسلاً بعد إيراده متصلاً ، إفادة الاختلاف الواقع فيه .
ومما أورده مرسلاً ولم يصله في موضع آخر حديث أبى العلاء بن الشخير كان حديث رسول الله r ينسخ بعضه بعضاً . الحديث . لم يرو موصولاً عن الصحابة من وجه يصح .
تعاليق الإمام البخارى
الحديث المعلق ” هو عبارة عن الحديث الذي سقط من أول إسناده راو أو أكثر ولو إلى آخره ” فبينه وبين المرسل عند الأصوليين عموم وخصوص مطلق .
وهى نوعان :
1- ما ورد بصيغة الجزم مثل : قال ، وأمر ، وفعل ، وذكر .
2- ما ورد بغير صيغة الجزم مثل : يروى ويحكى ، ويقال ، ويذكر .
قال النووى : ” وهذا التعليق له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح ، ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم ” اهـ .
قال العراقى : وقد استعمله غير واحد من المتأخرين في غير المجزوم به ، منهم الحافظ أبو الحجاج المزى . اهـ .
وبناء على هذا فما كان منه بصيغة الجزم ، ومن كتاب التزمت صحته ، فهو محكوم بصحته كما قال النووى وإلا فلا .
والسبب فيما أورده البخارى من تعاليق أنه أراد الاختصار ، ومجانبه التكرار ، فإنه الحديث ثانية اختصر إسناده هرباً من الإطناب ، والتكرار كما قلت .
إلا أن ما يقرب من ستين ومائة حديث لم يصلها في صحيحه ، ولكنها متصلة في الواقع ونفس الأمر ، ولذلك صنف الإمام ابن حجر كتابه تعليق التعليق ووصل فيه جميع تعاليق البخارى التي لم يصلها البخارى نفسه .
وبهذا يتبين لنا أن جميع تعاليق البخارى التي رويت بصيغة الجزم صحيحة ، وأنها وردت من طرق أخرى متصلة ، وبهذا يرد على من قاس الحديث المرسل على حديث البخارى المعلق في الاحتجاج ، فإن المعلق عرف من شرط راوية أولاً ، وما وروده من طرق أخرى ثانياً – أنه صحيح ، ولا كذلك المرسل ، ولو ورد المرسل مسنداً من طريق أخرى قبل كما أسلفتا . وقد ذكر ابن حجر فصلاً نفيساً في الكلام على المعلق في الفتح (12/150) فراجعه .
مرسل الصحابى
إن كل ما مر من كلام كان في مرسل غير الصحابى .
أما مراسيل الصحابى ، فإنه حجة عند الجمهور ، لأنه لا يروى غالباً إلا عن صحابى ، والصحابة عدول بإجاع السلمين ، فلا يهمنا البحث عن حال الساقط إذا علمنا كونه صحابياً .
ولم يخالف في هذا إلا الأستاذ أبو اسحاق الإسفرايينى على ما قاله الشيخ أبو إسحاق الشيرازى في التبصرة (ق32-أ) .
قال الإمام النووى في المجموع (1/102) :
” أما مرسل الصحابى كإخباره عن شئ فعله النبي rr ، أو نحوه ، مما نعلم أنه لم يحضره ، لصغر سنه ، أو لتأخر إسلامه ، أو غير ذلك ، فالمذهب الصحيح المشهور الذي قطع به جمهور أصحابنا ، وجماهير أهل العلم – أنه حجة ، وأطبق المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بأن المرسل ليس بحجة على الاحتجاج به ، وإدخاله في الصحيح ، وفى صحيح البخارى ومسلم من هذا ملا يحصى .
وقال الاستاذ أبو إساحق الإسفرايينى من أصحابنا : لا يحتج به ، بل حكمه حكم مرسل غيره إلا يبين أنه لا يرسل أنه إلا ما سمعه من النبي r ، أو صحابى .
قال : لأنهم قد يروون عن غير صحابى .
وحكى الخطيب البغدادى ، وآخرون هذا المذهب عن بعض العلماء ولم ينسبوه ، وعزاء الشيخ أبو إسحاق المصنف في التبصرة إلى الأستاذ أبى إسحاق .
“والصواب الأول ، وأنه يحتج به مطلقاً لأن روايتهم عن غير الصحابى نادرة ، وإذا رووها بينوها ، فإذا أطلقوا ذلك ؛ فالظاهر أنه عن الصحابة ، والصحابة كلهم عدول ، والله أعلم” اهـ كلام النووى .
أما الصحابى الذي احتمل سماعة من تابعى فقد قال القاضي فيه لا أقبل مرسله وغير القاضي يقبله كما أسلفنا .
واعلم أن القاضي عبد الجبار قد نقل عن الشاقعى أن مذهبه ؛ أن الصحابى إذا قال : قال رسول الله r كذا قبل – إلا إن علم أنه أرسله .
قال السخاوى : وكذا نقله ابن بطال في أوائل شرحه للبخارى عن الشافعي .
قال السخاوى : والنقل بذلك عن الشافعي خلاف المشهور عن مذهبه وقد صرح ابن برهان في الوجيز أن مذهبه ، أن المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة ، ومراسيل سعيد ، وما انعقد الإجماع على العمل به . اهـ فتح المغيث (1/147) .
هذا بالنسبة للصحابى الكبير والمميز ، وأما غيره فلا .
قال السخاوى في فتح المغيث (1/147) : أما من أحضر إلى النبي r غير مميز ” كعبيد الله بن عدى بن الخيار ” – فإن أباه قتل يوم بدر كافراً على ما قاله ابن ماكولا ، وعد ابن سعد أباه في مسلمة الفتح – وكمحمد بن أبى بكر – رضي الله عنه – فإنه ولد عام حجة الوداع فهذا مرسل ، لكن لا يقال إنه مقبول كمراسيل الصحابة لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي r ، أو عن صحابى آخر ، والكل مقبول ، واحتمال كون الصحابى الذي أدرك وسمع يروى عن تابعى بعيدا جداً ، بخلاق مراسيل هؤلاء ، فإنها عن التابعين بكثرة فقوى احتمال أن يكون الساقط غير صحابى ، وجاء احتمال كونه غير ثقة . اهـ .
تنبيه :
ذكر الغزالي في المستصفى (1/108) أن ابن عباس مع كثرة روايته قيل أنه لم يسمع من رسول الله r إلا أربعة أحاديث لصغر سنة – وصرح بذلك في حديث الربا في النسيئة وقال : حدثنى به أسامة بن زيد ، وروى أن رسول الله r لم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة ، فلما روجع قال : حدثنى به أخى الفضل بن عباس , اهـ .
قال السخاوى في فتح المغيث (1/147) : وأعلم أنه قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي rr فكان من القريب قول الغزالي في المستصفى وقلده جماعة : إنها أربعة ليس إلا ..
وعن يحيى القطان ، وابن معين ، وأبى داود صاحب السنن تسعة .
وعن بعض المتأخرين أنها دون العشرين من وجوه صحاح .
وقد أعاننا شيخنا بجمع الصحيح والحسن فقط من ذلك فزاد على الأربعين سوى ما هو في حكم السماع كحكاية حضور شئ فعل بحضرة النبي r ، وأشار شيخنا لذلك عقب قول البخارى في الحديث الثالث من باب الحشر من الرقائق ، هذا مما يعد ابن عباس سمعه . اهـ .
المرسل إذا علم أن الساقط منه صحابى فقط :
قد علمنا أن الذين ردوا لخبر المرسل لم يردوه إلا لجهلهم برواية ، وربما كانت تابعياً ، والتابعى يروى عن تابعى ، وربما كان هذا التابعي غير ثقة ، وقد قال الإمام ابن حجر إن الاستقراء أثبت رواية سبعة من التابعين عن بعضهم البعض وأن العقل يثبت مالا يتناهى من روايتهم عن بعضهم .
أما إذا علم أن الساقط صحابى ، فالجمهور ممن رد الخبر المرسل قالوا بقبول الرواية آنذاك .
لأن الصحابة كلهم عدول ، فلا نحتاج للبحث عن أحوال هذا الساقط إن كان صحابياً ، سواء أسمى الصحابى ، أم لم يسم ، لأن الجهالة لا تضر .
أما الإمام ابن حزم ، فقد ذكر في الإحكام (2/135) أنه لا يقبل هذا النوع من الرواية لأنه كان في عهد رسول الله r المنافقون وغيرهم فقال : فلا يقبل حديث قال فيه راويه عن رجل من الصحابة أو حدثنى من صحب رسول الله r إلا حتى يسميه ، ويكون معلوماً بالصحبة الفاضلة ممن شهد الله تعالى لهم بالفضل والحسنى ، قال عز وجل : (( وممن حولكم من الأعراب منافقون * ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم )) . ، وقد ارتد قوم ممن صحب النبي r عن الإسلام كعيينة بن حصن ، والأشعث بن قيس ، والرجال ، وعبد الله بن أبى سرح ، ولقاء التابع لرجل من أصاغر الصحابة شرف وفخر عظيم ، فلأى معنى يسكت عن تسكيته لو كان ممن حمدت صحبته شرف وفخر عظيم ، فلأى معنى يسكت عن تسميته لو كان ممن حمدت صحبته ، ولا يخلو سكوته عنه من أحد وجهين : إما أنه لم يعرف من هو ، ولا عرف صحة دعواه الصحبة . أو لأنه كان من بعض من ذكرنا .
مراتب المراسيل :
قال السخاوى في فتح المغيث : ” المرسل مراتب ، أعلاها ما أرسله صحابى ، ثبت سماعه ، ثم صحابى له رؤية فقط ولم يثبت سماعه ، ثم المخضرم ، ثم المتقن كسعيد بن المسيب، ويليها من كان يتحرى في شيوخه ، كالشعبى ومجاهد ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد، كالحسن ” .
وأما مراسيل صغير التابعين ، كقتادة ، والزهرى ، وحميد الطويل ، فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين .
* * * *
فرع ذكره النووى في المجموع قال :
” قد استعمل المصنف – أى الشيرازى – في المهذب أحاديث كثيرة مرسلة واحتج بها ، مع أنه لا يجوز الاحتجاج بالمرسل ” .
وجوابه أن بعضها اعتضد بأحد الأمور المذكورة فصار حجة ، وبعضها ذكر للاستئناس ، ويكون اعتماده على غيره من قياس وغيره .
واعلم أنه قد ذكر في المهذب أحاديث كثيرة جعلها هو مرسلة ، وليست مرسلة ، بل هى مسنده ، صحيحة ، مشهورة ، في الصحيحين وكتب السنة ، وسنبينها في مواضعها إن شاء الله تعالى ، كحديث ناقة البراء ، وحديث الإغارة والله أعلم .
فإن قال لنا قائل – بعد ما ذكرناه من أن الحديث المرسل غير مقبول جمهور المحدثين والأصوليين – : هل تنكرون العمل بالحديث المرسل مطلقاً أم تفصلون فيه ؟
قلنا له : أما بالنسبة للأحكام الشرعية من الوجوب والتحريم ، فإنا ننكر العمل به مطلقاً ، فلا نحل به حراماً ، ولا نحرم به حلالاً ، ولا يبنى عليه برهان . وما كان كذلك ؛ فلا يجوز العمل به بالنسبة لهذه الأحكام .
وأما بالنسبة لفضائل الأعمال ؛ فإنا نجوز العمل به بالشروط التي ذكرها المحدثون للعمل بالحديث الضعيف الذي لا تقام به حجة ، إذ قلنا أنه نوع من أنواعه ،وفرد من أفراده ، وهذه الشروط هى :
1- أن لا يتناهى ضعفه ، كأن تكون له مع الإرسال علل أخرى تجعله متناهى الضعف .
2- أن يندرج تحت أصل من الأصول العامة .
3- أن لا تعتقد سنية العمل الذي يدل عليه . أى لا يعتقد العامل به ثبوته.
وهذا كله إذا لم يعارض حديثاً صحيحاً ، وإلا فلا يعمل به مطلقاً والله أعلم .