الأدلة على وجود الله / عالم النبات
الأدلة على وجود الله
3 – عالم النبات
لم يحدث قط أن زرع إنسان حبة قمح فأنبتت شجرة تفاح ، كما أنه لم يحدث قط أن زرع الإنسان بذرة تين فأعطته شجرة جوز أو مانجو ، إن حبة القمح عندما توضع في الأرض في أي ظرف ، وفي أي بيئة ، ومهما كان نوع التربة والغذاء لا تعطي إلا القمح الذي نتجت عنه تلك الحبة .
إننا نزرع بذرة التين أو التفاح مثلا في أرض تسقى بماء مالح ، وتزرع بجانبها بزرة ليمون تسقى بماء حلو ، إلا أننا وبعد فترة من الزمان نجد أن بذرة التين قد أخرجت لنا شجرة التين ، ومن ثم ثمر التين الحلو اللذيذ – رغم أنها سقيت بماء مالح ، ونجد أن بذرة الليمون قد أخرجت لنا شجرة حمضية ، ومن ثم ثمرا حامضا، رغم أنها سقيت بماء حلو ؟!
إن حبة القمح قد احتفظت في باطنها بسجل غيبي رهيب تحكم في جذرها ، وساقها ، وورقها ، وسنبلها ، وثمرها ، فكانت شجيرة القمح كالشجيرة التي أخذت منها تلك الحبة ، ثم كانت حبات القمح كتلك الحبات .
كما أن بذرة التين والتفاح وغير ذلك من الفواكه والخضار قد احتفظت في باطنها بسجل غيبي رهيب جعل شجرة التين تمتد بجذورها في باطن الأرض لعدة أمتار ، وجعل ساقها يرتفع في الجو لعدة أمتار وتنتج لنا ثمرة التين الحلوة اللذيذة .
وهكذا نجد أن كل بذرة ، لأي نوع من أنواع النبات ، قد سجلت في باطنها خصائص أصولها التي أخذت منها لتعيد نفس الدورة التي مرت بها تلك الأصول في الحياة .
إنها الجينات (( وحدات الوراثة )) التي تنقل خصائص الأسلاف إلى الأتباع ، وخصائص الأصول إلى الفروع ، بخطة محكمة دقيقة وثابتة على ما سنذكره مفصلا عند الكلام على الإنسان
أو ما تساءل العقل البشري كيف تم هذا ، وبأي إرادة وجد ؟
أو ما آن له أن يقرأ قول الله تعالى : ] وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [{الرعد/4}
وقوله تعالى : ] هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ {النحل/10} يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [{النحل/11}
وبينما نجد النباتات يختلف بعضها عن بعض اختلافا فرديا في الشكل ، والثمر ، والطعم ، وغير ذلك ، نجد أن جميع النباتات تشترك ببعض الصفات العامة ، فكل النباتات مثلا تقوم بعمل التمثيل الضوئي الذي ينتج فيه النبات المواد الغذائية ، من ثاني أكسيد الكربون والماء في وجود الضوء ، وهنالك تشابه في المواد الغذائية ، من ثاني أكسيد الكربون والماء في وجود الضوء ، وهنالك تشابه في تركيب البذور والسيقان، والأوراق ، والأزهار وما يؤديه كل منها من الوظائف المتماثلة في النباتات المختلفة ، وهنالك الاستجابة الموحدة للمؤثرات الخارجية ، فكلها تنتحي نحو الضوء وتموت عندما تحرم من الضوء أو الأكسجين ، إلى غير ذلك من الصفات العديدة التي تشترك فيها جميع النباتات .
فمن الذي أوجد هذه الخصائص ،وهذا التشابه ؟
أولا يدل هذا التشابه على وحدة الصانع ، على النحو الذي ذكرناه في عالم الفضاء .
بل انه ليدل .
يقول لورنس كولتون وهو أخصائي علوم الغابات والنباتات : تحتوي النباتات على هرمونات تقوم بأداء وظائف مختلفة فيها ، ومن فصيلة هذه الهرومونات مركب صناعي اسمه (( 2 – 4 – 5 – ت )) يقوم بإنضاج ثمار الطماطم ، ويمنع استنبات البطاطس عند خزنه ، ويؤدي إلى سرعة نمو الأجزاء الجذرية عند زراعتها ، وربما يقوم بغير ذلك من الوظائف الحيوية العديدة التي لم نكتشفها .
وهذا الهرمون – أو بعبارة أصح – هذا المنظم لعملية النمو – مما أبدعه الخالق الأعظم مشابه لما استطاع الإنسان أن يقوم بتركيبه في المعمل بعد تفكير وتدبير – يعد دليلا على ما يسود هذا الخلق من نظام وتدبير .
ويهمنا في هذا المقام الطريق التي يسلكها النظير المشع لهذا المركب داخل أشجار الغابات ، فذرة الكربون الأخيرة ( ك 12 ) الداخلة في تكوين هذا المركب ، يمكن أن تستبدل بنظيرتها ( ك 14 ) بطريقة صناعية ، وعندئذ يمكننا استخدام هذا المركب الجديد لكي يحدد بكل دقة الطريق التي يسلكها عند انتقاله من الأوراق إلى الساق إلى الجذور ، بل يمكن فوق ذلك أن نعين معدل حركته داخل النبات ، وقد يعد ذلك من وجهة نظر الخارجين عن الدين مظهرا لروعة الطبيعة ، أما بالنسبة لنا فانه دليل على قوة الله الموجهة التي توجه كل ذرة إلى حيث ينبغي أن تكون ، وترسم طريقها وتحدد مستقرها.
ومن عجائب ما تكشف عنه هذه الدراسات ما يتبين من أن هذا الهرمون يبقى ثابتا لا يتغير داخل النبات برغم ما يقوم به من التفاعلات العديدة . . وأعجب من ذلك كله أنه مهما تغيرت الكمية التي توضع منه على سطح الأوراق فانه لا يمتص منه إلا قدرا ضئيلا ، فالنبات لا يحتاج منه في أداء وظائفه التي تتصل بعمليات التحول الغذائي إلا قدرا يسيرا .
أفلا يدل كل ذلك على نظام دقيق عجيب ، رسمه خالق قادر مدبر(1) ؟
ومن أعجب ما يمكن للإنسان أن يطلع عليه من آثار قدرة الله في عالم النبات هو الزهرة المسمات (( جاك في المقصورة )) .
فلهذا النبات نوعان من المجموعات الزهرية ، ذكور وإناث ، وهي تتكون داخل مقصورات تضيق عند منتصفها ، ويتم التلقيح بواسطة ذبابة دقيقة تدخل إلى المقصورة ، ولا تكاد تجتاز المنطقة الضيقة الوسطى حتى تجد نفسها سجينة ، ليس بسبب الضيق فقط ، بل بسبب تغطية الجدران الداخلية بمادة شمعية منزلقة ، يتعذر معها على الحشرة أن تثبت أقدامها ، وعندئذ تدور الحشرة بصورة جنونية داخل المكان ، فتعلق هبوات اللقاح بجسمها ، وبعد قليل تتصلب جوانب المقصورة بعض الشيء فتستطيع الحشرة الخروج بعد أن يكون جسمها قد تغطى بهبوات اللقاح ، فإذا زارت الحشرة مقصورة مذكرة أخرى تكررت العملية السابقة .
أما إذا دخلت مقصورة أنثى ، فإنها تسجن في داخلها سجنا دائما حتى تموت ، وعند محاولاتها اليائسة للخروج تقوم بتلقيح الأزهار الأنثى ، إن النبات في هذه الحالة لا يهتم بخروج الحشرة ، لأنها تكون قد أدت رسالتها ، أما عند زيارتها للمقصورات المذكرة فإنها يسمح لها بالخروج ، لأنها لا تكون قد أدت رسالتها بعد . ؟ !
أفلا تدل كل هذه الشواهد على وجود الله ؟ إنه من الصعب على عقولنا إن كل هذا التوفيق العجيب قد تم بمحض الصدفة ، أنه لا بد أن يكون نتيجة توجيه محكم احتاج إلى قدرة وتدبير (2).
لقد دخلت حيت زيارتي لجنوب شرقي آسيا منذ ثلاث سنوات – دخلت إلى الغابة ، مع بعض الأخوة من أهل البلاد ، فأرشدونا إلى نبات نجمي لا ساق له يمتد على الأرض ، ويمتاز بأنه بمجرد لمسه أو ضربه بعود ، أو تحريكه ، يمتاز بأنه يذبل فورا ، فترتخي الأوراق وتذبل ، ومن ثم تلتف وتتجعد ، وكأن هذا النبات يعلم أن خطرا قد داهمه ، ولذلك يظهر نفسه بمظهر الميت وهو كثير الانتشار في الغابة . على أنه لو مرت عليه حشرة من الحشرات التي لا تتغذى به فانه لا يأبه لها ولا يتأثر ، مع أنها قد تحركه ، وكأنه يعلم أنه لا خوف من هذه الحشرة ولا ضرر يلحقه .
وإذا قلنا أن الإنسان يتحرك بالعقل والإرادة ،و الحيوان يتحرك فيكف يتحرك هذا النبات ، وكيف يدرك العدو من الصديق ، فأي عقل ، وأي عريزة ، وأي الهام يوجهونه هذا التوجيه .
إنها آيات الله في النبات كما هي آياته في السماء والأرض والإنسان والحيوان .
إن بعض الأشجار في الغابات ترتفع في الجو ما يزيد عن ثمانين مترا ويصل محيط جذعها عند القاعدة 31 مترا ، وقطرها 9,5 مترا ، ويبلغ وزنها 2000 طن ولا شك أن جذرها في معدل ارتفاعها في الجو أو يقاربه ، وهي أشجار السيكويا في كاليفورنيا ، ومع كل هذا الحجم المفرط الطول العجيب نجد أن الماء يرتفع من أعماق الأرض وبصورة دقيقة منتظمة إلى كل فرع ، وكل غصن ، وكل ورقة مهما دقت شعيراتها ورق سمكها . مما تعجز عنه أضخم مضخة موجودة في العالم .
فمن الذي أودع في هذا النبات وأمثاله هذه القدرة الماصة الكابسة ، لتوصل الماء إلى هذا الارتفاع الهائل في الجو بحيث لو قطعنا ورقة من أعلى هذه الشجرة لوجدنا الماء يتقاطر منها ؟ على أننا لا نرى فيها ما نجده في المدن والعمارات من الأنابيب ، ولا تحتاج إلى وقود وطاقة ؟
أنها آية الله الدالة على وجوده ووحدانيته وقدرته والتي تتجلى لنا في كل شيء ؟
] وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ { 33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ { 34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ { 35} سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [{يس/36}
]فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ { 24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا { 25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا { 26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا { 27} وَعِنَبًا وَقَضْبًا { 28} وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا { 29} وَحَدَائِقَ غُلْبًا { 30} وَفَاكِهَةً وَأَبًّا { 31} مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [{عبس/32}
(1) الله يتجلى في عصر العلم ص / 96 .
(2) جون وليام كلوتس الله يتجلى في عصر العلم ص / 48 .