المقدمة
الحديث المرسل
حجيته وأثــره
فى الفقه الاسلامى
تأليف
الدكتور محمد حسن هيتو
كلية الشريعة والدراسات الاسلامية
جامعة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العاملين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين .
وبعد ، فإنى كنت قد نشرت كتابى “الحديث المرسل حجيته وأثره في الفقه الإسلامى” عام 1390هـ الموافق 1970م وأنا طالب في الدراسات العليا ، ولم يكن قد صدر بعد كتاب “جامع التحصيل في أحكام المراسيل” للإمام الحافظ أبى سعيد العلائى المتوفى عام 761هـ من كبار أصحابنا الشافعيين ، كما أنى لم أكن قد اطلعت عليه مخطوطًا .
ولذلك كان كتابى “الحديث المرسل” جهداً خاصاً بذلك فيه ما أمكننى بذله من الجمع والتحقيق لشوارد الموضوع وأطرافه ، فكان على ما هو عليه الآن ، جهد مقل ، وعطاء طالب.
ثم صدر كتاب الإمام أبى سعيد العلائى في المراسيل ، عام 1398هـ 1978م فاطلعت عليه وإذا به لا يختلف في الجملة عما وصلت إليه ودوّنته ، ولله الحمد والمنّة ، إلا أن الامام العلائى رحمه الله قد ذكر بعض الأمور المتعلقة بالحديث المرسل كالفرق بينه وبين غيره من المعضل ، والمنقطع ، والمعلّق ، وغير ذلك ، كما أضاف كثيرا من الفوائد ، والتنبيهات ، والمقارنات بين المرسلين ، وختم كتابه بسرد أسماء المرسلين من الرواة فذكر ألفاً وتسعة وثلاثين رجلا ، منهم عشر نساء وترجم لكل واحد منهم ترجمه موجزة تتناسب مع موضوع المرسل.
ولقد عزمت أكثر من مرة على أن أزيد في كتابى بعض الأمور المفيدة مما وقفت عليه إلا أنه بدا لى في نهاية الأمر أن أترك الكتاب على ماهو عليه الآن ، ولا سيما أن هذه الأمور التي أريد زيادتها ، لا يخل بموضوع الكتاب حذفها ، أو عدم ذكرها ، لكى يبقى الانسان على صلة بماضيه العلمى ، وطاقاته السابقة ، ولا يضير الإنسان أن يستدرك على نفسه ، أو يُستدرك عليه ، إذا كان العمل في أصله سليما ، فإن عمل الانسان – مهما كان هذا الإنسان – مبنى على النقصان.
وإنى لأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما جهلنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعل علمنا حجة لنا لا حجة علينا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكويت 28 ربيع الأول سنة 1407هـ
1/12/1986م
الدكتور محمد حسن هيتو
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وكرم الأمة المحمدية بالحفاظ عليه فنقلته جيلاً بعد جيل دون أن يقع فيه ارتياب أو شك فكان ذلك لها عزاً وشرفاً .
والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الأمين المبين بسنته الشريفه لما أجمل فيه وأشكل، والمقيد والمخصص لما أطلق وعمم ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد ، فلما كانت السنة الشريفة مصدراً من مصادر التشريع الاسلامى ، لا يتكامل إلا بها، ولا يمكن معرفة تفاصيله إلا بواسطتها ، كان لابد للمجتهد من البحث عن أحوالها وعما يعرض لها .
ولما كان الحديث المرسل نوعا من أنواع الخبر عن رسول الله r ، كان لزاما عليه أن يبحثوا عنه من حيث صحة الاحتجاج به وعدمها.
فإن لاختلاف الفقهاء في الحديث المرسل ورده لأثراً عظيما في الفقه الإسلامى يتجلى ظاهراً عند مطالعة مدارك الأحكام المختلف فيها في كتب الأئمة.
ولذلك وجدنا الأصوليين قاطبة يعنون ببحثه في كتبهم ، ويذهبون فيه مذاهب شتى ، ما بين راد له لا يحتج به ولا يعول عليه ، وقابل له ، يحتج به ويصير إليه .
وسنبين ذلك عند الكلام على مذاهب العلماء في قبوله ورده إن شاء الله .
وكما اختلفوا في قبوله ورده اختلفوا في حده وتعريفه . فبينما يذهب المحدثون إلى أنه ما سقط منه الصحابى ، نجد الفقهاء والأصوليين يذهبون إلى أنه ما رواه غير الصحابى عن رسول الله r سواء أكان تابعياً أم من أتباع التابعين أم ممن بعدهم إلى عصرنا هذا ، فيدرجون فيه المعلق ، والمعضل ، والمنقطع.
إلى آخر ذلك الخلافات التي سنذكرها ضمن البحث إن شاء الله .
ولقد رأيت الأصوليين يتمايزون في مقدار ما يكتبونه عنه بين موجز ومطنب ، ومختصر ومتوسع ، إلا أننى لم أجد أحداً – ممن توسع فيه وأطنب علاوة عمن اختصر وأوجز – يستقصى فيه البحث ويأتى على جميع جوانبه ، بل وجدت جلهم يصرف همه إلى ذكر المذاهب ، وإقامة الأدلة عليها ، ورد ما استضعفه منها ، وترجيح المذهب المختار لديه.
ولقد رأيت لإمام تاج الدين بن السبكي في كتابه رفع الحاجب عن ابن الحاجب بحثاً نفسياً في المرسل إذا ما قيس بكل من كتب فيه ، إلا أنه على نفاسته لم يتكلم في كثير مما تتشوق إليه النفس ، ويطمع به طالب العلم ، بل اقتصر على شرح مختصر ابن الحاجب ، وحصر نفسه ضمن دائرته ، محررا لكل ما أشار إليه .
ولذلك رأيت أن أجمع شتات ما كتبه الأصوليون في هذا الموضوع في رسالة يكون فيها شفاء للغليل ، وبلغة لمن سار في هذا السبيل ، وهى وإن لم تأت على كل صغيرة وكبيرة فيه إلا أنها قد جمعت معظم ما يحتاج إليه الباحث ، ويعول عليه الطالب من ذكر للمذاهب ، وتحرير للأدلة ، ورد على الضعيف ، وترجيح للقوى ، مع ترجيح المذهب المختار للجمهور من المحدثين رضي الله عنهم أجمعين .
ثم عرضت بعد ذلك لمذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه في الحديث المرسل وللخبطِ الذي وقع فيه كثير ممن تكلم عن رأيه فيه ، فحققت مذهبه ، وبينت رأيه ، ودللت عليه ، وبينت خطأ من أخطأ في فهمه ، أو نسب إليه غير مراده.
ثم تكلمت عن مرسل الصحابى وعن الخلاف الذي وقع فيه ، وبعد ذلك عرضت لأمثلة يتجلى فيها أثر الخلاف في المرسل واضحاً .
وإنى لأسأل الله الكريم أن يقبل منى هذا العمل ، وأن يجعله خالصاً لوجهه ، وأن ينفعنى به وجميع المؤمنين إنه نعم المولى ونعم النصير والحمد لله رب العالمين .
دمشق 16 محرم 1390 أبو عبدالله
23/3/1970 محمد حسن بن محمود هيتو